ينشر موقع "برلماني"، النص الكامل لحيثيات حكم المحكمة الدستورية العليا (التاريخى)، برئاسة المستشار بولس فهمي، يهم ملايين المُلاك والمستأجرين، بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين (1 و2) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنتاه من ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى اعتبارا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون.
صدر الحكم في الدعوى المقيدة برقم 24 لسنة 20 قضائسة "دستورية" - برئاسة المستشار بولس فهمي إسكندر، وعضوية المستشارين رجب عبد الحكيم سليم، ومحمود محمد غنيم، والدكتور عبد العزيز محمد سالمان، وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني، وبحضور كل من المستشار الدكتور عماد طارق البشري، رئيس هيئة المفوضين، وعبد الرحمن حمدي محمود، أمين السر.
الحيثيات صدرت في 14 صفحة، تضمنت تواريخ تداول الدعوى الذى قارب 37 سنه، بينما ذهبت الدعوى أمام الدستورية العليا منذ 26 سنه، وكانت مقامة من المواطن مجدى رشاد سيف ضد كل من حينها: "رئيس مجلس الوزراء، ومحافظ الإسكندرية، وعادل محمد محمود خليل، ونشأت أنور لمعي، ومحمد يحيى عبد العزيز".
الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعى أقام أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية الدعوى رقم 1986 لسنة 1988 مساكن، ضد المدعى عليهم الأربعة الأخيرين، طالبا الحكم بإعادة تقدير الأجرة، على سند من أن المدعى عليهم الثلاثة الأخيرين استأجر كل منهم وحدة سكنية في العقار المملوك له مقابل أجرة اتفاقية، وأن لجنة تحديد الأجرة المختصة خفضت - بناءً على طلبهم - أجرة هذه المساكن على غير الأسس القانونية، ما شاب قرارها بالبطلان؛ ومن ثم أقام دعواه، كما أقام المدعى عليهما الرابع والخامس أمام المحكمة ذاتها الدعوى رقم 1677 لسنة 1988 مساكن، ضد المدعي وآخر، طلبًا للحكم بتخفيض القيمة الإيجارية للوحدتين السكنيتين المؤجرتين لهما.
على سند من أنهما استأجرا الشقتين محل النزاع بغرض السكني بالعقار المملوك للمدعي، وأن لجنة تحديد الأجرة أخطرتهما في 22 مايو 1988 بتقديرها القيمة الإيجارية للشقتين، وإذ جاء تقديرها مجحفا بحقوقهما؛ فأقاما الدعوى المار بيانها، قررت المحكمة ضم الدعويين للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد، وبجلسة 26 فبراير 1997، فحكمت المحكمة برفض الدعويين، ثم طعن المدعي على الحكم أمام محكمة استئناف الإسكندرية بالاستئناف رقم 801 لسنة 53 قضائية، وحال نظره دفع المدعي بعدم دستورية المادتين (1) و (5) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المار ذكره، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية؛ فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (1) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر مقروءة على ضوء الحكم الصادر بجلسة 12 مايو 2022، في الدعوى رقم 50 لسنة 21 قضائية "دستورية" - تنص على أنه فيما عدا الإسكان الفاخر، لا يجوز أن تزيد الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكني اعتبارا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون على 7% من قيمة الأرض والمباني، ولا تسرى على هذه الأماكن أحكام المادة (13) عدا الفقرة الأخيرة منها والمادة (14) والفقرة الأولى من المادة (15) والفقرة الثانية من المادة (68) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر"، ويصدر بتحديد مواصفات الإسكان الفاخر قرار من الوزير المختص بالإسكان.
وتنص المادة (2) من القانون ذاته على أن تقدر قيمة الأرض بالنسبة إلى الأماكن المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة السابقة وفقًا لثمن المثل عند الترخيص بالبناء، وتقدر قيمة المباني وفقًا للتكلفة الفعلية وقت البناء، ....."، وتنص المادة (5) من القانون السالف على أنه: "إذا رأى المستأجر أن الأجرة التي حددها المالك تزيد على الحدود المنصوص عليها في هذا القانون جاز له خلال تسعين يوما من تاريخ التعاقد أو من تاريخ الإخطار أو من تاريخ شغله للمكان، أن يطلب من لجنة تحديد الأجرة المختصة القيام بتحديد أجرة المكان وفقًا للأسس المنصوص عليها في هذا القانون. ويكون الطعن على قرارات هذه اللجان أمام المحكمة الابتدائية التي يقع في دائرتها المكان المؤجر، وذلك خلال ستين يوما من تاريخ إخطار ذوي الشأن بقرارها، ولا تسري على هذه الطعون أحكام المادتين (18)، (20) من القانون 49 لسنة 1977.
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا سبق أن حسمت دستورية الفقرة الأولى من المادة (5) من القانون رقم 136 لسنة 1981، بحكمها الصادر بجلسة 12 فبراير 2006، في الدعوى رقم 89 لسنة 18 قضائية دستورية"، الذي قضى بعدم قبول الطعن على الفقرتين الثانية والثالثة من هذه المادة، وبرفض الطعن على المادة (4) والفقرة الأولى من المادة (5) من القانون ذاته، وإذ نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد 8 مكرر (أ) في أول مارس سنة 2006، وكان مقتضى نص المادة (195) من الدستور، والمادتين (48) و (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن تكون أحكام هذه المحكمة وقراراتها ملزمة للكافة وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة بالنسبة إليهم، باعتبارها قولاً فصلا في المسائل المقضي فيها وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها أو إعادة طرحها عليها من جديد لمراجعتها؛ ومن ثم فإن الدعوى المعروضة - في هذا الشق منها - تغدو غير مقبولة، ولما كانت الفقرتان الثانية والثالثة من المادة (5) السالف بيانها لا صلة لهما بمناعي المدعى في الدعوى المعروضة، فإنهما تغدوان - بهذه المثابة - خارجتين عن نطاق هذه الدعوى.
وحيث إن المصلحة الشخصية - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها قيام علاقة منطقية بينها وبين المصلحة القائمة في دعوى الموضوع، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات الموضوعية المطروحة على محكمة الموضوع، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مفهوم المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية قوامه شرطان، أولهما أن يقيم المدعي الدليل على أن ضررًا واقعيًا مباشرًا ممكنا إدراكه قد لحق به، وثانيهما أن يكون مرد هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: متى كان ما تقدم، وكانت رحى النزاع الموضوعي تدور حول طلب الخصوم فيه إعادة تقدير القيمة الإيجارية للوحدات السكنية المؤجرة للمدعى عليهم الثلاثة الأخيرين، الذين احتجوا في النزاع الموضوعي بما تضمنه نص الفقرة الأولى من المادة (1) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المار ذكره، بألا تزيد القيمة الإيجارية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى اعتبارا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون على 7% من قيمة الأرض والمباني، فيما تمسك المدعي بإعادة تقدير القيمة الإيجارية المحددة بمعرفة لجنة تحديد الأجرة المختصة، وكان النص المطعون فيه هو ما يحول دون إجابة المدعي لطلبه؛ ومن ثم يكون للفصل في دستورية هذا النص أثر مباشر وانعكاس أكيد على الطلبات في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، وتبعا لذلك تتوافر للمدعي مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن بعدم دستوريته.
ووفقا لـ"المحكمة": وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن نطاق الدعوى الدستورية وإن تحدد أصلا بالنصوص القانونية التي تعلق بها الدفع بعدم الدستورية المثار أمام محكمة الموضوع، فإن هذا النطاق يتسع كذلك لتلك النصوص التي أضير المدعي من جراء تطبيقها عليه - ولو لم يتضمنها الدفع - إذا كان فصلها عن النصوص التي اشتمل عليها الدفع متعذرًا، وكان ضمها إليها كافلا الأغراض التي توخاها المدعي بدعواه الدستورية، فلا تُحمل إلا على مقاصده، ولا تتحقق مصلحته الشخصية بعيدًا عنها. إذ كان ذلك، وكان المدعي يستهدف من دعواه المعروضة إبطال ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكني، وكان صدر المادة (2) من القانون رقم 136 لسنة 1981، فيما نص عليه من أن تقدر قيمة الأرض بالنسبة إلى الأماكن المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة السابقة وفقًا لثمن المثل عند الترخيص بالبناء، وتقدر قيمة المباني وفقا للتكلفة الفعلية وقت البناء"، فإن حكم هذا النص متضاممًا مع نص الفقرة الأولى من المادة (1) من القانون ذاته يشكلان الأساس القانوني لتقدير أجرة المباني السكنية الخاضعة لأحكام هذا القانون، وكان مؤدى هذين النصين معا هو ثبات القيمة الإيجارية للوحدات السكنية الخاضعة لأحكام هذا القانون، مما يتعين معه مد نطاق الدعوى المعروضة إلى هذا النص أيضًا، ومن ثم يتحدد نطاقها فيما تضمنته الفقرة الأولى من كل من المادتين (1) و (2) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، من ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى اعتبارا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون، دون غيرها من أحكام أخرى تضمنها النصان السالفان.
وحيث إن المدعي ينعى على النصين المطعون فيهما أن المشرع وإن منح المالك ابتداءً حق تقدير أجرة الأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى الخاضعة لأحكامه، فإنه غل يده عن إعادة النظر فيها، جاعلا منها أجرة مجمدة ترتبط بالعين المؤجرة متى صارت نهائية، لا يجري عليها زيادة رغم استمرار العقد لمدة غير محددة، مانحًا بذلك المستأجر مزية استثنائية لا تقتضيها طبيعة عقد الإيجار، بما يخالف مبادئ الشريعة الإسلامية التي أعلت حرية التعاقد، ويخل بمبدأ التضامن الاجتماعي، ويهدر الحق في الملكية الخاصة، مخالفا بذلك المواد (2) و(7) و (32) و(34) من دستور سنة 1971.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلا - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة . صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه؛ ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائما القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت مناعي المدعي تندرج ضمن المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي القاعدة في الدستور، من حيث محتواها الموضوعي، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية هذين النصين اللذين ما زالا معمولاً بهما، في ضوء أحكام الدستور القائم.
وحيث إن الدستور القائم لم يأت بما يخالف ما أورده المدعي في خصوص المبادئ الدستورية الحاكمة للدعوى المعروضة، ومن ثم تكون المواد (2) و 7 و32) و (34) من دستور 1971، تقابلها المواد (2) و8) و (35) من دستور 2014، وحيث إن الأصل في الشريعة الإسلامية - في مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التي لا تبديل فيها أن الأموال جميعها مردها إلى الله تعالى، أنشأها الخاضعة لأحكامه، فإنه غل يده عن إعادة النظر فيها، جاعلا منها أجرة مجمدة ترتبط بالعين المؤجرة متى صارت نهائية، لا يجري عليها زيادة رغم استمرار العقد لمدة غير محددة، مانحًا بذلك المستأجر مزية استثنائية لا تقتضيها طبيعة عقد الإيجار، بما يخالف مبادئ الشريعة الإسلامية التي أعلت حرية التعاقد، ويخل بمبدأ التضامن الاجتماعي، ويهدر الحق في الملكية الخاصة، مخالفا بذلك المواد (2) و7) و 32 و34) من دستور سنة 1971.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلا - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه؛ ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائما القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، متى كان ذلك، وكانت مناعي المدعي تندرج ضمن المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي القاعدة في الدستور، من حيث محتواها الموضوعي، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية هذين النصين اللذين ما زالا معمولاً بهما، في ضوء أحكام الدستور القائم.
وحيث إن الدستور القائم لم يأت بما يخالف ما أورده المدعي في خصوص المبادئ الدستورية الحاكمة للدعوى المعروضة، ومن ثم تكون المواد (2) و 7 و32) و (34) من دستور 1971، تقابلها المواد (2) و8) و (35) من دستور 2014 وحيث إن الأصل في الشريعة الإسلامية - في مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التي لا تبديل فيها أن الأموال جميعها مردها إلى الله تعالى، أنشأها وبسطها، وإليه معادها ومرجعها، مستخلفًا فيها عباده الذين عهد إليهم بعمارة الأرض، وجعلهم مسئولين عما في أيديهم من الأموال لا يبددونها أو يستخدمونها إضرارًا، يقول تعالى: "وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه"، وليس ذلك إلا نهيا عن الولوغ بها في الباطل، وتكليفا لولي الأمر بأن يعمل على تنظيمها بما يحقق المقاصد الشرعية المتوخاة منها، وهي مقاصد ينافيها أن يكون إنفاق الأموال وإدارتها عبثًا أو إسرافًا أو عدوانًا، أو متخذا طرائق تناقض مصالح الجماعة، أو تخل بحقوق للغير أولى بالاعتبار.
وكان لولي الأمر - صونًا للملكية من تبديد عناصرها - أن يعمل من خلال التنظيم التشريعي على ألا يكون نهبا لآخرين يلحقون بأصحابها ضررًا بغير حق أو يوسعون من الدائرة التي يمتد الضرر إليها، ليكون دفع الضرر قدر الإمكان لازمًا، فإذا تزاحم ضرران كان تحمل أهونهما واجبًا اتقاء لأعظمهما، وكلما كان الضرر بينا أو فاحشا كان رده متعينا، بعد أن جاوز الحدود التي يمكن أن يكون فيها مقبولا.
وحيث إن الدستور قد حرص في المادة (4) منه على كفالة العدل، باعتباره أساسًا لبناء المجتمع، وصيانة وحدته الوطنية، وكانت العدالة في غاياتها - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا تنفصل علاقتها بالقانون باعتباره أداة تحقيقها، فلا يكون القانون منصفًا إلا إذا كان كافلا لأهدافها، فإذا زاغ ببصره عنها، وأهدر القيم الأصيلة التي تحتضنها، كان منهيًا للتوافق في مجال تنفيذه، ومسقطا كل قيمة لوجوده، ومستوجبا تغييره أو إلغاءه.
وحيث إن ما نص عليه الدستور في المادة الثامنة من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعي، يعني وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، واتصال أفرادها وترابطهم فيما بينهم، ليكون بعضهم لبعض ظهيرا، فلا يتفرقون بددًا، أو يتناحرون طمعًا، أو يتنابذون بغيًا، وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم قبلها، ولا يملكون التنصل منها أو التخلي عنها، وليس لفريق منهم أن يتقدم على غيره انتهازا، ولا أن ينال قدرًا من الحقوق يكون بها عدوانًا - أكثر علوا، وإنما تتضافر جهودهم وتتوافق توجهاتهم، لتكون لهم الفرص ذاتها التي تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق، وتتهيأ معها تلك الحماية التي ينبغي أن يلوذ بها ضعفاؤهم، ليجدوا في كنفها الأمن والاستقرار.
وحيث إن العدالة الاجتماعية وإن كانت من القيم التي تبناها الدستور، إلا أن مفهومها لا يناقض بالضرورة حق الملكية، ولا يجوز أن يكون عاصفا بفحواه وعلى الأخص في نطاق العلائق الإيجارية التي تستمد مشروعيتها الدستورية من التوازن في الحقوق التي كفلها المشرع الأطرافها؛ ذلك أن الملكية بما يتفرع عنها من الحقوق - ينبغي أن تخلص لأصحابها، فلا ينقض المشرع على أحد عناصرها، ليقيم بنيانها على غير القواعد التي تتهيأ بها لوظيفتها الاجتماعية أسبابها، ولئن جاز القول بأن لكل حق وظيفة يعمل في إطارها ليتحدد مداه على ضوئها، فإن لكل حق كذلك - دائرة لا يجوز اغتيالها حتى يظل الانتفاع به ممكنا، وكلما فرض المشرع على الحق قيودًا جائرة تنال من جدواه، فلا يكون بها إلا هشيما، فإن التذرع بأن لهذه القيود دوافعها من وظيفته الاجتماعية يكون لغوا.
وحيث إن الدستور إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة، وتوكيدا لإسهامها في صون الأمن الاجتماعي - كفل حمايتها لكل فرد - وطنيا كان أم أجنبيا - ولم يُجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفي الحدود التي يقتضيها تنظيمها، باعتبارها عائدة في الأغلب الأعم من الأحوال - إلى جهد صاحبها؛ بذل من أجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها، وأحاطها بما قدره ضروريا لصونها، معبدا بها الطريق إلى التقدم كافلا للتنمية أهم أدواتها، محققا من خلالها إرادة الإقدام هاجعًا إليها لتوفر ظروفًا أفضل لحرية الاختيار والتقرير، مطمئنا في كنفها إلى يومه وغده، مهيمنا عليها ليختص دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها.
وحيث إن السياسة التشريعية الرشيدة يتعين أن تقوم على عناصر متجانسة، فإن قامت على عناصر متنافرة نجم عن ذلك افتقاد الصلة بين النصوص ومراميها، بحيث لا تكون مؤدية إلى تحقيق الغاية المقصودة منها لانعدام الرابطة المنطقية بينهما، تقديرًا بأن الأصل في النصوص التشريعية في الدولة القانونية - هو ارتباطها عقلاً بأهدافها، باعتبار أن أي تنظيم تشريعي ليس مقصودا لذاته، وإنما هو مجرد وسيلة لتحقيق تلك الأهداف؛ ومن ثم يتعين دائما استظهار ما إذا كان النص المطعون فيه يلتزم إطارًا منطقيا للدائرة التي يعمل فيها، كافلا من خلالها تناغم الأغراض التي يستهدفها، أو متهادمًا مع مقاصده أو مجاوزا لها، ومناهضا - من ثم لمبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص عليه في المادة (94) من الدستور.
وحيث إن السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في موضوع تنظيم الحقوق لازمها أن يفاضل بين بدائل متعددة مرجحًا من بينها ما يراه أكفل بتحقيق المصالح المشروعة التي قصد إلى حمايتها، إلا أن الحدود التي يبلغها هذا التنظيم لا يجوز بحال أن ينفلت مداها إلى ما يُعد سلبًا للملكية من أصحابها، سواء من خلال العدوان عليها بما يفقدها قيمتها، أو اقتلاع المزايا التي تنتجها، أو تهميشها، أو تعطيل بعض جوانبها.
وحيث إنه ولئن صح القول بأن مواجهة أزمة الإسكان والحد من غلوائها اقتضى أن تكون التشريعات الاستثنائية الصادرة دفعًا لها مترامية في زمن تطبيقها، فإنه يتعين النظر إليها دوما بأنها تشريعات طابعها التأقيت مهما استطال أمدها، وأنها لا تمثل حلا دائمًا ونهائيا للمشكلات المترتبة على هذه الأزمة، بل يتعين دوما مراجعتها من أجل تحقيق التكافؤ بين مصالح أطراف العلاقة الإيجارية، فلا يميل ميزانها في اتجاه مناقض لطبيعتها إلا بقدر الظروف التي أملت وجودها.
وحيث إن المشرع قد حرص في القانون رقم 136 لسنة 1981 على تنظيم العلاقة الإيجارية بين المؤجر والمستأجر تنظيمًا تشريعيا أمرًا بنصوص راعت حسب ما أوردته المذكرة الإيضاحية للقانون، وتقرير اللجنة المشتركة من لجنة الإسكان والمرافق والتعمير، ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية - علاج القصور الذي كشف عنه التطبيق العملي للقانون رقم 49 لسنة 1977، ومنه إعادة التوازن في العلاقة الإيجارية بين المؤجر والمستأجر بما استحدثته من قواعد في شأن تحديد الأجرة، مخالفًا التنظيم القانوني المعمول به بالقانونين رقمي 52 لسنة 1969، و49 لسنة 1977.
إذ فضلاً عما جرت عليه قوانين الإيجار الاستثنائية من عدم خضوع الأراضي الفضاء وعقود الإيجار المفروشة لقواعد تحديد الأجرة استبعد أيضًا من هذه القواعد الإسكان الفاخر، والأماكن المستغلة لغير أغراض السكني المنشأة اعتبارا من تاريخ العمل بهذا القانون، قاصرًا هذه القواعد على الأماكن المستغلة لأغراض السكنى، جاعلا تحديد أجرتها معقودًا للمالك على ضوء أسس التكاليف المنصوص عليها بالفقرتين الأوليين من المادتين (1) و (2) من القانون ذاته، فإذا لم يوافق المستأجر على هذا التحديد يكون له أن يلجأ إلى لجنة تحديد الأجرة طعنًا على هذا التقدير، بمراعاة المواعيد والإجراءات المنصوص عليها في المادتين (2) و5) منه.
وحيث إن البين من استصفاء الأحكام الآمرة في القوانين الاستثنائية لإيجار الأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى التي لم يخرج عليها القانون رقم 136 لسنة 1981 السالف البيان - انطواؤها على خصيصتين رئيسيتين؛ أولاهما : الامتداد القانوني لعقود إيجار هذه الأماكن، والأخرى التدخل التشريعي في تحديد أجرتها، وكلتاهما لا تستعصي على التنظيم التشريعي، ولا يُعد حكمها مطلقا من كل قيد، فالامتداد القانوني لعقود الإيجار المار ذكرها حدد نطاقا بفئات المستفيدين من حكمه دون سواهم، فلا يفيد منه غير المخاطبين به، أما تحديد أجرة هذه الأماكن فلئن انتظمه النصان اللذان تحدد بهما نطاق الدعوى المعروضة، وما يرتبط بهما من نصوص أخرى، فإن تحديد أجرة هذه المباني يتعين دوما أن يتساند إلى ضوابط موضوعية تتوخى تحقيق التوازن بين طرفي العلاقة الإيجارية، فلا يمتنع المشرع عن التدخل، فيمكن المؤجر من فرض قيمة إيجارية سمتها الغلو والشطط، استغلالاً لحاجة المستأجر في أن يأوي إلى مسكن يعتصم به وذووه، تلبية لحاجة توجبها الكرامة الإنسانية، أو يهدر عائد استثمار الأموال التي أنفقت في قيمة الأرض والمباني المقامة عليها بثبات أجرتها، بخسا لذلك العائد، فيحيله عدمًا، بل يكون بين الأمرين قوامًا.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المشرع - بمقتضى النصين اللذين تحدد بهما نطاق الدعوى المعروضة قد حظر زيادة الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى اعتبارا من تاريخ العمل بالقانون رقم 136 لسنة 1981 على 7% من قيمة الأرض والمباني، وثبت عائد استثمارها بتقدير قيمة الأرض، وفقًا لثمن المثل عند الترخيص بالبناء وقيمة المباني وفقا للتكلفة الفعلية وقت البناء - بحسب الأصل، فإنه بذلك يكون قد حاد عن الأهداف التي غاير بسببها فلسفة تحديد الأجرة في قوانين الإيجار السابقة على القانون رقم 136 لسنة 1981 السالف البيان.
ذلك أنه ولإن صح القول بأن أسس تحديد أجرة الأماكن المؤجرة لأغراض السكنى يدخل في إطار السلطة التقديرية للمشرع في تشريعات الإيجار ذات الطابع الاستثنائي، فإن الصحيح كذلك أن ربط أجرة هذه الأماكن بالتاريخ المحدد بنص الفقرة الأولى من المادة (۲) من القانون المشار إليه، مؤداه ثبات القيمة الإيجارية عند لحظة من الزمن ثباتًا لا يزايله مضي عدة عقود على التاريخ الذي تحددت فيه، كلما امتدت العلاقة الإيجارية بقوة القانون، ولا يؤثر فيه زيادة معدلات التضخم مهما بلغت نسبتها، ولا يزحزحه نقصان القوة الشرائية لقيمة الأجرة السنوية، وإن اضمحل عائد استثمار الأعيان المؤجرة بما يدنيه من العدم؛ الأمر الذي يشكل عدوانًا واضحًا على قيمة العدل، وإخلالا ظاهرا بمقتضيات التضامن الاجتماعي، وإهدارًا أكيدًا لحق الملكية الخاصة المتعين صونها، وافتئاتا غير مبرر على مبدأ خضوع الدولة للقانون، بما يوقع هذين النصين في حماة مخالفة المواد (4) و8 و35 و94) من الدستور.
وحيث إن المحكمة بعد أن انتهت إلى عدم دستورية النصين اللذين تحدد بهما نطاق هذه الدعوى، وتقديرًا منها لحاجة المشرع إلى مدة زمنية كافية ليختار من بين البدائل المتاحة ما يتناسب مع الدراسات والبيانات الإحصائية التي يتطلبها تشريع ضوابط حاكمة لتحديد أجرة الأماكن المرخص بإقامتها لأغراض السكني، الخاضعة لأحكام القانون رقم 136 لسنة 1981 السالف البيان، فإن المحكمة تعمل الرخصة المخولة لها بنص الفقرة الثالثة من المادة (49) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 المعدل بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 168 لسنة 1998، وتحدد اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي الحالي لمجلس النواب تاريخا لإعمال أثر هذا الحكم، وذلك دون إخلال باستفادة المدعي في الدعوى المعروضة منه.
فلهذه الأسباب: حكمت المحكمة:
أولا : بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين (1) و (2) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنتاه من ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى اعتبارا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون.
ثانيا: بتحديد اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي الحالي لمجلس النواب تاريخا لإعمال أثر هذا الحكم.
ثالثا: بإلزام الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.