اضطرابات الشخصية - Personality Disorders - أو بالأحرى انحراف السلوك بأنواعه المختلفة كإضطرابات الشخصية الإرتيابية والفصامية والحدية والمعادية للمجتمع والنرجسية والهستيرية والانطوائية والاعتمادية والوسواسية، وغيرها من الأمراض النفسية، باتت خطر يهدد المجتمع بأسره، ذلك أن الشخص الذي يعاني من تلك الأفة لا يقتصر ضرره عليه وحده بل يمتد إلي المحيطين به في الأسرة والعمل والعلاقات الحميمة بما يسمي بالايذاء النفسي للضحية، أي أن ضرر هؤلاء يمتد ليشمل المجتمع بأسره وكم من انحرافات وجرائم وظواهر انتحار كان سببها المباشر اضطرابات الشخصية.
ورغم التناول المستمر حول المسئولية الجنائية للمُضطرب شخصيا إلا أن العديد لا زال يظن أن اضطرابات الشخصية من موانع العقاب، وهذا غير صحيح على الإطلاق، فإضطرابات الشخصية ليست من موانع العقاب على عكس المرض النفسي، فإن اضطرابات الشخصية بأنواعها المختلفة ليس سبب للإعفاء من العقاب بل على العكس قد تعد سبب للتشديد ذلك أن مضطرب الشخصية مدرك تماما لسوكة المؤذى قاصدا إياه فهو يتلذذ من خلال إيذاء ضحاياه لحد دفع البعض إلى القول بأن الإيذاء بالنسبة لمضطرب الشخصية بمثابة وقود حياة لا يستطيع العيش بدونة.
اضطرابات الشخصية ليست من موانع العقاب
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية المعاملة الجنائية لمضطربى الشخصية، والفرق بينه وبين المضطرب نفسيا، وكيفية المعاملة فى مراحل الدعوى الجنائية، ثم المعاملة فى مرحلة التنفيذ العقابى، فلقد اعترف قانون الصحة النفسية المصرى رقم 71 لسنه 2009 المعدل بالقانون رقم 210 لسنة 2020 فى المادة الأولى منه بأن الاضطراب النفسي أو العقلي لا يشمل من لديه فقط الاضطرابات السلوكية دون وجود مرض نفسى أو عقلي واضح – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
تعريف محكمة النقض للشخصية السيكوباتية
في البداية – لمحكمة النقض المصرية تعريفا هاما للشخصية السيكوباتية من الناحية القانونية بإعتبارها مسئولة عن أفعالها، وأن قول دفاع المتهم بأن المتهم كان مجبول على هتك عرض المجني عليه في المواصلات العامة والزحام لوجود طغيان في غريزته الجنسية لا يعفيه من العقاب، إذ كان يتعين عليه وهو عليم بحالته أن يتجنب الزحام، وبذلك فإن الشخصية السيكوباتية تكون على علم بحالتها طبقا للتقارير الفنية واراء الخبراء من أطباء نفسيين – وفقا لـ"فاروق".
المعاملة فى مراحل الدعوى الجنائية
وتمر الدعوى الجنائية بعدة مراحل تبدأ بمرحلة التحقيق مرورا بمرحلة المحاكمة على أن يسبق ذلك مرحلة تحرى واستدلال يتم فيها البحث عن الجرائم ومرتكبيها، أما مرحلة الاستدلال فينهض بها رجال الضبط القضائي ومعظهم من ضباط الشرطة، وأما مرحلة التحقيق فيتولاها أعضاء النيابة العامة ومرحلة المحاكمة يضلع بها قضاه الحكم، وفى كل مرحلة من تلك المراحل يجب تزويد القائمين عليها بمعلومات كافية عن المصابين بإضطرابات الشخصية والجرائم الشائع وقوعها منهم حتى يمكن لجهات البحث والتحرى تحديد المجرم من خلال كيفية ارتكابة الجريمة وما إذا كان مرتكب الجريمة قد يكون مضطرب الشخصية من عدمه – الكلام لـ"فاروق".
ويسهل على سلطة التحقيق التعامل مع مضطرب الشخصية ومعرفة كيف يفكر ويخطط، إذ هم كاذبون مضللون متلاعبون لا يتورعون فى إلصاق الإتهام بغيرهم، وأيضا حتى يتمكن قاضى الحكم من اختيار العقوبة الملائمة، إذ مضطرب الشخصية ليس بمجرم عادى أو بالمصادفة، وإنما مُجرم محترف معتادى الإجرام، ولكن فى جرائم بعينها بحسب نوع الاضطراب الذي يعانى منه، وقد يقتضى الأمر بالاستعانة بخبير نفسى لديه خبرة فى اضطرابات السلوك ليحدد فئة المجرم المضطرب، ليسهل الطريق أمام جهات التحقيق والحكم فى التعامل معه، إذ أن اضطرابات السلوك متعددة ومتميزة وليس على ذات الدرجة من الخطورة ولكل اضطراب علامات مميزة له – هكذا يقول أستاذ القانون الجنائى.
المعاملة فى مرحلة التنفيذ العقابى
إذا صدر حكم نهائي بات فى الدعوى بدأت مرحلة أخرى، وهى مرحلة التنفيذ العقابى، وتنهض بها مصلحة السجون، ولم تعد العقوبة فقط وسيلة للزجر العام والخاص ولم يعد السجن كذلك دار جزاء وانتقام، وإنما أصبحت العقوبة والسجن وسيلة إصلاح وتقويم ذلك أن المجرم بعد انتهاء فترة العقوبة سيعود مرة أخرى الي الانخراط فى المجتمع، وإذا لم يتم تقويمه من خلال إصلاحه سيعود للجريمة مرة أخرى، والمحكوم عليهم من مضطربى الشخصية يحتاجون معاملة عقابية خاصة، إذ المصاب بهذه الاضطرابات يعاني من مشاعر وأفكار وتصرفات غير صحية تخالف معايير المجتمع وتؤثر على علاقات الفرد الشخصية والاجتماعية والاقتصادية حيث يواجه صعوبة في تفسير المواقف وفهم الأشخاص والتعامل معهم، مما يؤدي إلى حدوث مشاكل في العلاقات والعمل والعزلة وربما الإصابة بالقلق والاكتئاب – طبقا لـ"فاروق".
علاج الإضطراب الشخصى يتراوح بين 3 لـ5 سنوات
وعادة لا يدرك مُصاب اضطراب الشخصية أنه يعاني من مشاكل في التفكير والسلوك تستدعي العلاج فهو يعتقد أن الخطأ يكمن في تصرفات الآخرين بل ويلوم غيره على ما يعانيه من مشاكل (فهُمْ فِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)، وعلاج هذه الاضطرابات صعب أكيد، إذ يتطلب فضلا عن إعتراف المصاب بالخلل في شخصيته وسلوكه، وهو أمر نادر فإن فترة العلاج طبقا وفقا لإحدث الدراسات تتراوح من 3 لـ 5 سنوات بما قد يقف عائق أمام تطبيق نظام الإفراج الشرطى عن هؤلاء (نصف مدة العقوبة المحكوم بها) أن كانت مدة العقوبة التى قضاها أقل من خمس سنوات – بحسب "فاروق".
وفى الأخير يؤكد: ثم أن نتائج التشافي من العرض لا تتجاوز 30% وأكثر من ذلك فإن هذه الاضطرابات غير ثابتة بل متطورة ومتداخلة، إذ المصاب بإضطرابات الشخصية الحدية يمكن أن يضحي نرجسي والأخير يمكن أن يصبح هستيري والعكس وهكذا دواليك، ولهذا فإن إصلاح مضطربى الشخصية المساجين من خلال علاجهم أثناء قضاء فترة السجن لتحقيق أغراض العقوبة ليس بالأمر العين، إذ يحتاج خبراء سلوك متخصصين ومجهود مضنى من مصلحة السجون حتى يتم تقويمهم.