أصدرت الدائرة المدنية "ب" – بمحكمة النقض – حكما فريدا من نوعه، يهم ملايين المتعاملين مع الشهر العقارى، رسخت فيه لعدة مبادئ قضائية بشأن طلب "محو وشطب المحرر المُشهر"، قالت فيه:
"1-طلب الحكم بمحو وشطب المحرر المشهر على سند من بطلان ذلك المحرر لثبوت تزوير التوكيل المستخدم في البيع هو بحسب حقيقته ومرماه دعوى بعدم نفاذ ذلك التصرف.
2-طلب شطب ومحو ما تم من تسجيلات موجه إلى مصلحة الشهر العقاري التي يمثلها وزير العدل بصفته الرئيس الأعلى لها وهي المنوط بها تنفيذ الحكم بشطبها.
3-لا يجوز طلب إبطال بيع ملك الغير إلا للمشترى دون البائع له.
4-لا يجوز طلب إبطال بيع ملك الغير إلا للمشترى دون البائع له إلا أن المالك الحقيقي يكفيه أن يتمسك بعدم نفاذ هذا التصرف في حقه إذا كان العقد قد سجل.
5-العبرة في تكييف الطلبات في الدعوى ليس بحرفية عباراتها أو الألفاظ التي تصاغ بها هذه الطلبات، وإنما بحقيقة المقصود بما عناه المدعي.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 5431 لسنة 92 قضائية، لصالح المحامى بالنقض مجدى مراد بسطا، برئاسة المستشار عبدالله لبيب خلف، وعضوية المستشارين شريف فؤاد العشرى، ونور الدين عبدالله جامع، ومحمد أمين عبدالنبى، وصالح إبراهيم الحداد، وبحضور كل من رئيس النيابة محمد محمود عبدالحفيظ، وأمانة سر محمد فرج.
الوقائع.. نزاع قضائى حول "محرر مُشهر"
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام على المطعون ضدهم من البند الأول إلى البند الثالث والمطعون ضدهما الخامس عشر والسادس عشر بصفتيهما الدعوى رقم 199 لسنة 2017 مدنى محكمة شمال القاهرة الإبتدائية بطلب الحكم بمحو وشطب المحرر المشهر برقم 2018 لسنة 1994 شهر عقارى شمال القاهرة وعدم نفاذه في مواجهته، وطرد المطعون ضدهم من البند الأول إلى البند الثالث من مساحة الأرض المبينة بالصحيفة وتسليمها شائعة إليه.
وقال بيانا لذلك إنه يمتلك بالميراث على الشيوع حصة مقدارها ستمائة وتسعة وخمسون مترا وخمسة وسبعون سنتيمترا في الأرض المذكورة ، وبتاريخ 31 مايو 1988 أصدرت مورثته توكيل رسمي موثق بالقنصلية المصرية - بمونتريال كندا - مقيد برقم 178 لسنة 1988 والمصدق عليه من الخارجية المصرية برقم 33322 لسنة 1991 لصالح "...."- غير مختصم بالطعن - والذي تقدم بطلب إلى مصلحة الشهر العقاري بقصر النيل لإيداع التوكيل سالف الذكر والتصديق عليه وأعطى له رقم 41550 لسنة 1991 توثيق قصر النيل.
إشكالية بطلان عقد البيع
ثم قام بإصدار التوكيل رقم 2855 /ح لسنة 1993 توثيق قصر النيل المصدق عليه في 28 نوفمبر 1993 لصالح "....." غير مختصم بالطعن والذي قام بالتصديق علي عقد البيع سند الدعوى - بصفته وكيلا عن "عماد. ز" بالتوكيل المذكور ثم شهر هذا البيع برقم 2518 لسنة 1994 شهر عقاري شمال القاهرة، وإذ كان ذلك البيع باطلاً لصدوره بناء على محضر الإيداع والتوكيل المشار إليهما المزورين على مورثة الطاعن بموجب الحكم الجنائى البات 10 لسنة 1997 جنايات قصر النيل، وبالتالي يكون عقد البيع باطلا، وما يترتب على ذلك من بطلان هذا الشهر فقد أقام الدعوى.
وفى تلك الأثناء - أدخل الطاعن المطعون ضدهم من البند الرابع إلى البند الرابع عشر خصوما في الدعوى، وجه المطعون ضده الأول دعوى فرعية بطلب الحكم - وفقا لطلباته الختامية - بإثبات انعدام التوارث بين الطاعن ومورثه "....."، ومنع تعرض الطاعن له في ملكيته المساحة الأرض موضوع النزاع، وإثبات تزوير الإعلام الشرعي رقم 892 لسنة 1979 وراثات مصر الجديدة، ثم ندبت المحكمة خبيرا وبعد أن أودع تقريره، حكمت بعدم قبول طلب محو وشطب المحرر موضوع النزاع لرفعه قبل الأوان، وبرفض طلب طرد المطعون ضدهم من البند الأول إلى البند الثالث من مساحة أرض التداعي في الدعوى الأصلية، وبعدم قبول الدعوى الفرعية شكلا.
إلا أن الطاعن لم يرتضى الحكم، فأستأنفه لدي محكمة استئناف القاهرة لإلغاءه بالاستئناف رقم 8474 لسنة 24 قضائية، كما استأنفه المطعون ضده الأول أمام ذات المحكمة بالاستئناف رقم 1542 لسنة 24 ق وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين قضت بتاريخ 9 يناير 2022 بالتأييد، ثم طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة دفعت فيها بعدم قبول الطعن بالنسبة للمطعون ضده السادس عشر بصفته وأبدت فيها الرأى بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
النيابة تدفع بعدم قبول الطعن
وحيث إن الدفع المبدى من النيابة - بعدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة للمطعون ضده السادس عشر بصفته في محله ذلك بأن من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن طلب الطاعن شطب ومحو ما تم من تسجيلات بشأن شقة النزاع إنما هو موجه إلى مصلحة الشهر العقاري التي يمثلها وزير العدل بصفته الرئيس الأعلى لها وهي المنوط بها تنفيذ الحكم بشطبها - لما كان ذلك - وكان المطعون ضده الخامس خصما حقيقيا في الدعوى يصح اختصامه في هذا الطعن أما المطعون تابع للمطعون ضده الخامس عشر بصفته ولا يمثل مصلحة الشهر العقاري العدل بصفته ضده السادس عشر. عشر بصفته فهو: أمام القضاء ومن ثم يكون اختصامه في الطعن غير جائز ومن ثم غير مقبول، وحيث إن ن الطعن الطعن - فيما عدا ما ما نت تقدم - قد استوفى أوضاعه الشكلية.
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وقال بياناً لذلك إنه تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بأنه لم يصدر عن مورثته ثمة توكيلات تبيح الحق في بيع مساحة الأرض المملوكة لها سواء للنفس أو الغير، وأن محضر الإبداع رقم 4150 لسنة 1991 توثيق قصر النيل الصادر لصالح "...." بناء على التوكيل العام الصادر للأخير من مورثة الطاعن، والتوكيل رقم 2855/ ح لسنة 1993 توثيق قصر النيل الصادر لصالح "..."، والذي بموجبه باع الأخير - بصفته وكيلا عن للمطعون ضدهم من الأول إلى الثالث مساحة الأرض المملوكة لمورثته ثبت تزويرهما بموجب الحكم الجنائي البات في الجناية رقم 1030 لسنة 1997 جنايات قصر النيل.
ومن ثم لا يسرى عقد البيع المشهر برقم 2581 لسنة 1994 شهر عقارى شمال القاهرة بشأن مساحة الأرض المشار إليها في حقه عملا بنص المادة 466 من القانون المدني بحسبانه المالك لتلك المساحة بالميراث الشرعي عن مورثته وأن هذا البيع صدر من غير مالك، ودلل على ذلك بما قدمه من مستندات تؤيده منها صورة رسمية من الحكم الصادر في الجناية المذكورة، ومستخرج رسمى من المشهر سالف البيان، إلا أن حكم أول درجة المؤيد بالحكم المطعون فيه التفت عن دفاعه السالف البيان المؤيد بالمستندات وقضى بعدم قبول طلب محو وشطب المحرر المشهر سند الدعوى ورفض طلبه بطرد المطعون ضدهم سالفي الذكر من مساحة أرض النزاع على سند من وجود نزاع على ملكية تلك الأرض وعدم استقرارها بالنسبة للطاعن، وأن طلب بطلان عقد البيع المشهر موضوع النزاع مقرر لمصلحة المطعون ضدهم - المشترين - وهو ما خلت منه الأوراق، رغم أن البين من تقرير خبير الدعوي ملكية مورثته لمساحة قدرها 21/4، 2 سهما، 2 ط من الأرض محل سنهم التداعى، وأن طلب الحكم بمحو وشطب المحرر المشهر سند الدعوى على سند من بطلان ذلك المحرر لثبوت تزوير التوكيل المستخدم في بيع مساحة الأرض المملوكة لمورثته بموجب الحكم الجنائي المشار إليه هو بحسب حقيقته ومرماه دعوى بعدم نفاذ ذلك التصرف في حقه، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
النقض تُرسخ 5 مبادئ قضائية بشأن "طلب محو وشطب المحرر المُشهر"
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: إن هذا النعى في محله ذلك بأن من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن " مفاد المادتين 456 من قانون الإجراءات الجنائية، 102 من قانون الإثبات أن الحكم الجنائي تكون له حجيته في الدعوى الدعويين الجنائية والمدنية وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله، فإذا فصلت المحكمة الجنائية في هذه الأمور فإنه يمتنع على المحاكم المدنية أن تعيد بحثها ويتعين عليها أن تعتبرها وتلتزمها في بحث الحقوق المتصلة بها كي لا يكون حكمها مخالفا للحكم الجنائي السابق له ".
وبحسب "المحكمة": كما أنه من المقرر - وإن كان لا يجوز طلب إبطال بيع ملك الغير إلا للمشترى دون البائع له إلا أن المالك الحقيقي يكفيه أن يتمسك بعدم نفاذ هذا التصرف في حقه أصلاً إذا كان العقد قد سجل وأن العبرة في تكييف الطلبات في الدعوى ليس بحرفية عباراتها أو الألفاظ التي تصاغ بها هذه الطلبات وإنما بحقيقة المقصود بما عناه المدعي فيها أخذا في الاعتبار ما يطرحه واقعا ومبررا لها، وأنه يتعين على محكمة الموضوع أن تعطي الدعوى وصفها الحق مما تتبينه من وقائعها غير متقيدة في ذلك بتكييف الخصوم لها في حدود سبب الدعوى والطلبات المطروحة فيها.
لا يجوز طلب إبطال بيع ملك الغير إلا للمشترى دون البائع له إلا في هذه الحالة
وتضيف "المحكمة": وأن لمحكمة النقض مراقبة محكمة الاستئناف في تكييفها للدعوى دون التقيد في ذلك بالوصف الذي أسبغته عليها محكمة الاستئناف حتى لا يحرم المدعي من حق ربما لم يكن ليضيع عليه لو بحث هذا التكييف قبل ما عاد من المسائل المتعلقة بالحق المتنازع عليه موضوعا، كما المدنية أمام المحكمة المدنية كلما كان قد فصل فصلا لازما في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين أنه من المقرر أيضا: "أن إغفال الحكم بحث دفاع أبداه الخصم يترتب عليه بطلان الحكم إذا كان دفاعا جوهريا ومؤثرا في النتيجة التي انتهى إليها، وأنه متى قدم الخصم إلى محكمة الموضوع مستندات تمسك بدلالتها فالتفت الحكم عنها أو أطرح دلالتها المؤثرة في حقوق الخصم دون أن يبين بمدوناته ما يبرر هذا الأطراح، فإنه يكون قاصرا ".
لما كان ذلك - وكان البين من الأوراق ومن تقرير خبير الدعوى أن الحكم الجنائي الصادر في القضية رقم 1030 لسنة 1997 جنايات قصر النيل القاضي بإدانة المدعو "...." غير مختصم بالطعن - عن واقعة تزويره لمحضر الإبداع رقم 4150 لسنة 1991 توثيق قصر النيل الصادر له بناء على التوكيل الصادر من مورثة الطاعن، إضافة إلى قيامه بتزوير التوكيل رقم 2855 / ح لسنة 1993 توثيق قصر النيل الصادر لصالح "...." والذي بموجبه باع الأخير - بصفته وكيلا عن "...."- للمطعون ضدهم من الأول إلى الثالث مساحة الأرض المملوكة لمورثة الطاعن - ضمن مساحة أكبر - الواردة بالعقد المشهر رقم 2518 لسنة 1995 شهر عقاري شمال القاهرة وصيرورة هذا الحكم نهائيا وباتاً بفوات ميعاد الطعن عليه، وكان هذا الحكم قد فصل بقضائه هذا فصلا لازما في واقعة تزوير محضر الايداع والتوكيل المشار إليهما وهي بعينها مسالة أساسية مشتركة بين الدعويين الجنائية والمدنية.
البين من تقرير خبير الدعوى ثبوت ملكية مورثة الطاعن
وأوضحت "المحكمة": فيحوز في شأنها حجية الشيء المحكوم فيه أمام المحكمة المدنية فتتقيد هذه المحكمة ويمتنع عليها أن تخالفها أو تعيد بحثها، وإذ خالف حكم أول درجة المؤيد بالحكم المطعون فيه هذا النظر، وقضى بعدم قبول طلب محو وشطب المحرر المشهر سند الدعوى ورفض طلب الطاعن بطرد المطعون ضدهم سالفي الذكر من مساحة أرض النزاع على سند من وجود نزاع على ملكية تلك الأرض وعدم استقرارها بالنسبة للمطعون ضدهم سالفي الذكر، وأن طلب بطلان عقد البيع المشهر موضوع النزاع مقرر المصلحة المطعون ضدهم - المشترين - وهو ما خلت منه الأوراق.
واستطردت: رغم أن البين من تقرير خبير الدعوى ثبوت ملكية مورثة الطاعن المساحة قدرها 21/4، 2 سهما، 2 ط من الأرض محل التداعي الأرض محل التداعي الواردة ضمن مساحة أكبر بالقدر المشهر سند ا الدعوى، وأن طلب الحكم بمحو وشطب المحرر المشهر سند الدعوى على سند من بطلان ذلك المحرر لثبوت تزوير التوكيل المستخدم في بيع مساحة الأرض المملوكة لمورثته بموجب الحكم الجنائي المشار إليه هو بحسب حقيقته ومرماه دعوى بعدم نفاذ ذلك التصرف في حق الطاعن فإنه يكون قد خالف حجية الحكم الجنائي السابق، واخطأ في تطبيق القانون بما يعيبه ويوجب نقضه.
لذلك:
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وأحالت القضية إلى محكمة استئناف القاهرة وألزمت المطعون ضدهم المصروفات ومائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .