أصدرت الدائرة المدنية "ج" – بمحكمة النقض – حكما فريدا من نوعه، يهم المتضررين من الأراضى المستولى عليها من قبل الدولة، رسخ لـ11 مبدأ قضائيا بخصوص التعويضات، قالت فيه: "1- دعوى المطالبة بقيمة التعويض والريع عن الأراضى المستولى عليها لا تخضع لأحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 بشأن التوفيق فى بعض المنازعات.
2- تقدير قيمة التعويض تكون بوقت الحكم أو وقت إيداع تقرير الخبير، لا بوقت الإستيلاء.
3- لا يشترط أن يقيم دعوى التعويض جميع الورثة بل يكفى فيمن أقامها أن تكون له صفة فى رفع الدعوى .
4- لا يجوز نزع الأراضى قسراً بغير تعويض.
5- يجب أن يُنظَر في شأن هذا التعويض إلى ما فات من مغانم وما لَحِق من خسران من جراء أخذ الأرض عنوة.
6- إذا تراخى تقدير التعويض عن الاستيلاء أو كان بخساً تعيَّن على القاضي أن يراعي ذلك سواء في تقديره للقيمة أو الريع بصرف النظر.
7- يجب تقديم رفق صحيفة الطعن - صورة رسمية مبلغة لمحكمة النقض من المستندات التى يراد الاحتجاج بها وإلا كان النعى على الحكم غير مقبول.
8- القرار بقانون رقم 67 لسنة 1971 بشأن نقل اختصاصات صندوق الإصلاح الزراعى المنشأ بقانون رقم 350 لسنة 1952 إلى وزارة الخزانة جعل وزير الخزانة المالية هو الملزم بالتعويض عن الإستيلاء وعن الريع أيضا.
9- وزارة المالية اختصاصها بصرف التعويضات عن الأراضي المستولى عليها طبقًا لأحكام قانون الإصلاح الزراعي، والاستثناء هو اختصاص صندوق الأراضي الزراعية بصرف التعويضات عن الأراضي المستولى عليها نفاذًا لأحكام القرار بقانون 50 لسنة 1969 بشأن تعيين الحد الأقصى لملكية الفرد والأسرة في الأراضي الزراعية، طبقا للمادة 2 من القرار بقانون رقم 67 لسنة 1971، والمادة 16 من بقانون 50 لسنة 1969 المعدَّلة، 4 من قرار رئيس الجمهورية رقم 521 لسنة 1979.
10- عدم طلب الخصوم أمام محكمة أول درجة الحكم لهم بالفوائد عن المبلغ المطالب به، و طلبه لأول مرة أمام محكمة الاستئناف، يعد طلباً جديداً يوجب على المحكمة أن تحكم من تلقاء نفسها بعدم قبوله لتعلقه بالنظام العام.
11- أنه متى رأت محكمة الموضوع - في حدود سلطتها التقديرية - الأخذ بتقرير الخبير لاقتناعها بصحة أسبابه، فإنها لا تكون ملزمة بعد ذلك بالرد علي الطعون التي توجَّه إليه، لأن في أخذها به محمولاً على أسبابه، ما يفيد أنها لم تجد في تلك الطعون ما يستحق الرد عليه بأكثر مما تضمنه.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 31629 لسنة 93 قضائية، لصالح المحامى بالنقض يحيى سعد، برئاسة المستشار محمد سامح أحمد تمساح، وعضوية المستشارين ثروت نصر الدين إبراهيم، ومصطفى عبد الفتاح أحمد تركي، ورأفت الحسيني عبد الفتاح ومهاب محمد درويش، وبحضور كل من رئيس النيابة لدى محكمة النقض محمد أسامة، وأمانة سر أحمد رمضان.
الوقائع.. المطالبة بـ45 مليون جنيه تعويضا
الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهم أولاً أقاموا على المطعون ضده ثالثاً بصفته الدعوى رقم 154 لسنة 2009 مدني محكمة المنيا الابتدائية مأمورية بني مزار الكلية، بطلب الحكم - وفق طلباتهم الختامية - وبعد إدخالهم الطاعن بصفته خصماً في الدعوى بإلزامهما بأن يؤديا لهم مبلغ 45 مليون جنيه قيمة الأرض المملوكة لهم والمستولى عليها وما لحقهم من خسارة وما فاتهم من كسب، واحتياطياً ندب لجنة من الخبراء لتقدير ثمن تلك الأرض ومقابل عدم انتفاعهم بها من تاريخ الاستيلاء عليها وحتى تاريخ إيداع التقرير تمهيداً للحكم بإلزام الطاعن والمطعون ضده الثالث بصفتيهما بأن يؤدياه لهم.
وقالوا بياناً لذلك إن الهيئة العامة للإصلاح الزراعي استولت على الأرض المبينة بالأوراق المملوكة لمورثهم - وهم من بعده - بموجب القانون رقم 127 لسنة 1961 وقدرت تعويضاً زهيداً عنها، وإذ صدر حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 28 لسنة 6 قضائية، بعدم دستورية المادة الرابعة من هذا القانون، فقد أقاموا الدعوى.
الورثة يُقيمون دعوى تعويض عن الإستيلاء عن أرض مورثهم
تدخل المطعون ضدهم ثانياً في الدعوى هجومياً للحكم بإلزام الطاعن والمطعون ضده ثالثاً بصفتيهما بأن يؤديا لهم قيمة التعويض ومقابل عدم الانتفاع عن الأطيان المملوكة لمورثتهم وفق ما ينتهى إليه تقرير الخبير، ثم ندبت المحكمة خبيراً وبعد أن أودع تقريره الأخير حكمت برفض الدعوى بحكم استأنفه المطعون ضدهم أولاً لدى محكمة استئناف بني سويف "مأمورية المنيا بالاستئناف 2201 لسنة 58 ق، كما استأنفه المطعون ضدهم ثانياً لدى ذات المحكمة بالاستئناف 4178 لسنة 58 قضائية، ثم ضمت المحكمة الاستئنافين.
ثم ندبت خبيراً فيهما وبعد أن أودع تقريره قضت بجلسة 20 أغسطس 2023 في الاستئناف 2201 لسنة 58 قضائية، بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجدداً بإلزام الطاعن بصفته بأن يؤدي للمطعون ضدهم أولاً ما قدره من تعويض والفوائد القانونية بواقع 4 %، وبعدم قبول الاستئناف 4178 لسنة 58 قضائية، ثم طعن الطاعن بصفته في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة - في غرفة مشورة -، حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
الطعن أقيم على 4 أسباب
الطعن أقيم على أربعة أسباب، ينعى الطاعن بصفته بالسببين الأول والثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك يقول إنه دفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون رقم 7 لسنة 2000 بشأن لجان التوفيق في بعض المنازعات، إذ لجأ المطعون ضدهم للجان غير مختصة بمحافظة المنيا وبمحكمة شمال المنيا التابعة لوزارة العدل، وفق الثابت بقرار تلك اللجان بعدم اختصاصها بنظر الطلب، لانعقاده للجان المختصة بوزارة المالية، فتكون دعواهم غير مقبولة إلا أن الحكم الصادر من محكمة الاستئناف الصادر بجلسة 22 ديسمبر 2015 خالف هذا النظر بما يعيبه ويستوجب نقضه.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه لما كانت المادة الأولى من القانون رقم 7 لسنة 2000 بشأن لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية طرفاً فيها تنص على أن " ينشأ في كل وزارة أو محافظة أو هيئة عامة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة لجنة أو أكثر للتوفيق في المنازعات المدنية والتجارية والإدارية التي تنشأ بين هذه الجهات وبين العاملين بها أو بينها وبين الأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة "، وكانت المادة الرابعة من ذات القانون قد أوردت ضمن المنازعات التي تخرج عن ولاية تلك اللجان المنازعات المتعلقة بالحقوق العينية العقارية، وكانت دعوى المطالبة بقيمة التعويض عن استيلاء الدولة على الأطيان الزراعية قبل الخاضعين لأحكام قوانين الإصلاح الزراعي مدار البحث فيها هو ملكية الخاضع للأطيان الزراعية المستولى عليها باعتباره شرطاً لازماً لاستحقاق التعويض الذي هو بديل عن حق الملكية، فإذا سلمت جهة الاستيلاء بملكية المدعي الخاضع مضت المحكمة إلى فحص قيمة التعويض.
كيفية بحث أمر الملكية
وبحسب "المحكمة": وإذ نازعت الدولة في ملكيته تعين عليها أن تبحث أمر الملكية، ويبقى العقار المستولى عليه محل الاعتبار دائماً في الدعوى، فعلى أساس قيمته تحدد قيمة التعويض وعلى أساس ربعه يحدد مقابل عدم الانتفاع به، وبهذه المثابة فإن هذه الدعوى تتعلق بالحق العيني العقاري، وبالتالي تدخل ضمن الاستثناء الذي أورده المشرع في المادة سالفة البيان - المادة الرابعة من القانون 7 لسنة 2000- فلا يتطلب لرفعها اللجوء إلى تلك اللجان ويبين من الأعمال التحضيرية للقانون أن المشرع راعى ما تتسم به هذه المنازعات من دقة تتطلب عرضها بداءة على جهات القضاء وما تتطلبه في الغالب من خبرة فنية تستغرق وقتاً أطول مما تتقيد به اللجنة بالتوفيق خلاله.
لما كان ذلك، وكانت المنازعة في الدعوى المطروحة تدور حول التعويض عن الأرض المستولى عليها طبقاً للقانون رقم 178 لسنة 1952 وتعديلاته فتكون من الدعاوى العينية العقارية، ومن ثم تخرج عن ولاية لجان التوفيق في المنازعات المنشأة بالقانون رقم 7 لسنة 2000، وكان الثابت بالأوراق أن محكمة الاستئناف قضت بجلسة 11 ديسمبر 2015 - بحكم غير منهى للخصومة وإنما يجوز الطعن عليه بالطعن المطروح مع الحكم المطعون فيه المنهي للخصومة الصادر بجلسة 20 أغسطس 2023 - بإلغاء ما قضى به الحكم الابتدائي بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون وإعادتها لمحكمة أول درجة للفصل فيها لكون النزاع المطروح يخرج عن ولاية لجان التوفيق في المنازعات المنشأة بالقانون 7 لسنة 2000، فإنه يكون قد وافق صحيح القانون، ويضحى النعي عليه على غير أساس.
إقامة دعاوى مستقلة للمطالبة بنصبهم من التعويض على أجزاء من كامل مسطح النزاع
وتضيف "المحكمة": وحيث إن الطاعن بصفته ينعى بالسبب الثالث والوجه الثاني والثالث والرابع والشق الأول من الوجه الخامس من السبب الرابع على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك بدفاعه بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي كامل صفة لعدم تقديم المطعون ضدهم أولاً ما يدل على تحديد نصيب مورثهم من كامل المساحة المستولى عليها، والمملوكة مشاعاً لمورثي المطعون ضدهم بالبندين أولاً وثانياً وآخر دون أن يختص أحدهم بنصيبه على نحو مفرز، وقيام آخرين من الورثة بإقامة دعاوى مستقلة للمطالبة بنصبهم من التعويض على أجزاء من كامل مسطح النزاع.
وأوضحت "المحكمة": إلا أن الحكم المطعون فيه رفض دفاعه وألزمه بالتعويض المقضى به على أساس قيمة الأطيان المنزوع ملكيتها وقت رفع الدعوى وليس وقت نزع ملكيتها، بالمخالفة لحكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 28 لسنة 6 ق الصادر بتاريخ 6 يونيو 1998 والذي جعل تقدير قيمة الأرض المستولى عليها وفقاً لقيمتها السوقية وقت الاستيلاء عليها وليس وقت رفع الدعوى، واستناداً إلى تقرير الخبير الذي لم يبين أسس تقدير هذا التعويض وعناصره، ودون أن يعن باستبعاد أنصبة باقي الورثة من أطيان النزاع كما قضى بالتعويض عن مقابل عدم الانتفاع بالرغم من أن ذلك لا يكون إلا في حالة الغصب وهو ما لا يتوافر في الدعوى الماثلة، إذ إن أطيان النزاع تم الاستيلاء عليها وفقاً للقانون، بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
الملكية لا يجوز نزعها قسراً بغير تعويض
وحيث إن هذا النعي في غير محله؛ ذلك أن من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن النص في المادة 805 من القانون المدني على أنه: "لا يجوز أن يُحرم أحد من ملكه إلا في الأحوال التي يقررها القانون وبالطريقة التي يرسمها ويكون ذلك مقابل تعويض عادل "، بدل على ضوء ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون المدني تعليقاً على ذلك هو ألا تنزع الملكية بغير رضاء المالك إلا في الأحوال التي قررها القانون وبالطريقة التي رسمها وفي مقابل تعويض عادل، وما ورد بأسباب حكم المحكمة الدستورية في القضية رقم 28 لسنة 6 في دستورية الذي قضى بعدم دستورية المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 والمادة الرابعة من القانون رقم 127 لسنة 1961 من أن كل تغيير يتصل بالملكية الخاصة بما يفقدها محتواها ينبغي أن يُقابل بتعويض عادل عنها.
وتضيف "المحكمة": ذلك أن الملكية لا يجوز نزعها قسراً بغير تعويض، والتعويض عن الأراضي الزائدة عن الحد الأقصى لا يتحدد في ضوء الفائدة التي تكون الجهة الإدارية قد جنتها من وراء نزع ملكيتها من أصحابها إنما ينظر في شأن هذا التعويض إلى ما فاتهم من مغانم وما لحقهم من خسران من جراء أخذها عنوة تقديراً بأن هذه وتلك تمثل مضاراً دائمة لا موقوتة، ثابتة لا عرضية ناجمة جميعها عن تجريد ملكيتهم من مقوماتها وما يندرج تحتها من ثمارها وملحقاتها ومنتجاتها فلا يجابهها إلا تعويض يكون جابراً لها ولا ينحل بالتالي تفريطاً أو تقتيراً.
وتشير "المحكمة": إلى أن مفاد ذلك أنه باستثناء حالة المصادرة والتي هي عقوبة جنائية توقع بمقتضى حكم جنائي لا يجوز أن ينتقص من ملكية أحد الأفراد أو حقوقه إلا إذا عاصر ذلك تعويض مكافيء لما لحقه من خسارة وما فاته من كسب فالمعاصرة جزء من العدل الذي يقتضي ألا يُحرم الشخص في الوقت ذاته من البدلين ماله الذي انتزع أو التعويض المستحق عنه، وإن تراخى وضع التعويض المكافيه تحت تصرفه تعين أن يكون ذلك محل تقدير القاضي في الدعوى باعتبار أن تأخر صرفه التعويض أو بخسه من الظروف الملابسة التي تؤثر على مقدار الضرر ومدى التعويض سواء بتغير قيمة النقد أو الحرمان.