لم تسلم مصر على مدار أربع سنوات ونصف منذ ثورة يونيو 2013 من محاولات إفشال كل استحقاق ديمقراطى للمصريين، باستخدام طرق وأساليب تنوعت واختلفت على حسب كل استحقاق، لكن ظل سلاح دعوات المقاطعة أهم الأساليب التى تستخدمها بعض القوى لإفشال كل حدث سواء ديمقراطى دعى إليه المصريون سواء كان استفتاء أو انتخاب.
ورغم شراسة المخططات والدعوات التى تقودها وجوه وأسماء متكررة ومحفوظة متمرسة فى تلك الأساليب، إلا أن التجارب التى مرت منذ ثورة يونيو كتبت صفحات من الفشل لتلك الدعوات، ووضعت مروجيها فى مقارنة بين حجم تصريحاتهم وشعاراتهم وبين تأثيرها فى نتائج التصويت والمشاركة على أرض الواقع، وتأكد ضعف تلك الدعوات وفشلها فى التأثير على مدار 3 استحقاقات دستورية ودعوات للتصويت خاضها المصريون منذ ثورة 30 يونيو وإسقاط حكم الإخوان، كان أولها الدعوة للاستفتاء على دستور مصر الجديد فى يناير 2014، ثم من بعده انتخابات الرئاسة عام 2014، ثم الانتخابات البرلمانية فى نهاية 2015.
الاستفتاء على دستور 2014 بداية المواجهات بين المقاطعة والشعب
فى الوقت الذى كان يستعد فيه المصريون للاستفتاء على دستورهم الجديد بعد ثورتهم المجيدة فى يونيو 2013، انطلقت دعوات المقاطعة للاستفتاء من اتجاهين أساسين، كان أولهما مصدره ما كان يطلق عليه وقتها "تحالف دعم الشرعية" الذى أسسه منتمون لجامعة الإخوان بعد الثورة وكان يضم عددا من الأسماء المتورطة فى قضايا وجرائم إرهابية، وتلقفت تلك الدعوات بعض الحركات السياسية التى ظهر بعد ذلك ارتباطها الوثيق بجماعة الإخوان مثل حركة 6 أبريل وبعض الحركات الأخرى.
وكان المسار الثانى للدعوات للمقاطعة من خلال بعض القيادات السلفية التى حاولت صبغ الاستفتاء بضغة دينية، مراهنة على قواعد السلفيين فى المحافظات، لكنها سرعان ما تراجعت عن تلك الدعوة بعدما تبين استغلال الجماعات الإرهابية لها.
ورغم الزخم الإعلامى الذى حاولت جماعة الإخوان وأنصارها صناعته للتأثير على المصريين وإنجاح دعوات مقاطعة الاستفتاء، جاء مشهد المشاركة فى يومى 14 و15 يناير مفاجئا للجميع، وكتبت طوابير المصريين المشاركة شهادة الوفاة الأولى للجماعة، وعبر 20.3 مليون مصرى شاركوا فى الاستفتاء عن حجم وعى المصريين بمعركتهم، وشهد ذلك الاستفتاء نسبة مشاركة وصلت لـ38.6% فى وقت راهن فيه دعاة المقاطعة على أن نسبة المشاركة لن تتخطى 15%، وتمت الموافقة على الدستور الجديد بنسبة 98.1% قالوا نعم.
انتخابات رئاسة 2014.. المصريون حفروا مقبرة حزب "مقاطعون"
بعد 5 أشهر تقريبا من الاستفتاء على الدستور جاءت معركة مصير جديدة للمصريين، وهى انتخابات الرئاسة الأولى بعد ثورة يونيو التى خاضها الرئيس عبد الفتاح السيسى وفى مواجهته المرشح حمدين صباحى.
مشاركة صباحى فى الانتخابات أحبطت كثيرا من الخطط التى كانت معدة وقتها لإفشال انتخابات الرئاسة، لكن بعض الأصوات ظلت متمسكة وقتها بأن خيار المقاطعة هو حق سياسى، غير ملتفتين لفشله فى كل المعارك السابقة، وسعت جامعة الإخوان من خلال أبواقها الإعلامية تصدير صورة أن المصريين لن ينزلوا للانتخابات، وأن هناك حالة عدم اهتمام فى الشارع المصرى، وصاحب تلك الدعوات، دعوات موازية من بعض الشخصيات السياسية الداعية للمقاطعة مثل المرشح السابق فى انتخابات 2012 خالد على، كما انطلقت بعض المظاهرات الإخوانية فى بعض المحافظات تدعو للمقاطعة وتروج لها، وظن البعض أن ثقة المصريين فى نجاح السيسى فى الانتخابات سيجعل لجان الاقتراع خاوية.
وتنامت تلك الدعوات حتى جاء صباح يوم 15 مايو، وفتحت اللجان أبوابها، وفوجىء الجميع بمن فيهم الداعين للمشاركة، بمشاهد الغناء والاحتفال والتصويت أمام اللجان الانتخابية، فيما كان أشبه بعرس ديمقراطى بمعنى الكلمة، وتناقلت تلك المشاهد وقتها كل وسائل الإعلام العالمية، وحول المصريون مشهد الانتخابات إلى حفل كبير أكدوا خلاله أن لم ينزلوا للتصويت فقط بل لإثبات وعيهم بما يخطط لهم من الجماعات الداعية للمقاطعة، ونجح الرئيس السيسى وقتها بنسبة 96.1% مقابل 3.9% لحمدين صباحى، وشارك فى تلك الانتخابات إجمالى أصوات 25.5 مليون مصرى بنسبة مشاركة 47.1%.
سخونة انتخابات برلمان 2015 تحرق دعوات المقاطعة
مر عام ونصف بعد الانتخابات الرئاسية وتخطت مصر خلال تلك الفترة كثير من المكائد والمؤامرات السياسية، وتكشفت فيها كثير من الحقائق، حتى جاء دور الانتخابات البرلمانية فى نهاية 2015، وصاحب تلك الانتخابات زخم وحراك سياسى ومنافسة شرسة بين عدد من الاحزاب والقوى السياسة، لكن مع اقتراب معركة الحسم، تراجعت بعض القوى عن المشاركة لإحساسها بضعف موقفها، وانسحبت أخرى كنوع من إنقاذ ماء الوجه، وتحول تلك القوى إلى صفوف الدعوات لمقاطعة الانتخابات التى عادت لتقودها من جديد نفس الشخصيات والأسماء المعتادة، وكان من بين الداعين للمقاطعة وقتها خالد على، وحمدين صباحى، وبعض الأحزاب والحركات التى فشلت فى تشكيل قوائم انتخابية، أو بعض الشخصيات التى كنت تشعر بأن حظها من المنافسة ضعيف فلجأت لسلاح المقاطعة المعتاد.
إلا أن الواقع عاد من جديد ليفرض نفسه على المشهد وأنجز المصريون وقتها أحد أهم المشاهد الانتخابية وأكثرها نزاهة وحيادا، باعتراف كل المنظمات الدولية المراقبة للانتخابات، ووصلت نسب مشاركة المصريين فى المرحلتين الاولى والثانية 28.3% بإجمالى أصوات 15 مليون و206 آلاف، بل وحققت محافظة جنوب سيناء القريبة من عمليات الإرهاب أعلى نسبة مشاركة بـ41.6% حسب بيانات اللجنة العليا للانتخابات وقتها، وكانت تلك الانتخابات بمثابة خنجر جديد فى ظهر من يراهنون دائما على أن دعوات المقاطعة ستحقق لهم مالا يستطيعون تحقيقه بالمشاركة.
خبراء قانون: المقاطعة جريمة قانونية وليست حق سياسى
وبخلاف كل تلك المعارك التى نجح خلالها المصريون بوعيهم فى إفشال كل مخططات الداعين للمقاطعة، يبقى هناك حقيقة تؤكد أن دعوات المقاطعة ليست حق سياسى كما يروج لها البعض، إنما هى بعرف القانون جريمة يعاقب عليها، وهو ما أوضحه الدكتور ياسر الهضيبى أستاذ القانون، الذى أكد أن نصوص المواد 86 و 86 مكرر من قانون العقوبات تحظر الدعوة لمقاطعة الاستحقاقات الانتخابية وتعاقب عليها بالحبس بمدة لاتقل عن عام ولا تزيد عن 5 سنوات.
وأشار فى تصريحات لـ"برلمانى"، إلى أن القانون لا يعذر من لا يعرفه، وأن تلك الكيانات والشخصيات التى تطلق تلك الدعوات ليس لديها هدف سوى إحداث فوضى وإسقاط البلد وأن الممارسة السياسية أساسها المشاركة وليس المقاطعة.
ومن جانبه أكد الدكتور صلاح فوزى، الفقيه القانونى والدستورى وعضو لجنة الإصلاح التشريعى، إن الدعوات التى تصدر بشأن مقاطعة الانتخابات مجرمة قانونا، خاصة أن الانتخابات وردت بالدستور وبالتالى فإن مقاطعة الانتخابات تعد دعوات لتعطيل النصوص الدستورية، مضيفا: "لو نظرنا إلى قانون العقوبات نجد أن المادة 98 / ب تنص على أن يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز 5 سنوات وغرامة لا تقل عن 200 جنيه ولا تجاوز 500 جنيه كل من روج بأى طريقة من الطرق بتغيير مبادئ الدستور الأساسية أوالنظم الأساسية للهيئة الاجتماعية، أو لقلب نظم الدولة الاساسية أو لهدم أى نظام من النظم الاساسية للدولة، متى كان استعمال القوة أوالإرهاب أو أى وسيلة أخرى غير مشروعة ملحوظا فيه، وبالتالى لاشك أن الدعوة لمقاطعة الانتخابات غير مشروعة".
وأضاف فوزى، فى تصريح لـ" برلمانى"، " قانون انتخابات الرئاسة نفسه به مادة تعاقب من يتخلف عن الإدلاء بصوته وتحديدا المادة 43 من قاننون 22 لسنة 2014 بحيث أن من يستجيب لدعوات المقاطعة ويقاطع الانتخابات الرئاسية يعاقب بغرامة لا تجاوز 500 جنيه".
وتابع فوزى: "فى مادة قانون انتخابات الرئاسة 148 تعاقب بالحبس مدة لا تقل عن عامين كل شخص يستخدم وسائل ترويع أو تخويف بقصد التأثير فى سلامة سير انتخاب رئيس الجمهورية، ومن الوارد أن تتضمن دعوات المقاطعة وسائل ترويع وتخويف".