فى أغسطس 2011 كنت فى زيارة للصومال ضمن وفد مصرى من وزارة الخارجية ومؤسسات إغاثة لتسليم معونات مصرية لأشقائنا الصوماليين، وهناك سمعت لأول مرة عن نية قطر افتتاح قناة الجزيرة باللغة السواحلية التى يتحدث بها معظم شعوب منطقة القرن الإفريقى، وقتها استغربت لماذا تركز قطر على هذه المنطقة تحديداً، لدرجة أن تفكر فى تخصيص هذه الأموال التى ستنفقها على الجزيرة السواحيلية.
مع مرور السنوات وضعت يدى على السبب، فالدوحة كانت تفكر فيما هو أبعد من فكرة التواجد بقناة أخبارية، فهى كانت تعمل طيلة السنوات الماضية على خلق قاعدة لها فى منطقة القرن الأفريقى الحيوية والإستراتيجية، التى دخلتها بالمال والسياسة أيضاً، ففى 2010 توسطت قطر بين جيبوتى وأريتريا، للدولتين الواقعتين فى منطقة القرن الأفريقى وقامت بنشر 450 جندياً قطرياً على الحدود بينهما، قبل أن تعلن سحبهما فى يونيو الماضى بعدما قطعت إريتريا العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة، بسبب سياستها الداعمة للإرهاب.
الإرهابى القطرى عبد الرحمن النعيمى ذراع تميم
يوماً بعد الآخر تتكشف أمامنا حقائق مزهلة، تلخص فى مجملها لماذا ألقت بقطر بأموالها فى منطقة القرن الأفريقى، التى اعتبرتها قاعدة انطلقت من خلالها إلى بقية الدول الأفريقية، تبث فيها سموم الإرهاب، مستخدمة راية العمل الخيرى والإنسانى كستار لدعم جماعات إرهابية فى القارة السمراء، وهو ما أشارت له تقارير لوزارة الخارجية الأمريكية ووزارة الخزانة، ومراكز ومعاهد مثل مركز العقوبات والتمويل السرى، ومؤسسة دعم الديمقراطية، مؤكدة أن قطر أكبر دولة تمول الجماعات المتطرفة والإرهابية فى منطقة القرن الأفريقى، فكل هذه المؤسسات أكدت بما لا يدع مجالاً للشك التمويل الذى تقدمه قطر لحركة الشباب الصومالية الإرهابية، ومنها على سبيل المثال رصد الأجهزة الأمريكية مبلغ 250 ألف دولار قدمها رجل الأعمال القطرى المطلوب دولياً عبد الرحمن النعيمى للحركة، كما أن هناك معلومات عن وجود علاقة قوية كانت تربط بين النعيمى وزعيم الحركة الإرهابية حسن عويس الذى سلم نفسه قبل أربعة أعوام للسلطات الصومالية، كما سبق وأشارت وثائق مسربة نشرت على موقع ويكيليكس إلى أن السفيرة الأمريكية السابقة فى الأمم المتحدة سوزان رايس طلبت فى 2009 من تركيا الضغط على قطر لوقف تمويل حركة "الشباب" الإرهابية، وقالت رايس حينها بحسب الوثيقة المسربة إن "التمويل كان يتم عبر تحويل الأموال إلى الصومال عن طريق إريتريا"، ونفس الاتهام كرره رئيس الحكومة الانتقالية آنذاك شريف شيخ أحمد، الذى قال خلال اجتماع مع دبلوماسيين أمريكيين فى ليبيا إن حكومة قطر تقدم الدعم المالى إلى حركة "الشباب".
الرئيس الصومالى السابق حسن شيخ محمود
قطر تركز دوماً فى تحركاتها كما سبق وأشرت على منطقة القرن الأفريقى، وتحديداً الصومال، وظهر ذلك بشكل قوى فى دعمها وكمساعدتها للرئيس الصومالى السابق حسن شيخ محمود وحركته " الإصلاح/ الدم الجديد"، التابعة لتنظيم الإخوان الإرهابى، إضافة للتمويل الذى كانت ولا تزال تقدمه مؤسسات قطرية وفى مقدمتها "راف" والهلال الأحمر القطرى، ومؤسسة قطر الخيرية، لحركة "الشباب"، وهو الدعم المادى والسياسى الذى تزامن مع الدعم الإعلامى من خلال فتح مكاتب لقناة الجزيرة فى الدول الأفريقية التى تستهدفها الدوحة لنشر معلومات مغلوطة لتنفيذ أهداف قطر، وتركز الدوحة على الدفع بقيادات وعناصر منتمية لتنظيم الإخوان لإدارة مكاتبها فى القارة الأفريقية ولا سيما فى الصومال.
من مقديشيو انطلقت قطر إلى أرض الصومال، حيث عملت الدوحة على بناء علاقة قوية مع المتطرفين هناك، وتحديدا الجماعات الإرهابية المنتمية للتنظيم الدولى للإخوان وعدد من التنظيمات السلفية والأصولية المتشددة، التى تحولت إلى ما يشبه الذراع القطرى فى القتل والتفجير والتدمير، ويكفى هنا أن أشير إلى ما وثقته أجهزة مخابرات دولية قبل عامين وتحديداً فى يناير 2016، حينما رصدت تقديم السلطات القطرية هدية للأئمة التابعين لحركة الإصلاح الإسلامى إحدى أفرع التنظيم الدولى للإخوان بأقليم أرض الصومال، عبارة عن 29 سيارة تويوتا.
أدريس ديبى رئيس تشاد لم يسلم من المؤامرات القطرية
الصومال كانت القاعدة التى انطلقت منها الدوحة لبث السموم فى عموم القارة السمراء، خاصة فى الدول التى لا يدين حكامها بالولاء لأمير قطر وأمواله، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها على سبيل المثال دعمها للمعارضة التشادية المسلحة، وتسهيل تواصلها مع الميليشيات المسلحة فى ليبيا لمحاولة التحرك ضد النظام التشادى برئاسة أدريس ديبى، لإسقاطه، مستغلة فى ذلك علاقتها مع الإرهابيين فى ليبيا، الذين تولوا مهمة توصيل الأسلحة والمعدات للمعارض التشادى "محمد مهدى"، لتنفيذ هجمات إرهابية على تشاد عبر الحدود الليبية.
الإرهابى إياد غالى زعيم جبهة نصرة الإسلام والمسلمين
ما حدث فى الصومال نفذته قطر أيضاً فى مالى، من خلال تقديم الدعم المالى واللوجيستى للحركات المتطرفة بمنطقة الساحل الصحراوى، حيث استخدمت السفارة القطرية فى العاصمة باماكو، جمعية الهلال الأحمر فى مالى، فى تقديم مواد بترولية وتموينية للحركات المتطرفة المنتشرة شمال مالى، إضافة للدعم الذى قدمه الهلال الأحمر القطرى فى النيجر لحركة التوحيد والجهاد التابعة لتنظيم القاعدة بغرب أفريقيا، وتوازى ذلك استضافة الدوحة لعناصر إرهابية متطرفة لخدمة أجندتها وكانت أبرزها الإرهابى إياد غالى زعيم جبهة نصرة الإسلام والمسلمين التى تنشط فى منطقة الساحل الصحراوى، والذى زار الدوحة فى أغسطس 2017.
أسياسى أفورقى رئيس إريتريا
حتى إريتريا التى كانت حتى وقت قريب، على علاقة جيدة بالدوحة، لم تسلم من مكايد تميم بن حمد، أمير الإرهاب، الذى وجه سهام الغدر فى صدر سياسى أفورقى رئيس إريتريا، من خلال دعم الحركات المعارضة الإسلامية المتشددة فى اريتريا ومنها حركة الجهاد الإريترية والحزب الإسلامى الإريترى وجبهة التحرير الإريترية وجبهة الإنقاذ، فى محاولة من نظام تميم لإسقاط نظام أفورقى، وهو ما دفع أسمرة إلى قطع علاقتها مع الدوحة.
الأمر نفسه كررته الدوحة مع موريتانيا، حينما دعمت الفصائل الإسلامية المتطرفة لإسقاط الرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز، مع الاعتماد على عملائها مثل الإرهابى الموريتانى محمد المختار، الذى يتولى الحملة الإعلامية القطرية التى تستهدف نشر الفكر المتطرف.
نحن أذن أمام مخطط تسعى الدوحة لتنفيذه بشكل واسع فى القارة السمراء، يقوم على دعم الجماعات الإرهابية بأفريقيا، وإثارة المشاكل بدولها، وهو ما ردت عليه العديد من الدول الأفريقية باتخاذ مواقف دبلوماسية ضد نظام تميم، منها إريتريا وجيبوتى وأرض الصومال وموريتانيا وموريشيوس وجزر القمر والنيجر وتشاد والجابون والسنغال، سواء بقطع العلاقات او تخفيضها، فى محاولة لإرغام الدوحة على أن تتنازل عن أفكارها المدمرة فى القارة، فهذه الدول وغيرها تيقنت بكل القرائن والأدلة أنهم أمام مخطط قطرى خبيث يحمل الشر والإرهاب لدول القارة، من خلال السعى إلى ربط التنظيمات الارهابية المنتشرة فى وسط القارة لتوحيد جهودها لإشاعة الفوضى، وإضعاف السلطة المركزية فيها وإسقاط الأنظمة المعتدلة لتمكين المتطرفين من السيطرة على مقاليد الحكم، وتحقيق مصالحها من خلالهم، لأنها تحلم بأن تكون لها السيطرة، حتى وأن كانت بالدم وقتل الأبرياء.