ما زال ردود الأفعال مستمرة بشأن زراعة القطن المصري، وعكوف الفلاح عن زراعته، لعدم وجود جدوي اقتصادية له، وهو ما أدى لعقد جلسات وخصصة بمجلس الشيوخ، وذلك لمناقشة الدراسة البرلمانية حول زراعة القطن المصري التحديات والمحفزات لتحسين المناخ الاستثماري، وانتقادات النيابية للحكومة لتراجع في حجم المساحة المنزرعة من محصول القطن، وسط مُطالبات بوضع استراتيجية متكاملة لإعادة القطن المصري إلي سابق عهده لاسيما وتميزه.
يأتي ذلك بعد التصريحات البرلمانية بأن حجر الزاوية في إنتاج القطن المتميز هو الفلاح، والذي لم يعد يرغب في بذل المزيد من الجهد لعدم استفادته اقتصاديا بالقدر الكافي، وأن نظام التسويق التعاوني للقطن كان ينتج قطن جيد، حيث يسلم المزارع محصوله إلي مراكز تجميع مقابل 70% من ثمنه، وبعد فرزة يحصل الفلاح علي باقي المبلغ حسب جدارة وجودة القطن، مما يشجع علي تحقيق قطن ذو جودة عالية، لكن مع صدور قانون التجارة الحرة وإلغاء التسويق التعاوني لم يعد الأمر فارقا مع المزارع لأنه يتم الشراء منه بالكم وليس حسب الجودة.
كيف يستعيد القطن المصرى سيادته على عرش العالم؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على كيفية استعادة القطن المصرى سيادته على عرش العالم، وإعادة النظر للقيود القانونية التى نالت من هيبته، خاصة أن مجلس الدولة عام 1948 أفتى بتصدير القطن المصرى لدول أوروبا بموافقة برلمانها، كأقوى ضمان للفلاح المصرى، حيث تواجه صناعة القطن المصري هذه الفترة تحديات عديدة ليستعيد مكانته كأجود أنواع الأقطان في العالم فى القرن الماضى بعد تراجع كثيراً فى ظل العصور السابقة نتيجة تكبله بالقيود القانونية التى عطلت من تقدمه فى الإنتاج والتسويق، وتولى الدولة المصرية اهتمامًا كبيرًا بمحصول القطن فى العصر الحالى كمًّا ونوعًا، ليستعيد مكانته في الأسواق العالمية دعماً للاقتصاد القومي – بحسب الدراسة التي اعدها القاضى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة.
فتوى مجلس الدولة عام 1948 بتصدير القطن المصرى لدول أوروبا
في البداية - أن سيادة القطن المصرى كانت قائمة على عرش العالم حتى فى أحلك الظروف التى مرت بها مصر وقت الاحتلال البريطانى من خلال فتوى الرأى بمجلس الدولة عام 1948 فى عهد أول رئيس لمجلس الدولة الدكتور محمد كامل مرسى باشا بتصدير القطن المصرى لدول شرق أوروبا باشتراط موافقة برلمانها وليس بمجرد خطاب ضمان حماية للفلاح المصرى، ومن الفتاوى الهامة فى بداية تاريخ مجلس الدولة – على نحو يبين من كتاب الدكتور محمد كامل مرسى باشا – وهو أول رئيس لمجلس الدولة الفترة من 11 سبتمبر 1946 حتى فبراير 1949- المؤرخ 3 يناير 1948 بكتابه رقم 1/57/1-6 طلب الرأي من حضرة صاحب العزة مستشار الدولة لإدارة الرأى لوزارتى الخارجية والعدل حول مشروع خطاب الضمان المقترح تقديمه من الحكومة البولونية بخصوص تصدير صفقة القطن المصري إليها – وفقا لـ"خفاجى".
وذلك وفقاً لمشروع کتاب الضمان المقترح تقدمه من الحكومة البولونية تنفيذاً لأحكام القانون رقم 88 لسنة 1946، فقد استعرض قسم الرأي مجتمعا هذا الموضوع بجلسته المنعقدة فى 4 من ديسمبر سنة 1947، وهو يلاحظ أن هذا الموضوع قد طرح للبحث بناء على طلب وزارة الخارجية مع أنها ليست صاحبة اختصاص أصيل في هذا الصدد، إذ أن دورها لا يعدو مجرد إبلاغ وجهة نظر وزارة المالية للسلطات الأجنبية والذي يمثل الحكومة في بيع القطن المصري في الخارج طبقا للقواعد الموضحة في القانون رقم 88 لسنة 1946 إنما هي وزارة المالية فهي التي يعنيها البت في الأمر – الكلام لـ"خفاجى".
مجلس الدولة عام 1948 أفتى بتصدير القطن المصرى لدول أوروبا
أما عن الموضوع، فيلاحظ أن الحكومات ذاتها ليست هي التي تتعاقد وتتعامل، وإنما هي تتدخل فقط للقيام بدور الضمان تسهيلا لإتمام الإجراءات الخاصة بالتعاقد، ولقد كان ذلك نتيجة للظروف التى طرأت عند نهاية الحرب، إذ حدث عند فتح الأسواق التجارية في ذلك الوقت أن أحجم التجار في مصر عن التعامل مع دول شرق أوروبا لعدم اطمئنانهم إلى استقرارها ماليا، فتسهيلا لفتح الأسواق أمام القطن المصرى تقدمت الحكومة المصرية بقانون خاص بخصم الكمبيالات - القانون رقم 88 لسنة 1946 - لإيجاد ضمان لمن يتعاملون مع تلك الدول – طبقا لـ"خفاجى".
وقد نصت المادة الأولى منه على أن يؤذن للحكومة في أن تضمن لبنك مصر في حدود مبلغ خمسة ملايين من الجنيهات ما يخصمه من الكمبيالات التي يحصل عليها المصدرون عن صفقات بيع القطن المصري إلى الخارج الحاملة لضمان بنك المشتري، وضمان حكومة الدولة المصدر إليها بالشروط والأوضاع التي يقرها مجلس الوزراء، مع ملاحظة أن المطالبة بالضمان المزدوج من بنك المشتري ومن حكومة الدولة المصدر إليها قد أصبح أمرا واجبا بمقتضى هذا التشريع ولا يغنى أحد الضامنين عن الآخر، فمن الواجب على بنك مصر، للاستفادة من حكم هذا القانون، ألا يخصم أية كمبيالة إلا عند وجود هذين الضمانين وإلا اعتبر تصرفه على مسئوليته الخاصة عند خوف عدم الوفاء بهذه الكمبيالات، إذ أن المتفق عليه كنتيجة للضمان القانونی بشأن هذه الكمبيالات أنه إذا قام بنك مصر بخصمها ثم لم يتمكن من الحصول على قيمتها من بنك المشترى فإن الحكومة تعتبر ضامنة للوفاء، فمتى كان الخصم أصلا في حدود مبلغ الخمسة ملايين من الجنيهات وفي هذه الحالة يتحمل التاجر المصدر 40% من الخسارة وتتحمل الحكومة المصرية 60% منها.
واشترط موافقة برلمانها كأقوى ضمان للفلاح المصرى والتجار من مصدرى القطن
هذا وقد سبق أن عقدت على أساس هذه الشروط صفقات تشيكوسلافاكيا ويوغوسلافيا، وإذا قيل بأن البنك الاقتصادى البولونی مؤسسة تابعة للدولة البولونية لتمويل الصناعة الوطنية والصناعة الأهلية فإن الوضع الاقتصادي لبولونيا في هذا الشأن لا يختلف عن الوضع الاقتصادي لهذين البلدين، ولذلك رأت وزارة المالية أنه لا محل للتفرقة في المعاملة بين هذه الدول، فضلاً عن أنه لابد من احترام أحكام القانون بوجود ضمان من الدولة بجانب ضمان البنك، وبالنسبة إلى موقف الحكومة البولونية من هذا الأمر فظاهر أنه ليس بموقف ضمان مع ما أوضحت من أن الضمان المطلوب لا يكون إلا بموافقة البرلمان.
أما الإشارة إلى قيامها بالتسهيلات اللازمة لتدبر النقد الأجنبي فليس بالضمان القانوني اللازم ويحق لبنك مصر الامتناع عن خصم الكمبيالات في مثل هذه الحالة، ولا يمكن تعريض التجار المصريين لخطرها، ولقد كان ذلك ما دعا وزارة المالية إلى إبداء رأيها صراحة في الكتاب المرسل منها إلى وزارة الخارجية فى 11 نوفمبر سنة 1947 بعدم كفاية مشروع الكتاب الوارد من الحكومة البولونية في هذا الشأن.
واختتم "خفاجى" بقوله: انتهى قسم الرأى إلى أن مشروع خطاب الضمان المقترح لا يحقق الشروط الواجب توافرها في المادة الأولى من القانون رقم 88 لسنة 1946 بل يجب المطالبة بضمان قانونی من الحكومة البولونية ذاتها، ويبين من تلك الفتوى مدى تمتع سمعة القطن المصرى مكان الصدارة عالمياً الذى يتم تصديره فى ذلك الوقت لأوروبا وأن الضمان الحقيقى من حكومة الدول فى أوروبا يأتى عن طريق موافقة برلمانها كأقوى ضمان يمكن أن يقدم إلى الفلاح المصرى والتجار المصريين من مصدرى القطن المصرى صاحب الصدارة.