أدت تصرفات الحكومة القطرية إلى الأزمة الدبلوماسية الحالية، وأدت القرارات التى اتخذتها منذ يونيو 2017 إلى حالة من الجمود لا يتوقع أن تتراجع فى سياقها دول الرباعى العربى أو قطر عن مواقفها فى المستقبل المنظور، فدول الرباعى العربى لا تسعى إلى تصعيد الأزمة الحالية لحالة عنيفة، والواضح أنها لن تلجأ إلى التدخل العسكرى، ورغم ذلك فإن هذا السيناريو ما زال مطروحا على طاولة البحث من الناحية النظرية بسبب قرارات قطر المثيرة للجدل وتحالفها المتصاعد مع إيران.
ويشير تقرير أعدته الهيئة المنظمة لمؤتمر قطر فى منظور الأمن والاستقرار الدولى الذى سيعقد فى لندن منتصف الشهر الجارى، لمحاولة حكومة الدوحة لتعويض خسارتها التجارية عبر توسعة قطاع الطاقة والسحب من الاحتياطات المتوفرة، مرجحة أن يكون التأثير على المواطنين القطريين سببا فى إشعال حالة من الغضب الشعبى وربما العنف، فى ظل تجاهل النظام للضغط الدولى.
ففى الوقت الذى تحاول فيه قطر التأقلم مع المقاطعة، فإنها تزداد تقاربا مع إيران، ومن المرجح أن يستمر ذلك عام 2018 فى ظل تعمق حالة الجمود، على أن تتحول العلاقة بين الدوحة وطهران إلى تحالف استراتيجى من جانب قطر، وبالفعل أصدرت إيران فى 6 يوليو الماضى تصريحات تعبر عن رغبتها بأن يتذكر أمير قطر "المعروف" الذى قدمته طهران للدوحة بفتحها للأجواء الإيرانية عقب بدء المقاطعة فى يونيو 2017.
ومن المرجح أن تؤدى المحاولة للتوفيق بين هذه العلاقة المتحسنة باضطراد مع إيران والحاجة إلى المحافظة على ود الولايات المتحدة لتكون وسيطا مع دول الرباعى العربى إلى المزيد من ضغط واشنطن على الأمير تميم، وخاصة بالنظر إلى أهمية قاعدة العديد الجوية للولايات المتحدة لإنجاز عملياتها فى سوريا والعراق. من المتوقع أن يؤدى الضغط الإيرانى المتزايد كلما تفاقمت الأزمة، وكلما تزايد اعتماد قطر على طهران إلى حسم هذا الأمر، وخاصة إذا ما اعتقدت إيران أن بوسعها الحصول على تنازلات ضخمة من قطر، مثال زيادة دخلها من حقل الغاز المشترك بين البلدين.
فى ظل استمرار الأزمة، فإن ظهور شخصيات توفيقية مقبولة من النخبة القطرية فى مقدمة صانعى الأحداث ستتزايد، وفى حالة الأسرة الحاكمة، فإن شخصيات من أمثال الشيخ عبد الله بن على آل ثانى الذى يحظى بدعم القوى الإقليمية قد تضطلع بأدوار رئيسة فى المشهد السياسى باعتبارها ذات قدرات أفضل على تحقيق تطلعات مواطنى قطر، وذلك على خلاف الأمير تميم، وخاصة إذا استمرت التبعات الاقتصادية للأزمة فى التأثير على الاستقرار الاجتماعى والمالى، وهذا متوقع بشكل كبير فى ظل استمرار الأزمة.
وأكد التقرير أن احتمالات حدوث انقلاب أو تدخل عسكرى قائمة، فإن هذين الاحتمالين يصبحان واردين، وخاصة إذا ما بدأت عوامل خارجية فى التأثير على المعادلة الاستراتيجية للأطراف الفاعلة، وعلى سبيل المثال، إذا ما بدأت قوى الأمن القطرى فى التصدى العنيف للمواطنين القطريين، فإن ذلك سيقود إلى الاحتجاجات والعنف، وبالتالى إلى المزيد من الضغط على القوى الإقليمية الفاعلة لاتخاذ خطوات تؤمن سلامة القطريين.
وأوضح التقرير أنه فى ظل الوقت الذى تشكل فيه الأزمة تحديا خطيرا على استقرار الحكومة القطرية، وخاصة بالنظر إلى خطابها وتصرفاتها المتهورة، فإن الاستقرار الاقتصادى الذى توفره الاحتياطات المالية الضخمة الذى يعتمد عليه النظام القطرى فى تعنته الحالى عُرضة للتغيّر عندما تتقلص الاحتياطات النقدية، مما سيؤدى إلى احتجاجات شعبية وربما حدوث انتفاضة شعبية.
وطرح التقرير 3 سيناريوهات لأزمة الرباعى العربى مع قطر موضحا أن السيناريو الأهم والأقرب إلى الترجيح هو استمرار عزلة قطر، والمرجح هو استمرار الضغط الاقتصادى والجيوسياسى - غير العسكرى - من دول الرباعى العربى على الحكومة القطرية، وقد يؤدى استمرار الضغط الاقتصادى على الحكومة القطرية إلى دفع قطر للتوصل إلى اتفاق مع مجموعة الرباعى العربى وقطر عبر المفاوضات، وذلك بدعم من الولايات المتحدة، عوضا عن أن يتحول الضغط الاقتصادى المتزايد إلى عنف داخل البلاد نتيجة للاضطرابات التى قد تنشأ نتيجة لآثار المقاطعة على المواطنين القطريين، وربما عبر التدخل العسكرى الأجنبى، وهذه نتيجة ليست محبذة بالنسبة للرباعى العربى أو قطر أو المجتمع الدولى.
من المرجح أن تؤدى قيود المقاطعة على التجارة القطرية إلى التزايد فى اعتماد الحكومة القطرية على قطاع الطاقة لتعويض الفاقد فى الدخل التجارى، فقد شرعت قطر بالفعل فى تعزيز احتياطاتها المالية من الدخل المستخلص من موارد الطاقة، حيث أعلنت قطر غاز فى نهاية شهر يونيو 2017 أنها ستصدر ما يصل إلى 1.1 مليون طن من الغاز الطبيعى المسال إلى شركة شل لمدة خمس سنوات.
على نحو مماثل، أعلنت قطر للبترول فى مطلع يوليو 2017 أنها ستزيد إنتاجها من حقل غاز الشمال بنسبة 30،% ليصبح 100 مليون طن مترى فى السنة، وذلك عبر مضاعفة حجم مشروع الغاز الجديد فى القطاع الجنوبى من حقل الشمال، وفى دلالة على توقع الحكومة القطرية لاستمرار الأزمة، فإن إعلانها سيستغرق عدة شهور ليُحدث تأثيرا، ومن المتوقع أن تُعدّل دول الرباعى العربى من القيود الاقتصادية بالتوازن مع الزيادة فى الدخل المستخلص من قطاع الطاقة القطرى.
وبالنظر إلى استمرار اعتماد قطر على إيران وتركيا فى الطعام والبضائع التموينية، فإن المتوقع حدوث المزيد من التقارب بين قطر وهاتين الدولتين فى المستقبل المنظور، ومن الدلائل على ذلك إعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع إيران فى 24 أغسطس الماضى، ومن المرجح أن تستمر تلك العلاقة باعتبار حدوث تقارب متزايد مع طهران بخلاف ما تريده دول الرباعى.
وتتعاون إيران وقطر بالفعل بشكل وثيق فى سياق إنتاج الطاقة، ويتشاركان الإشراف على حقل غاز الشمال، وهو حقل الغاز الطبيعى الأضخم فى العالم.
ومن المرجح أن تدعم قطر احتياطاتها بالدخل الناتج من مصادر الطاقة، مما سيزيد من اعتمادها على إيران حليفا استراتيجيا، بينما ستشهد العلاقة التجارية بين البلدين تزايدا فى استخدام قطر للموانئ والمطارات وغيرها من منظومات البنية التحتية الإيرانية للتعويض عن عدم استخدامها للتسهيلات الإقليمية فى مناطق أخرى.
وفى الوقت الذى تحتفظ فيه الحكومة القطرية باحتياطات مالية ضخمة تصل تقريبا إلى 300 مليار دولار أمريكى فى الصندوق السيادى إضافة إلى 40 مليار دولار أمريكى فى احتياطى النقد الأجنبى بحسب مصرف قطر المركزى، فإن من المرجح أن تشهد البلاد انخفاضا تدريجيا فى جودة الأصول إذا ما استمرت الأزمة لعدة شهور، وسيكون ذلك بالغ التأثير.
وفى قطاعى البنية التحتية والمصارف، مما سيزيد من التكلفة التى يتكبدها مصدرو السندات العامة والخاصة، وقد يتم استخدام عامل سحب كافة الأرصدة المتوفرة من النظام المصرفى القطرى من قبل مجموعة دول الأربعة عاملا للضغط، وقد تنشأ أزمة تدريجية فى السيولة النقدية، ولكن احتياطى البلاد قد يساعدها على تحمل تلك الأعباء لعدة شهور.
ورجح التقرير سيناريو الانقلاب السلمى فى ظل تزايد العقوبات القائمة ووجود احتمالات باستمرارها على قطر وهو سيشكل ضغطا على الأمير تميم، مع تزايد التبرم الشعبى وإمكانية حدوث تدخل عسكرى خارجى ليس بوسع القوات المسلحة القطرية، والتى يصل تعداد أفرادها إلى نحو 11 ألف جنديا دحره. أما النتيجة المرتقبة للتصعيد هى أن الأمير تميم سيلجأ إلى زيادة الوجود العسكرى الإيرانى، ويُنشئ قواعد جوية وبرية لقواتها فى البلاد، ويسعى للحصول على التدريب والمعدات منها لصالح القوات المسلحة القطرية.
ورجح التقرير سيناريو التدخل الأجنبى فى حالة استمرار قطر فى استفزاز جيرانها وتجاهل مطالبهم، مما سيقود إلى فترة مطوّلة من العقوبات المالية والاقتصادية مما سيزيد من اعتماد قطر على احتياطاتها من النقد الأجنبى والأصول المملوكة فى الخارج وغيرها، وبالتالى إلى عدم استقرار على الصعيد الاقتصادى وتصاعد فى القلق الشعبى، حيث ستزيد أزمة السيولة أو عدم الاستقرار فى القطاع المصرفى الذى تتسبب فيه الخطوات الاقتصادية الصارمة مثال سحب الأصول الدولية التى تمتلكها المصارف القطرية، أو تجميد الاحتياطات القطرية فى الخارج من الضغط الذى يشعر به المواطنون القطريون.
وبصرف النظر عن النتيجة التى ستنتهى إليها الأزمة الحالية، فإن كلا من السيناريوهات الثلاثة المطروحة تمثل خطرا على بقاء الحكومة القطرية الحالية.