كثرت خلال الفترة الماضية وقائع الزنا والكشف عنها من خلال التقنيات الحديثة مثل الفيديوهات ومواقع التواصل الاجتماعي والرسائل الإلكترونية، فأصبح لا يمر علينا يوم إلا وتتصدر واقعة "زنا" المشهد، والزنا هو حصول وطء في غير حل، ولهذا فإن الرأي مستقر في الفقه والقضاء على أن جريمة "الزنا" لا تقوم إلا بحصول وطء في غير حلال، فلا تقع بما دون ذلك من أعمال الفحش، فليس كل فحش يعتبر "زنا"، والأصل طبقا للمادة 302 إجراءات هو حرية القاضي الجنائي في إثبات وقوع الجريمة ونسبتها للمتهم من أي دليل يطمئن إليه.
ومع ذلك خرج المشرع عن هذا الأصل في جريمة "الزنا"، وحدد في المادة 276 من قانون العقوبات الأدلة التي تقبل، وتكون حجة على المتهم بـ"الزنا"، بحيث لا يملك القاضي الحكم بالإدانة الأمن خلال أحد هذه الأدلة المحددة حصريا، وهذه الأدلة هي: 1- التلبس بالزنا، 2-والاعتراف، 3- ووجود أوراق صادره من المتهم، 4- ووجوده في منزل مسلم في المحل المخصص للحريم، إذ جرى نص تلك المادة علي أن: "الأدلة التي تقبل وتكون حجة على المتهم بالزنا هي القبض عليه حين تلبسه بالفعل أو اعترافه أو وجود مكاتيب أو أوراق أخرى مكتوبة منه".
مدى قانونية إثبات الزنا من خلال الرسائل الإلكترونية
في التقرير التالى، يلقى "برلمانى" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتعلق بإثبات جريمة "الزنا" من خلال الرسائل الإلكترونية "واتس آب – ماسنجر" وغيرها من الطرق الحديثة، ومدى جواز ذلك الإثبات من الناحية القانونية من عدمه على الرغم من أن الشرع الحنيف حدد لإثبات تلك الجريمة شهادة 4 شهود، ورأى محكمة النقض في تلك الأزمة، وإشكالية إدانة الزوجة الزانية وتبرئة شريكها، وهل يشترط في وقائع الزنا أن يكون الاعتراف قضائيا؟ وشروط الاعتداد بالرسالة الاليكترونية الصادرة من شريك الزنا، وغيرها من الإشكاليات الخاصة بوقائع الزنا واثباتها بالرسائل الالكترونية – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
إشكالية إدانة الزانية وتبرئة شريكها
في البداية - قضاء النقض مستقر منذ زمن وحتى الآن علي أن نطاق تطبيق المادة 276 يقتصر علي شريك الزوجة الزانية، أما الزوجة نفسها فيصح للقاضي أن يعتمد في إثبات زناها علي أي دليل يطمئن إليه ولو لم يكن من بين الأدلة التي نصت عليه تلك المادة، وكذلك الشأن في إثبات زنا الزوج وشريكته، إذ لا يتقيد القاضى في إثبات هذا الزنا بقيود خاصة – كما ورد في الطعن المقيد برقم 3610 لسنه 65 قضائية - ولهذا حكم بأن ضبط عوازل طبية ملوثة بآثار "مني" بمنزل المتهم الشريك بناء على إذن مسبق غير كاف لإدانة الشريك بالزنا، لأن ذاك ليس من بين الادلة الحصرية التي حددها القانون – كما ورد في الطعن رقم 12862 لسنة 63 قضائية - وفقا لـ"فاروق".
وهو أمر شاذ إذا ما اقتنع القاضي من شهادة الشهود والقرائن بنسبة الزنا الي الزوجة فيقض بإدانتها، ويجد نفسه مضطرا في ذات الوقت الي تبرئة شريكها لعدم توفر دليل من الأدلة التي تطلبها القانون لإثبات الزنا عليه وشريكته من خلال الرسائل الإليكترونية المتبادلة عبر شبكة الإنترنت سواء أكانت "وات ساب أو ماسنجر..الخ"، كل ذلك بشرط أن تكون تلك الرسائل جازمة في حصول الوطء أما بالنسبة لشريك الزوجة الزانية، فإنه لا يجوز إثبات الزنا ضده إلا من خلال أحد الأدلة المحددة حصرا في المادة 276 عقوبات، ومن ضمن تلك الأدلة المكاتيب والأوراق الصادرة من الشريك أو اعترافه بالزنا، فهل يمكن اعتبار الرسائل الاليكترونية الصادرة من الشريك بمثابة مكاتيب وأوراق أو اعتراف بالزنا؟ - الكلام لـ"فاروق".
هل يشترط في وقائع الزنا أن يكون الاعتراف قضائيا؟
وقد يقال بإمكانية الاعتداد بالرسالة الإلكترونية الصادرة من شريك الزوج سواء أكانت مثبتة فى تليفون الزوج، أو أرسلت ولم تثبت متى تضمنت اعتراف منه بالزنا، إذ أن القانون لا يشترط في الاعتراف أن يكون قضائيا بل يمكن أن يحصل خارج مجلس القضاء طالما حصل من الشريك وكذلك الشأن فى المكاتيب والأوراق طالما كانا نصا على حصول الوطء، وهذا ما أخذت به محكمة النقض إذ قضت بأنه لما كانت جريمة زنا الزوجة لا تقوم إلا بحصول وطء في غير حلال، بما مفاده أن الجريمة لا تقع بما دون ذلك من أعمال الفحش، وكان من المقرر أن تفسير العبارات ومعرفة مرماها مما تستقل به محكمة الموضوع ما دام استخلاصها متفقا مع حكم العقل والمنطق، وكان البين من الاطلاع على محاضر تفريغ التسجيلات الصوتية التي جرت بين الزوجة - المطعون ضدها الأولى - وبين المطعون ضده الثاني - على ما يبين من المفردات المضمومة - أنها خلت مما يفيد وقوع الوطء فعلا بينهما، وإن تضمنت عبارات غير لائقة ومن ثم يكون استخلاص محكمة الموضوع في استبعاد ما أسفرت عنه تلك التسجيلات وعدم اعتبارها دليلا من بين الأدلة التي أوردتها المادة 276 من قانون العقوبات بالنسبة للشريك في جريمة الزنا هو استخلاص سائغ ولم يخطئ الحكم المطعون فيه في التطبيق القانوني على الواقعة ويتفق مع حكم العقل والمنطق، وذلك طبقا للطعن المقيد برقم 21392 لسنة 63 قضائية.
وقد يقال بالعكس لأن المكاتيب والاوراق الصادرة من الشريك وتعتبر حجة في الزنا يقصد بها المحررات المكتوبة وهي في المعني التقليدي تتمتع بالثبات النسبي بحيث لا تتلاش أو تمحوا أو تزول دون ترك أثر ينم عنها، وهو ما قد يظلمه واقع الحال بالنسبة للرسائل الإلكترونية إذ يسهل محوها على الفور، وأياما كان الأمر فإنه لما كانت تلك المكاتيب والأوراق يجب أن تكون صادرة من الشريك نفسه وجازمة علي حصول الوطء، فإنها لابد وأن تتضمن بالضرورة اعتراف منه بالوطء، ولهذا فإننا نرى أنه يجوز إثبات زنا الشريك من خلال الرسائل الاليكترونية بوصفها اعترافا بالزنا لا سيما مع وجود نص المادة "11" من قانون جرائم تقنية المعلومات رقم 75 لسنة 2018، إذ نصت على أن يكون للأدلة المستمدة أو المستخرجة من الأجهزة أو المعدات أو الوسائط الدعامات الإليكترونية، أو النظام المعلوماتي أو من برامج الحاسب، أو من أى وسيلة لتقنية المعلومات نفس قيمة وحجية الأدلة الجنائية المادية فى الإثبات الجنائى متى توافرت بها الشروط الفنية الواردة باللائحة التنفيذية.
شروط الاعتداد بالرسالة الإلكترونية الصادرة من "شريك الزنا"
غير أن الاعتداد بالرسالة الاليكترونية الصادرة من الشريك مشروط فوق أن تكون دلالتها جازمة ونصا في إقرار الشريك بحصول الوطء أن يكون الحصول علي الرسالة أو بالأحرى الولوج الي البريد الإلكتروني للشريك قد تم بطريق مشروع أي بإذن قضائي مسبب ولمدة محددة طبقا للمادة 57 من دستور 2014، وقانون جرائم تقنية المعلومات 75 لسنة 2018، ولا يكفي في هذا الشأن رضا الزوجة الزانية، لأن الرسالة لا تخصها وحدها بل تخص شريكها وأن جاز لها أن تطلع الغير علي أسرارها، فإنها لا تملك أن تطلع الغير سواء أكان زوجها أو السلطات العامة على أسرار شريكها، ومن باب أولى لا يجوز للزوج أن يخترق البريد الإلكتروني لزوجته أو فتح هاتفها فى غيبتها لالتقاط الرسالة لأن فعله يعد في هذا الشأن جريمة طبقا لقانونين العقوبات والقانون رقم 75 لسنة 2018 ولا يستقيم أن يكون دليل الإدانة مشروعا حال كونه جريمة.
مدى جواز التجسس على الزوجة من الناحية القانونية
فضلا عن بث الثقة والأمانة فيما بين الزوجين وما يجب أن يسود العلاقة بينهما من احترام لا ينسجم مع التجسس بحيث أن شك أحد الزوجين في سلوك الآخر لجأ إلى اتباع الإجراءات القانونية في الإثبات، وإلا تحولت الأسرة إلى مسرح مخابرات وهو ما أخذ به القضاء الأمريكي والفرنسي وأيدهم فيه الفقه، ونعتقد لزوم الأخذ به فى مصر لاسيما مع وجود نصوص تجريم صريحة لا تبيح هذا التجسس والتنصت والالتقاط ومع وجود أحكام الشريعة الإسلامية التي تحظر من وجهة نظرنا هذا التجسس مطلقا، قال تعالى: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" وتقرر اما المعاشرة بالمعروف أو تسريح بإحسان ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ والتقيد فى اثبات الزنا بأدلة محدده.
ملحوظة:
محكمة النقض في حكم قديم يرى فيه القانونيون والدستوريين أنه – محل نظر - أجازت للزوج تفتيش حقيبة زوجته الموجودة بالمنزل إذا ما اقتنع أن بها رسائل من عشيقها، وعللت لذلك بأن الزوج في علاقته بزوجته ليس من الغير فى صدد المكاتبات، لأن عشرتهما وسكون كل منهما إلي الآخر وما يفرضه عقد الزواج عليهما من تكاليف لصيانة الأسرة في كيانها وسمعتها يخول لكل منهما ما لا يباح للغير من مراقبة زميله في سلوكه وفي سيره وفي غير ذلك، مما يتصل بالحياة الزوجية، لكي يكون علي بينه من عشيره وهذا ما يسمح له عند الاقتضاء أن يتقص ما عساه أن يساوره من ظنون أو شكوك لينفيه فيهدا باله أو ليتثبت منه فيقرر ما يرتئيه.
رأى محكمة الاستئناف
هذا وقد سبق لمحكمة جنح مستأنف مدينة نصر – المنعقدة بمحكمة القاهرة الجديدة الابتدائية – التصدي لهذا الأمر بحكماَ قضائياَ رسخت فيه لعدة مبادئ بشأن جرائم الزنا، قالت فيه: "جرائم الزنا من جرائم الشكوى ولا تحتاج بإذن مسبق والمكالمات الصوتية ورسائل الواتس والماسنجر اعتبارها من قرائن وقوع زنا".