أصدرت الدائرة العمالية – بمحكمة النقض – حكما فريدا من نوعه، يهم ملايين العمال والموظفين، أرست فيه مبدأ قضائيا لضمان حقوق العامل الذى بلغ سن المعاش أو ما يعرف بـ"مد العمل بعد سن الستين"، قالت فيه: "إنهاء علاقة العمل بعد سن المعاش بالرغم من وجود عقد عمل سارى تعتبر علاقة عمل جديدة، ويستوجب التعويض عن الفصل التعسفى قبل انتهاء مدته".
الخلاصة:
أحد العمال في إحدى شركات السياحة أقام دعوى تعويض عن الفصل التعسفى، وكان بلغ سن الستين واستمر فى العمل بالاتفاق مع الشركة بعد بلوغه سن المعاش، إلا أن الشركة المدعى عليها أصدرت قرارا بإنهاء علاقة العمل لبلوغ المدعى سن المعاش، وكان يوجد عقد عمل محدد المدة عام ويجدد، فتم إنهاء علاقة العمل بعد بلوغه السن بـ3 أشهر وكان ما زال عقد العمل سارى.
وفى تلك الأثناء – أقام العامل الدعوى بطلب التعويض عن الفصل التعسفى، فتم رفض الدعوى ابتدائي واستئنافى على أساس أن علاقة العمل انتهت لبلوغه سن المعاش، وبالتالى لا تتوافر حالة الفصل التعسفى، فلجأ للطعن أمام محكمة النقض، فنقضت المحكمة الحكم فيما يخص شق التعويض عن الفصل التعسفى باعتبار أن استمرار العمل بعد بلوغه سن المعاش تعتبر علاقة عمل جديدة، ويترتب على إنهاء علاقة العمل قبل انتهاء المدة فصل تعسفى يستوجب التعويض.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 12069 لسنة 91 القضائية، لصالح المحامى بالنقض مجدى مراد بسطا، برئاسة المستشار إسماعيل عبد السميع، وعضوية المستشارين سمير عبد المنعم، وخالد مدكور، والدسوقي الخولي، وعادل فتحى، وبحضور كل من رئيس النيابة عمرو نبيه، وأمانة سر محمد إسماعيل.
الوقائع.. نزاع قضائى بين عامل بع بلوغه سن المعاش وإحدى شركات السياحة
الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق وبالقدر اللازم للفصل في هذا الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 4379 لسنة 2010 عمال شمال القاهرة الابتدائية على المطعون ضدهما شركة "... للسياحة"، انتهى فيها إلى طلب الحكم بالزام المطعون ضدها الأولى أن تؤيد إليه مليون وستمائة وسبعة وخمسين ألف وثلاثة وثمانين جنيها قيمة ما يستحقه من تعويض عن إنهاء خدمته وعدم مراعاة مهلة الإخطار ومكافأة نهاية الخدمة وحصته في الأرباح، وقال بياناً لها إنه التحق بالعمل لدى المطعون ضدها الأولى بموجب عقد عمل مؤرخ 1 مارس 2007 وبعد أن بلغ سن الستين بتاريخ 10 يناير 2009 استمر بالعمل حتى أنهت المطعون ضدها الأولى خدمته لديها اعتباراً من 25 أغسطس 2010 بدون مسوغ من القانون ومن ثم فقد أقام الدعوى بطلباته سالفة البيان.
العامل يطالب بتعويض يقدر بمليون وستمائة وسبعة وخمسين ألف وثلاثة وثمانين جنيها
كما أقامت المطعون ضدها الأولى دعوى فرعية بطلب الحكم بإثبات إنهاء عقد العمل المشار إليه لبلوغ الطاعن سن الستين، ثم ندبت المحكمة خبيراً وبعد أن قدم تقريره حكمت بتاريخ 31 يناير 2017 برفض الدعويين الأصلية والفرعية استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 1913 لسنة 21 قضائية القاهرة وبتاريخ 9 مايو 2021 قضت المحكمة برفضه وتأييد الحكم المستأنف، ثم طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقضه، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
محكمتا أول وثانى درجة ترفضان دعوى العامل
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم، حيث ذكرت أن الطعن أقيم على 3 أسباب ينعي الطاعن بالسبب الأول والوجه الأول من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسيب، وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الموضوع في صحيفة دعواه أن عقد عمله لدى الشركة المطعون ضدها الأولى المؤرخ 1 مارس 2007 كان امتداداً لعقد عمله لدى المطعون ضدها الثانية المؤرخ 21 نوفمبر 2001 باعتبارها الشركة القابضة التي انبثقت عنها الشركة المطعون ضدها الأولى وتعتبر مدة عمله لدى هاتين الشركتين مدة عمل واحدة في احتساب مستحقاته الناشئة عن علاقة العمل معهما، إلا أن الحكم أعرض عن هذا الدفاع وهو ما يعيبه، ويستوجب نقضه.
العامل يطعن على الحكم أمام محكمة النقض
المحكمة في حيثيات الحكم قالت إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أن مفاد المادة 255 من قانون المرافعات المعدلة بالقانون 76 لسنة 2007 المعمول به اعتباراً من 1 أكتوبر 2007 - المنطبق على إجراءات الطعن الراهن – أن المشرع أناط بالخصوم أنفسهم تقديم المستندات المؤيدة للطعن بالنقض وقت إيداع صحيفة قلم الكتاب وإذ لم يقدم الطاعن رفق الطعن المستندات التي تثبت أنه تمسك بهذا الدفاع المشار إليه بالنعي أمام محكمة الموضوع وخلت مدونات الحكم المطعون فيه، مما يثبت ذلك فإن هذا النعي يكون بغير دليل ومن ثم غير مقبول.
وبحسب "المحكمة": وحيث إن الطاعن ينعي السبب الثاني والوجه الثاني من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال، إذ قضى برفض طلبة بالتعويض عن إنهاء الخدمة عسفاً وعدم مراعاة مهلة الأخطار بمقوله أن إنهاء خدمته في 25 أغسطس 2010 كان مبرراً لبلوغه سن الستين الأولى لخدمته في 25 أغسطس 2010 ويكون هذا الإنهاء تعسفياً موجباً للقضاء له بالتعويض عن الضرر الناجم رغم تسجيل الحكم بمدوناته أن بلوعة من الستين كان بتاريخ 10 يناير 2009 قبل إنهاء المطعون ضدها عنه، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه بي يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
أحكام قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن أحكام قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 من النظام العام لا يجوز مخالفتها، هذا ولما كان النص في المادة (125) من هذا القانون المنطبق على واقعة النزاع - على أنه: "لا يجوز تحديد سن للتقاعد تقل عن ستين سنة ويجوز الصاحب العمل إنهاء عقد العمل إذ بلغ العامل من الستين ما لم يكن العقد محدد المدة، وكانت مدته تمتد إلى ما بعد بلوغه هذه السن ففي هذه الحالة لا ينتهي العقد إلا بانقضاء مدته، وفي جميع الأحوال يجب عدم الإخلال بأحكام قانون التأمين الاجتماعي فيما يتعلق بسن استحقاق المعاش".
ويحق للعامل في الاستمرار في العمل بعد بلوغه هذه السن استكمالاً للمدة الموجبة لاستحقاقه المعاش، يدل على أن المشرع قد وضع أصلاً عاماً يقضى بإنهاء عقد العمل تلقائياً دون حاجة لإخطار سابق في حالة بلوغ العامل من الستين، فإذ استمر العامل في عمله بعد بلوغه سن التقاعد بموافقة صاحب العمل فإن ثمة عقد جديد غير محدد المدة يكون قد انعقد بين الطرفيين ولا يجوز إنهاؤه بغير إخطار سابق ودون مبرر طالما أن استمرار العامل في العمل بعد بلوغه سن التقاعد لم يكن بسبب أن عقد العمل محدد المدة ولم تنته مدته بعد أو كان بقصد استكمال مدة الاشتراك في التأمين الاجتماعي الموجبة لاستحقاق المعاش وفقاً لما تقضى به المادة 163 من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975.
المحكمة تنصف العامل
لما كان ذلك - و كان الطاعن قد أقر بصحيفه الطعن أن عقد عمله لدى المطعون ضدها الأولى المؤرخ 1 مارس 2007 كانت مدته عام تبدأ من هذا التاريخ، وإذ انتهت مدة هذا العقد واستمر طرفاه في تنفيذه بعد انتهاء مدته، فإنه يكون قد أضحى عقداً غير محدد المدة ينتهي ببلوغ الطاعن سن الستين في 10 يناير 2009، ولما كان الثابت بمدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن استمر في عمله لدى المطعون ضدها الأولى بعد بلوغه سن الستين، فإن عقداً جديداً يكون قد انعقد بينهما اعتباراً من 11 يناير 2009.
وإذ أنهت المطعون ضدها هذا العقد في 25 أغسطس 2010 ولم تقدم أمام محكمة الموضوع الدليل على أن هذا الإنهاء كان له مسوغ من القانون، فإن هذا الإنهاء، يكون تعسفياً ويستحق للطاعن تعويضاً عن الضرر الناجم عنه لا يقل عن التعريض المنصوص عليه في المادة 122 من قانون العمل المشار إليه آنفاً وتعويضاً على عدم مراعاة مهلة الاخطار بالقدر المنصوص عليه بالمادتين (111) (118) من ذات القانون، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتبر إنهاء خدمة الطاعن في 25 أغسطس 2010 مبرراً لبلوغه سن الستين رغم بلوغه هذا السن في 10 يناير 2009 - على نحو ما سلف - فإنه يكون فضلاً عما شابه من فساد الاستدلال قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه، وإن حجبه هذا الخطأ عن بحث الأضرار التي لحقت بالطاعن من جراء إنهاء عقد العمل الجديد الذي بدأ في 11 يناير 2009 بعد بلوغه سن الستين وحتى انتهاء خدمته في 25 أغسطس 2010 والتعويض الجابر لهذه الأضرار فضلاً عن التعويض المستحق عن عدم مراعاة مهلة الاخطار فإنه يتعين أن يكون مع النقض الإحالة.
لذلك:
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً في خصوص ما قضى به من رفض طلب الطاعن التعويض عن الفصل من العمل وعدم مراعاة مهلة الإخطار عن المدة اللاحقة على بلوغه سن الستين في 10 يناير 2009 حتى تاريخ انتهاء خدمته في 25 أغسطس 2010 وإحالة القضية إلى محكمة استئناف القاهرة، وألزمت المطعون ضدها الأولى بمصروفات الطعن، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
المحامى بالنقض مجدى مراد بسطا - مقيم الطعن