أصدرت الدائرة المدنية "د" – بمحكمة النقض – حكما فريدا من نوعه، رسخت خلاله لعدة مبادئ قضائية بشأن شروط اكتساب ملكية أملاك الدولة الخاصة بوضع اليد المدة الطويلة، وكذا التحقيق الذي يصح اتخاذه سندًاً أساسيًاً للحكم، قالت فيه:
"1-التحقيق الذي يصح اتخاذه سندًاً أساسيًاً للحكم شرطه أن تجريه المحكمة بمعرفتها بعد حلف الشاهد اليمين طبقا للمادة 60 إثبات.
2-سماع الخبير للشهود ليس تحقيقًاً بالمعنى المقصود إنما هو إجراء يهتدي به الخبير في أداء المهمة المنوطة به، طبقا للمادة 148 إثبات.
3- مفاد نص المادة 970 من التقنين المدني المعدل بالقانون 147 لسنة 1957 أنه لا يجوز تملك أموال الدولة الخاصة أو كسب حق عيني على هذه الأموال بالتقادم، إلا إذا ثبت وضع اليد عليها المدة الطويلة المكسبة للملكية بشرائطها القانونية في تاريخ سابق على العمل بالقانون 147 لسنة 1957.
4- ويشترط لكسب ملكية العقار بوضع اليد المدة الطويلة وفقًا لِمَا تقضي به المادة 968 من القانون المدني أن يستمر وضع يد الحائز لمدة 15 سنة مقرونًا بنية التملك وأن يكون مستمرًا وهادئًا وظاهرًا غير غامض.
5- يجب على الحكم المثبت للتملك بالتقادم أن يعرض للشروط السالفة، ويبين بما فيه الكفاية الوقائع التي تؤدي إلى توافرها، بحيث يبين منه أنه تحراها وتحقق من وجودها وثبوت أو نفي الحيازة بشرائطها القانونية التي تؤدي إلى كسب الملكية بالتقادم والتي تُعدُّ من المسائل القانونية التي يتعين على المحكمة الفصل فيها ولا يجوز أن تنزل عنها، لأنها ولايتها وحدها.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 723 لسنة 85 قضائية، برئاسة المستشار مجدى مصطفى، وعضوية المستشارين وائل رفاعى، وعصام توفيق، ورفعت هيبة، ومحمد راضى.
الوقائع.. نزاع حول ملكية أرض بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية
الوقائعَ – على ما يبينُ مِّنَ الحكمِ المطعونِ فيهِ وسائرِ الأوراقِ – تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى التي آل قيدها إلى رقم 148 لسنة 2009 لدى محكمة المنصورة الابتدائية على الطاعن بصفته وآخر غير مختصم في الطعن – محافظ الدقهلية بصفته – بطلب الحكم بتثبيت ملكيته للأرض الموضحة الحدود بالصحيفة، وقال بيانًا للدعوى: إنه يمتلك قطعة أرض مقامًا عليها منزلًا بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية استمرارًا لوضع يد والده لمدة تزيد عن 30 عامًا سابقة على صدور القانون رقم 147 لسنة 1957، ولمَّا كان الطاعن ينازعه في هذه الأرض بزعم أنها من أملاك الدولة، في حين أنه يمتلكها بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية، ومن ثم فقد أقام الدعوى.
في تلك الأثناء - حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، ثم استأنف المطعون ضده هذا الحكم لدى محكمة استئناف المنصورة بالاستئناف رقم 3552 لسنة 61 قضائية، فقضت المحكمة بإلغاء الحكم الابتدائي وإعادة الأوراق إلى محكمة أول درجة لنظر موضوعها، فحكمت المحكمة للمطعون ضده بالطلبات، ثم استأنف الطاعن ومحافظ الدقهلية بصفتيهما هذا الحكم لدى محكمة استئناف المنصورة بالاستئناف رقم 5066 لسنة 62 قضائية، فندبت المحكمة خبيرًا، وبعد أن أودع تقريره، قضت بعدم قبول الدعوى بالنسبة لمحافظ الدقهلية وبتأييد الحكم المستأنف فيما عدا ذلك، ثم طعن الطاعن بصفته في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابةُ مذكرةً أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عُرِضَ الطعنُ على هذه المحكمة، منعقدة في غرفة مشورة، فرأت أنه جديرٌ بالنظر، فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم، حيث ذكرت إنَّه مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والفساد في الاستدلال، ذلك بأنه تمسك بأن أرض النزاع من أملاك الدولة الخاصة التي لا يجوز تملكها بالتقادم من تاريخ سريان القانون 147 لسنة 1975، وبأن المطعون ضده لم تتوافر له شروط وضع اليد المكسب للملكية بالتقادم قبل العمل بهذا القانون، فأطرح الحكم هذا الدفاع، وقضى بثبوت ملكية المطعون ضده لأرض النزاع بالتقادم المكسب استنادًا إلى أقوال شاهديه أمام خبير الدعوى المضمومة رقم 643 لسنة 2006 مدني كلي المنصورة، برغم أنها لا تعدو أن تكون قرينة لا تصلح وحدها لحمل قضاء الحكم، مما يعيبه، ويستوجب نقضه.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: إنَّ هذا النعي في محله، ذلك بأنه لمَّا كان مفاد نص المادة 970 من التقنين المدني المعدل بالقانون 147 لسنة 1957 أنه لا يجوز تملك أموال الدولة الخاصة أو كسب حق عيني على هذه الأموال بالتقادم، إلا إذا ثبت وضع اليد عليها المدة الطويلة المكسبة للملكية بشرائطها القانونية في تاريخ سابق على العمل بالقانون 147 لسنة 1957 وكان يشترط لكسب ملكية العقار بوضع اليد المدة الطويلة وفقًا لِمَا تقضي به المادة 968 من القانون المدني – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن يستمر وضع يد الحائز لمدة 15 سنة مقرونًا بنية التملك وأن يكون مستمرًا وهادئًا وظاهرًا غير غامض.
النقض تضع معايير "التحقيق الذي يصح اتخاذه سندًاً أساسيًاً للحكم"
وبحسب "المحكمة": ويجب على الحكم المثبت للتملك بالتقادم أن يعرض للشروط السالفة ويبين بما فيه الكفاية الوقائع التي تؤدي إلى توافرها، بحيث يبين منه أنه تحراها وتحقق من وجودها وثبوت أو نفي الحيازة بشرائطها القانونية التي تؤدي إلى كسب الملكية بالتقادم والتي تُعدُّ من المسائل القانونية التي يتعين على المحكمة الفصل فيها ولا يجوز أن تنزل عنها لأنها ولايتها وحدها، وكان التحقيق الذي يصح للمحكمة أن تتخذه سندًا لقضائها هو – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – الذي تجريه بنفسها أو تنوب أحد قضاتها لإجرائه، وفقًا للقواعد والضوابط والإجراءات المنصوص عليها في المادة 60 وما بعدها من قانون الإثبات بما قررته من ضمانات تكفل حسن سير التحقيق.
وتضيف "المحكمة": أمَّا سماع الخبير الأقوال التي يدلي بها غير الخصوم إليه بترخيص من المحكمة فلا يعدُّ تحقيقًا بالمعنى القانوني يجوز للمحكمة أن تستمد منه وحده اقتناعها وتتخذه دليلًا تبني عليه حكمه، إذْ هو مجرد إجراءٍ ليس الغرض منه إلَّا أن يستهدي به الخبير في أداء مهمته، لأنه طبقًا لنص المادة 148 من قانون الإثبات ليس مخولًا إلا في إثبات الأقوال التي يدلي بها غير الخصوم إليه إذا صرحت له المحكمة بذلك، وكان سماع هذه الأقوال من شأنه أن يعينه على بحث المسائل الفنية موضوع مأموريته.
و3 مبادئ توضح شروط اكتساب ملكية أملاك الدولة الخاصة بوضع اليد المدة الطويلة
لمَّا كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه أن المحكمة ركنت في قضائها بثبوت ملكية المطعون ضده لأرض النزاع بوضع اليد المدة الطويلة قبل العمل بالقانون 147 لسنة 1957 إلى اطمئنانها لتقرير الخبير المنتدب في الدعوى المنضمة رقم 643 لسنة 2006 مدني كلي المنصورة وما بني عليه من أسس فنية وقانونية سليمة، واطمئنانها إلى أقوال شاهدي المطعون ضده اللذين سمعهما الخبير بغير يمين، وما قدمه المطعون ضده من مستندات رسمية – إيصالات سداد عوائد وأجرة ترجع لعام 1947 وإيصالات سداد استهلاك المياه والكهرباء للعقار المقام على أرض التداعي ترجع لعام 1979- من أن عقار النزاع موجود منذ عام 1942 في وضع يده ومورثه من قبله وضع يد ظاهر وهادئ ومستمر وبنية التملك.
وتابعت: فإنها تكون قد جعلت التحقيق الذي أجراه الخبير في مرتبة التحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها، وأسبغت عليه ذات القيمة في الإثبات، ودون أن يبين الحكم ماهية الأسس الفنية والقانونية التي بني عليها تقرير الخبرة واطمأنت إليها المحكمة، وبرغم أنه لا يجوز للخبير أن يتطرق إلى المسائل القانونية، ولا للمحكمة أن تنزل عنها، لأنها ولايتها وحدها، كما وأن ما عولت عليه المحكمة من مستندات المطعون ضده، والتي يعود أقدمها لعام 1947، لا تؤدي إلى القول باكتمال مدة التقادم الطويل قبل العمل بالقانون 147 لسنة 1957، مما يعيب الحكم بمخالفة القانون والفساد في الاستدلال، بما يوجب نقضه.
لـذلك:
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وأحالت القضية إلى محكمة استئناف المنصورة وألزمت المطعون ضده المصاريف.