طريق واحد لا مناص منه يظنه البعض أنه ممهدا أو قد يكون مفروشا بالورود وعند سلوكه يجدوا الأشواك وقد أحاطت بهم، فليس كل ما أوله ورود أخره أزهار فقد يكون أخر الطريق أشواك، حديثنا اليوم عن نوعية من الجرائم التي يظنها البعض انها سهلة، ولكن قد ينقلب الحال لتخرج الجريمة من إطار الجنح لتدخل في نطاق أعلي وأكبر جسامة وهو حيز الجنايات، والفرق بين الجنحة والجناية كبير في كل شئ من أول اجراءات المحاكمة إلي الاحكام التي تصدر في كل جريمة من الجرائم.
قواعــد الإحــالة تتمثل في أن القرار بإحالة المتهم يختلف باختلاف طبيعة الجريمة كونها مخالفة أو جنحة أو جناية، كما يختلف باختلاف نوع الجريمة، حيثُ خص المشرع بعض المحاكم للنظر في جرائم محددة، يضاف إلى ما تقدم فإن لقرار الإحالة في حالة تعدد الجرائم قواعده الخاصة، وكذلك يختلف بحسب عمر المتهم وما إذا كان بالغاً سن الرشد أم حدث، وهنا علينا التفريق بين الجنايات والجنح في المقام الأول كى نتعرف على مسار القضايا حال إحالتها للمحاكمة.
الفرق بين الجنايات والجنح
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية تحول القضية من جنحة في بادئ الأمر إلى جناية، ما يضع معه الأمر في مشكلة أكثر تعقيدا، والإجابة على حزمة من الأسئلة؛ أبرزها لماذا تغلظ العقوبة علي ذات الفعل الإجرامي؟ والتطرق لأمثلة لتلك النوعية من الجرائم، وفى الحقيقة الفرق كبير بين الجنايات والجنح في كل شيء من أول إجراءات المحاكمة وحتي صدور الحكم، ولكن مقامنا اليوم لا يسعفنا عن الخوض في تفصيل هذا الأمر ولكن يمكن أخذ هذا المقتطف الصغير والذي هو عبارة عن العقوبة في الجنح لا تتجاوز الثلاث سنوات في حين أن الجريمة في بعض الجنايات قد تصل إلي الاعدام أو السجن المشدد – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض أحمد عبدالقادر.
كيف تنقلب الجنحة إلي جناية؟
وحدد المشرع إطارا لكل نوعية من الجرائم التي ترتكب ورسم لها طريقة تتم فيه المحاكمة، فأسند الجرائم البسيطة إلي دوائر الجنح في حين إذا اشتدت الجريمة أو أستخدمت فيها أسلحة أو أدوات ذات درجة من الجسامة أنقلبت الجريمة من جنحة إلي جناية، وقد يكون درجة النسب أو المصاهرة أو القرابة سبب في تغليظ العقوبة – هكذا يقول الخبير القانوني.
لماذا تغلظ العقوبة على ذات الفعل الإجرامي؟
المشرع أنتهج نهجا من شأنه ردع ارتكاب الجرائم، ولتكون العقوبة مساوية لنوع ارتكاب الجريمة، فلو افترضنا مثلا أن متهما قام بسرقة شخصا عن طريق المغافلة هنا نكون أمام جريمة بسيطة درجة خطورتها أقتصرت علي أختلاس مال منقول مملوك للغير في حين أذا استخدم الجاني سلاحا في أرتكاب جريمة السرقة فلوح به على المجني عليه، فأصابه هنا تدخل المشرع فليس من المتصور أن تتساوى جريمة السرقة العادية بالسرقة بالإكراه التي قد ينتج عنها إصابات وعليه، ولما اشتدت هنا الجريمة وأصبحت أكثر خطورة كان علي المشرع أن يغلظ هو الآخر العقوبة لذلك قد تنقلب جريمة السرقة من جنحة إلى جناية إذا ما استخدمت فيها الأسلحة لاختلاس الأموال، كما أن ظرف الزمان له محل في تكييف الجريمة – الكلام لـ"عبدالقادر".
نريد أن نتعرف على مثال لتلك النوعية من الجرائم التي أساسها جنحة ولكنها في ظرف ما قد تتحول إلى جناية؟
في هذا المقام نفرق بين أنوع الجرائم جرائم قد ترتكب في ظرف معين فيطبق عليها عقوبة في حين أن ارتكب تحت ظرف آخر غلظت العقوبة، ولكنها تظل في نطاق الجنح، وهنا يطلق علي هذا الظرف الظرف المشدد في حين هناك بعض الجرائم التي ترتكب في ظرفها العادي فتصبح جنحة، وإذا توافرت لها بعض المقومات أو اقترنت ببعض الأفعال أنقلبت من جنحة إلى جناية، وهذا محل تسألكم وإليكم نوعية من تلك الجرائم – طبقا لـ"عبدالقادر".
جريمة السرقة:
يضيف الخبير القانوني: السرقة كما عرفها القانون هى اختلاس مال منقول مملوك للغير وفقا للمادة 311 من قانون العقوبات، وأصل تلك الجريمة هي جنحة عقوبتها لا تتجاوز الثلاث سنوات، ولكن قد تنقلب تلك الجنحة إلي جناية إذا أجتمعت لها شروط وضعتها نص المادة 313 عقوبات وهي أن تكون الجريمة قد حدثت ليلا، أو أن يكون الجاني أكثر من شخص، أو أن تكون في حوزة الجاني سلاح ولا عبرة أن كان ظاهرا أما مخفيا، أو أن يكون السلاح الذي في حوزة الجاني قد استخدمه في ارهاب المجني عليه لسرقة أمواله، وأخيرا أن تقع جريمة السرقة عن طريق دخول المنازل أو الحوانيت فقد نصت المادة 313 عقوبات علي أن:- (يعاقب بالسجن المؤبد من وقعت منه سرقة مع اجتماع الخمسة شروط الآتية:
أولا -: أن تكون هذه السرقة حصلت ليلا.
الثاني -: أن تكون السرقة واقعة من شخصين فأكثر.
الثالث -: أن يوجد مع السارقين أو مع واحد منهم أسلحة ظاهرة أو مخبأة.
الرابع -: أن يكون السارقون قد دخلوا دارًا أو منزلا أو ملحقاتها مسكونة أو معدة للسكنى بواسطة تسور جدار أو كسر باب ونحوه أو باستعمال مفاتيح مصطنعة أو بواسطة التزيي بزي أحد الضباط أو موظف عمومي أو إبراز أمر مزور مدعي صدروه من طرف الحكومة.
الخامس -: أن يفعلوا الجناية المذكورة بطريقة الكراه أو التهديد باستعمال أسلحتهم).
ملحوظة: فاذا توافرت تلك الشروط تحولت الجريمة من جنحة إلي جناية والتي قد تصل عقوبتها وفقا للمادة 314 إلى السجن المشدد: "يعاقب بالسجن المشدد على السرقات التي تحصيل ليلا من شخصين فأكثر يكون أحدهم على الاقل حامل سلحًا ظاهرًا أو مخبًأ".
جريمة الضرب :-
الضرب كجريمة هى تعدى شخص على الآخر بالضرب في صورته البسيطة أو كان الجاني شخصا واحد أو لما يبلغ الجرم درجة كبيرة من الجسامة هنا تكون الجريمة جنحه وفقا للمواد 242 عقوبات وما بعدها: "إذا لم يبلغ الضرب أو الجرح درجة الجسامة المنصوص عليها فى المادتين السابقتين يعاقب فاعله بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة تقل عن عشرة جنيهات ولا تجاوز مائتي جنيه مصري، ولكن أن أقترنت جريمة الضرب بعمل أرهابي وكان من تشكيل مؤلف من خمسة أشخاص مستخدمين الأسلحة في ارتكاب واقعة الضرب هنا قد تتحول الجريمة من جنحه إلي جناية وتكون عقوبتها السجن لمدة لا تتجاوز الخمس سنوات وفقا للمادة مادة 243 إذا حصل الضرب أو الجرح المذكوران فى مادتي 241 و 242 بواسطة استعمال أسلحة أو عصي أو آلت أخرى من واحد أو أكثر ضمن عصبة أو تجمهر مؤلف من خمسة أشخاص على القل توافقوا على التعدي واليذاء فتكون العقوبة الحبس، وتكون العقوبة السجن الذي لتزيد مدته على خمس سنوات فى الجرائم المنصوص عليها فى المادة 243 إذا ارتكبت أي منها تنفيذًا لغرض إرهابي".
الإصابة :-
الإصابة إذا لم يتوافر في الجاني القصد الجنائي أو أرتكبت نتيجة روعونه أو عدم احتراز كانت جنحة كأن يصطدم شخص آخر بسيارته، فينتج عن ذلك الاصطدام بعض الإصابات في المجني عليه هنا نكون أمام جنحة إصابة خطأ، وذلك لعدم توافر القصد الجنائي للمتهم وهو عدم اتجاه نية الجاني لإحداث الإصابة بالمجني عليه بشرط ألا تصل الإصابات لحد من الجسامة التي تخلف عاهة مستديمة والعاهة المستديمة هى تعجيز جزء في جسم الإنسان بحيث يفقده خواصه أو إتلاف هذا العضو وعدم صلاحيته هنا تتحول الجريمة من جنحة إلى جناية عاهة مستديمة، وقد عالج المشرع حالات الإصابة في المادة 344 من قانون العقوبات:
(من تسبب خطأ فى جرح شخص أو إيذائه بأن كان ذلك ناشئا عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين إذا نشأ عن الإصابة عاهة مستديمة أو إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلل الجاني إخلل جسيما بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطيا مسكرًا أ ومخدراً عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث أو نكل وقعت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك، وتكون العقوبة بالحبس إذا نشأ عن الجريمة إصابة أكثر من ثلثة أشخاص فإذا توافر ظرف أخر من الظروف الواردة فى الفقرة السابقة تكون العقوبة الحبس مدة ل تقل عن سنة ول تزيد على خمس سنين).
كما سبق وأن بينا فإذا كان المشرع قد يلجأ إلي تحويل الجريمة من جنحة إلى جناية على حسب ظروف أرتكاب الجريمة، فقد كان له تدخل أخر في رفع العقوبة أو تغليظها إذا ما أرتكبت الجريمة تحت ظرف معين .
سؤال أخير.. ما المحكمة المختصة التي تنظر الواقعة بكامل حيثياتها إن كان الفعل الإجرامي منطويا على أكثر من جريمة؟
يؤكد "عبدالقادر": هذا السؤال يأخذنا إلى الحديث عن عمل من أعمال النيابة العامة وهو ما يعرف بالقيد والوصف أي إسباغ النص القانوني على الجريمة المرتكبة، وهذا الاختصاص ليس حكرا على النيابة العامة، ويحق للمحكمة أن تعدل القيد والوصف المحال المتهم به للمحاكمة إن رأت ذلك، وعلى كلٍ فإن محكمة الجنح لها أن تتصدي لكافة الجرائم المرتكبة من قبل المتهم أن كانت جميعها تندرج تحت مظلة الجنح وليس من حقها محكمة المتهم علي جناية إذا ما كان الفعل يشكل جناية، أما إذا ارتكب الجاني جريمة تقع كجناية واقترنت تلك الجناية بجنحة فإن محكمة الجنايات لها الحق أن تتصدي للفصل في الجنحة والجناية معا.