الثلاثاء، 04 فبراير 2025 11:51 ص

"جريمة بلا ضحية".. كل ما تريد معرفته عن الجريمة الرضائية.. عمل غير قانونى ليس له طرف مستقبل أو متضرر.. نوع جديد من الجرائم المستحدثة.. أبرزها مخالفات عُمرانية أو صحية أو إلكترونية أو إفساد الذوق العام

"جريمة بلا ضحية".. كل ما تريد معرفته عن الجريمة الرضائية.. عمل غير قانونى ليس له طرف مستقبل أو متضرر.. نوع جديد من الجرائم المستحدثة.. أبرزها مخالفات عُمرانية أو صحية أو إلكترونية أو إفساد الذوق العام الجريمة الرضائية - أرشيفية
الثلاثاء، 04 فبراير 2025 09:00 ص
كتب علاء رضوان

يثور هذه الفترة مصطلح بين القانونيين والدستوريين فيما يُعرف بـ"الجريمة بلا ضحية"، وهى بمثابة عمل غير قانوني ليس له طرف مستقبل أو متضرر، إنما يقوم به الفاعل وحده أو مع طرف أخر موافق على هذا الفعل، وتتضمن الجرائم الخالية من الضحايا حوزة مواد ممنوعة للاستعمال الشخصي أو الأفعال الجنسية غير المعتادة، وفى كثير من الأحيان يعتبر استعمال العقاقير والمخدرات والدعارة من الجرائم الخالية من الضحايا، ولكن هناك جدل عن الأخيرة في بعض الدول.  

 

وفى الحقيقة سُميت الجرائم الخالية من الضحايا بذلك، لأنه يعتبر الشخص هو السلطة الأسمى على نفسه وهو من حقه ارتكاب أي فعل يحلو له دون إيذاء أي شخص آخر - حسب مبدأ الضرر الذي اقترحه جون ستيوارت ميل - ويقصد بمصطلح "جريمة بلا ضحايا" أو جريمة في حق المجتمع، الأفعال التي تلحق الضرر بقيم المجتمع أو بالذوق العام، وسميت بلا ضحايا لأنه ليس لها ضحية محددة أو خصم معروف يمكن أن يرفع دعوى تخصه قانونياً، ويضرب أمثلة بتعاطي المخدرات مثلاً. 

 

حححسس

 

عن الجريمة الرضائية.. كل ما تريد معرفته عن "الجريمة بلا ضحية"

 

في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية مصطلح "جرائم بلا ضحايا"، والإجابة على حزمة من الأسئلة في ذلك السياق أبرزها ما هي أنواع هذه الجرائم؟ وهل هذه الجرائم يكون لها مدع، فلكل جريمة مدع؟ وما هي علاقة تلك الجرائم بالقانون الجنائى؟ وهل هناك جرائم مستحدثة ينطبق عليها هذا المصطلح؟ خاصة وأنه لا يوجد تحديد متفق عليه لهذه الأنواع من الجرائم، إلا أن عالم الاجتماع "إدوين شور"، وهو الذي سك المصطلح، يؤكد على ضرورة تجريم مثل هذه الأفعال بهدف الحفاظ على معايير المجتمع وأخلاقياته العليا، وتحقيقاً للسلام والأمن الاجتماعي – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى الدكتور كريم ملازم.

 

في البداية – تتعرض المجتمعات من حين لأخر لنوع جديد من الجرائم بلا ضحايا من خلال شكل من أشكال الجرائم المعلوماتية وغيرها من الجرائم المستحدثة، الذي يتمثل في مخاطبة المجتمع وتوجيهه والتأثير عليه عبر البث المباشر من تطبيقات التواصل الاجتماعي، من قبل مشاهير أو غير مشاهير لا يملكون صلاحيات رسمية بذلك، دون الوعي الكافي بما لهم وما عليهم من حقوق عامة، وقد تسبب كثرة التصريح والتصوير والبث من أجل تحقيق الانتشار في كثرة الجرائم بلا ضحايا تحت ذريعة حسن النوايا أو المزاح والهزر، رغم صدور قوانين تقنية المعلومات والجرائم الإلكترونية في العديد من دول العالم والدول العربية، إلا أن هذا القانون غير كافى للتصدى لمثل تلك الجرائم – وفقا لـ"ملازم". 

 

وويي

 

نوع جديد من الجرائم المستحدثة

 

وهذا النوع من الجرائم يفتقر إلى وجود مدعٍ، فإن مؤسسات الدولة تقوم غالباً بدور الادعاء مثل النيابة العامة أو الجهة المخولة بحماية المزاج العام للمجتمع أثناء الأزمات، وذلك لأن المزاج العام أثناء الأزمات يكون مستعداً لتلقي أي نوع من الإشاعات ونشرها بسرعة، وتكون القابلية للهلع أكثر من أوقات السلم، وتكون الجرائم بلا ضحايا أكثر إيلاماً عندما تصدر من أبناء المجتمع في أزمنة الكوارث وانتشار الأوبئة والإقبال على حرب مثلا، حيث يقللون من أهمية جدية الإجراءات الرسمية، أو يغرسون أجنداتهم في الأزمات، ويكون تأثيرهم على العامة كبيراً، لأن لغة خطابهم لمتابعيهم -وهم غالباً من البسطاء وصغار السن - سهلة ومفهومة وأكثر سلاسة من التوعية والقرارات الرسمية، فيكون مدخلا خطيرا لهدم ثوابت المجتمعات – الكلام لـ"ملازم".

 

فعلى سبيل المثال لا الحصر – وقت أزمة فيرس كورونا – قامت العديد من دول العالم ومنها الدول العربية، بإتخاذ إجراءات سياسة وقانونية لإدارة أزمة كورونا بتجريم الجرائم بلا ضحايا المتمثلة في الجرائم المعلوماتية التي تقع في هذا السياق، وهي تعد بشكل أمني آخر: مناهضة خطاب الدولة وسياساتها، بل خطاب العالم وسياساته العليا في لحظات حرجة، إذ للدولة خطاب سياسي وأمني مخطط له، يهدف بوضوح إلى تأمين المجتمع واقتصاده، وبالتالي لها حق احتكار إدارة الأزمة، ومن ثم فالتصريحات والنصائح والتوجيهات الرسمية جزء أمني ورئيس من إدارة الأزمة، ولا ينبغي لأحد أن يوجه المجتمع أو يؤدلج الأزمة أو يسخر من الإجراءات، وخاصة أن المملكة تواجه عداوات وخصوم خارجية لن تفوت الفرصة لإيقاع الأذى وإحداث الارتباك الشعبي بأي شكل، من خلال استخدام بعض المواطنين الذين لا يدركون أبعاد سلوكهم وحجم تأثيرهم – طبقا لـ"ملازم". 

 

الرضائيه

 

أبرزها مخالفات إدارية أو عُمرانية أو صحية أو إلكترونية

 

وجميعنا يتذكر أثناء أزمة كورونا كمية الشائعات التي تم ترويجها عبر مواقع التواصل الإجتماعى، وأكثرها حالات تصوير وقائع غير حقيقية، أو التفاخر بعدم تنفيذ قرار حظر التجول، أو مقاطع غير حقيقية، فخرجت الأجهزة الأمنية – حينها – والقانونيين والدستوريين ليؤكدوا تحذيراتهم من مخاطر إرباك المجتمع بمثل هذا النوع من الجرائم، وأن من يفعل ذلك أو يخالف التوجيهات سوف يتعرض للملاحقة الأمنية، بهدف حفظ الأمن العام والتقليل من المؤثرات السلبية التي يمكن أن تمارس ضغطاً على المواطنين في ظل الأزمة، فالأمن ليس شيئاً مادياً فقط، بل يمتد للحفاظ على الحالة النفسية والمعنوية للشعب، ومحاربة كل السلوكيات التي تهدد السلام والأمن والأمان في توقيت الأزمات والحروب – هكذا يقول "ملازم".

 

وفى الحقيقة لا يستأثر القانون الجنائي بمفهوم الضحايا بإعتباره مفهوما جنائيا خالصا إلا بالقدر المتعلق بالمصلحة التي يضفي عليها القانون حمايته باعتبارها حقاً، والحق قيمة اجتماعية عليا تتجسد بالمصلحة التي يحميها القانون، وهذه الحماية تكون من خلال نصوص قانونية تجرم كل فعل ينتهك هذه المصلحة والمصالح تتعدد، وهي الأساس الذي يستند إليه المشرع في حل المشاكل التي يواجهها المجتمع من خلال نصوص التجريم والعقاب، ففلسفة التجريم تمثل المبادئ العامة التي ترسم الاتجاهات الأساسية للتجريم والعقاب، وتسمى الأفعال المجرمة بالجرائم، وتقسم ضمن مضمار التجريم الى جرائم تقليدية وأخرى مستحدثة ومخالفات وجرائم اعتبارية تلحق بالجرائم المستحدثة. 

 

ججس

 

وسميت بلا ضحايا لأنه ليس لها ضحية محددة أو خصم معروف

 

ومن الجرائم المستحدثة ما تنطوي على مخالفات إدارية أو عمرانية أو صحية ويثار في بعض الأنظمة القانونية الجنائية تسمية الجرائم الرضائية أو الجرائم بلا ضحايا وتستند في رؤيتها، بأن كلا من مرتكب الجريمة ومن وقع عليه الجرم يرغب في ممارسة النشاط المحظور، وبالتالي فالأمر أقرب الى التنظيم من التجريم، وقد آثير حولها الكثير من الجدل القانوني والأخلاقي فيما إذا كانت ضمن مساحات التجريم أم التنظيم والتعويل الرئيسي في الرؤية على أن الفعل يتم بالموافقة حيث يرى معارضو التجريم أنها تتعلق بالحريات الخاصة للأفراد والمضمونة دستوريا أضافة للقانون، وأن التجريم يقوم على أساس الفعل الذي ينتهك المصلحة المحمية في القانون وعلى ضوء ذلك، فإن القانون يجب أن يتدخل فقط إذا كان هناك ضرر أو خطر مباشر.

 

وهذا الرأي يرتبط بالفلسفة الليبرالية القائمة على إطلاق الحريات من منطلق أو مبدأ اقتصادى بحت، بإعتبار الاقتصاد الصانع للتشريعات والقوانين والدعامة الرئيسية له وممارسة الحريات لا تُحدد إلا بالقدر الذي تمس فيه حرية الآخرين، والمبرر الذي يراه دعاة هذا الاتجاه في تنظيمها لا تجريمها أن التجريم يستنزف موارد الدولة المالية والبشرية في ملاحقة هذه الجرائم بدلاً من تكثيف الجهود بإتجاه إهتمامات أخرى وجرائم أكثر خطورة.  

 

ججسس

 

خلاف بين مؤيد ومعارض للتجريم 

 

بينما من يؤيد التجريم لا التنظيم يرى أن هذه الأفعال قد تؤدي إلى آثار مهمة وخطيرة تؤثر على المجتمع، مثالها جريمة التعاطي، وإن كانت تدخل ضمن مفهوم الجرائم بلا ضحايا بالنسبة الى مرتكب الفعل أو مسمى الجرائم الرضائية، فإن التجريم ينصب على حماية الانسان والمجتمع في نظرة تعكس مدى أهمية دور السلطة العامة في فرض الجزاء برؤية راهنة ومستقبلية لآثار الفعل المُجرم، حيث أن مصطلح الجرائم الرضائية أو الجرائم بلا ضحايا يتناغم مع اتجاه في علم الإجرام يدرس الجرائم التي تكشف عن شخصية اجرامية وتكوين اجرامي لدى الجاني فحسب دون تلك الأفعال التي لا تستحق أن تدخل ضمن دراسة علم الاجرام في رؤية قانونية لتحجيم أو تقسيط التجريم وهي رؤية ربما ينساق معها المشرعون باعتبار الموافقة على ارتكاب أفعال مجرمة دون الاستناد الى عنصري الخطر والضرر بإعتبار الموافقة على ارتكاب هذه الافعال نشأت بموافقة الطرفين ولا تشكل ضررا أو خطرا بالمعنى القانوني لهما.   

 

الفرق_بين_المحكمة_الإدارية_والمحكمة_العادية

465369506_8568741076536836_1456069506327264550_n
 
أستاذ القانون الجنائى والمحامى الدكتور كريم ملازم 
 
 

print