حمل مراهقة في تانية إعدادي سفاحا، والمتهم مراهق في ثالثة اعدادي - علاقة محرمة في عمر الزهور - بين الماضي والحاضر، تتشابك القضايا لتكشف أبعاداً جديدة من معاناة الطفولة المبكرة، عبارة عن طفلة وطفل وقضية تحمل في طياتها تساؤلات قانونية وأخلاقية خطيرة: ما مصير أطفال فقدوا براءتهم في عالم يعج بالفوضى التكنولوجية وغياب الرقابة الاسرية مما يقع بهم في جب العقوبات القانونية.
القانون المصري يتدخل ليحسم الأمور، لكن تبقى الأسئلة حول ما هو عادل في حق الطفولة والإنسانية - اللهم استر بناتنا وأبنائنا من شر الفتن ما ظهر منها وما بطن - فحول جريمة مواقعة طفل لصديقته الطفلة "برضائها"، كثرت الأسئلة وتعددت الأراء عند طرح قضية الطفلة ذات الأربعة عشر عاما التي حملت نتيجة مواقع زميلها ذو الخمسة عشر عاما لها برضاها، وفى هذه القضية المؤسفة الكارثية لدينا 3 إشكاليات قانونية تؤثر على تكييف الجريمة وتحديد العقوبة، هذه الاشكاليات هي: "1-أن المتهم طفل، 2-أن المجنى عليها طفلة أيضاً، 3-أن الواقعة تمت برضاها الكامل، كما أنها ليست هتك عرض فحسب، وإنما وصلت إلى حد المواقعة الكاملة والحمل".
ما معنى أن المتهم طفل؟ وماذا يترتب على ذلك طبقا للقانون المصري؟
وللإجابة على تلك الإشكاليات – يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض سامى البوادى - كثرت خلال الفترة الأخير العلاقات الآثمة التي تجمع بين مراهقين، ومعظمها تسفر عن الحمل سفاحا، مما يضع المراهقة وآسرتها في مأزق، أما عن الإشكالية الأولى: ما معنى أن المتهم طفل؟ وماذا يترتب على ذلك طبقا للقانون المصري؟ فالطفل وفقاً لنص المادة ( 80 ) من الدستور المصري وقانون الطفل هو من لم يتجاوز18 سنة ميلادية، ويكون اثبات السن عن طريق شهادة الميلاد وتتحدد الأهلية المدنية فى سن الـ21 عام.
وبحسب "البوادى" في تصريح لـ"برلماني": وبموجب المادة الثانية من قانون الطفل التي تنص على أنه: "يقصد بالطفل فى مجال الرعاية المنصوص عليها فى هذا القانون كل من لم يتجاوز سنة الـ18 سنة ميلادية كاملة، وتثبت السن بموجب شهادة الميلاد أو بطاقة الرقم القومى أو أى مستند رسمى آخر، فإذا لم يوجد المستند الرسمى أصلاً قدرت السن بمعرفة إحدى الجهات التى يصدر بتحديدها قرار من وزير العدل بالاتفاق مع وزير الصحة"، فهذا هو تعريف الطفل أنه من دون الـ18 عاما.
ووفقا لـ"البوادى": وكذلك جعل المشرع المصرى المسئولية الجنائية للطفل ودرجتها مرتبطة بمرحلة السن التى يمر بها مرتكب الجريمة، وذلك وفق مراحل ثلاثة:
1-المرحلة الأولي:
الطفل الذي لم يجاوز اثنتي عشرة سنة ميلادية كاملة (المادة 101 من قانون الطفل)، تمتنع المسئولية الجنائية عن الطفل الذى لم يبلغ من العمر الثانية عشرة سنة ميلادية بسبب عدم نموه البدنى وعدم فهمه للأمور، مع ملاحظة نص المادة (94): ومع ذلك إذا كان الطفل قد جاوزت سنه السابعة ولم تجاوز الثانية عشرة سنة ميلادية كاملة، وصدرت منه واقعة تشكل جناية أو جنحة، تتولى محكمة الطفل، دون غيرها، الاختصاص بالنظر في آمره، ويكون لها أن تحكم بأحد التدابير الآتية:
أ-التوبيخ.
ب-التسليم الى أهليته.
ج-الإيداع فى أحد المستشفيات المتخصصة.
د-الإيداع فى إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية.
2-المرحلة الثانية: الطفل الذي بلغ 12 عام ويقل عن 15 عام.
المادة ( 101 ) يحكم على الطفل الذى لم تجاوز سنه خمس عشرة سنة ميلادية كاملة، إذا ارتكب جريمة، بأحد التدابير الآتية:
1- التوبيخ.
2- التسليم.
3- الإلحاق بالتدريب والتأهيل.
4- الإلزام بواجبات معينة.
5- الاختبار القضائى.
6- العمل للمنفعة العامة بما لا يضر بصحة الطفل أو نفسيته، وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون أنواع هذا العمل وضوابطها.
7- الإيداع في إحدى المستشفيات المتخصصة.
8- الإيداع في إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية.
ملحوظة: وعدا المصادرة وإغلاق المحال ورد الشئ إلى أصله لا يحكم على هذا الطفل بأى عقوبة أو تدبير منصوص عليه في قانون آخر.
3️-المرحلة الثالثة: الطفل الذي تجاوز 15 عام ويقل عن 18 عام.
- مادة (111) من قانون الطفل: لا يحكم بالإعدام ولا بالسجن المؤبد ولا بالسجن المشدد على المتهم الذى لم يجاوز سنه الثامنة عشرة سنة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة.
- ومع عدم الإخلال بحكم المادة (17) من قانون العقوبات، إذا ارتكب الطفل الذى تجاوزت سنه خمس عشرة سنة جريمة عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن المشدد يحكم عليه بالسجن، وإذا كانت الجريمة عقوبتها السجن يحكم عليه بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر.
- ويجوز للمحكمة بدلا من الحكم بعقوبة الحبس أن تحكم عليه بالتدبير المنصوص عليه في البند "8" من المادة (101) من هذا القانون.
- أما إذا ارتكب الطفل الذى تجاوزت سنه خمس عشرة سنة جنحة معاقبًا عليها بالحبس جاز للمحكمة، بدلاً من الحكم بالعقوبة المقررة لها، أن تحكم بأحد التدابير المنصوص عليها في البنود (5) و(6) و(8) من المادة (101) من هذا القانون.
ــ مع الأخذ فى الإعتبار مراعاة الأوضاع الإجرائية التالية:
مادة (119):
- لا يحبس احتياطياً الطفل الذى لم يبلغ خمس عشرة سنة، ويجوز للنيابة العامة إيداعه إحدى دور الملاحظة مدة لا تزيد على أسبوع وتقديمه عند كل طلب إذا كانت ظروف الدعوى تستدعى التحفظ عليه، على ألا تزيد مدة الإيداع على أسبوع ما لم تأمر المحكمة بمدها وفقاً لقواعد الحبس الاحتياطى المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية.
- ويجوز بدلا من الإجراء المنصوص عليه في الفقرة السابقة الأمر بتسليم الطفل إلى أحد والديه أو لمن له الولاية عليه للمحافظة عليه وتقديمه عند كل طلب، ويعاقب على الإخلال بهذا الواجب بغرامة لا تجاوز مائة جنيه.
مادة (116 مكررًا / ب ):
مع عدم الإخلال بأى عقوبة أشد ينص عليها في قانون آخر، يعاقب بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه كل من نشر أو أذاع بأحد أجهزة الإعلام أى معلومات أو بيانات، أو أى رسوم أو صور تتعلق بهوية الطفل حال عرض أمره على الجهات المعنية بالأطفال المعرضين للخطر أو المخالفين للقانون.
مادة (116 مكررًا / ج ):
تسرى أحكام انقضاء الدعوى الجنائية بالصلح أو التصالح، المقررة في قانون الإجراءات الجنائية أو أى قانون آخر، على الجرائم التى يرتكبها الطفل.
مادة (122):
- تختص محكمة الطفل دون غيرها بالنظر في أمر الطفل عند اتهامه في إحدى الجرائم أو تعرضه للانحراف، كما تختص بالفصل في الجرائم المنصوص عليها في المواد من 113 إلى 116 والمادة 119 من هذا القانون.
- وبالتالى فى القضية الماثلة هيفرق جدا ًجداً تحديد أن المتهم سنه قد جاوز الـ 15 عام من عدمه، لأن لو سنة أقل من 15 عام بيوم وأحد وقت ارتكاب الجريمة سيخرج تماما من دائرة العقوبات المنصوص عليها فى المادة 111 ويدخل فى دائرة التدابير المنصوص عليها فى المادة 101 من قانون الطفل .
الإشكالية الثانية: أن المجنى عليها طفلة أيضاً:
حيث نصت المادة (116 مكررًا) من قانون الطفل أنه: يزاد بمقدار المثل الحد الأدنى للعقوبة المقررة لأى جريمة إذا وقعت من بالغ على طفل، أو إذا ارتكبها أحد والديه أو من له الولاية أو الوصاية عليه أو المسئول عن ملاحظته وتربيته أو من له سلطة عليه، أو كان خادمًا عند من تقدم ذكرهم، ومعنى ذلك مضاعفة الحد الأدنى لأى عقوبة للجرائم التى تقع على الأطفال إذا وقعت من المذكورين فى المادة السابقة، أى أنه إذا كان الحد الأدنى للعقوبة الحبس سنة مثلاً فلا يجوز للمحكمة أن تنزل بالعقوبة عن الحبس سنتين على الأقل، ومعنى ذلك أيضاً أنه فى القضية الماثلة لن ينطبق هذا التغليظ على المتهم لأنه طفل وليس بالغ.
الإشكالية الثالثة: أن الواقعة تمت برضاء المجنى عليها، وأنها ليست هتك عرض فحسب، وإنما وصلت إلى حد المواقعة الكاملة والحمل.
فقد نصت المادة (267) من قانون العقوبات: من واقع أنثى بغير رضاها يُعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد، ويُعاقب الفاعل بالإعدام إذا كانت المجني عليها لم يبلغ سنها ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان الفاعل من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادماً بالأجر عندها أو عند من تقدم ذكرهم، أو تعدد الفاعلون للجريمة.
مادة (268):
كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع في ذلك يُعاقب بالسجن المشدد، وإذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان مرتكبها أو أحد مرتكبيها ممن نُص عليهم في الفقرة الثانية من المادة (267) تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنوات، وإذا اجتمع هذان الظرفان معاً يُحكم بالسجن المؤبد.
مادة (269):
كل من هتك عرض صبي أو صبية لم يبلغ سن كل منهما ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة بغير قوة أو تهديد يُعاقب بالسجن، وإذا كان سنه لم يجاوز اثنتي عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان من وقعت منه الجريمة ممن نُص عليهم في الفقرة الثانية من المادة (267) تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن 7 سنوات.
ومن مظاهر انعدام الرضا يكون بالعجز عن التعبير عن الإرادة : مثال ذلك الصغيرة غير المميزة فلا يعتد برضاها وتعتبر الواقعة اغتصاب، أما الأنثى المميزة فما دام الوقاع قد حصل برضاها فلا يؤاخذ الفاعل على اغتصاب "مواقعة أنثى"، وإنما يؤاخذ على هتك عرض بغير قوة أو تهديد إذا كان سن المجنى عليها لم يبلغ ثمانى عشر سنة كاملة.
العقوبة من 3 أشهر حبس لـ3 سنوات سجن
ـوبالتالى ففى هذه الحالة وبالرغم من أن الواقعة الراهنة تمثلت فى مواقعة كاملة بين المتهم والمجنى ورغم أن المجنى عليها أقل من 18 سنة فإن رضاءها - بفرض حدوثه – يحول الجريمة من جناية مواقعة أنثى بغير رضاها إلى جريمة هتك عرض بغير قوة أو تهديد مع توافر الظرف المشدد وهو كون المجنى عليه طفلة لم تبلغ 18 سنة فتتحول العقوبة من الإعدام إلى السجن، وبناء عليه يتم تطبيق المادة 111 من قانون الطفل - باعتبار أن المتهم طفل جاوز الـ 15 سنة - فقد نصت أنه: ".....وإذا كانت الجريمة عقوبتها السجن يحكم عليه بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر".
وبناء على جميع ما تقدم، فإن العقوبة هنا للطفل المتهم فى واقعة القضية المطروحة تكون الحبس الذى يتراوح من 3 أشهر وحتى 3 سنوات، ولا يفوتنا أن نؤكد أن مسألة رضاء المجنى عليها أو عدم رضائها فى جريمة المواقعة مسالة موضوعية تدخل فى سلطة استخلاص محكمة المو ضوع وليس لمحكمة النقض مراقبة استخلاصها فى ذلك طالما اعتمدت على أدلة سائغة، كما أننا ننوه أن مسألة الحمل وإثبات نسب الصغير هى مسألة مستقلة يحكمها قوانين الأحوال الشخصية وتتم بدعوى منفصلة أمام محكمة الأسرة المختصة.