علم النفس الجنائي من العلوم حديثة النشأة وهو عالمٌ واسعٌ تتقاطع فيه العديد من العلوم والميادين، ومن هذه العلوم علم النفس وعلم القانون والجريمة وغيرها الكثير ويعد العامل المشترك الأكبر بين هذه العلوم دراستها للسلوك الإنساني حيث تسعى إلى فهم طبيعته ووصفه ومعرفة دوافعه وأشكاله، وهو في ذلك يختلف عن علم النفس العام الذي يهتم بدراسة السلوك الإنساني بهدف الوصول إلى المعرفة الدقيقة والمحددة لظاهرة سلوكية معينة، ويكون ذلك من خلال تفسير السلوك والتنبؤ به وضبطه.
ويُعتبر علم النفس الجنائي من فروع علم النفس التي سعت إلى التطبيق العملي لنظريات علم النفس على أرض الواقع وهو علم شيق ومفيد للعاملين في حقل القانون الجنائي غير أن الباحث في علم النفس الجنائي لا يمكن أن يدرك فحواه إلا إذا درس علم النفس العام، إذ يعد الأخير مقدمة ضرورية لاستيعابه وتطبيقه، ولقد تعددت التعريفات ألتي قيلت في علم النفس الجنائي، ومن أبرز التعريفات أنه ذلك العلم الذي يهدف إلى محاوله تطبيق المبادئ النفسية العامه علي الجريمة والمجرم وتصنيف المجرمين حسب خصائصهم النفسية، لتقديم المساعدة في معرفة وفهم الدوافع المختلفة التي تؤدي إلى انزلاقهم للسلوك الإجرامي.
عن علم النفس الجنائي.. العلاقة بين علم النفس الجنائي والإجرام "وثيقة"
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على علم النَّفس الجنائي، والذى تأسس في أوائل القرن العشرين علي يد العالم الكبير "فونت"، ولكن ركز فحسب علي دراسة الجوانب التنظيرية التجريبية دون الاهتمام بالجوانب التطبيقية، وفي وقتٍ لاحق ظهر الكثير من طلاب "فونت" الذين أضافوا مبدأ الدراسات التطبيقية على علم النفس واهتموا بها، ومن أبرزهم العالم الأمريكي من أصل ألماني منستربرج (Munsterberg) والذي اعتُبر الأب الروحي لعلم النفس التطبيقي، حيث تحدث هذا العالم عن أهمية تطبيقات علم النفس في الحياة اليومية بشكل عام، وعن علم النفس الجنائي بشكل خاص – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
في البداية - من أبرز مساهمات "منستربرج" في دراسات علم النفس الجنائي تأليفه كتاباً بعنوان "على منصة الشهادة" حيث وضع فيه ملاحظاته، ومشاهاداته للوقائع التي تحدث داخل المحاكم والشهادات القضائية وغيرها من القضايا الجنائية، ويهتم علم النفس الجنائي بدراسة الأُطُر النفسية للنظام القانوني، وشهادات شهود العيان، وقرارات هيئة المحلفين، بالإضافة إلى البيئة العملية للأخصائيين النفسيين الجنائيين بل القضاة أنفسهم، إذ اكتشف الخبراء أن القاض الذي يميل للإدانة في جرائم الدم سبق وأن تعرض هو أو عزيز عليه لتعدي وأن زميله الذي يتشدد في عقوبات المخدرات تعرض إبنه أو شخص عزيز عليه للإدمان وهكذا – وفقا لـ"فاروق".
وأثبت أن الجريمة ليست قضية تخص القضاء والقانون فقط
وفي مصر تعرض الدكتور رمسيس بهنام لعلم النفس الجنائي تحت مسمي علم طبائع المجرم، وكان له السبق في عرض أنماط الشخصيات الإجرامية كالسيكوباتية والهيسترية والمعادية للمجتمع، ففتح المجال لدراسة اضطرابات الشخصية بحسبانها سبب للإجرام، ولفت النظر إلي الفارق بين المرض النفسي الذي يرفع المسؤلية الجنائية وبين اضطراب الشخصية الذي يعد علي العكس سبب لتشديد العقاب، كما يوجد العديد من المواضيع الفرعية التي إهتم بها علم النفس الجنائي كبرامج العنف الأسري وحماية الطفولة ومحاكمها، والمحاكم الخاصة بقضايا المخدرات والصحة النفسية والبرامج الخاصة بمجرمي القضايا الجنسية والنفسية والنصب العاطفي – الكلام لـ"فاروق".
والعلاقة بين علم النفس الجنائي والإجرام وثيقة، لدرجة دعت البعض للإعتقاد بأن علم النفس الجنائي أحد مباحث علم الإجرام، إذ يهتم علم النفس بدراسة وفهم الأنماط السلوكية الإجرامية وآلية حدوثها وتحديد دوافعها المختلفة، وطرق تصنيف هذه السلوكيات من خلال المنظورات والاتجاهات المختلفة كالتطور القانوني والإدانة الجنائية، كما يهتم بدراسة المنظور الإحصائي لبعض الظواهر السلوكية الإجرامية والشاذة لمعرفة مدى انتشار السلوك وشيوعه، أما ما يتعلق بالمنظور الوظيفي فإنه يدرس أنواع الخلل الإجتماعى والنفسي والذي يؤدي بدوره إلى حدوث السلوك الاجرامي – طبقا لأستاذ القانون الجنائى.
بل ظاهرة ومشكلة اجتماعية تهدد المجتمع بأسره
كما ينظر علم النفس الجنائي للجريمة على أنها تنتج عن الدوافع النفسية غير السوية، وأثبت علم النفس الجنائي أن الجريمة ليست قضية تخص القضاء والقانون فقط بل إنها ظاهرة ومشكلة اجتماعية تهدد المجتمع بأسره، ويظهر بذلك أن العلوم القضائية والقانونية تُعنى بحماية المجتمعات والحفاظ على أعلى مستوى من الأمان والاستقرار فيها أما علم النفس فهو يُعنى بالاهتمام بجميع الحالات النفسية التي يمر بها الفرد أثناء تعرضه للظروف المختلفة والتي تنعكس علي المجتمع لكونه أحد أفراده.