أصدرت الدائرة الجنائية "د" – بمحكمة النقض – حكما قضائيا، يضع ضوابط الإدانة في جرائم الاتجار بالنقد الأجنبي، بإلغاء حكم أول درجة بسجن 3 أشخاص 5 سنوات وتغريمهم مليون جنيه، والقضاء مجددا ببرائتهم، مستندة في حيثيات الحكم على أن "التحريات" التي تم الإدانة بها ما هي إلا مجرد رأى لصاحبها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب، ولا شيء أخر يدعمها.
صدر الحكم ىف الطعن المقيد برقم 9623 لسنة 92 قضائية، لصالح المحامى بالنقض محمود رجب فتح الله، برئاسة المستشار عزمي الشافعي، وعضوية المستشارين عزمي الشافعي، ومحمد السعدني، ووائل صبحي، ومصطفى محمد سید، وبحضور كل من رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض محمد نايل، وأمانة سر السيد على جوده .
الوقائع.. القبض على 3 أشخاص بتهمة الاتجار في العملة
اتهمت النيابة العامة كل من "محمد. ع"، طاعن، 2-"عبدالله. ل"، 3-"حماده. س"، طاعن، في قضية رقم 129 لسنة 2021 اقتصادية مركز تلا، لأنهم 19 ديسمبر 2020 لأنهم في يوم 19 ديسمبر 2020 - بدائرة مركز تلا - محافظة المنوفية .
أولاً: تعاملوا في النقد الاجنبي على خلاف الشروط المقررة قانونا بأن أجروا عمليات استبدال العملات الأجنبية بما يعادلها من النقد المصرى دون أن يكون ذلك عن طريق البنوك المعتمدة والجهات المرخص لها قانونا بذلك على النحو المبين بالتحقيقات.
ثانياً: باشروا ما جري العرف المصرفي على اعتباره عملاً من أعمال البنوك في غير الأحوال المصرح بها قانونا بأن تعاملوا في النقد الاجنبي والمصري بيعاً وشراء دون أنا يكونوا مسجلين في البنك المركزي الممارسة، ذلك النشاط على النحو المبين بالتحقيقات .
"الاقتصادية" تقضى بسجنهم 5 سنوات ومليون جنيه غرامة لكل منهم
في تلك الأثناء – إحالتهم النيابة العامة إلى محكمة جنايات طنها الاقتصادية لمعاقبتهم طبقاً لقيد والوصف الوارد بأمر و الإحالة، والمحكمة المذكورة قضت بتاريخ 19 من فبراير سنة 2022، عملا بالمواد 63/1، 225/1، 233/1، 4، 236 من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد الصادر بالقانون رقم 194 لسنة 2020، مع إعمال نص المادتين 30، 32 من قانون العقوبات حضورياً للمتهمان الأول والثالث وغيابيا للمتهم الثاني بمعاقبة كلا من "محمد. ع"، و"حماده. س" و"عبدالله. ل" بالسجن لمدة 5 سنوات، وبتغريم كل منهم مبلغ وقدره مليون جنيه عما أسند إليهم من اتهام، وأمرت بمصادرة المبالغ المالية، والهاتف المحمول المضبوط والزمتهم بالمصروفات الجنائية.
متهمين يطعنان على الحكم لإلغاءه
وتم الطعن على الحكم أمام محكمة النقض، ومذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون، حيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دائهما بجريمتي التعامل في النقد الأجنبي على خلاف أحكام القانون والقيام بمباشرة عمل من أعمال البنوك على خلاف الشروط المقررة قانونا قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ذلك بأنه خلا من بيان الأركان القانونية للجريمتين التي دانه بهما، وعول في قضائه بالإدانة على تحريات مباحث الأموال العامة رغم خلوه الأوراق من أي دليل على ارتكابهما أي جرائم، مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
"التحريات".. كلمة السر في مذكرة الطعن لإنتزاع البراءة
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: حيث إن البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه استدل على ثبوت واقعات الاتهام - في حق الطاعنين أخذاً بما ورد بتحريات مباحث الأموال العامة لما كان ذلك، وكان الطاعنان قد قدما للمحاكمة بوصف التعامل في النقد الأجنبي المبين بالأوراق على خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانوناً، وكان البين من تشريع الرقابة على عمليات النقد الأجنبي عموماً ومن مذكرته التفسيرية وأعماله التحضيرية أن الرقابة على عمليات النقد تنصب على كل عملية من أي نوع أياً كان الاسم الذي يصدق عليها في القانون يكون موضوعها نقداً أجنبياً مادام من شأنها أن تؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر إلى ضياع نقد أجنبي كان من حق الدولة أن تحصل عليه.
وبحسب "المحكمة": وإذ أن الشارع فرض نوعاً من الحجز أو الاستيلاء أو التجميد على النقد الأجنبي كله ووضعه تحت تصرف الدولة المهيمنة على الاقتصاد القومي لا يباح لأي شخص أن يتصرف في مبلغ منه إلا بإذنها وكل إخلال بالتجميد الذي فرضه الشارع في هذا الشأن يقع حتماً في نطاق التأثيم والعقاب، كما أنه من المقرر أن النشاط المادي في كافة جرائم التعامل بالنقد الأجنبي يتمثل في القيام بعملية من عملية النقد الأجنبي أياً كان نوعها سواء أكان تعاملاً أو تحويلاً أو تعهداً أو مقاصة أو غير ذلك من العمليات التي بين النص نوعها أو غيرها، مما لم ينص عليه ما دام قوامها جميعاً التعامل بالنقد الأجنبي.
الأحكام في المواد الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين لا على الظن والاحتمال
لما كان ذلك، وكان ما ساقه الحكم لا يكفي لإثبات تعامل الطاعنين في أوراق النقد الأجنبي على خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانوناً وعن غير طريق المصارف المرخص لها بذلك، لما كان ذلك، وكانت الأحكام في المواد الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين لا على الظن والاحتمال، كما أنه من المقرر أن الأحكام يجب أن تبنى على الأدلة التي يقتنع منها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته، صادراً في ذلك عن عقيدة يحصلها هو مما يجريه من تحقيق مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره، ولا يصح في القانون أن يدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام عليها قضاءه أو بعدم صحتها حكماً لسواه.
لما كان ذلك - وكان من المقرر أن تحريات الشرطة ليست كلها صحيحة وليست كلها لها سند من الأوراق وليس كل ما يشاع عن الناس يصادف الحقيقة والصدق فالواقعة الواحدة يختلف الناس في تفسيرها وفى رؤاهم عنها، وكان من تكوين عقيدتها على التحريات المقرر كذلك أنه وإن كان يجوز للمحكمة أن تعول في في أنها لا تصلح بمجردها أن بحسبانها قرينة تعزز ما ساقته من أدلة، إلا تكون دليلاً كافياً بذاته أو قرينة مستقلة على ثبوت الاتهام، وهي من بعد لا تعدو أن تكون مجرد رأي لصاحبها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب، إلى أن يعرف مصدرها ويتحدد حتى يتحقق القاضي بنفسه من هذا المصدر ويستطيع أن يبسط رقابته على الدليل ويقدر قيمته القانونية في الإثبات.
النقض: التحريات مجرد رأى لصاحبها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب
لما كان ذلك - وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه، أن المحكمة قد اتخذت من التحريات دليلاً أساسياً في ثبوت الاتهام قبل الطاعن دون أن تورد من الأدلة والقرائن ما يساندها فإنها بهذه المثابة لا تعدو أن تكون مجرد رأى لصاحبها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب إلى أن يعرف مصدره ويتحدد كنهه ويتحقق القاضي منه بنفسه حتى يستطيع أن يبسط رقابته على الدليل ويقدر قيمته من حيث صحته أو فساده وإنتاجه في الدعوى أو عدم إنتاجه، فإن حكمها يكون قد تعيب بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب بما يبطله.
وتضيف "المحكمة": ولا يعصم الحكم من هذا البطلان ما أورده من أدلة - على نحو ما سلف ذكره - ذلك أن الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه والمفردات - التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن - أن أقوال ضابط مباحث الأموال العامة التي عول عليهم الحكم في إدانة الطاعنين قد خلت من أي دليل يمكن التعويل عليه في إدانة الطاعنين بجريمتي التعامل في النقد الأجنبي على خلاف أحكام القانون والقيام بمباشرة عمل من أعمال البنوك على خلاف الشروط المقررة قانوناً، هذا إلى أن الحكم - على ما سلف لم يورد أية شواهد أو قرائن تؤدي بطريق اللزوم إلى ثبوت مقارفة الطاعن الواقعة التعامل في النقد الأجنبي أو القيام بعمل من اعمال البنوك، فإن الحكم يكون فوق ما تقدم أخطأ في تطبيق القانون، ولما كانت الدعوى صالحة للفصل فيها فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعنين، مما أسند إليهما عملاً بالفقرة الأولى من المادة 39 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والقضاء ببراءة الطاعنين مما أسند إليه .
النقض تقضى بالبراءة فى الاتجار فى النقد الأجنبى 3