فى الواقع أن الدراسات الخاصة بالطب الشرعى أثبتت أن الذباب الأزرق أو ما يُطلق عليه "ذباب المقابر" أينما وجد وجدت معه الجثث، لأنها غذاؤه الوحيد وهو ما كشف فى بداية الأمر عن علاقاته الوثيقة بكشف الجرائم، حيث لديه القدرة على كشف جرائم القتل بسرعة متناهية عن طريق قرون الاستشعار الخاصة به التى يشم بها رائحة الجثة عن بعد أكثر من ثلاثة كيلو متر حيث يتجه إليها، ليضع عليها بيضه وينقل البكتيريا إليها لتتحلل ويتغذى عليها بالمقابل، ومن هنا جاءت مقولة: "مش هخلي الدبان الأزرق يعرف لك طريق".
ومثل هذه العبارة سالفة الذكر نسمعها كثيراً في الحياة العامة، وفى الأمثال الشعبية، وعلى وجه التحديد في أثناء المشاجرات، حيث يتوعد أحد الطرفين الآخر بالوعيد والهلاك، وقد تسمع هذه العبارة في أحد الأعمال الدرامية، أي في الأفلام والمسلسلات، وتحديداً خلال مشاهد العنف والخطف، فعلى سبيل المثال، وفي أحد الأفلام المصرية، يصور أحد المشاهد شخصاً عملاقاً حاملاً سكيناً، ويقوم بالهجوم على شخص آخر، موجهاً له حديث التهديد والوعيد، قائلاً: "هاقتلك ومش هخلي الذباب الأزرق يعرف لك طريق جره"، وهى من أهم العبارات التي اشتهر بها الفنان الراحل عبدالله غيث بمسلسل "ذئاب الجبل" الذى كان يعرض في بداية التسعينيات.
هخلى الدبان الأزرق ما يعرفلكش طريق جره!!
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على علوم مسرح الجريمة، وعلاقة الدبان الأزرق باكتشاف جرائم القتل ومتی يصل الذباب الازرق للجثة؟ ومتی يضع بيضه؟، وكذا مدى إعتماد الكثير من خبراء المباحث الجنائية على هذا الذباب في كشف الجرائم من خلال تحليل دم الذباب وأطوار وضع البيض وعمره، وهو ما يمكن رجال الطب التشريحى تحديد عملية القتل بالتقدير، فقد سمي الذباب الأزرق بذباب المقابر، لأنه يضع بيضه على الجثث فتفقس يرقات تقوم بالتغذية على الجيفة، لتتخلص البيئة من تلك الأجسام لتتحول بعد ذلك إلى حشرة كاملة لتعيد دورة الحياة على جثة أخرى، إلا أن هناك حزمة أخرى من الأسئلة عن كيف دخول الذباب الأزرق إلى القبر؟ - بحسب الدكتور أحمد عبد الظاهر أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة.
ما هو الدبان الأزرق؟
في البداية - كثيراً ما نشاهد الذباب الأزرق في المقابر ولا نعلم الصلة بينه وبين الجثث المتحللة؟ وهل يشارك في عملية التحلل؟ وهل توجد مخاطر على الأشخاص الأصحاء من الذباب الأزرق؟ ما هو الذباب الأزرق؟ كيف يدخل الذباب الأزرق إلى القبر ؟، وما هى أضرار الذباب الأزرق؟ فالذباب الأزرق نوع من أنواع الذباب التي تعتمد في غذائها على اللحم المتآكل الموجود في المقابر، بسبب تعفن الجثث ويقوم بوضع البيض داخل المقبرة على جثث الموتى فتفق اليرقات ومن ثم تتحول اليرقات الحشرات، ويجب الإشارة إلى أن قدرة الذباب الأزرق على معرفة وجود جثث في المكان كبيرة جداً، حيث يمكنه استشعار ذلك على بعد 3 كيلو متر عبر رائحة الجثث المتعفنة – وفقا لـ"عبدالظاهر".
كيف يدخل الذباب الأزرق إلى القبر؟
ومن الأمثال الشعبية المشهورة "مش هخلى الدبان الأزرق يعرفلك طريق جره"، وهي إشارة إلى إخفاء الشخص بالكامل لدرجة تصعب على الذباب الأزرق التوصل إليه، ويمكن للطب الشرعي معرفة متى حدثت جريمة القتل، عن طريق عمل بعض التحاليل المختبرية على دم الذباب الموجودة على الجثة ودراسة دورة حياته وطور وضع البيض وعمر الذباب الأزرق، ومن الأمور المعروفة والمثبتة علمياً أن الذباب الأزرق يعتمد في غذائه على اللحم الميت سواء كان لحم إنسان أو حيوان وبإمكان الذباب الأزرق أن يشم رائحة الجثة المتحللة على بعد 6 أميال كاملة – الكلام لـ"عبدالظاهر".
وفي حالة دفن الميت بالقرب من السطح فسوف تفوح منه رائحة بشعة جداً لا يرغب أي شخص في أن يشمها ولكن بالنسبة للذباب الأزرق فهي محببة وسوف تجذبه، سوف يعمل الذباب الأزرق على منح فرصة للبكتيريا للانتقال إلى الجثث والمساهمة في عملية التحلل، وفي المقابل يتغذى الذباب الأزرق على الجثث الميتة فقط وهو السبب في تسميته بالذباب الأزرق وبالنسبة لاسمه العلمي فهو - calliphora - والذي معناه بالعربية أينما ذهبت ووجدت جثث فسوف تجد هذه الذبابة التي ستشعرك بالرعب والشفقة في الوقت نفسه – طبقا لأستاذ القانون الجنائى.
أضرار الذباب الأزرق
أن مدى خطورة الذباب الأزرق والذي يمكن رؤيته في القبور وفي الكثير من المناطق التي بها زبالة إلى أن تكاثرها أمر طبيعي بسبب وجود لحوم خاصة إذا كان اللحم فاسدا، ويمكن للذباب التكدس في المقابر وهو ما يسبب الكثير من الرعب للعديد من الناس ظناً منهم أن هذا الذباب مميت أو ناقل للأمراض ويجب الإشارة إلى أن الذباب الذي يتراكم على النفايات في الشارع يماثله في الرعب وفي نفس الأمراض التي ينقلها، فالذباب الأزرق قد ينقل أمراض لكنها معروفة للجميع كمرض الملاريا ومرض الكوليرا وغيرهما – هكذا يقول "عبدالظاهر".
فقد أثبتت الأبحاث العلمية التي جرت مؤخراً أن الذباب الأزرق لديه قدرات خارقة في الكشف عن مكان الجثث، بل والمساعدة في تحللها أيضاً، بما يسهم في التوصل إلى تحديد وقت حدوث الجريمة على وجه الدقة، إذ تطلق الجثث المتحللة رائحة كريهة، مكونة من خليط معقد من المواد الطيارة، والتي تتغير بزيادة التحلل، ويستطيع الذباب الأزرق اكتشاف هذه الرائحة باستخدام مستقبلات متخصصة عن بعد أكثر من ثلاثة كيلو مترات، حيث يقترب من الجثة متخذاً منها غذاءً له، ويضع بيضه في الفتحات والجروح المفتوحة للجثة، لتخرج أطوار اليرقات التي تتغذى بدورها على الجثة – طبقا لـ"عبدالظاهر".
الارتباط بين الذباب الأزرق وبين جثث الموتى والمقابر
وبالنظر للارتباط بين الذباب الأزرق وبين جثث الموتى، لذا يعتمد العديد من خبراء المباحث الجنائية على هذا الذباب في كشف جرائم القتل، من خلال تحليل دم الذباب وأطوار وضع البيض وعمره، وهو ما يمكن رجال الطب التشريحى من تحديد وقت ارتكاب جريمة القتل على سبيل التقدير، ولا تقتصر الاستفادة من الذباب الأزرق وغيره من الحشرات على جرائم القتل، وإنما يمتد إلى بعض الجرائم الأخرى وهكذا، يمكن أن تتحول الحشرات إلى أداة تستخدمها فرق البحث الجنائي لتحديد هوية الجاني، وهو التخصص الذي يعرف باسم "علم الحشرات الجنائي"، لكنه لا يزال غير معروف بدرجة كبيرة في العالم العربي، ويمكن تحديد أهم أوجه استخدام علم الحشرات الجنائي في المجالات الآتية:
تحديد مكان ارتكاب الجريمة
تحديد مكان ارتكاب الجريمة: فعلى سبيل المثال، وفي إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، نجحت أجهزة البحث الجنائي وفرق الطب الشرعي التشريحي في استخدام حشرة للكشف عن جريمة قتل. وتتلخص تفاصيل هذه الواقعة في أن أحد الجناة في جريمة قتل ادعى أنها مجرد حادث دهس غير مقصود، ولكن اكتشاف حشرة معينة تعيش في إحدى إمارات الدولة داخل الجثة، أظهر أن الواقعة جريمة قتل حدثت في إمارة أخرى، وأن المتهم قام بعد ارتكاب جريمته بنقل الجثة إلى إمارة دبي. وهكذا، يبدو سائغاً القول إن العثور على نوع معين من الذباب أو الحشرات التي تعيش في منطقة ما في جثة عثر عليها بمنطقة أخرى لا يوجد بها مثل هذا النوع من الحشرات، لهو دليل دامغ على أنه حدث انتقال لجثة المجني عليه من مكان وقوع الجريمة الأصلي، ويمكن بالتالي أن يسهم في سبر أغوار الجريمة والتوصل إلى شخص مرتكبها – الكلام لـ"عبدالظاهر".
تحديد وقت وقوع الجريمة:
أما عن تحديد وقت وقوع الجريمة: وبالإضافة إلى مكان الجريمة، فإن وقت وقوع الجريمة هو معلومة مهمة يمكن أن يساعد الذباب الأزرق في التوصل إليها أيضاً، وقد تقود هذه المعلومة إلى تحديد هوية الجاني، وبيان ذلك أن الذباب عندما ينجذب لرائحة الجثث، فإنه يضع البيض الخاص به على الجثة، وهذا البيض يفقس اليرقات، ليخرج من هذه اليرقات حشرة كاملة، ومن خلال العثور على اليرقات مثلاً على الجثة، يمكن حساب الفترة بين وضع البيض وخروج اليرقات، لتحديد وقت حدوث الجريمة.
الحشرات تغزو الجثة بمراحل مختلفة
ويؤكد العلماء أن الحشرات تغزو الجثة بمراحل مختلفة، ولكل مرحلة حشرات خاصة بها، بعضها يغزو الجثة في بداية مرحلة التحلل ومنها ما يغزو الجثة بعد التعفن وتغزوها الخنافس بعد أن تتغوط وتتحلل وهكذا، وإذا كان علم الطب الشرعي يمكنه تحديد عمر الوفاة خلال 72 ساعة بعد الوفاة، فإن عالم الحشرات يستطيع إضافة مدة أكبر من خلال دراسة الطبيعة الحيوية لحركة الحشرات واكتشاف العديد من الأدلة على وقت الوفاة، وللوصول إلى نتائج دقيقة في هذا الصدد، يجب أن تؤخذ في الاعتبار عوامل عدة، مثل مكان وجود الحشرة، ودرجة حرارة المكان والجثة، وتاريخ الجمع، والطريقة التي تم بها الجمع. وبوجه عام، ثمة 4 أو 5 مراحل لتحلل الجثة، حيث الارتباط بين مرحلة التحلل ونوع الحشرات وعمر الذبابة.
أهمية تحديد وقت ارتكاب الجريمة
وللوقوف على أهمية تحديد وقت ارتكاب الجريمة، يمكن أن نضرب المثال التالي: قد تُقْدم إحدى الزوجات على جريمة قتل زوجها، محاولة تضليل العدالة بادعاء أنها عادت من خارج البيت لتجده جثة هامدة، ويمكن كشف زيف هذا الادعاء، إذا تم العثور على اليرقات بالجثة، إذ يعني ذلك أن الجريمة وقعت في وقت مبكر جداً عن التوقيت الذي أبلغت عنه الزوجة.
اكتشاف مكان إخفاء جثة القتيل
اكتشاف مكان إخفاء جثة القتيل: قد يلجأ القاتل أو أي شخص آخر إلى إخفاء جثة القتيل. وغالباً ما يتم ذلك في غير المقابر المخصصة لدفن الموتى. ومن ثم، فإن تجمع الذباب الأزرق في المكان الذي تم فيه إخفاء الجثة يمكن أن يقود أجهزة البحث الجنائي إلى كشف الجريمة، والإمساك بالتالي بالخيوط الموصلة إلى مرتكبيها، ويمكن كذلك اكتشاف الجثة التي تم حفظها ونقلها بسهولة، لأن الحشرات لا توجد عليها بسهولة.
تحديد هوية الجاني في جرائم الاغتصاب
تحديد هوية الجاني في جرائم الاغتصاب: وبالإضافة إلى جرائم القتل، يمكن أن تسهم بعض الحشرات في التوصل إلى معرفة الجاني في جرائم الاغتصاب، إذ أن بعض الحشرات يمكن أن تحفظ البصمة الوراثية للجناة في جرائم الاغتصاب، بما يمكن الشرطة من تحديد هوية الجاني. بيان ذلك أنه إذا تم العثور على حشرة في مكان الأعضاء التناسلية للفتاة المغتصبة، فهذه الحشرة قد تكون تغذت على ماء الحياة الخاص بالجاني، ومن ثم يمكن باستخدام بعض الطرق العلمية استخراج الحمض النووي (DNA) الخاص بالجاني من الحشرة ومضاهاته مع المشتبه فيهم، لتحديد هوية الجاني.
الكشف عن مصدر المخدرات
الكشف عن مصدر المخدرات: ولا يتوقف دور الحشرات عند حد الكشف عن مرتكبي جرائم القتل والاغتصاب فقط، بل يمكن أيضاً أن تكون مفيدة في الكشف عن بعض جرائم الإتجار في الهيروين، وهو ما حدث في إحدى الوقائع الإجرامية المرتكبة في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ ضبطت الشرطة في هذه الواقعة كميات من الهيروين كان يعتقد أن مصدرها إحدى الولايات الأمريكية، ولكن فحصها بدقة أظهر وجود حشرة صغيرة لا تعيش في أمريكا، حيث يعود موطنها إلى إحدى مناطق جمهورية المكسيك، وهو ما أرشد الشرطة وقتها إلى مصدر الهيروين.
تحديد سبب الوفاة واكتشاف جرائم التعاطي المميتة: تشير نتائج دراسات علم الحشرات الجنائي إلى أنه تم تحقيق نمو أسرع لليرقات في الجثة التي تحتوي على الكوكايين.