منذ زمن بعيد يدعوا الحقوقيين والمتخصصين من رجال القانون إلى لزوم إصدار تشريع جديد للاجراءات الجنائية بدلا من القانون الصادر في عام 1950، إذ هذا القانون أُجريت عليه تعديلات كثيرة بدلت ملامحه، فصار غير واضح ومن ذلك السلطة المختصة بالتحقيق الابتدائي، إذ لدي صدور قانون الإجراءات أناط تلك السلطة بقاضي التحقيق، أما النيابة العامة فقد إقتصر دورها علي مباشرة الإتهام، ولكن سرعان ما جري تعديل صارت معه النيابة العامة تباشر التحقيق بجانب الإتهام.
كما أنه توالت علي مصر العديد من الدساتير كان آخرها دستور 2014 الذي وضع العديد من الضمانات للمتهميين، فصارت نصوص قانون الإجراءات علي غير سند من الشرعية الدستورية، وهو ماسبق أن أعلنته المحكمةالدستورية العليا في أكثر من مناسبة ومحكمة النقض ذاتها، إذ من المعلوم أن قانون الإجراءات الجنائية يضع القواعد التي تحدد الوسائل التي تلجأ إليها الدولة منذ وقوع الجريمة لضبط الجاني وملاحقته، وإثبات ارتكابه الجريمة، والقواعد التي تنظم اختصاص الهيئات القضائية والتي تحدد إجراءات المحاكمة وضمانات المتهميين حتى صدور حكم بات توقع الدولة بمقتضاه على الجاني العقوبة التي ينص عليها قانون العقوبات.
نظرات في مشروع قانون الإجراءات الجنائية
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على مشروع قانون الإجراءات الجنائية التي لازالت النقاشات وردود الأفعال مستمرة حوله، حيث طالب خبراء القانون وإعلاميون والنقابات بفتح حوار مجتمعي حول مسودة قانون الإجراءات الجنائية لما له من تأثيرات محتملة على المواطنين والمتقاضين وأطراف العدالة كافة بما فيها سلطات إنفاذ القانون، ورداً على هذه المطالبات التي صاحبها جدل واختلاف في الرأي، أعلن مجلس النواب في بيان رسمي، أن أبوابه ما تزال مفتوحة لمناقشة أية تعديلات على مشروع القانون المثير للجدل – بحسب أستاذ القانون الجنائى والممحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
في البداية - لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب وافقت الأسبوع الماضي على مشروع قانون الإجراءات الجنائية، لعرضه على المجلس في بداية دور الانعقاد الخامس عقب انتهاء الإجازة البرلمانية، والعودة مطلع شهر أكتوبر المقبل، ومنذ الإعلان عن انتهاء اللجنة المنبثقة من البرلمان لإعداد مشروع قانون جديد للإجراءات الجنائية ظهرت تقارير في وسائل الإعلام المختلفة تصف التعديلات بالخطيرة على مشروع القانون الذي يعد "الدستور الثاني"، كونه ينظم مجريات التقاضي الجنائي ويحدد آليات سير المحاكمات وحقوق وواجبات كل طرف من المتقاضين ومحاميهم والنيابة والقضاء وجهاز الشرطة ووسائل الإعلام وفئات المجتمع، ورفضت بعضَ التعديلات نقابتا المحامين والصحفيين ونادي القضاة استناداً إلى أنها تضر بالعدالة وحقوق المواطن – وفقا لـ"فاروق".
سلطة المشرع العادي مقيده في تنظيم قواعد الاجراءات الجنائية بأحكام الدستور
وبنظرة سريعة للخلف يتضح أن تلك القواعد في كثير منها متعارضة مع دستور 2014 الحالي الذي وضع قواعد هامة متعلقة بالإجراءات الجنائية، فصار قانون الإجراءات الجنائية في كثير من المواطن علي غير سند من الشرعية الدستورية بعد أن صارت سلطة المشرع العادي مقيده في تنظيم قواعد الاجراءات الجنائية بأحكام الدستور، فإذا كان الدستور يعكس شرف المجتمع المتحضر في دولة تكفل سيادة القانون، فإن المشرع في قانون الإجراءات يجب أن يخضع لخطة الدستور، فإذا أمر الدستور بالمحاكمة المنصفة وكفل استقلال القضاء وحيدته وأنذر من المساس بأصل البراءة المفترض في المتهم دون مقتضى أو بضمانات معينة – الكلام لـ"فاروق".
فإن المشرع في قانون الإجراءات لا يملك سوى الاجتهاد في تحري السبيل إلى تحقيق المحاكمة المنصفة للمتهم بما يتاح له فيها الدفاع عن نفسه من خلال إجراءات تضمن له الزود عن حقوقه التي تنبثق من أصل البراءة وبواسطة قضاء مستقل محايد يحترم الضمانات التي وضعها الدستور وإلا غدا قانون الإجراءات على غير سند من الشرعية الدستورية، ولهذا كان التعديل الجوهري في خطة الدستور إزاء مسائل الإجراءات الجنائية يستلزم أن يتبعه تعديل في نصوص قانون الإجراءات بهدف تحقيق التناسق بينهما، ويبدو أن الأمر بات ملح لصدور قانون إجراءات جديد يواكب العصر ويتجنب المخالفات الدستورية، ولذلك اعدت اللجنة التشريعية لمجلس النواب مشروع قانون للاجراءات الجنائية جري نشره علي نطاق واسع – طبقا لـ"فاروق".
ترجع جذور مشروع القانون لعام 1968
وهذا المشروع ليس جديد بالكلية، إذ ترجع جذورة إلي عام 1968، كما أنه شمل معظم التعديلات التي ادخلت علي قانون الإجراءات الجنائية الصادر عام 1950 وأخرها التعديل الذي جاء به القانون رقم 1 لسنة 2024 الخاص باستئناف الجنايات، وقد جاء المشروع في ستة كتب مشتمل علي 540 مادة الكتاب الأول؛ في الدعوى الجنائية وجمع الاستدلالات والتحقيق والكتاب الثاني؛ في المحاكم والكتاب الثالث؛ في الطعن في الأحكام والكتاب الرابع؛ في التنفيذ والكتاب الخامس؛ في التعاون القضائي الدولي في المسائل الجنائية، ويشمل طلبات تسليم المتهميين والمحكوم عليهم والمساعدة القضائية الأجنبية والكتاب السادس؛ في أحكام عامة، وتضمن حماية المجني عليهم والشهود والمبلغين والتعويض عن الحبس الاحتياطي وإجراء التحقيق والمحاكمة عن بعد من خلال وسائل الاتصالات الحديثة وحساب المدد والمساعدة القضائية – هكذا يقول "فاروق".
وأهم ملامح المشروع أن أضاف الكتابين الخامس والسادس، إذ ليس لهما مثيل في القانون الملغي، كما وضع المشروع في الفصل الثالث عشر والرابع عشر من الكتاب الثاني الخاص بالمحاكم ضمانات للمتهمين المصابون بأمراض عقلية ونفسية وللمجني عليهم المصابون بأمراض عقلية ونفسية والمجني عليهم من الأطفال، كما وضع المشروع أحكام جديدة ومفصلة لإعلان الخصوم في الباب الثاني المتعلق بمحاكم الجنح من الكتاب الثاني الخاص بالمحاكمة تتعلق بإعلان الخصوم، وذلك في المواد 228 وما بعدها من المشروع مع أنشأ مركز للإعلانات الهاتفية نص عليه في المادة 230 من المشروع واوجب المشروع في المادة 231 أن تتضمن ورقة الإعلان بيانات مفصله أهمها بيانات القضية وموضوعها.
تنظيم استجواب المتهم والتحقيق معه
كما حظر المشروع في المادة 104 استجواب المتهم أو مواجهته بغيره من المتهمين أو الشهود دون محام في كافة الأحوال ولم يستثن حالة الضرورة أو التلبس وهو ما سبق أن قلنا به، وأيضا حظر المشروع في المادة 79علي النيابة العامة مراقبة وسائل التواصل الإجتماعي والبريد الاليكتروني والرسائل النصية الخ إلا بعد الحصول على إذن القاضي الجزئي وهو ما سبق أن قلنا به، وأوجب المشروع في المادة 46 لتفتيش المنازل أمر قضائي مسبب يحدد المكان والغرض والتوقيت واطلاعهم علي الأمر الصادر في هذا الشأن – بحسب "فاروق".
ووضع المشروع مدد قصوي للحبس الاحتياطي، وحظر أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي عن سنتين إذا كان الحكم صادر بالإعدام أو السجن المؤبد طبقا للمادتين 123 و124 من المشروع، وأجاز المشروع في المادة 234 للمتهم في كافة الجنح أن يحضر بوكيل نيابة عنه أسوة بالجنايات وهو ما سبق أن قلنا به، كما حظر المشروع في المادة 397 المعارضة الاستئنافية في الأحكام الغيابية إلا في نطاق ضيق للغاية، واوجب المشروع في المادة 310 علي المحكمة أن تفصل في طلبات الخصوم وتبين الأسباب التي تبني عليها وذلك بداهة يكون قبل المرافعة والحكم في موضوع الدعوي.
جرائم الجلسات التي تقع من المحاميين
ويعتبر المشروع بوجه عام مقبول ما خلا بعض الملاحظات المتعلقة بضمانات الدفاع والمتهمين كإستثناء حالة التلبس في جرائم الجلسات التي تقع من المحاميين من حظر رفع الدعوي عليهم في الجنح في الحال من المحكمة، والقبض عليهم طبقا للمادتين 242 و 241 من المشروع، وكذا إجراء النيابة العامة التحقيق في سرية عن الخصوم ووكلائهم المحاميين عند الضرورة طبقا للمادة 69 من المشروع ومنع المحامي من الاطلاع علي التحقيقات قبل الاستجواب طبقا للمادة 105، وأيضا تخويل مأمور الضبط القضائي المنتدب طبقا للمادة 49 عند تفتيش منزل المتهم إتخاذ الإجراءات التحفظية ضد أي شخص يتوافر ضده قرائن قوية علي أنه يخفي معه أشياء تفيد في كشف الحقيقة.
وهنا من الأمور التى فيها نظر، هو إطلاق يد النيابة وتوسيع سلطاتها على حساب حقوق المواطن أو الدفاع، والذى يبدأ من المادة 63 تكريس حق النيابة في التحقيق مع المواطنين في القضية بأكملها، وهذا فيه إلغاء لباب التحقيق من جانب قاضي التحقيق – بمعنى أدق - إنه وضع النيابة كسلطة تحقيق بقرار المفروض إنه مؤقت، سيكون دائم ويكون دورها توجه للمواطن الإتهام ثم التحقيق معه في الاتهامات التي تم توجيهها له، وستقوم باستكمال التحقيق في القضية حتى نهايتها وإحالتها للمحاكمة، وفى ذات الوقت ستحاول إيجاد أدلة إثبات للإتهام.
مواد تحتاج لتوضيح واستجلاء
وكذا المادة 69 التي تعطى للنيابة حق التحقيق في القضية بدون حضور المتهم، على سبيل المثال لو مواطن بسيط مواطن آخر قدم فيه بلاغ للشرطة واتحول بالتبعية للنيابة لتوجيه الاتهامات والتحقيق فيها، واتحدد موعد للتحقيق في القضية، فالنيابة من حقها تقرر تحقق في القضية في عدم وجوده، ومن الممكن عدم إعلامه أصلا بإنه يتم التحقيق معه في اتهامات ضده، والمادة رقم 72، والتى تمنع الدفاع من (الكلام)، بمعنى إنه المادة تسمح بتقديم الدفوع والطلبات، لكن أثناء التحقيق لو فيه، وتم الرد بشئ من الممكن أن يضر بالمتهم، فالمحامي لازم يتدخل ويعترض عليها أو يعلق أو يفندها في المحضر لو النيابة لا تريد سماعها مثلا أو لأسباب أخرى.
وأيضا المادة 78 من القانون المتعلقة بتوسع مسألة التفتيش، يعني النيابة لو جاء أمامها أي متهم فمن حقها الذهاب لتفتيش بيته، وإستخراج مزيد من الأحراز والأدلة، بينما المفروض أن هذا كان استثناء في القانون الحالي لو كان المتهم يتعمد إخفاء شيء، بل ومن حق النيابة في المادة 84 إنها تأمر أي شخص حائز لشيء بتقديمه وضبطه، وكذا المادة 105، القانون يقول إنه النيابة تستطيع منع المحامي من الاطلاع على التحقيق، وإن حدث ذلك فكيف سيحضر مع المتهم ويدافع عن المتهم بناء على أي شيء؟
المشروع والحبس الاحتياطي
وكذا المادة 112 فمن المفروض إنه يتم وضع ضوابط أمر النيابة بالحبس الاحتياطي، لكنها وضعت بند يمنح النيابة إمكانية حبس المتهم وعدم إخلاء سبيله خوفًا من إخلاله بالنظام، بمعنى إن النيابة تستطيع إصدار أمر حبس في تهم لا تتطلب الحبس الاحتياطي، لو وكيل النيابة قرر هذا بمسوغ فضفاض وواسع ليس له سبيل لتنظيمه، أما في المادة التي تليه تعطى النيابة صلاحية حبس المتهم في بيته أو المراقبة الشرطية أو منعه من دخول أماكن بعينها، يعني النيابة التى هي في الأساس سلطة اتهام وتحقيق سيكون في إيديها سلطة إصدار أحكام ولو مؤقتة، بل وسيكون لديها المقدرة حبس المسجون في حبسته وفقًا للمادة 119 التي تعطى وكيل النيابة الحق في تحديد يتم حبسه مع من ومن له حق زيارته ومن لا يحق له زيارته.
أما المادة 122 تعطى النيابة وقت مفتوح للتحقيق بدون تحديده بمدة زمنية معينة، يعني لو متهم النيابة حققت معه، واتضح أنه ليس هناك أدلة أو يوجد نقص في التحقيقات، فالنيابة من الممكن تستكمل حبسه بدل غلق القضية أو تخلي سبيله لو النيابة وافقت وافقت، وكذلك يعطى النيابة حق الحجز على أموال المتهم، ومنعه من التصرف فيها، ثم بعد ذلك تعرض الموضوع على محكمة الجنايات، لأجل الحكم فيها بدفع غرامة أو كفالة أو أيًا كان من أموال المتهم وهو ليس له صرفة فيها، والمادة 175، وفي نصها تقول إنه لا يجوز لقاضي التحقيق إنه يحقق في قضية أو واقعة معينة إلا بناءً على طلب من النيابة العامة، بمعنى إنه سلطة النيابة هي أعلى من سلطة القاضي.