صرح هشام عبد العزيز على رئيس القطاع الدينى، بأنه فى إطار إعداد وزارة الأوقاف لإقامة سنة الاعتكاف فى أكثر من خمسة آلاف مسجد، مؤكدا أن الاعتكاف سنة مؤكدة ثابتة عن سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى العشر الأواخر من رمضان، وأن الوزارة حريصة أشد الحرص على إحياء سنته (صلى الله عليه وسلم)، وقد أعدت لاعتكاف هذا العام نحو (5439) مسجدًا على مستوى الجمهورية.
على أن إقامة هذه السُنَّة تقتضى تنظيم الأمر بما يضمن توفير الجو الروحى الملائم لتحقيق غاياتها ومقاصدها، وهو ما جعلنا نحرص على وجود إمام مشرف على الاعتكاف للقيام بدوره فى تنظيم عملية الاعتكاف سواء فى إقامة صلاة التهجد أم مقارئ القرآن أم أداء بعض الدروس والخواطر الدعوية.
حكم الاعتكاف
الاعتكاف سنةٌ باتفاق، ولا يلزم إلا بالنذر، أو بالشروع فيه عند السادة المالكية، وقال الحنفية: أنه سنَّة مؤكَّدة فى العشر الأواخر من رمضان، ومستحب فيما عدا ذلك؛ بناءً على التفريق بين معنى السنة والمستحب عندهم.
قال العلامة ابن عابدين الحنفى فى "رد المحتار على الدر المختار" (2/ 441، ط. دار الفكر): [وهو-أى النذر- ثلاثة أقسام: (واجب النذر) بلسانه وبالشروع وبالتعليق ذكره ابن الكمال، (وسنَّة مؤكدة فى العشر الأخير من رمضان) أى سنة كفاية؛ كما فى "البرهان" وغيره؛ لاقترانها بعدم الإنكار على من لم يفعله من الصحابة، و(مستحب فى غيره من الأزمنة) هو بمعنى غير المؤكدة] اهـ.
وقال الإمام العدوى المالكى فى "حاشيته" على "شرح كفاية الطالب الرباني" (1/ 464، ط. دار الفكر): [الاعتكاف من نوافل الخير المرغب فيها على المشهور] اهـ.
وقال الإمام الخرقى الحنبلى فى "مختصره" (ص 52، ط. دار الصحابة): [الاعتكاف سنَّة إلا أن يكون نذرًا فيلزم الوفاء به، ويجوز بلا صوم إلا أن يقول فى نذره بصوم] اهـ.
وقال العلامة ابن المنذر فى "الإجماع" (ص 50، ط. دار المسلم): [أجمعوا على أن الاعتكاف لا يجب على الناس فرضًا إلا أن يوجبه المرء على نفسه، فيجب عليه] اهـ.
مكان الاعتكاف وأفضله
مكان الاعتكاف هو المسجد؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِى الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: 187]، ولأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم لم يعتكف إلا فى المسجد.
واتفقوا على أن المساجد الثلاثة أفضل من غيرها، والمسجد الحرام أفضل، ثم المسجد النبوى، ثم المسجد الأقصى؛ قال العلامة ابن المنذر فى "الإجماع" (ص: 50): [أجمعوا على أن الاعتكافَ جائزٌ فى المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومسجد إيليا] اهـ.
ثم اختلفوا فى المسجد الذى يصح الاعتكاف فيه؛ فذهب المالكية والشافعية إلى جواز الاعتكاف فى أى مسجد من المساجد؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِى الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: 187]؛ فقد عَمَّ الله المساجد كلها ولم يخص منها شيئًا، فلا دليل على تخصيص بعضها بالجواز.
قال العلامة العدوى المالكى فى "حاشيته" على "شرح كفاية الطالب الرباني" (1/ 465، ط. دار الفكر): [ولا يكون الاعتكاف إلا فى المساجد فلا يصح فى البيوت والحوانيت ونحوها؛ كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِى الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: 187] فيصح الاعتكاف فى أى مسجدٍ كان، ولو كان غيرَ المساجد الثلاثة فى أى بلدٍ كان] اهـ.
وقال الإمام الخطيب الشربينى فى "مغنى المحتاج إلى معرفة معانى ألفاظ المنهاج" (2/ 189، ط. دار الكتب العلمية): [(وإنما يصح الاعتكاف فى المسجد)؛ للاتِّباع رواه الشيخان؛ وللإجماع؛ ولقوله تعالى: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِى الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: 187]، (و) المسجد (الجامع) وهو ما تقام فيه الجمعة (أولى) بالاعتكاف فيه من غيره؛ للخروج من خلاف من أوجبه؛ ولكثرة الجماعة فيه؛ وللاستغناء عن الخروج للجمعة، ويجب الجامع للاعتكاف فيه أن نذر مدة متتابعة فيها يوم الجمعة وكان ممن تلزمه الجمعة ولم يشترط الخروج لها؛ لأن الخروج لها يقطع التتابع لتقصيره بعد اعتكافه فى الجامع، ويستثنى من كون الجامع أولى ما إذا كان قد عيَّن غير الجامع فالمُعَّين أولى إذا لم يحتج إلى الخروج إلى الجمعة] اهـ.
وذهب الإمام أبو حنيفة والإمام أحمد إلى اشتراط كون المسجد جامعًا عامًّا تُقَام فيه الصلوات الخمس وصلاة الجماعة.
قال العلامة ابن عابدين الحنفى فى "رد المحتار على الدر المختار" (2/ 440، ط. دار الفكر) فى تعريفه للاعتكاف: [(هو) لغة: اللبث وشرعًا: (لبث) بفتح اللام وتضم المكث (ذكر) ولو مميزًا فى (مسجد جماعة) هو ما له إمام ومؤذن أديت فيه الخمس أو لا، وعن الإمام اشتراط أداء الخمس فيه وصححه بعضهم، وقال: لا يصح فى كل مسجد وصححه السروجى، وأما الجامع فيصح فيه مطلقًا اتفاقًا] اهـ.
[والمسجد الجامع وإن لم يكن مشروطًا لصحة الاعتكاف، فالاعتكاف فيه أفضل؛ للخروج من خلاف من أوجب الاعتكاف فيه، ولكثرة الجماعة فيه، وللاستغناء عن الخروج للجمعة] اهـ. "مغنى المحتاج" (2/ 190).
اعتكاف العشر الأواخر من رمضان وأقل مدة الاعتكاف وأكثره
السنة اعتكاف العشر الأواخر من رمضان؛ تأسيًا بالنبى صلى الله عليه وآله وسلم فى ذلك.
وأقلُّ مدَّةٍ للاعتكاف هى أقل ما يُطْلَقُ عليه اسم الاعتكاف عُرْفًا، وهذا ما ذهب إليه الجمهور؛ فإن الاعتكاف فى اللغة يقع على القليل والكثير، ولم يحده الشرع بشيء يخصه فبقى على أصله؛ ولذلك استحب جماعة من الفقهاء للمصلِّى إذا دخل المسجد أن ينوى الاعتكاف مهما كان مكثه فيه؛ ليحصل له ثوابه.
وأَمَّا أكثر مُدَّة للاعتكاف فلا حَدَّ لها؛ قال الإمام النووى فى "المجموع" (6/ 514): [وكُلَّما كثُر كان أفضل، ولا حَدَّ لأَكْثَرِه، بل يصحُّ اعتكافُ عُمْرِ الإنسان جميعه، ويصحُّ نذرُ اعتكاف العمر] اهـ.
وقال العلامة ابن الملقن فى "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" (5/ 430، ط. دار العاصمة): [وأَجْمَع العلماءُ على أن لا حدَّ لأكثره] اهـ.
[وبداية الاعتكاف ونهايته يحددها الْمُعْتَكِف بنفسه، فإن نوى اعتكاف مدة معلومة استُحب له الوفاء بها بكمالها، فإن خرج قبل إكمالها جاز؛ لأن التطوع لا يلزم بالشروع، وإن أطلق النِّيَّة ولم يُقَدِّر شيئًا دام اعتكافُه ما دام فى المسجد] اهـ. "المجموع" (6/ 514).