القصة الغريبة وبعيدة المدى فى المأساوية والهزل، بدأت بدخول شاب على قسم الطوارئ فى استقبال مستشفى دكرنس العام، معرّفا نفسه بأنه طالب فى الفرقة السادسة بكلية الطب، وأنه سيعمل مهم فى طوارئ الاستقبال طبيبا تحت التمرين، ورغم غرابة الموقف وتوقع أن يستوقف أحدا من أطباء أو موظفى المستشفى، إلا أن هذا لم يحدث، ومرّ الشاب خريج التجارة على عقول أطباء وممرضى وموظفى الصحة، ليصبح طبيبا بقراره الفردى.
وزير الصحة أحمد عماد
عامل قاعة الأفراح يكشف ويُشخّص ويُخدّر ويكتب الأدوية
لعدة أسابيع، عمل حامل بكالورويوس التجارة أعمال الأطباء فى المستشفى، لم يسأله أحد عن هويته، ولم يطلب منه أحد مستندا يثبت علاقته بالطب أو دراسته له، استمر الشاب الذى عرّف نفسه باسم "الدكتور شمس" ممارسا مهام طبيب تحت التمرين فى استقبال مستشفى دكرنس العام، وسريعا عقد صداقات وعلاقات إنسانية وطيدة مع عدد من الأطباء والممرضين وأفراد الأمن، ومرت 26 يوما كاملة على دخوله المستشفى وممارسة حياته داخله بشكل طبيعى، بل وتصديه لبعض المهام الطبية وخياطة الجروح وحقن المرضى بـ"البنج".
الدكتور شمس، أو "محمود" خريج كلية التجارة العامل فى قاعة أفراح، نجح بقليل جدا من الجهد فى خداع الجميع، ومارس مهام الأطباء فى غفلة من إدارة المستشفى ومن جهات الرقابة بمديرية الصحة، وقع الكشف على المرضى، وخيّط بعض الجروح، وحقن حالات بالبنج، وكتب أدوية وعلاجات لحالات أخرى من المترددين على المستشفى بعد الكشف، وبعد طلب "الأشعة" منهم والنظر فيها وتشخيص الحالات من خلالها، وكأن وزارة الصحة قد تركت مستشفياتها مشاعا، ومندوبيها فى إدارة هذه المستشفيات والرقابة عليها، قرروا أن العمل فى الطب من حق الجميع، طالما قرروا أن يكونوا أطباء.
مستشفى دكرنس العام
صلة قرابة بين مريضة وأحد الأطباء تفضح الطبيب المزيف
مرت الأيام على "محمود"، أو الدكتور شمس كما أحب وقرر أن يكون، وساعده التسيب فى المستشفى وأجهزة وزارة الصحة على أن يكون ما أراد دون أى تأهيل أو جدارة، وتعامل خلال هذه الأيام مع عشرات الحالات، ومرت الأمور بسلام، وكان مقدرا أن تستمر هكذا لولا مريضة تجمعها صلة قرابة بأحد أطباء المستشفى.
بدأت قصة الكشف عن الطبيب المزيف بدخول مريضة للمستشفى مصابة بجرح قطعى فى اليد، أجرى "محمود" أو الدكتور شمس عملية خياطة للجرح، ولسوء حظه كانت المريضة ترتبط بصلة قرابة بأحد أطباء الجراحة فى المستشفى، الذى رأى الحالة بعد تعامل الطبيب المزيف معها، فتعجب من شكل الخياط وسأل عن هوية الطبيب الذى نفذها، وتتبع الأمر وصولا إلى قسم الاستقبال، ليلتقى "محمود" ويحدثه عن الخياطة التى نفذها للحالة، ليشك فى هويته فيطلب منه الاطلاع على كارنيه كلية الطب.
شعر "محمود" بتورطه والاقتراب من انكشاف السيناريو المحكم الذى وضعه وينفذه منذ أسابيع، فرفض الاستجابة لطبيب الجراحة وإظهار كارنيه كلية الطب له، اتسعت دائرة الحوار وتدخل أطباء آخرون، طالب الجميع بالكشف عن هوية "الدكتور شمس"، وبعد شد وجذب وصراع واشتباك، اكتشفوا أنه ليس الدكتور شمس كما قال لهم وصدقوه وتعاملوا معه، وإنما "محمود. م. م"، 26 سنة، خريج كلية التجارة ويعمل فى إحدى قاعات الأفراح، ليقرر الأطباء تسليمه لنقطة الشرطة بالمستشفى، التى حررت محضرا بالواقعة برقم 3403/ 2018 جنح، تمهيدا لعرضه على النيابة العامة لتولى التحقيق.
غرفة عمليات
طبيب: شكيت فيه بسبب أشعة.. ومدير المستشفى: خدع الأطباء والعاملين
الواقعة الغريبة التى شهدها مستشفى دكرنس العام بالدقهلية على مدار عدة أسابيع، ولم تثر حفيظة الأطباء أو شكوكهم وقتها، يبدو أنها كانت مكشوفة للغاية وغير منطقية، وأن سبب تمريرها عدم الاهتمام بالتثبت من حالة الطبيب المزيف وأوراقه الثبوتية، فبحسب أحد أطباء المستشفى، رفض الكشف عن هويته، "كان شكل الشاب لا يدل على أنه طبيب أو يتعلم الطب، لكن إحنا لم نستعلم عنه، لأن أحيان كتيرة بييجى لنا طلاب الطب للتدريب من غير كارنيهات وأوراق، لكن فوجئت بمستواه وهو بيطلع على أشعة لمريض وبيتكلم معاه، ومن كلامه عرفت إنه ملوش صلة بالطب".
ويضيف الطبيب، فى تصريح لـ"برلمانى": "تحدثت معه بشكل ودى فى ذلك، وأكد لى أنه فى كلية الطب، إلا أن بعض العاملين والأطباء قالوا إنه دخل استراحة الأطباء مصطحبا سيدة، وعندما سألوه عن الأمر قال إنها مريضة وكانت تستعلم منه عن شىء، وفى هذا الوقت تحديدا قررت التعرف على هويته، لنكتشف لاحقا أنه ليس طالبا فى كلية الطب كما ادعى، ويتم تسليمه للشرطة".
على الجانب الإدارى، قال الدكتور علاء حبيب، مدير مستشفى دكرنس العام، إن المستشفى شهد إلقاء القبض على الشاب محمود، بعدما انتحل صفة طالب بالفرقة السادسة بكلية الطب، وقال للأطباء والعاملين فى قسم الطوارئ إنه يتلقى التدريب فى المستشفى، وبعد الشك فيه والاطلاع على هويته، تبين أنه خريج كلية التجارة وليس طبيبا أو طالبا فى كلية الطب.