بين شكاوى أصحاب شقق مغلقة في أحياء راقية لا يتجاوز قيمة إيجارها بضعة جنيهات، ومستأجرين لهذه الشقق يعتمدون على عقود محررة بقانون "الإيجار القديم" تثبت أحقيتهم في التأجير لمدة 59 سنة قابلة للتجديد بنفس القيمة الموضوعة في العقد، تلك الإشكالية التي تمثل أزمة معقدة تؤرق المجتمع المصري منذ عشرات السنين، ولازالت؛ يبدو أنها ستشهد خلال الفترة المقبلة إنفراجة ما عبر فتح ملف الإيجار القديم "استئجار وحدة سكنية بعقد مفتوح قابل للتوريث، أو بمدة 59 عاماً"، تحت قبة البرلمان خلال الفترة المقبلة.
ردود الأفعال ما زالت مستمرة من ملايين الملاك والمستأجرين بين مؤيد ومعارض حول تعديلات مواد أو وضع مشروع قانون من الألف إلى الياء بشأن قانون الايجار القديم، وذلك في محاولة لإنهاء هذا الصراع المستمر بين الطرفين، إلا أن المقترحات التي تصدر من هنا ومن هناك في شكل وثائق أو مذكرات من قبل الطرفين لازالت محط أنظار الجميع، وحالة ترقب مستمر من المؤجرين والمستأجرين، وذلك في إطار التطورات الجديدة والمهمة التي سيشهدها ملف الإيجار القديم.
نبذة مختصرة عن تاريخ قوانين الإيجارات فى مصر
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على نبذة مختصرة عن تاريخ قوانين الإيجارات فى مصر – طبقا لما جاء في وثيقة المستأجرين – التي تقدم بها شريف عبد السلام الجعار، المحامى بالنقض ورئيس اتحاد مستأجرى مصر، خاصة وأن الحكومة قامت منذ أكثر من عام بتشكيل لجنة مشتركة تمثل الملاك والمستأجرين بهدف العمل على صياغة مشروع قانون، يتم طرحه أولا على الرأي العام، بهدف إجراء حوار مجتمعي بشأنه، قبل إقراره من البرلمان، بهدف الوصول إلى صيغة تعيد التوازن بين المالك والمستأجر، وفي الوقت نفسه مراعاة البعد الاجتماعي، باعتباره أحد أهم القضايا التاريخية المعقدة، وهو ملف الإيجارات القديمة.
1-فيما يخص تاريخ قوانين الإيجارات القديمة فلقد مرت بأكثر من مرحلة من عام 1920 حيث صدر قانون رقم 11 لسنة 1920 وقرر فيه عدم إخراج المستأجر إلا لحكم قضائى، وذلك لأن هذه الفترة الزمنية عقب الحرب العالمية الأولى، وأثناء حكم السلطان فؤاد الأول كان ملاك العقارات يقومون بطرد المستأجرين عنوه قبل انتهاء مدة الايجار، وذلك لكى يقوموا بالتأجير للأجانب، فلذلك صدر هذا القانون ينص على عدم طرد المستأجر إلا بحكم قضائى للحفاظ على استقرار المواطنين فى الدولة المصرية.
2-ثم صدر قانون 4 لسنة 1921 فى عهد السلطان فؤاد الأول أيضا لكى يضم المحال التجارية مع السكن ويسرى عليهم نفس الحال بعدم الطرد إلا بحكم قضائى.
3-ثم صدر إبان الحرب العالمية الثانية فى عهد الملك فاروق الأول قانون 51 لسنة 1941 يمنع استغلال وجشع بعض ملاك العقارات من الزيادة الباهظة فى الأجرة، وينص على الإمتداد التلقائى للمدة للمستأجر المصرى، وذلك حرصا على المواطن من التشريد والضياع.
4-ثم صدر القانون المدنى المصرى رقم 131 لسنة 1948 لكى يمزج بين روح الشريعة الاسلامية ووضعية القانون الفرنسى وضع صياغته العلامة الفقيه الأستاذ عبد الرازق السنهورى، وأصدره الملك فاروق الأول عام 1948، ولكن صدور القانون المدنى لم يلغى قوانين الايجارات حيث أن العلاقة الايجارية تخضع للقانون المدنى، ولكنه أبقى على قوانين الايجارات الاستثنائية التى صدرت فى وقت الحرب العالمية كما هي، وسار العمل بها بصفة استثنائية بسبب ظروف الحرب وعدم الإستقرار للمواطنين وتجنبا لجشع بعض المؤجرين واستغلالهم المستأجرين وفرض مبالغ باهظة عليهم نظير الأجرة لفترة وجيزه حتى تدارك الأمر وصدر قوانين نهائية ليست استثنائية كما سنسرد.
5-واستقر الأمر على هذا النحو حتى قامت ثورة يوليو 1952 وبالرغم أنها كانت ثورة على النظام بأكمله إلا أنها اتفقت مع النظام الملكى فى الحفاظ على المستأجر، وابقت قوانين الإيجار القديمة بل وأضافت إليها بعض القوانين التى تحمى حق المستأجر وتصونه.
6-وصدر قانون 199 لسنة 1952 والذى خفض الأجرة بنسبة 15% للاماكن المنشأة من 1944 حتى 1952 ويسرى من أكتوبر 1952.
7-ثم صدر قانون 55 لسنة 1958 وخفض الأجرة بنسبة 20% على الأماكن المنشأة من 1952 حتى 1958 ويسرى اعتبارا من يوليو 1958.
8-ثم صدر قانون 198 لسنة 1961 خفض الأجرة بنسبة 20% على الأماكن المنشأة من 1958 حتى 1961 ويسرى من ديسمبر 1961.
9-ثم صدر قانون 46 لسنة 1962 وقام بزيادة الأجرة بعائد سنوى وقدره 5% من قيمة الأرض والمبانى، و3% من قيمة المبنى مقابل استهلاك رأس المال ومصروفات الاصلاحات والإدارة، وقام بتشكيل لجان تقدير الأجرة القانونية لكى يتيح الفرصة أمام من يريد التظلم من القيمة الايجارية المحددة، وكان يرأس هذه اللجان قضاه ويحق للمالك والمستأجر حق التظلم أمامها.
10-ثم صدر قانون 7 لسنة 1965 بتخفيض الأجرة بنسبة 34% إذا كان تقدير الأجرة نهائى فى تاريخ العمل بهذا القانون، وذلك لأن كثير من الملاك للعقارات كانوا يطعنون أمام لجان تحديد الأجرة، وتربط لهم أجرة باهظة بالمقابل كان هناك اعفاء ضريبى عن هذه العقارات من قبل الدولة لذلك قامت الدولة بالتدخل وخفض الأجرة أكثر من مرة.
والسبب فى خفض الأجرة هو:
أ-علم الدولة المصرية بجميع مؤسساتها بأن مالك العقار كان يحصل على مبلغ مجمد يطلق عليه (خلو الرجل).
-خلو الرجل: هو عبارة عن مبلغ مجمد يساوى نصف ثمن العين تمليك كان يحصل عليه مالك العقار القديم مقابل أن يخلو رجله تماما من العين المستاجرة ويتركها نهائيا مدى الحياة، وهذا المبلغ كان يتم دفعه بالتراضى بين المالك والمستأجر في ذاك الوقت بالرغم أنه كان مجرما، ولكنه نظرا لأنه كان بالتراضى فكان لا يتم التقدم بشكوى من المستأجر ضد المؤجر، ولذلك كان التجريم غير مفعل العمل به، وقد عالجت الدراما المصرية فى هذه الحقبة الزمنية فى الستينات والسبعينات والثمانيات وأول التسعينات هذه المسألة حيث أن الفن يعكس واقع المجتمع، وهذا كان عرف متفق عليه.
ب-كانت الدولة المصرية تقوم بإعفاء مالك العقار القديم من جميع الضرائب العقارية على العقار المستأجر وفق هذه القوانين بالتالى كان من المنطقى أن تخفض الدولة الاجرة مقابل اعفاء من الضرائب العقارية.
11-ثم جاءت فترة السبعينات وابتدت الأمور تستقر فى الدولة المصرية وصدر دستور 1971 وأصبحت هناك شرعية دستورية مستقرة للبلاد.
12-وصدر قانون رقم 49 لسنة 1977 والذى ألغى جميع قوانين الايجارات السابقة، وأوقف العمل بها نهائيا واستحدث أحكام جديدة مثل تنظيم ايجار الأماكن المفروشة، واعطى مالك العقار امتيازات أكثر، وجرم الحصول على "خلو رجل" فى المادة 26 منه، ولكنه أباح الحصول على مبلغ تأمين، ونص على الامتداد القانونى لعقد الايجار فى المادة 29 منه، وجعل الأصل فى الايجار أن رب الأسرة يتعاقد على المسكن له ولزوجته وأولاده، ولذلك نص على الامتداد، وأجاز للمالك زيادة عدد الوحدات والتعلية فى المبنى فى المادة 32 منه، ونص على اعفاء الضريبة العقارية فى المادة 66 منه، ونص على اعطاء المالك دعم فى مواد البناء مقابل التأجير بالشروط المنصوص عليها فى هذه القوانين، وأهمها الامتداد القانونى لعقد الايجار فى المادة 69 ،70 منه وكما قرأنا قد انحاز هذا القانون بشكل كبير لمالك العقار واعطاه إمتيازات أكبر على نطاق أوسع.
13-ثم صدر قانون 136 لسنة 1981 فى فترة الثمانينات ووضع حد أدنى للوحدات بنظام التمليك، وأشرك المستأجر مع المؤجر فى صيانة وترميم العقار بنسب، ونص على زيادة الأجرة بنسب تتراوح من 30% الى 5% للأماكن غير السكنية فى المادة 77 منه، كما نص على اعطاء المؤجر قروض ميسرة معفية من جميع الضرائب والرسوم فى المادة 10 منه على أن يكون هذا القانون مكملا لما قبله، وقد رفع التجريم عن "خلو الرجل" تحت بند مقدم ايجار فى المادة 6 منه، وقد جعلت هذا المقدم لرفع العبء عن المؤجر وجعلته مقدار يساوى أجرة سنتين، ومن هذا المنطلق حصل المؤجر على مبلغ مالى مجمد وتوسع فيه تحت مسمى "خلو رجل"، بجانب مبلغ التأمين وعلى هذا فقد افلت المؤجر من العقاب المجرم لتقاضى مبلغ "خلو الرجل"، وخاصة أنه كان بالتراضى فلذلك لم يقم المستأجر بتقديم شكوى الحصول على "خلو رجل" وجميع الأعمال الدرامية الفنية التى تعكس واقع المجتمع المصرى فى هذه الحقبة الزمنية وثقت هذا الواقع.
14-واستمر الأمر على هذا النحو حتى صدر قانون 4 لسنة 1996 والمعروف بإسم قانون الايجار الجديد والذى أطلق حرية التعاقد بين المالك والمستأجر فيما يخص القيمة الايجارية، واخضع العلاقة للقانون المدنى رقم 131 لسنة 1948 وأصبح العقد شريعة المتعاقدين يخضع للعلاقة الحرة، ومن ثم أطلق العنان للمؤجر أن يستغل المستأجر وأدى الى عدم الأستقرار الأسرى بسبب المدة القصيرة وانتهائها والتى لم يستقر معها المستأجر.
15-ثم صدر قانون رقم 6 لسنة 1997 والذى نص على زيادة الأجرة القانونية للوحدات المستقلة لغير غرض السكنى فترة ثمانى أمثال الأجرة الحالية مع زيادة نسبة سنوية مركبة 10% من قيمة أخر اجرة قانونية للأماكن غير السكنية وقلص أصحاب الحق فى الامتداد القانونى ومنع الامتداد للشريك.
16-حتى تثاقل الجميع من هذه الزيادة 10% وصدر قانون 14 لسنة 2001 لتعديل قيمة الزيادة بنسبة 1% و2% حسب تاريخ انشاء المبنى وهى مستمرة حتى الان فى 2024.
17-ويجب التنويه أنه بصدور قوانين رقم 4 لسنة 1996، 6 لسنة 1997 قد أوقف العمل بالقوانين السابقة ولكنه لم يلغيها حيث أنها مستمرة حتى الآن، ولكنه موقوف العمل بها.
شريف عبد السلام الجعار، المحامى بالنقض ورئيس اتحاد مستأجرى مصر