وبالرغم من التحديات التى هددت خلال هذين العامين - (2016 – 2017) - السلم والأمن فى العالم، بشكل عام، ووحدة وسيادة الدول العربية ومصالح الدول الأفريقية، بشكل خاص، وكان آخرها محاولة الاعتداء على الحق التاريخى والقانونى للشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، إلا أن مصر بعضويتها الفاعلة فى مجلس الأمن وتاريخها الحافل فى الأمم المتحدة كانت الطرف الأممى الفاعل فى الدفاع عن قضايا محيطنا العربى والأفريقى.
مصر تماس دور دبلوماسى بارز فى مجلس الأمن على مدار عامين
وجاءت تحركات مصر ومبادراتها الدبلوماسية خلال فترة عضويتها فى مجلس الأمن، والتى انطلقت فى يناير 2016 خير شاهد على مصداقية سياستها الخارجية إزاء قضايا أمتها العربية وقارتها الأفريقية، وأثبتت مكانتها على مدى عامين عبر إنجازات فى ظل معارك ضارية شهدتها الجلسات والنقاشات وعمليات التصويت داخل المجلس.
ومنذ اليوم الأول لعضويتها، حملت مصر رؤى وأفكار ومصالح أفريقيا والعالم العربى التى تمثل قضاياها نحو 90% من القضايا المعروضة على المجلس خلال هذه الفترة، والتى شهد خلالها العالم شمالًا وجنوبًا شرقًا وغربًا تطورات كبيرة، لتتوج مصر إسهامًا متواصلًا بصفتها ممثلة للدول العربية والأفريقية ولحركة عدم الانحياز فى المجلس، فضلا عن تعبيرها عن رؤية تلك الدول إزاء قضايا السلم والأمن الدوليين.
وإدراكا من الدبلوماسية المصرية، بأن دور مجلس الأمن لا يقتصر على إدارة النزاعات والصراعات، بل يجب أن يمتد إلى تسويتها، ركزت مصر خلال عضويتها على مفهوم ترابط آليات السلم والأمن بحيث يكون لمجلس الأمن والجمعية العامة ولجانها، ولجنة بناء السلام، كل فى نطاق ولايته واختصاصه، دور فى التوصل إلى تسوية شاملة وعادلة للنزاعات الدولية، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية، سامح شكرى، فى أكثر من مناسبة، حيث أشار إلى أن مصر لم تكتف بالنقاش حول المفاهيم والسياسات، بل امتدت مساهماتها فى حفظ السلم والأمن الدوليين إلى ميدان المشاركة بالقوات والأفراد، كما ارتقى ترتيب مصر من حيث حجم المشاركة بقوات من المركز الـ16 إلى الـ7 عالميًا، وذلك خلال الفترة من سبتمبر 2015 إلى أكتوبر 2017.
مصر تقود معركة مكافحة الإرهاب داخل مجلس الأمن
وبدأت مصر عضويتها بالمجلس ولديها تصور واضح وكامل حول أولوياتها والأهداف التى تسعى لتحقيقها من خلال المجلس، إذ سعت لاستصدار قرارات تعكس رؤيتها فى التعامل مع الجوانب المختلفة لظاهرة الإرهاب، ومن ثم أصبحت مهتمة بتغطية جوانب بعينها فيما يتعلق بمجال مكافحة الإرهاب، ومن بينها مكافحة الفكر المتطرف، ومنع وصول الأسلحة للإرهابيين، وهو ما تم بالفعل للمرة الأولى.
ولعبت مصر أيضًا دورًا هامًا فى تعزيز التعاون بين مجلس الأمن الدولى، ومجلس السلم والأمن الأفريقى، وإبراز وجهة النظر الأفريقية، خاصة فيما يتعلق بالقضايا التى تمس القارة، ويمثل هذا الجهد فى استضافة بعثة مصر الدائمة فى نيويورك للاجتماع الاستشارى السنوى العاشر بين المجلسين، وكذا تنظيم مصر زيارات لأعضاء مجلس الأمن إلى عدد من الدول الأفريقية التى يتناولها المجلس.
مصر تعقد أول اجتماع بين مجلس الأمن ونظيره بالجامعة العربية
ومن بين الإنجازات المهمة التى شهدتها هذه الفترة، نجاح مصر فى عقد أول اجتماع استشارى بين مجلس الأمن، ونظيره فى جامعة الدول العربية، فى مقر جامعة الدول العربية، فى القاهرة، فى مايو 2016، كذلك عقدت مصر خلال رئاستها فى شهر أغسطس 2017 (وللمرة الثالثة خلال عامين)، للمجلس، نقاشاً مفتوحاً حول العقوبات الدولية يهدف إلى تحديد الدروس المستفادة من الدول المتضررة حول كيفية التعامل مع مختلف أنظمة العقوبات.
كما نجحت مصر بالتعاون مع عدد من الدول المنتخبة بالمجلس فى إصدار القرار رقم 2286 خلال رئاسة مصر للمجلس، فى مايو من العام الماضى بشأن حماية المنشآت الطبية فى النزاعات المسلحة، والذى نجح فى إبراز قدرة الدول المنتخبة على تخطى حالات الاستقطاب التى تعرقل أعمال المجلس فى أحيان كثيرة.
ووضعت مصر خلال عضويتها فى مجلس الأمن - التى أوشكت على الانتهاء مع نهاية العام الجارى - فى مقدمة أولوياتها حفظ السلام والأمن الدوليين وتجنب الصراعات من خلال الحلول السلمية والمفاوضات إضافة للتركيز على مكافحة الجريمة المنظمة ومكافحة الإرهاب والتطرف ونزع السلاح والحد من الانتشار، وبالفعل نجحت فى إنجاز المهام التى حددتها منذ توليها مقعدها فى مجلس الأمن.
وقبل بضعة أيام من انتهاء عضوية مصر فى مجلس الأمن، وتتويجًا لما بذلته من جهود لتعزيز منظومة مكافحة الإرهاب بالمجلس، نجح الوفد المصرى فى نيويورك، فى المساهمة فى اعتماد قرارين جديدين بمجلس الأمن حول مكافحة الإرهاب، أولهما خاص بالتصدى لظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، والثانى حول تجديد منظومة المديرية التنفيذية التابعة للجنة مكافحة الإرهاب.
مندوب مصر بالأمم المتحدة يؤكد خطورة المقاتلين الإرهابيين الأجانب
وفى هذا الصدد، أكد عمرو أبو العطا، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة فى نيويورك - فى بيانه، أمام جلسة اعتماد قرار التصدى لظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب - أن ظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب تعد أحد أخطر جوانب التهديد الإرهابى غير المسبوق الذى يواجهه عالمنا اليوم، مشيرا إلى أن تفشى الظاهرة، خاصة خلال الأعوام الماضية، وكذا قدرة واستطاعة هؤلاء الإرهابيين على الانتقال من سوريا والعراق إلى دول ومناطق أخرى فى كافة الأنحاء، وشدد على ارتباط تلك الظاهرة بمشاكل وعوامل عدة سعت مصر قدر الإمكان إلى تناولها فى القرار.
وأضاف أبو العطا، أن مصر على قناعة بأن اعتماد مجلس الأمن لقرار حول التصدى لظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب هو أمر مهم، إلا أن المحك الحقيقى سيكون فى توافر الإرادة السياسية للدول لتنفيذ القرار وغيره من قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وهو ما يستلزم متابعة حثيثة من مجلس الأمن ومحاسبة الدول التى لا تلتزم بالتنفيذ الكامل، وتلك التى تستمر فى دعمها للإرهاب وإيواء الإرهابيين، كما أنه يتعين توفير الموارد المالية والمساعدات الفنية اللازمة للدول لجعلها قادرة على تنفيذ التزاماتها بموجب قرارات مجلس الأمن، مؤكدا أن مصر ستحافظ دوما على التزامها بأن تكون فى طليعة جهود المجتمع الدولى لهزيمة الإرهاب.
وفى بيانه، أمام جلسة اعتماد قرار تجديد منظومة المديرية التنفيذية التابعة للجنة مكافحة الإرهاب، أشار أبو العطا، إلى أن رئاسة مصر للجنة مكافحة الإرهاب طوال العامين الماضيين، قد رسخت لدينا اليقين بأهمية وحساسية الدور الذى تقوم به اللجنة والمديرية التنفيذية التابعة لها، موضحًا أن مصر حرصت على الانخراط بفاعلية فى المشاورات حول مشروع القرار للسعى لتضمين القرار الدروس التى اكتسبناها خلال رئاستنا للجنة، وشدد على أن مصر ستحافظ دوما على التزامها بأن تكون فى طليعة جهود المجتمع الدولى لهزيمة الإرهاب.
مصر تترأس لجنة مكافحة الإرهاب بمجلس الأمن
وفى الوقت الذى تعانى فيه مصر من الإرهاب الغاشم الذى حصد العديد من أرواح أبناء الجيش والشرطة البواسل والمدنيين، بل والمصلين أيضًا، وضعت مصر، مكافحة الإرهاب فى مقدمة الأولويات، وبالتزامن مع عضويتها غير الدائمة بمجلس الأمن الدولى، تم اختيار مصر - بعد جهود دبلوماسية مكثفة من أعضاء وفد مصر الدائم لدى الأمم المتحدة فى نيويورك - وبإجماع آراء الدول الأعضاء - لرئاسة لجنة مكافحة الإرهاب بمجلس الأمن، وذلك اعتبارًا من بدء عضوية مصر فى المجلس شهر يناير 2016.
وخلال رئاستها للجنة التى تعد من أهم لجان الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، وفى ضوء إدراك العالم لأهمية الرؤية المصرية المتكاملة فى مواجهة الإرهاب، وخاصة بعد الكلمة التى ألقاها الرئيس عبد الفتاح السيسى، أمام أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، باتت الدول أكثر استعدادا للتجاوب مع المساعى المصرية لتفعيل نظام العقوبات التى تضمنها ميثاق الأمم المتحدة تجاه الدول والتنظيمات والمنظمات التى تدعم الإرهاب، بأى شكل من أشكال الدعم المالى أو السياسى أو الإعلامى أو اللوجيستى، وهو ما طالبت به مصر خلال رئاستها لجلسات مجلس الأمن الدولى، وتحركت مصر من خلال الأُطر الدبلوماسية الدولية وخاصة الأمم المتحدة لتعزيز المواجهة الدولية الشاملة للإرهاب.
وتتويجا لجهود مصر فى مكافحة خطاب وأيديولوجيات الإرهاب، نجحت البعثة المصرية لدى الأمم المتحدة، فى نيويورك، فى استصدار قرار فى 25 مايو 2017 من مجلس الأمن بإجماع آراء الدول أعضاء المجلس، للترحيب بالإطار الدولى الشامل لمكافحة الخطاب الإرهابى ووضعه موضع التنفيذ، وهو الإطار الذى سبق أن نجحت مصر فى اعتماده بالإجماع كوثيقة رسمية من وثائق مجلس الأمن،وصدر القرار تحت رقم 2354.
وباعتماد مجلس الأمن، للقرار المصرى، ومن قبله إصدار الإطار الدولى الشامل لمكافحة الخطاب الإرهابى، تكون مصر قد نجحت فى وضع مكافحة خطاب وأيديولوجيات الإرهاب على أجندة مجلس الأمن، بل وفى صدارتها، وبالتالى ضمن أبرز أولويات المجتمع الدولى فى إطار مكافحة الإرهاب.
السيسى يتبنى رؤية "مقاومة الإرهاب حق من حقوق الإنسان"
وفى انتصار جديد للدبلوماسية المصرية، وفى ضوء ما أكد عليه الرئيس السيسى، خلال منتدى شباب العالم، أن الإرهاب ينتهك ويعتدى على الإنسانية، مؤكدًا أن مقاومة الإرهاب حق من حقوق الإنسان، فقد أصدرت الأمم المتحدة الشهر الماضى، قرارا يتسق مع رؤية الرئيس بأن مقاومة الإرهاب حق من حقوق الإنسان، ويتناول القرار أثار الإرهاب على حقوق الإنسان، ويؤكد على حق الدولة فى منع كافة أشكال الإرهاب وحماية مواطنيها منه.
مصر تتبنى القضية الفلسطينية فى مجلس الأمن
واهتماما بمحيطها العربى والحرص على الدفاع عن مصالح الدول والشعوب الشقيقة، خاصة فى ضوء ما تشهده المنطقة من تحديات وتهديدات تمس وتهدد سيادة بعض البلدان، خاضت مصر خلال عضويها بمجلس الأمن الدولى، معارك دبلوماسية عدة باعتبارها العضو العربى بالمجلس للدفاع عن الشعوب العربية وحقوقها المشروعة والدفاع عن القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ومن هنا وبعد إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، تقدمت مصر نيابة عن المجموعة العربية بمشروع قرار فى مجلس الأمن نال دعم 14 دولة من أصل 15 عضوًا بالمجلس، ولكنه قوبل بالفيتو الأمريكى.
وأبدى الوفد الدبلوماسى المصرى فى الأمم المتحدة، تصميمًا واضحًا وجهدًا ضخمًا فى الحفاظ والدفاع عن الوضعية القانونية للقدس باعتبارها مدينة محتلة تخضع لمفاوضات الحل النهائى للقضية الفلسطينية وفقًا لكافة مرجعيات عملية السلام المتوافق عليها دوليًا، كما ساندت مصر وعلى مدار عضويتها فى المجلس كافة الخطوات التى تحمى حقوق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته وعاصمته القدس الشرقية.
مصر تدعم جهود وقف مأساة الشعب السورى
وفيما يخص سوريا، سعت مصر إلى تأييد كافة الجهود الهادفة إلى وقف مأساة الشعب السورى، ووضع نهاية للإرهاب والعنف فى البلاد، والذى أدى إلى مقتل ونزوح الآلاف من أبناء الشعب السورى الشقيق، إذ نجحت الدبلوماسية المصرية قبل أيام فى تمرير قرار يمدد العمل بالقرار 2165 المعنى بإيصال المساعدات العابرة للحدود إلى سوريا، وذلك تتويجًا للدور الفعال الذى قامت به مصر خلال عضويتها فى مجلس الأمن على مدار العامين الماضيين فى هذا الإطار وبما يتسق مع الاهتمام المصرى الثابت والدائم بالتجاوب مع الاحتياجات الإنسانية للشعب السورى الشقيق، خاصة فى ضوء نجاح الوساطة المصرية أكثر من مرة خلال الفترة الأخيرة فى إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، فضلًا عن دورها فى دعم وتوسيع نطاق مناطق خفض التوتر فى سوريا.
وأعاد القرار التأكيد على مطالبة جميع الأطراف فى سوريا، والسلطات السورية على وجه الخصوص، بالوفاء بالتزاماتها وفقًا لأحكام القانون الدولى والقانون الإنسانى الدولى، كما طالبها بالتجاوب السريع مع كل المطالب الخاصة بإيصال المساعدات الإنسانية المقدمة من الأمم المتحدة وشركائها عبر الحدود، وأكد القرار أن غياب الحل السياسى للأزمة السورية من شأنه أن يزيد من تعقيد الموقف، ومن ثم أعاد التأكيد على ضرورة الالتزام بتنفيذ القرار 2254 بهدف تسهيل عملية سياسية انتقالية فى سوريا.
مصر سفيرًا لأفريقيا لحل قضايا القارة من خلال مجلس الأمن
وفى إطار سياستها الخارجية التى وضعت على رأس أولوياتها العلاقات مع أفريقيا، حرصت مصر خلال رئاستها على مساندة بل وكانت عاملا أساسيا فى استصدار قرارات من مجلس الأمن حول كافة الموضوعات والقضايا التى تعنى دول القارة، حيث دعمت مصر قرارات عدة من بينها ما يخص الجابون ومالى وجنوب السودان وبوروندى وكوت ديفوار.
وبعد عامين من الجهود الدبلوماسية فى مجلس الأمن الدولى ولجنة مكافحة الإرهاب والتى تأتى فى إطار السياسة الخارجية فى عهد الرئيس السيسى، وتقوم على الانفتاح على كافة بلدان العالم، فإن الدور المصرى الفاعل سيتواصل وستضطلع القاهرة بدور ريادى مع بداية العام 2018، من خلال رئاستها لمجموعة الـ77 والصين، فى صياغة الموقف الموحد للدول النامية فيما يتعلق بقضايا من بينها تغير المناخ وتجاه مسارى الإصلاح التنموى والإدارى للأمم المتحدة، وسيتواصل عطاء مصر فى صياغة العلاقات متعددة الأطراف بشكل يمكن العضوية العامة للأمم المتحدة من ممارسة حقها المشروع فى إخماد صوت البنادق، من خلال التركيز على تعزيز العمل الإنسانى والتنموى وهو ما أكده وزير الخارجية.
ومن خلال هذا السرد للجهود المصرية المستمرة، فإن مصر بقوتها وخبراتها وحضارتها وعزيمتها تواصل دورها عالميًا وإقليميًا لتثبت فى كل منصب تتولاه قدرتها على بلوغ الأهداف التى تحددها قيادتها السياسية وترسمها ليس فقط لمصلحة مصر، ولكن لصالح إقليمها ومحيطها العربى والأفريقى بل والإنسانية جمعاء فى شتى بقاع العالم.