أعمال السحر والشعوذة - أرشيفية
السحر لغة: هو كل أمر يخفى سببه ويتخيل على غير حقيقته ويجري مجرى التمويه والخداع، وأصل السحر صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره، فكان الساحر أدى الباطل في صورة الحق وخيل الشئ على غير حقيقته أى صرفه عن وجهه، أما السحر في الاصطلاح: المخادعة والتخييل أو عزائم ورقى وعقد تؤثر في الأبدان والقلوب فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه ويأخذ أحد الزوجين من صاحبه.
والسحر معترف به شرعا فلا يصح لمسلم أن ينكره بعد قوله تعالي:"وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ۞ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 101-103].
الإيذاء النفسي من خلال أعمال السحر والشعوذة
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية الإيذاء النفسي من خلال أعمال السحر والشعوذة، وموقف الفقه الجنائي منه، وموقف القضاء، فلا خلاف ما بين العلماء علي وجود السحر فقد أخبرنا القرأن به وذم فاعله وجزم أنه لا يفلح وتوعده بعذاب آليم، ولكن اختلف العلماء في أمر السحر هل له حقيقة أم هو خداع وتخييل؟ فقد ذهب جمهور العلماء من أهل السنة إلى أن السحر له حقيقة وتأثير بدلالة قوله تعالي: (وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ)، وقوله تعالي: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِوَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ)، وقوله تعالي أيضا: (وَمِن شَرِّ النَّفَّٰاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
في البداية - ذهب المعتزلة وبعض أهل السنة إلى أن السحر ليس له حقيقة في الواقع، وإنما هو خداع وتمويه وتضليل وأنه باب من أبواب الشعوذة بدلالة قوله تعالي: (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى)، ووصف الله السحر بأنه تخييل يخدع الأعين فيريها ما ليس بكائن كائنًا؛ فقال تعالى﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ [طه: 66] والكلام بمناسبة حبال السحرة وعصيهم وفي آية أخرى:﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ﴾ [الأعراف: 116] – وفقا لـ"فاروق".
وبغض النظر عن الخلاف المار ذكره، فإنه طالما كان السحر معترف به سواء أكان حقيقي أو خداع فإنه من المحتمل أن ينطلي علي بعض الناس، ويعتقد أن فيه خاصية التأثير حال أنه ليس فيه خاصيته فيصاب بألم نفسى من جراء القلق والخوف والتوتر متي علم أو اعتقد أنه مسحور فهل يعاقب الساحر ومن كلفه بالسحر في هذه الحالة؟ أم لا عقاب عن فعلهما؟ - الكلام لـ"فاروق".
موقف الفقه الجنائي من الإيذاء النفسي من خلال أعمال السحر والشعوذة
يذهب جمهور الفقه إلى عدم العقاب حتي وأن حصل الإيذاء مصادفة، إذ أن وسيلة السحر والتعازيم ساذجة وليس من شأنها أن ترتب أي ضرر أو ألم نفسي للمجني عليه بما يجعل الإيذاء من خلالها مستحيل، كما أن هذه الوسيلة تدل علي ضعف عقل الجاني وانعدام خطره، وبالتالي لا جريمة ولا عقوبة علي من يحاول إيذاء غيره عن طريق تسخير الجن والعفاريت – هكذا يقول أستاذ القانون الجنائى.
موقف القضاء ومحكمة النقض من الإيذاء النفسي من خلال أعمال السحر والشعوذة
لم يتعرض القضاء للمشكلة ولكن يبين من أحكامه أنه يعتد بالسحر فى خداع المجنى عليه وسلب إرادته كأحد الوسائل الاحتيالية في جريمة النصب، واعترف بأنها قد تنطلي علي المجني عليه فيسلم ماله للجاني، وذلك طبقا للطعن المقيد برقم 854 لسنة 39 قضائية – جلسة 23 يونيو 1969 - وأيضا أعتبر القضاء السحر والشعوذة من أسباب انعدام الرضا في جرائم الاغتصاب وهتك العرض، طبقا للطعن رقم 6677 لسنة 80 قضائية – جلسة 23 مارس 2013.
وفى هذا الشأن نعتقد أن السحر فى حد ذاته ليس من شأنه وحده وبمفرده تحقيق الإيذاء النفسى، وإنما يمكن أن يرتب هذا الأثر في الفرض الذي يعمد فيه الساحر أو من كلفه بالسحر الي إيصال خبر صنع السحر للمجني عليه بقصد تهديده أو ترويعه أوتخويفه، إذ الترويع وما نحوه يحدث انفعال حاد يؤثر بالسلب علي الجهاز العصبي الذي يعكس بدوره هذا التأثير علي غيره من أجهزة الجسم الأخري ويحدث بها اضطراب شديد مفاجئ فيهدر سلامته وصحته، وبالتالي يجب ألا يفلت الجاني من العقاب في هذه الحالة – طبقا لـ"فاروق".
القانون الجنائي لا يقيم وزنا لوسيلة الترويع والتخويف والتهديد
ذلك أن القانون الجنائي لا يقيم وزنا لوسيلة الترويع والتخويف والتهديد وإنما كل ما يهمه سلوك الجاني وقصده، فإن قصد من السحر زف الخبر للمجني عليه لتهديده للقيام بعمل أو الامتناع عن عمل أو لترويعه أو تخويفه وجب العقاب سواء حقق ما أراد من عدمه وإلا فلا إذ كل ما يشترط في السلوك المؤذي أن يكون صالحا لإحداث الإيذاء النفسي منظورا اليه في الظروف التي اتخذ فيها، وزف خبر السحر للمجني عليه وتهديده به والقاء الرعب في نفسه ليس وسيلة مستحيلة لحصول الإيذاء النفسي وإنما فحسب يدل علي سذاجة في نفسية الجاني، وذلك لا يمنع عقابه كقاعدة عامة متي قصد الإيذاء وتوافرت علاقة السببية، إذ كان القانون يتطلبها لقيام الجريمة – الكلام لـ"فاروق".
التعويل على فكرة الجنيّ بدلًا عن حل المشاكل بواقعيّة
ويضيف: ولا يعترض بسذاجة المجني عليه ولا ضعف إيمانه، وأن ما لاقاه من ألم نفسي من جراء زف خبر صنع السحر يرجع إلي خلل في شخصيته، ذلك أن القانون الجنائي لا يعتد بشخصية المجني عليه ولا بثقافته، بل أن هذا القانون يبسط حمايته لأجل أغلب الناس من البسطاء السذج، ولقد أوضح علماء الطب النفسى أن هناك علاقة وثيقة بين الاكتئاب والأمراض النفسية والسحر وهي علاقة تزامنية وسببية، إذ الأمراض النفسية تأتي في بعض الأحيان مع هذه الأوهام بالتوازي كأعراضٍ مرضية عندما يكون المريض مُؤمنًا ومُستعدًا أصلاً لذلك.
وارجع العلماء السبب في ذلك الي أن الاعتقاد الشعبيّ لدي عوام الناس يُفضل دومًا التعويل على فكرة الجنيّ بدلًا عن حل المشاكل بواقعيّة وعمليّة وقبول الواقع كما هو، فالجن والسحر هي أشياء تتجاوز قدرات البشر الطبيعية، بالتالي فالعقل الذي يؤمن بها أصلاً سيجدها مُبررًا مهضومًا للغاية وأجدى من خلال صب المشاكل بعيدًا عن مسؤوليته.
