مهنة الطب تُعد من أعظم المهن الإنسانية والأخلاقية والعلمية، وهي قديمة قدم الإنسان، لذا من الأوجب على من يمارسها إحترام شخصية الإنسان وكرامته في جميع الظروف والأحوال، فعليه أن يكون قدوة حسنة ومثال يحتذى به في سلوكه وتعاملاته مستقيماً في عمله، محافظاً على أرواح الناس وحياتهم، لأن العمل الطبي يفرض عليه أن يستلهم ضميره المهني والأخلاقي عند معالجته المرضى، وأن يعاملهم بإنسانية ورأفة وإستقامة وأن يرعاهم بكل عناية واهتمام، لكونه سيكون مسؤولاً عن أعماله المهنية.
وتتعدد التزامات الطبيب سواء من خلال العقد الطبي مع المريض الذي يقوم بمعالجته، أو من خلال العقد الذي يبرمه الطبيب مع المستشفى. بحيث أن الانسان عندما يحتاج الى علاج معين فإنه سوف يتجه الى الطبيب ليعالجه أي إما الى العيادة الخاصة للطبيب حيث يتعالج على نفقته الخاصة أو على نفقة الضمان، وإما الى المستشفى، وبالتالي عندما يلجأ المريض الى الطبيب فإنه يثبت له كمريض عدة حقوق.
هل تعاقد مريض مع الطبيب لإجراء عملية جراحية يعد عقد مقاولة أم وكالة أم عمل؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في الإجابة على السؤال.. هل تعاقد مريض مع الطبيب لإجراء عملية جراحية يعد عقد "مقاولة، أو وكالة، أو عمل"؟ وذلك في ظل تزايد التخصصات الطبية الحديثة وطرق العلاج المتطورة بشكل مضطرد من ناحية، ومن ناحية أخرى ظهور أنواع جديدة من الأمراض والفيروسات لم تكن معروفة من قبل (مثل كوفيد 19)، فقد أصبح لازاما على الفقه القانوني والمشرع معا أن يتناولا ما يمكن أن نسميه "العقد الطبي" – بحسب الخبير القانوني الدكتور أحمد أمين، المحامي بالنقض والمحكم القانوني المعهد القومي للملكية الفكرية جامعة حلوان.
في البداية - العقد الطبي يمكن تعريفه من قبلنا بأنه عقد بمقتضاه يلتزم طبيب مرخص له بمزاولة مهنته قانونا ببذل العناية المتفقة مع الأصول العلمية المرعية بالتشخيص وإجراء الكشف الطبي أو تقديم العلاج أو إجراء عملية جراحية بعد الحصول على موافقة العميل أو المريض بإرادة متبصرة، وذلك مقابل أجر معلوم يؤديه الأخير، وبالتالي فإلتزام الطبيب هو التزام ببذل عناية وليس تحقيق نتيجة الشفاء أو غيرها ولا يخرج عن هذا الأصل إلا في عمليات التجميل – وفقا لـ"أمين".
اختلف الفقه في تصنيفه
والأصل أن أي مساس بجسد الإنسان يعد جريمة جنائية تستوجب عقاب مرتكبها إلا ما استثناه المشرع كسبب من أسباب الإباحة قانونا وعلى رأسها التدخل الطبي، لذا فإن أهم ما يميز العقد الطبي هو استلزام حصول الطبيب في العمليات الجراحية على شكل خاص من الرضا الكتابية وبعد تبصير لازم بطرق اختيار العلاج المناسبة والبدائل المتاحة، ثم ترك المريض حرية الاختيار بينها، ونرى ضرورة استلزام هذا النوع الخاص من الرضا في كل الأحوال وليس فقط في العمليات الجراحية حفاظا على حقوق طرفي العلاقة الطبية – الكلام لـ"أمين".
كما يتميز العقد الطبي بالتزام الطبيب بضرورة الحفاظ على كل ما يتعلق بحالة المريض وعلاجه والظروف المحيطة بها وعدم إفشاء السر المهني، وفي المقابل يلتزم المريض بالتعاون مع الطبيب بمده بالمعلومات الصحيحة حول حالته المرضية، وكذا سداد أتعاب الطبيب، ولكن ما هي طبيعة وتكييف العقد الطبي؟ ومن ثم ما هي القواعد القانونية التي تطبق على هذا النوع من العقود؟
ومحكمة النقض وأغلبية الفقه اعتبره "مقاولة" ذو طبيعة خاصة
فقد ذهب البعض أن العلاقة التي تربط الطبيب بالعميل هو عقد وكالة على غير الحقيقة، لأن أهم ما يميز عقد الوكالة هو أن محل العقد يرد على تصرفات قانونية، وليست على أعمال مادية، ولا شك أن عمل الطبيب هو عمل مادي حتى ولو كان عمل ذهني، فإن ذلك لا يخرجه عن ماديته، ثم ذهب البعض أيضا أنه يمثل عقد عمل بين طرفيه، ولكن أيضا لا يصح ذلك، لأن أهم ما يميز عقد العمل هو وجود رابطة التبعية القانونية في صورة تنظيمية أو إدارية وخضوع العامل لإشراف رب العمل ورقابته، وهو الأمر الذي يتنافى مع العلاقة بين الطبيب والمريض – هكذا يقول "أمين".
وذهب أغلب الفقه ومعه أحكام محكمة النقض المصرية أنه يمثل عقد مقاولة بحيث يتعهد فيه أحد المتعاقدين بأن يؤدي عملا لقاء أجر معلوم يؤديه المتعاقد الآخر على الرغم من كون التزام الطبيب هو التزام ببذل عناية وليس تحقيق نتيجة بحسب الأصل، وأن العقد قائم على الاعتبار الشخصي بعكس أغلب عقود المقاولة، وأخيرا لكونه عقد غير لازم بحيث يجوز للطبيب أو المريض الرجوع بالإرادة المنفردة.
ومطالبات بتكييف هذه العقود من الناحية القانونية
وفى الأخير يقول "أمين": من جانبنا فإننا نخالف هذا التوجه الفقهي والقضائي ليس فقط للإستثناءات السابق ذكرها وإنما أيضا وهو الأهم ما حدث من تطور هائل في التخصصات الطبية وتشعبها وطرق وأساليب العلاج والعمليات الجراحية المختلفة، لذا فإننا نهيب بالمشرع المصري أن يفرد لهذا النوع من العقود مجموعة من الأحكام التي تتفق وطبيعته المميزة ولأهميته القصوى اليوم على أمن الفرد والأمن القومي للبلاد، وكنتيجة طبيعية لإلتزام الدولة باستحقاق دستوري وفقا لنص المادة (18) من الدستور المصري: (لكل مواطن الحق في الصحة والرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة.. ودعمها والعمل على رفع كفاءتها..).
رأى محكمة النقض
حكم محكمة النقض، طبقا للطعن المقيد برقم 2966 لسنة 58 قضائية، الصادر بجلسة 1993/1/24: "التزام الطبيب في عقد العلاج أو الجراحة هو التزام ببذل عناية، وليس تحقيق نتيجة، إلا إذا تعلق الأمر بجراحات تجميلية أو اتفق صراحةً على تحقيق نتيجة محددة. معيار تقصير الطبيب هو معيار الرجل العادي من ذات التخصص".