ما زالت واقعة السحر المزعوم للنجم مؤمن زكريا، التى تم الترويج لها على نطاق واسع بالسوشيال ميديا، تسيطر على اهتمام الرأي العام المصرى، وبالأخص رواد مواقع التواصل الاجتماعى، حيث إن تحقيقات النيابة العامة كشفت زيف الواقعة واختلاقها، وأنه لا وجود لأعمال سحر نهائيا، وأن عامل مدافن وآخرين وراء اختلاق الواقعة لتصويرها فيديو وكسب مزيد من المشاهدات.
وذلك من خلال قيامهم بدفن الصورة والطلاسم أمام مقبرة خاصة بعائلة اللاعب مجدى عبدالغنى لإلصاق الواقعة به "لكونهما شخصيات رياضية مشهورة"، وادعائهم بعثورهم عليها حال قيامهم بزراعة صبار أمام المقبرة، وأنهم قاموا بتصوير مقطع الفيديو المتداول ونشره على مواقع التواصل الاجتماعى بهدف تحقيق أعلى نسبة مشاهدة للتربح مادياً وتسليم أعمال السحر عقب ذلك للاعب مؤمن زكريا تحت زعم كونها أعمال سحر، والذى قام بدوره بالتخلص منها، وبمواجهة باقى المتهمين أيدوا ذلك.
"البيضة والحجر" أسلوب ينخر في "جسد الأمة"
فى التقرير التالى، يلقى "برلمانى" الضوء على إشكالية السحر والشعوذة فى التشريعات العربية، بعد واقعة اللاعب مؤمن زكريا، وكذا فى الوقت الذى انتشرت فيه مقاطع فيديو على التواصل الاجتماعى عن أشخاص يزعمون إخراج ما يسمى العمل السحرى الذى يقوم الدجالين ومدعين الكرامات بعمله، وهو ما يسبب الأذى للأشخاص، وذلك لأن السحر عمل شيطانى وضد الأخلاق، وقيم وتقاليد المجتمع وضد النظام العام، ويتم انفاق مليارات الجنيهات على هذه الخزعبلات وتكلفة السحر والشعوذة على مصر كبيرة للغاية – بحسب الخبير القانونى والمحامى بالنقض هانى صبرى.
في البداية - يظل السحر أحد الهواجس فى المنطقة العربية والأفريقية بشكل خاص، والعالم بشكل عام، خاصة فى ظل الترجيح بأن ذلك يعود إلى القبائلية، وظاهرة السحر والشعوذة جريمة اجتماعية يعانى منها المجتمع، وذلك لأنها تدمر البيت والأسرة وهى من الملفات الشائكة التى يجب العودة إلى الاشتباك معها، ومواجهة تداعياتها الخطيرة على المجتمع، فقد انتشرت فى الفترة الأخيرة على بعض القنوات الفضائية إعلانات عن برامج عن السحر وجلب الحبيب وجلب السعادة وجلب المتوفى وغيرها من الخرافات، وتقوم تلك القنوات أيضًا باستضافة هؤلاء الدجالين، لأسباب لا نعلمها ربما لجذب متابعين لهم أو ليس عندهم ما يقدموه للمشاهد أو لتحقيق أرباح مالية لأنها تجارة رابحة، وذلك على حساب خداع المشاهدين البسطاء وتدمير المجتمع – وفقا لـ"صبرى".
موقف التشريعات العربية من السحر
والسحر يستخدم بشكل كبير فى الوطن العربى، أو ما يطلق عليه "العمل"، وعادة ما يستخدم ضد الفتيات لعدم تزويجهن، حيث تقوم إحدى السيدات، التى تسعى للشر على سبيل المثال بأخذ "أطرا"، وهى قطعة قماش من الفتاة، وتذهب بها إلى الساحر وتعطيه الكثير من المال لمنع أى عريس من الزواج بتلك الفتاة كمكيدة فى الفتاة أو أهلها نتيجة أى خلاف، ويقوم الساحر بذلك، كما يمكن أن يستخدم السحر للتفرقة بين الزوج وزوجته بنفس الطريقة، وحينها تقرر الزوجة ترك المنزل دون عودة، أو أن تنتابها حالات من الصرع والمرض وعدم تناول الطعام بحيث تطلب دائما الخروج من المنزل – هكذا يقول "صبرى".
وبالرغم من أن ظاهرة السحر والشعوذة ليست حديثة العهد، وإنما لها جذور ممتدة بعيدة فى القدم إلا أنه لم يتم التصدى لها بشكل كاف، وظل القانون غافلا عن معالجتها، والتساؤل الذى يطرح نفسه هنا ما موقف التشريعات العربية من ذلك؟ هل وضعت نصوصا صريحا لذلك حيث أنها جريمة يصعب إثباتها وهى الجريمة التى تناولتها العديد من المسلسلات والأفلام السينمائية، والوطن العربى متورط فى السحر الشعوذة بكل شرائحه، لاسيما طبقة المشاهير والسياسيين فى كثير من الأحيان، وكذا أهل المال والأعمال – طبقا لـ"صبرى".
السحر والشعوذة في التشريع المصرى
القانون المصرى لم يتطرق من قريب أو من بعيد لجرائم السحر والشعوذة، لكن يمكن ضم الأشخاص الذين يقومون بأعمال السحر والشعوذة والدجل إلى جريمة النصب، طبقا لنص المادة 336 من قانون العقوبات المصرى، ويكون العقاب فيها الحبس من 24 ساعة إلى مدة 3 سنوات مع الشغل والنفاذ، مع الأسف الشديد إن المضرور أو الذى تم عمل ما سحر له لا يوجد قانون ينصفه؟.. ولا يستطيع أن يحرر أى محاضر ضد الساحر أو المشعوذ؛ لأنه لا توجد رابطة بينهما، حتى لو تم الإضرار به، ولكن الوحيد الذى يحق له الرجوع على المشعوذ أو الساحر، هو الشخص المتعامل مع الساحر بصفته أنه تم النصب عليه من الساحر أو الدجال أو المشعوذ، وأنه تحصل منه على أموال نظير أعمال قد أوهمه بها ولم تتحقق – الكلام لـ"صبرى".
وفى الحقيقة إن الجريمة بلا قانون تتسبب فى نشر الفوضى لمعرفة مرتكبيها بقدرتهم على الإفلات من العقاب لعدم توافر شرط من الشروط التى يتطلبها القانون، لإثبات وقوع الجريمة وتوجيه التهمة، والإفلات من العقوبة أصبح ظاهرة فى مجتمعنا وواقعا نعيشه، وذلك يرجع إلى حالة من الفراغ التشريعى لتلك الجرائم، والتى جاء القانون خلوا من توصيف لها، وبالتالى لم يتم سن مواد توصف هذه الجرائم، وبالتالى لا يوجد تشريع يعاقب عليها، ولا يكيف اتهام محدد لمرتكبها، رغم أن المجتمع يلفظها ويعانى منها، هناك قصورا فى القانون الجنائى المصرى، الذى لم يتطرق لجرائم السحر والشعوذة التى تدمر الأسرة، بعكس بعض قوانين الدول العربية التى تعاقب عليها منها، وبناء عليه فإننا نناشد المشرع المصرى إيجاد نظام تشريعى خاص يجرم جرائم السحر الشعوذة حفاظًا على مجتمعنا ولمواجهة تلك الظاهرة الشيطانية الخبيثة التى تنال من صحة المجتمع وسلامته ونموه.
السحر والشعوذة في التشريع المغربى
أما المملكة المغربية فقد نص القانون المغربي في الفصل 609 من القانون الجنائى المغربي في فقرته 35 على أن: "من احترف التكهن والتنبؤ بالغيب أو تفسير الأحلام يعاقب بغرامة تتراوح بين 10 و120 درهما، ويعتبر هذا الفعل مخالفة من الدرجة الثالثة، وينص الفصل 726 من قانون الالتزامات والعقود على بطلان كل اتفاق يكون موضوعه تعليم أو أداء أعمال السحر والشعوذة أو القيام بأعمال مخالفة للقانون".
السحر والشعوذة في التشريع السودانى
وفى دولة السودان نص قانون النظام العام الولائى لسنة 1996م في المادة "22" منه على الدجل والشعوذة أنه لا يجوز لأي شخص ممارسة أعمال الدجل والشعوذة والزار، ولم تفرد لها عقوبات محددة، وإنما ترك أمر العقوبة للنص المخصص للعقوبات في ذيل القانون ومحاكمته وفقا للمادة "26" التي تقول: "يعاقب كل من يخالف أحكام هذا القانون بالسجن أو الغرامة او العقوبتين معاً"، ومصادرة الأدوات المستخدمة أو سحب الترخيص وإغلاق المحل لفترة من الزمن، وتشديد في العقوبة في حالة العودة للجريمة.
السحر والشعوذة في التشريع السورى
في سوريا نص القانون على أنه يعاقب بالحبس التكديري وبالغرامة من 500 – 2000 ليرة من يتعاطى بقصد الربح، مناجاة الأرواح، والتنويم المغناطيسي والتنجيم وقراءة الكف وورق اللعب وكل ماله علاقة بعلم الغيب وتصادر الألبسة والأدوات المستعملة، كما يعاقب في حالة العود بالحبس حتى 6 أشهر وبالغرامة حتى 2000 ليرة ويمكن إبعاده إذا كان أجنبياً، وإن المشرع اشترط لقيام الجرم أن يكون بقصد الربح فقط وهذا النوع فقط تتوجب معاقبته، لأنه يقبض المال، أما من لا يهدف للحصول إلى المال فلا تجريم له، وأن عقوبة من 500- 2000 ليرة والحبس التكديري الذي تصل مدته من يوم إلى 10 أيام ليست عقوبة رادعة ولا تتناسب مع خطورة الفعل وهذا يعد ثغرة في التشريع لأن هؤلاء يمثلون خطراً حقيقياً على المجتمع – بحسب الخبير القانونى.
السحر والشعوذة في التشريع الأردني
في الملكة الإدرنية الهاشمية بمطالعة نصوص قانون العقوبات الإردني نجد أن المشرع جرم أفعال السحر والشعوذة في المادة 471 منه والتي نصت علي يعاقب بالعقوبة التكديرية كل من يتعاطي بقصد الربح مناجاة الأرواح أو التنجيم أو قراءة الكف.. وكل ما له علاقة بعلم الغيب وتصادر الألبسة والنقود والأشياء المستعملة، وفِي تقديري يجب تغليظ العقوبة لتلك الجريمة كي تتناسب مع خطورتها.
السحر والشعوذة في التشريع اللبنانى
في دولة لبنان نصت المادة 768 من قانون العقوبات اللبناني: يُعاقب بالتوقيف التكديري وبالغرامة من 10 آلاف إلي 20 ألف ليرة لبنانية من يتعاطي بقصد الربح مناجاة الأرواح والتنويم المغناطيسي والتنجيم .. وكل ما له علاقة بعلم الغيب، وتصادر العدد المستعملة. ويُعاقب المكرّر بالحبس حتي 6 أشهر وبالغرامة ويمكن إبعاده إذا كان أجنبياً.
السحر والشعوذة في التشريع البحرينى
في مملكة البحرين جرم السحر والشعوذة في قانون العقوبات رقم (15) لسنة 1976 وتعديلاته في المادة (310 مكرراً) على أنه يعاقب بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من زاول على سبيل الاحتراف والتكسب أياً من أعمال السحر أو الشعوذة أو العرافة، ويُعد من هذه الأعمال الإتيان بأفعال أو التلفظ بأقوال أو استخدام وسائل القصد منها إيهام المجني عليه بالقدرة على إخباره عن المغيبات أو إخباره عما في الضمير أو تحقيق حاجة أو رغبة أو نفع أو ضرر بالمخالفة للثوابت العلمية والشرعية"، وهناك مطالبات من البحرينيين وأعضاء في البرلمان بتغليظ تلك العقوبة.
السحر والشعوذة في التشريع الإماراتي
في دولة الإمارات العربية المتحدة نص قانون العقوبات الإماراتي المعدل بالقانون الاتحادي رقم 7 لعام 2016 قد تطرق لجرائم السحر الشعوذة، حيث عرفت المادة 316 مكرر1 مفهومي السحر والشعوذة، والمادة 316 مكرر2 البين منها أنها لم تكتف بتجريم وتحديد عقوبة من يقصد ساحرا أو مشعوذا استعانة به بقصد الإضرار بالغير، بل أنها جعلت العقوبة نفسها والتي هي الحبس والغرامة لكل من حاز أو أحرز أو تصرف بأي نوع من أنواع التصرف في كتب أو طلاسم أو مواد أو أدوات مخصصة للسحر أو للشعوذة.
وبالتالي يكون القانون قد جرم 3 ممارسات وأفعال تتعلق بالسحر والشعوذة، أولها الساحر أو المشعوذ، ثانيها من يقصد ساحرا أو مشعوذا ويستعن به بقصد الإضرار وإلحاق الأذى بالغير، وثالثها من يحوز أو يتصرف بأي شكل كان بمواد أو أدوات مخصصة للسحر أو الشعوذة بما في ذلك الكتب المخصصة لهذا الغرض، وذلك حفاظا على مجتمعهم.
يشار إلى أن وجود الجن ثابت بالكتاب والسنة بل ثابت في كل الشرائع، وأن السحر موجود في القرآن والدليل على ذلك في قوله تعالي: "واتبعوا ما تتلوا الشياطين علي ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل علي الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتي يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله"، وأن العلماء اتفقوا على أن تعلم السحر وتعليمه وممارسته حرام، قال الإمام النووي في (شرح مسلم): "وأما تعلمه – أي السحر - وتعليمه فحرام".
الخبير القانونى والمحامى بالنقض هانى صبرى