فى كثير من الأحيان يقوم عدد من المحامين، بصدد الدفاع في بعض القضايا الخاصة بجريمة خيانة الائتمان على بياض، والكثير منهم يقوم بإتخاذ إجراءات الطعن بالتزوير على تلك الورقة ثم يأتى التقرير بما يؤكد أن الصلب مغايير للتوقيع، وهنا تأتى أهمية الدفع بخيانة الإئتمان الواردة بالمادة 340 من قانون العقوبات، كما يلجأ الناس للأوراق الموقعة على بياض وبصفة خاصة إيصالات الأمانة، وذلك ضماناً للالتزامات المستقبلية على المُوقع.
والتوقيع على بياض هو قيام شخص بالتوقيع على ورقة أي كانت كينونة الورقة، دون وجود أي بيانات أخرى بها، وأحياناً لا يُسطر بها غير اسم المُوقع ورقم تحقيق الشخصية، وطريقة معرفة حقيقة الورقة ذاتها: يتم التوصل كون الورقة سند الدعوى موقع عليها على بياض بلجوء المُوقع لطريق الطعن بالتزوير، فتخضع الورقة للفحص بالطب الشرعي قسم الأبحاث والتزييف ويرسل تقرير موضح فيه ذلك، والذي ينص صراحة فيه على كون الورقة موقع عليها على بياض وتم تسطير البيانات في ظرف مغاير للتوقيع.
اتجاهات القضاء في التوقيع على بياض
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على اتجاهات القضاء في التوقيع على بياض، خاصة وأن الموضوع يتضمن إشكالية واضحة وصريحة لتباين الأحكام فيه، وأن الفيصل الحقيقى هو وجوب تيقن المحكمة من كون التوقيع تم برضاء تام على ما سيملى فيما بعد، فعند حدوث خلاف بين المُوقع وحائز الورقة، يقوم الحائز بمليء بيانات الورقة ويتخذها وسيلة للضغط على المُوقع باللجوء للقضاء بطرق مختلفة ومتنوعة، طمعاً في الحصول على حكم قضائي يرغم به أو يفاوض المُوقع للرضوخ لطلباته، والتي يتعسف فيها خاصة بعد إغلاق طرق الطعن على الحكم أمام المُوقع – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض محمد عبد الرؤف موسى.
في البداية – العديد من الأحكام يأتي تقرير طب الشرعي "أبحاث التزييف والتزوير"، يُثبت بما لا يدع مجالا للشك أن التوقيع على الايصال كان علي بياض، وأنه وإن كانت الطاعنة هي من وقعت على الإيصال، إلا إن هناك من قام بملئ بيانات الإيصال في ظرفيين كتابين مختلفين لاحقيين علي التوقيع، بنفس الخط، ونفس نوع القلم، ولكن بمداد مختلف، مما ينفي واقعة التسليم، وهناك اتجاهين للقضاء بناء على الورقة الموقعة على بياض ويغلب عليها الإدانة وهي على النحو التالي – وفقا لـ"موسى":
أحكام الإدانة (وهي الأغلب): وتتخذ من التالي نصوصاً مؤيدة لذلك الاتجاه
المادة 14 من قانون الإثبات والتي تنص: "يعتبر المحرر العرفي صادراُ ممن وقعه ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة".
أحكام محكمة النقض وأهمها:
وهناك العديد من أحكام النقض التي اتخذت ذلك الإتجاه أبرزها الطعن المقيد برقم 2143 لسنة 58 قضائية، الصادر بجلسة 24 نوفمبر 1993 تعليقاً على نص المادة 14 إثبات، والذى جاء في حيثياته: "حجية الورقة العرفية إنما تستمد من التوقيع عليها بالإمضاء أو ببصمة الختم أو ببصمة الإصبع، وهي بهذه المثابة تعتبر حجة بما ورد فيها على من وقعها حتى يثبت عدم صدور التوقيع منه"، وكذلك الطعن رقم 111 لسنة 33 قضائية، الصادر بجلسة 4 أبريل 1957 تعليقا على نص المادة 394/1 من القانون المدني – الكلام لـ"موسى".
ولكن أخطرهم حكم النقض التالي والذي أباح إضافة بيانات غير صحيحة للورقة الموقعة على بياض:
"يجوز أن يوقع الشخص ورقة على بياض خاصة في الشيكات ثم يسلمها للدائن ليدون فيها ما تم الاتفاق عليه، فإذا تمت كتابة البيانات فوق التوقيع أصبح للورقة حجية الورقة العرفية وإذا لم يكن من سلمت إلية الورقة أميناً ودون بيانات مغايرة للبيانات المتفق عليها فإن المدين لا يستطيع إثبات ما يخالف الكتابة إلا بالكتابة متى تمسك المستفيد من الورقة بذلك"، طبقا لموسوعة الإرشاد القضائية -الكتاب الثاني- المرشد في قانون الإثبات المستشار / يحيى إسماعيل – الطبعة الرابعة 2013 ص 154، وغيره من أحكام محكمة النقض التي أيدت الإدانة بناء على الورقة الموقعة على بياض – طبقا للخبير القانونى.
أحكام البراءة: على الجانب الآخر نجد أحكام صادرة من ذات المحكمة بتجريم تغيير الحقيقة في الورقة الموقع على بياض ومنها:
وأبرز هذه الأحكام الطعن المقيد برقم 36 لسنة 26 قضائية، الصادر بجلسة 9 يناير 1961، والذى جاء في حيثياته: "الأصل في الأوراق الموقع على بياض أن تغيير الحقيقة فيها ممن استأمن عليها هو نوع من خيانة الأمانة ومن ثم يرجح في إثباته إلى القواعد العامة ومن مقتضاها أنه لا يجوز إثبات عكس ما هو ثابت في الورقة الموقعة على بياض إلا أن تكون هناك كتابة أو من مبدأ ثبوت بالكتابة ولا يخرج عن هذا الأصل الإحالة ما إذا كان من استولى على الورقة قد حصل عليها خلسة أو نتيجة غش أو طرق احتيالية أو بأية طريقة أخرى خلاف التسليم الاختياري عندئذ يعد تغير الحقيقة فيها تزويراً يجوز إثابته بكافة الطرق".
طعن أخر بشأن أحكام البراءة
وكذا الطعن رقم 457 لسنة 35 قضائية، الصادر بجلسة 22 يناير 1970، والذى جاء في حيثياته: "لما كان المقرر قضاء أن تغيير الحقيقة في الورقة على بياض وأن كان يعتبر على ما جرى به قضاء محكمة النقض خيانة أمانة يخضع للقواعد العامة إلا أنه إذا وقع هذا التغيير من آخر بغرض سلمت له الورقة اختيار فأنه يعتبر تزويراً يجوز إثباته بكافة طرق الإثبات القانونية بما فيها البينة"، وأيضا الطعن رقم 813 لسنة 44 قضائية، الصادر بجلسة 13 فبراير 1979، والذى تضمن في أسبابه تعليقاً على نص المادة 29 من قانون الإثبات: "التزوير في الأوراق العرفية وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة هو تغيير الحقيقة في المحرر بقصد الغش بإحدى الطرق التي عينها القانون تغييراً من شأنه أن يسبب ضرراً وكان اصطناع المحررات هو من طرق التزوير المنصوص عليها في المادتين 217، 221 عقوبات…"، وغير ذلك من أحكام أخرى.
3 شروط لإزالة اللبس حول مسألة تضارب الأحكام
ويضيف "موسى": وبمطالعة الأحكام سواء المؤيدة للإدانة أو الرافضة لها بناء على الورقة الموقعة على بياض يتضح تضارب وتضاد واضح بين الأحكام وبعضها البعض، وبذلك يكون هناك اتجاهين متضادين لذات الموضوع وهو أمراً غير مقبول عقلاً أو قانوناً، ولكن بالنظر الدقيق المتفحص نجد عدم وجود تضارب أو تضاد ولكن الاتجاهين قد اشترطا 3 شروط هامة وهي:
1– العلم النافي للجهالة: ويقصد هنا هو توافر علم المُوقع على بياض بما وقع عليه، وبما سيُسطر بصلب الورقة المسلمة منه في حالة لجوء حائز الورقة لاستخدامها.
2- التسليم بإرادة حرة بالصلب المستقبلي: ويقصد هنا بكون المُوقع قد وافق بشكل حر وبدون الضغط عليه أو إجباره بطريقة ما على التوقيع على الورقة دون ملئ صلبها بذات المجلس، مع علمه بما سيدون بالصلب مستقبلاً فصدرت موافقته بإرادة تامة غير معيبة.
3- حقيقة ما أُثُبت بالورقة:ـ يتضح بجلاء اشتراط أن يكون ما أثُبت بالورقة الموقعة على بياض هو بيان حقيقي؛ لما اتفق عليه الطرفين بالفعل وليس مجرد بيان غير حقيقي، قصد به الحائز للورقة استخدامه كوسيلة ضغط على المُوقع أو اصطناع مستند لواقعة غير حقيقية بالمرة.
والواقع العملي في حقيقة الأمر يظهر اتجاه أغلب الدوائر للإدانة في الورقة الموقعة على بياض، ولم تخف حدة الإدانة إلا بعد عمل حملة إعلامية بإظهار بعض الغارمات من سجونهم يستنجدنا من ظلم ما وقع عليهن، مما دفع عدد من الدوائر للقضاء برفع الحصانة الجنائية عن الورقة الموقعة على بياض وإصباغ الصفة المدنية عليها، وذلك في وجهة نظري المتواضعة كارثة، فتُأثر القاضي بالجدل الإعلامي أمر في غاية الخطورة – هكذا يقول "موسى".
الإدانة أو البراءة في الورقة الموقعة على بياض تستلزم بالضرورة سعى القاضي لإتاحة الفرصة لنفسه ولطرفي التداعي ليستقر في وجدانه بما لا يدع مجال للشك من توافر شروط الإدانة أو انتفاءها كما بينا بعاليه ـ العلم، الإرادة، الحقيقة، فارتكان القاضي للتوقيع الموجود على الورقة وحده كدليل إدانة أرى من وجهة نظري المتواضعة بأنه ارتكان خطأ، وفي نهاية طرحي هذا أقول أن ما جاء فيه صواب يحتمل الخطأ أو العكس وأن كان به شيء من المعقول – بحسب "موسى".
من الأحكام الحديثة لمحكمة النقض لشهر يونيه 2024
أصدرت محكمة النقض حكما حديثا بجلسة 25/6/2024 قالت فيه أنَّ إنشاء مُحرر كاذب فوق توقيعٍ صحيحٍ أو تغيير البيانات التي انصب عليها يتساوى في أثره مع عدم صحة التوقيع ذاته، ففي الحالتين يُعد تزويرًا، يترتب على ثُبوته نفي صُدور المُحرر المُصطنع أو البيانات الكاذبة المُدَوَّنة فيه ممَّن نُسب إليه، لأنَّ التوقيع على الورقة في هذه الحالة لا ينفصل عن صلبها وبياناتها، ولا يحتملان غير حلٍ واحد، إذ إنَّ المحرر يستمد حجيته في الإثبات من ارتباط التوقيع بما ورد بطلب المُحرر ومن بيانات تتصل به وتتعلق بالعمل القانوني موضوع المحرر.
وقالت المحكمة في أسباب حكمها: وإنْ كان التوقيع على بياض هو توقيع صحيح، من شأنه أنْ يُكسب البيانات التي ستكتب بعد ذلك فوق هذا التوقيع حجية الورقة العرفية، المُستمدة من التوقيع لا من الكتابة، إلا أنَّ شرط ذلك أن يكون المُوقِع قد قصد أن يرتبط بالبيانات التي سترد في الورقة، وأنْ يُسلّمها اختيارًا، فإذا كان من استولى على الورقة قد حصل عليها خِلسة أو نتيجة غِش أو طرق احتيالية أو بأيَّة طريقة أخرى خلاف التسليم الاختياري، فعندئذٍ يُعد تغيير الحقيقة فيها تزويرًا، يجوز إثباته بطرق الإثبات كافة، طبقا للطعن المقيد برقم 13887 لسنة 90 قضائية، الصادر بجلسة 26 يونيو 2024.
خلاصة حكم النقض سالف الذكر:
1- إنشاء مُحرر كاذب فوق توقيعٍ صحيحٍ ، يُعد تزويرًا .
2- ويترتب على ذلك نفي صُدور المُحرر المُصطنع أو البيانات الكاذبة المُدَوَّنة فيه ممَّن نُسب إليه .
3- وإنْ كان التوقيع على بياض هو توقيع صحيح، من شأنه أنْ يُكسب البيانات التي ستكتب بعد ذلك فوق هذا التوقيع حجية الورقة العرفية، المُستمدة من التوقيع لا من الكتابة، إلا أنَّ شرط ذلك أن يكون المُوقِع قد قصد أن يرتبط بالبيانات التي سترد في الورقة .
حكم صادر من محكمة الاستئناف
وفى حكم صادر محكمة محكمة الاستئناف أرست خلاله عدة مبادئ قانونية من خلال الحكم، ومن خلال منازعة هي شديدة الخصوصية، وكثيرة التكرار في المحاكم، وسيصبح حجة في القضاء المدني مستقبلاً بالذات فيما يخص أوامر الأداء، والمبادئ القانونية التي أرستها محكمة المنيا الابتدائية يمكن إجمالها فيما يلي:
أولا: ميعاد الاستئناف مفتوح أمام الخصم طالما لم يُعلن بالحكم ولم يحضر في أي جلسة من جلسات أول درجة.
ثانيا: أن المحكمة الاستئنافية غير ملزمة بإجابة طلب المستأنف بإحالة الدعوى للتحقيق طالما رأت فى أوراق الدعوى ومستنداتها ما يكفى لتكوين عقيدتها.
وأهم المبادئ على الإطلاق تمثلت فيما يلي:
ثالثاً: أن اليمين الحاسمة لا يجوز توجيهها على واقعة شكلت من قبل جريمة، وهي خيانة الأمانة، ومن ثم لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة للمستأنف ضده، ولا إثم عليه إن هو نكص عن أدائها فلا يجوز إجباره على الشهادة وحلف اليمين أمام المحاكم المدنية طالما أن الواقعة سبقها جنحة.
رابعاً: أن التوقيع على بياض من شأنه أن يكسب البيانات التي ستكتب بعد ذلك فوق هذا التوقيع حجية الورقة العرفية باعتبار أن هذه الحجية تثبت من التوقيع لا من الكتابة فيستوي أن تكون البيانات قد حررت قبل التوقيع أو بعده، إذ يُعد التوقيع على بياض بمثابة تفويض من الموقع لملأ بيانات المحرر مادام قصد الموقع أن يرتبط توقيعه بالبيانات التي سترد بالمحرر وسلمه إختيارياً، ولم يتم اختلاس توقيعه منه بطريق النصب أو التحايل.