يبدو أن أزمة استفتاء انفصال إقليم كردستان، فى طريقها لمزيد من التعقيد، ورغم المساعى المتكررة عربيا ودوليا للحيلولة دون اتمام الانفصال، والتلويح بالخيار العسكرى، فإن السيناريوهات المطروحة بالنسبة لإقامة الدولة الكردية وإعلانها تبدو أكثر سوداوية.
عدد من أعضاء البرلمان وسياسيين، أوضحوا أن إسرائيل المحرض الأول والمستفيد من وراء استفتاء انفصال إقليم كردستان عن العراق، مؤكدين أن سيناريوهات الأزمة سوداوية فى جميع الحالات فضلا عن اعتبارهم أن الاستفتاء دعوة لتمزيق الأنسجة الوطنية الواحدة داخل الوطن وفرصة لانتشار الإرهاب.
وقررت الحكومة العراقية، الثلاثاء، حظر الرحلات الدولية إلى مطارات إقليم كردستان، إذا لم يخضع الإقليم لسلطتها خلال 3 أيام من الآن، بينما طالب مسعود بارزانى رئيس إقليم كردستان العراق بحوار جدى مع بغداد ودول الجوار.
وكانت كردستان، قد أجرت استفتاء بين مواطنيها أمس الاثنين، على الانفصال عن العراق، وقالت إن نتيجته ستظهر خلال 72 ساعة، وبينما تحاول بغداد إثنائها عن موقفها الانفصالى، يواصل رئيس الإقليم مسعود بارزانى مضيه فى اتجاه مغادرة الدولة العراقية، وهو ما دفع الحكومة العراقية فى بغداد لإهمال الإقليم 3 أيام للخضوع لسلطتها، أو التعرض لعقوبات تبدأ بحظر الرحلات الدولية للإقليم.
فى البداية، قال اللواء سعد الجمال، رئيس لجنة الشئون العربية بالبرلمان، إن انفصال إقليم كردستان أمر مرفوض عربيا وإقليميا ودوليا، ومن الممكن أن تكون اسرائيل من تشجع الاستفتاء على الانفصال، وهذه دعوى من الناحية الشكلية تخالف نصوص الدستور العراقى الصادر فى 2005 بعد غزو 2003 ، الذى نص على أن العراق دولة اتحادية وموحدة وأن جميع ثروات العراق ملك للشعب العراقى كله.
وأضاف الجمال، فى تصريح خاص لـ"برلمانى"، إن العراق رفض هذا الكلام ولن يعتد بهذا الاستفتاء والبرلمان العراقى انعقد وطالب من رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة حيدر بغدادى بأن يضع قوات من الجيش لحماية المناطق التى اعتدت عليها كردستان بعد الغزو الأمريكى فى 2003 مثل كركوك وصلاح الدين، موضحًا أن كركوك يوجد بها عرب وأكراد وتركمان ومسيحيين.
وتابع رئيس لجنة الشئون العربية، أنه من الناحية الإقليمية كل الدول الجوار ترفض انفصال إقليم كردستان العراق حيث يرفض كل من العراق، وإيران، وتركيا، وسوريا، هذا الإجراء متابعا:" يوجد فى المنطقة 30 مليون كردى، 5 مليون متواجدين بالعراق فى كردستان والباقى فى ايران وتركيا وسوريا"، مؤكدًا أن استفتاء الانفصال دعوة لتمزيق الأنسجة الوطنية داخل الأوطان سواء العراق أو الدول المحيطة بالعراق والأمة العربية، فضلا عن دعوة للتمزق على مستوى المجتمع الدولى، حيث لا يوجد دولة واحدة فى العالم وبها عرق وطيف واحد، مضيفا:" لو ضربنا المثل بأمريكا مئات العرقيات بها فيها السود والبيض والأوروبيين والعرب" .
واستطرد الجمال:" هذا التوقيت بالنسبة للعراق توقيت خطير لأنه حتى الآن لم تنته من طرد الإرهابيين من كافة أراضيها ولم يكن مناسبا أبدا أن تجرى كردستان هذا الاستفتاء فى ذلك الوقت، عندما انتصر العراقيون على تنظيم داعش فى الموصل لم ينتصروا إلا حينما اتحدت قوات الجيش الوطنى العراقى والحشد الشعبى وكردستان".
طارق الخولى: الانفصال يمثل إعلان حرب وينذر بتدخل عسكرى
فى السياق ذاته، أكد النائب طارق الخولى أمين سر لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، أن انفصال كردستان عن العراق يمثل إعلان حرب، مشيرًا إلى أن رؤية المشهد الحالى للوضع فى هذه المنطقة ينذر بتدخل عسكرى نظرا لتداخل الحدود مع 4 دول هى العراق، وتركيا وإيران وسوريا .
وأضاف "الخولى" فى تصريح خاص لـ"برلمانى"، إن بداية هذه الأزمة الخطيرة كانت منذ إعطاء كردستان حق الحكم الذاتى، حيث أكد الكثير من الخبراء أن هذا المنح يمثل إرهاصات لوجود دولة كردية فى المنطقة، موضحا أنه كان يجب إلغاء هذا القرار وعدم تنفيذه عقب الغزو الأمريكى للعراق.
وأوضح النائب، أن إسرائيل تلعب دورا بارزا فى هذا الاستفتاء من أجل إثارة وافتعال المشاكل فى هذه المنطقة، خاصة عقب الحرب القوية التى خاضتها العراق ضد تنظيم داعش الإرهابى، مشددا على أن من حق العراق اتخاذ كافة الإجراءات التى تمكنها من رفض هذا الاستفتاء والحفاظ على وحدة الدولة العراقية.
بدوره، أوضح الدكتور طارق فهمى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن السيناريوهات المطروحة لأزمة استفتاء كردستان العراق، والتداعيات السلبية المحتملة، بالنسبة لإقامة الدولة الكردية وإعلانها تبدو أكثر سوداوية.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، فى تصريح خاص لـ"برلمانى": إن هناك أكثر من سيناريو إقليميا ودوليا، وربما لن يكون متداول إعلاميا، مضيفا أن أحد السيناريوهات الإقليمية المطروحة هى عسكرة الأزمة، إذ أن بدء مناورات القوات الإيرانية والتركية على حدود العراق رسالة عسكرية وإستراتيجية بأن الخيار العسكرى وارد للغاية.
ولفت فهمى، إلى أن هناك أكثر من تصور لمفهوم العسكرة، فمن الممكن أن يحدث توافق إيرانى تركى على التدخل، وأن الحصار الاقتصادى كخطوة أولية ربما لن يكون لها نتائج إيجابية على المدى القصير، وبالتالى ستكون هناك زيارات بين المسئولين الأتراك والإيرانيين خلال الساعات القادمة والتى سينتج عنها أحد السيناريوهات المطروحة، خصوصا أن الأطراف الثلاثية: العراق وتركيا وإيران لها حسابات متداخلة فى التعامل مع الأزمة، لكن قد يكون هناك موقف أمريكى رافض لهذا التدخل.
"اللا حل واللا حسم" هو السيناريو الثانى الوارد بحسب "فهمى"، وهو أن تبقى الأمور على ما هى عليه، لا يحدث أى جديد فى الأزمة ولا يعترف أحد بنتائج الاستفتاء، وتبدأ خطة تطويق الأكراد فى مناطق أماكن تجمعهم سواء فى كردستان العراق، وأيضا على الجانب الإيرانى.
أما السيناريو الدولى، كما يشير أستاذ العلوم السياسية، أن الولايات المتحدة تعلن عدم اعترافها بأى شىء، لكن منحها ما يشبه وعد بلفور للأكراد، بإقامة دولة لهم، يجعل من الموقف الأمريكى غير حاسم بشأن الأزمة، خصوصا أن الإيرانيين لن يتركوا الأمر لواشنطن.
على الجانب الآخر، يبقى السيناريو الداعم على المستوى المباشر وهو الموقف الإسرئيلى، كما يقول فهمى، فإن إسرائيل يمكن أن تقدم أحد السيناريوهات المطروحة؛ وهو أن تستقوى كردستان العراق بتل أبيب، مشيرا إلى أن هذا نموذج وارد أيضا لتجاوز الحصار الاقتصادى وما إلى ذلك.