لم يكن يتخيل يوما أن يلجأ للقضاء للوصول إلى حقه رغم كونه "مُعاق"، بإعتبار أن الدولة تولى ذوى الهمم عناية كبيرة، وانتصرت لهم بالعديد من القوانين والتشريعات والإمتيازات، ولكن الطالب الشاب "أحمد. ك"، الذى تعرض في غضون عام 2000 تعرض إلي مرض التهاب حاد بالنخاع الشوكي، أدي الي إصابته بشلل نصفي حاد بالقدمين بداية من أسفل الصُرة الي أخر القدمين مع فقد القدرة علي الأحساس و الحركة و عدم التحكم في البول والبراز .
وظل يسعي الطالب هو وأسرته في شتي مناحي الطب علي أمل الشفاء إلا أن ذلك كان دون جدوي، وفي خلال هذة الفترة تكبد الطالب وأسرته مصاريف طائلة فضلا عن المعاناة الصحية، مما أدي الي تدهور الظروف المالية للطالب، وصار في حاجة الي المساعدة سواء المادية أو المعنوية وعلي الرغم من مرض الطالب منذ عام 2000 إلا أنه لم يتقدم الي الجهة الادارية للحصول علي وحدة سكنية ضمن وحدات إسكان المعاقين إلا في عام 2008 أي بعد 8 أعوام من مرضه، نظرا لتدهور ظروفه الصحية والمادية.
"شاب" يطالب بوحدة سكنية ضمن وحدات إسكان المعاقين
وفي بداية عام 2010 تم تعيين محافظ جديد لمحافظة القاهرة والذي قرر علي طالبي الوحدات السكانية الخاصة بالمعاقين التقدم بطلب جديد، وبتاريخ 24 مارس 2010 تقدم الشاب "أحمد. ك"، بطلب جديد مُدعم بالمستندات المؤيدة لحالته الصحية وظروفه الاجتماعية وفي غضون عام 2012 تم بحث ميداني للطالب بمعرفة قسم بحوث الإسكان بمحافظة القاهرة، إلا أنه فوجئ بإستبعاده من أولوية المستحقين وحدة سكنية ضمن وحدات إسكان المعاقين بسبب كونه غير متزوج علي الرغم من أن ظروفه المرضية تمنعه من الزواج.
كل ذلك فضلا عن إنتهاء عقد ايجارة بالسكن الحالي وصار مهدد بالطرد في أي و قت وما يتكبده الطالب من قيمة إيجارية ومصاريف علاج ومستلزمات طبية كل أول شهر، وهو ما يجعله في أمس الحاجة الي سكن يأويه كونه غير قادر علي الكسب، ورفض المالك كتابة عقد ايجار جديد بعد انتهاء مدة العقد السابق والشاب "أحمد. ك" يقيم شهر بشهر دون عقد ايجار محدد المدة .
وجهة الإدارة ترفض كونه "أعزب" وليس صاحب أولوية
وحيث أن و الحال كذلك وكانت حالة الطالب الصحية والإجتماعية مطابقة للشروط الواجب توافرها في اسكان المعاقين حيث أن حالته الصحية ثابتة بموجب تقارير طبية صادرة من جهات حكومية ولم يسبق له الحصول علي وحدة سكنية من الدولة، فضلا عن البحث الميداني الحاصل من إدارة بحوث الإسكان بمحافظة القاهرة، وهو ما يؤكد أحقية والشاب "أحمد. ك" في الحصول علي وحدة سكنية ضمن وحدات إسكان المعاقين.
وحيث انه استبعاد الشاب "أحمد. ك" من أولوية المستحقين وحدة سكنية ضمن إسكان المعاقين علي سندا أنه غير متزوج هو قياس مع الفارق، تأسيسا علي أن وفقا للتقارير الطبية الصادرة من جهات حكومية مختلفة وبتواريخ متفاوتة منذ بداية الحالة المرضية للشاب "أحمد. ك" الحاصلة في عام 2000 حتي تاريخية استطردت علي أنه يعاني من شلل نصفي حاد أدي إلي فقد الإحساس والحركة بداية من أسفل الصرة حتي أسفل القدمين، مما مفادة استحالة الطالب القدرة علي الزواج لكونه غير لائق صحيا.
ويلجأ للقضاء للحصول على حقه في "شقة"
وهو الأمر الذى دعى الشاب "أحمد. ك"، وكيلا عنه المحامى بالنقض خالد يسين، بإقامة دعوى قضائية قُيدت برقم 26842 لسنة 71 قضائية، اختصم فيها عدة جهات حكومية، بأحقيته في الحصول على وحدة سكنية، باعتباره "مُعاق"، ولكنه "أعزب"، وأن ذلك يُعد تجاوز للضوابط المعمول بها، إلا أن "الدعوى" استندت على الدستور وقرارات مجلس الوزراء، حيث قالت أنه من المقرر طبقا للمادة 81 من الدستور تنص علي: "تلتزم الدولة بضمان حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة والأقزام، صحيا وإقتصاديا وإجتماعيا وثقافيا وترفيهيا ورياضيا وتعليميا، وتوفير فرص العمل لهم، مع تخصيص نسبة منها لهم، وتهيئة المرافق العامة والبيئة المحيطة بهم، وممارستهم لجميع الحقوق السياسية، ودمجهم مع غيرهم من المواطنين، إعمالاً لمبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص".
وذكرت "الدعوى": ووفقا لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 4248 لسنة 1998 في شأن تيسير الحصول علي خدمة طلب تخصيص شقق المحافظة / الاسكان الاقتصادي والمتوسط بقطاع الادارة المحلية وفقا لحالات الاخلاء الإداري - الزواج الحديث – الحالات الاجتماعية المنقولين من خارج المحافظة – المعاقين – حالات أخري يحددها المحافظ المختص، وحيث أنه من المقرر وما تواترت عليه أحكام الإدارية العليا في وقف التنفيذ، ووقف تنفيذ القرار الاداري، يقوم علي توافر ركنين، الاول هو ركن الجدية، بأن يكون الطعن علي هذا القرار قائما بحسب الظاهر علي أسباب جدية يرجح معها القضاء بألغائه، و الثاني هو ركن الاستعجال، بأن يترتب علي تنفيذ ذلك القرار نتائج قد يتعذر تداركها، طبقا للطعن رقم 1404 لسنة 33 قضائية.
والمحكمة تنصفه طبقا للدستور والقانون
وحيث أنه والحال كذلك وكانت مقومات الحياة الأساسية غذاء ومسكن وملبس، مما مفاده تعادل المقومات الثلاثة في الأهمية أي أن الحق في السكن لا يقل مقام عن رغيف الخبز، وهو ما يتحقق به شرط الاستعجال للشخص المستحق – وفى الختام – طلب "الدعوى": أولا: قبول الطعن شكلا، ثانيا: تحديد أقرب جلسة لنظر الشق المستعجل لوقف تنفيذ القرار وما ترتب عليه من آثار، ثالثا: وفي الموضوع الغاء القرار و اعتباره كأن لم يكن مع ما ترتب عليه من آثار والزام الجهة الإدارية بالتخصيص و التعاقد وتسليم الطالب وحدة سكنية بالدور الارضي (نظرا لكون الطالب يعاني من شلل نصفي حاد بالقدمين مع فقد القدرة علي الاحساس والحركة).
وفى تلك الأثناء – نظرت الدائرة "الثامنة" – بمحكمة القضاء الإدارى بالقاهرة، الدعوى وأنصفت الشاب المُعاق الأعزب، وذكرت في حيثيات الحكم: أن المادة (68) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الاماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تنص على أنه يجوز لأجهزة الدولة ووحدات الإدارة المحلية وشركات القطاع العام والجمعيات التعاونية لبناء المساكن وصناديق التأمين الخاصة والشركات الخاصة والأفراد إنشاء المباني بقصد تمليك كل أو بعض وحداتها السكنية ....".
المحامى خالد ياسين - مقيم الدعوى
المحكمة تؤسس لحكمها بمواد القانون
وبحسب "المحكمة": وتنص المادة (72) من ذات القانون على أن: "تملك المساكن الشعبية الاقتصادية والمتوسطة التي أقامتها المحافظات، وتم شغلها قبل تاريخ العمل بهذا القانون، نظير أجرة تقل عن الأجرة القانونية، إلى مستأجريها على أساس سداد الأجرة المخفضة لمدة خمس عشرة سنة وذلك وفقاً للقواعد والشروط والأوضاع التي يصدر بها قرار من رئيس مجلس الوزراء وتنفيذاً لهذا التكليف التشريعي، فقد أصدر رئيس مجلس الوزراء قراره رقم 110 لسنة 1978 بشأن تمليك المساكن الإقتصادية والمتوسطة التي أقامتها أو تقتها المحافظات يبين أنه ينص في مادته الأولى على أنه: " فيما عدا المساكن التي أقيمت من استثمارات التعمير، يكون تمليك وحدات المساكن الشعبية الاقتصادية والمتوسطة، التي أقامتها أو تقيمها المحافظات.
وتضيف "المحكمة": ومفاد ما تقدم أن المشرع أناط بوحدات الإدارة المحلية الإشراف على أراضي البناء المملوكة لها ملكية خاصة وكذا وحدات الإدارة المحلية في نطاقها وجعل التصرف فيها من اختصاص المحافظين دون سواهم كل في دائرة اختصاصه بعد موافقة المجلس الشعبي المحلى للمحافظة، وخوله سلطة وضع قواعد التصرف في الأراضي المعدة للبناء والمملوكة للدولة ووحدات الإدارة المحلية في نطاق المحافظة، ولما كانت الدولة في إطار سعيها إلى إيواء من ليس له ماوى تقوم بإنشاء وحدات سكنية مخصصة للإسكان الاجتماعي والاقتصادي ليستوعب متوسطي الدخل من المواطنين.
كيفية استهداف الحالات الحرجة واحقيتها في شقة
واستطردت: ولكنها كذلك يمكن أن تستهدف فئة الحالات الحرجة، بدون مقابل، وذلك لحين توافر سكن لهم، سعيا منها لعلاج ظاهرة اجتماعية سلبية تتمثل في (التشرد) والحد من أثارها، وهذا من باب التسامح والترخص دون أن يترتب علي ذلك اكتساب مركز قانوني أو حق يمكن التمسك به في مواجهتها، وفي ذلك قضت المحكمة الإدارية العليا بأن: الطبيعة القانونية لمساكن الإيواء أنها منفعة جميلة للمواطنين الذين لا يجدون مأوى بسبب ما يعن لهم ظروف خاصة نتيجة تعرضهم لحوادث والكوارث، وعلى وفق الظروف التي تقدرها جهة الإدارية، وفقا للطعن رقم 26297 لسنة 51 ق. ع – جلسة 18 مايو 2010.
وتابعت: حيث إنه وهديا بما تقدم، ولما كان المدعى يطلب الحكم بإلغاء قرار جهة الإدارة السلبي بالامتناع عن تخصيص وحدة سكنية له بالمساكن الشعبية الاقتصادية أو المتوسطة التي تقيمها محافظة القاهرة، ولما كان الثابت من تقرير الخبير المنتدب في الدعوى المودع بملفها أنه انتهي إلى أن المدعي يعاني من التهاب في النخاع الشوكي، مما سبب له شلل نصفي سفلي بالطرفين السفليين ، ولا يمكنه التحكم في التبول والتبرز مع فقد للاحساس والحركة كما يعاني من هشاشة العظام وتأكل بالعظمة العليا للفخذ، وجزء من الحوض فضلا عن وجود قرح فراش بأماكن مختلفة بالجسم، وأن سبب إمتناع الجهة الإدارية عن تخصيص وحدة سكنية للمدعى هو ما انتهت إليه اللجنة المشكلة بقرار محافظ القاهرة لمراجعة الحالات الخاصة بالمعاقين والحالات الملحة، والتي انعقدت بتاريخ 6 أغسطس 2016 وأوصت على إرجاء حالات الأعزب والأنسة المعاقين وفحس حالات المتزوجين فقط، وقد انتهى تقرير الخبير إلى نتيجته النهائية التي مؤداها أحقية المدعى في الحصول على وحدة سكنية نظرا لظروفه القاسية.