تاريخ طويل من العلاقات المتميزة بين مصر وجمهورية النمسا، وذلك بسبب دور النمسا التقليدى كدولة محايدة أثناء "الحرب الباردة"، والعلاقة الخاصة بين المستشار النمساوى الأسبق كرايسكى، والرئيس الراحل أنور السادات، وإسهامه فى إطلاق عملية السلام، لتأتى زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي غدا الأحد، إلى فيينا للمشاركة فى المنتدى الأوروبى الأفريقى لتعطى تلك العلاقات زخمًا إضافيًا.
العلاقات بين قيادتى البلدين مصر والنمسا تشهد التعاون المثمر بينهما والاتصالات المتبادلة لمناقشة أوجه هذا التعاون، حيث تلقى الرئيس عبد الفتاح السيسى، مساء الثلاثاء الماضى، اتصالا هاتفيا من مستشار النمسا سيباستيان كورتز ناقشا خلاله تعزيز العلاقات التاريخية التى تربط مصر والنمسا، لا سيما من خلال تعظيم التعاون الاقتصادى وزيادة حجم التبادل التجارى بين البلدين، عن طريق تشجيع كبار رجال الأعمال وكبرى الشركات فى النمسا على الاستثمار فى مصر، خاصةً مع التطورات الإيجابية التى تحققت مؤخراً فى مجال الإصلاح الاقتصادى.
من جانبه أعرب مستشار النمسا خلال الاتصال عن رغبة بلاده فى الارتقاء بمجمل العلاقات الثنائية مع مصر، مشيدا بالإنجازات الملموسة التى حققتها مصر فى مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإقامة المشروعات القومية الكبرى وتحسين مناخ الاستثمار وتطوير البنية التحتية، مؤكدا أن النمسا كرئيس حالى للاتحاد الأوروبى تعتبر مصر شريكا مركزيا فى ضوء الروابط المتشعبة التى تجمعها بأوروبا والتحديات المشتركة التى تواجههما على ضفتى المتوسط، كما أنها تعول على دور مصر المحورى والفاعل كمركز ثقل لاستقرار منطقتى الشرق الأوسط وأفريقيا.
وأضاف السفير بسام راضى أن الاتصال تطرق إلى التباحث حول عدد من الملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، كجهود مكافحة الهجرة غير الشرعية والإرهاب والفكر المتطرف، وتطورات الأوضاع فى الشرق الأوسط، حيث تم التوافق حول استمرار التنسيق والتشاور فى هذا الخصوص بين الجانبين خلال الفترة المقبلة.
من ناحيته أكد السفير عمر عامر، سفير مصر فى النمسا، فى تصريحات صحفية بمقر السفارة المصرية فى فيينا، على أهمية زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى النمسا، قائلا:" إن الزيارة تكتسب أهمية خاصة لأنها ترتبط بشقين، الأول أنها ثنائية، والثانى أنها مرتبطة باستضافة".
وأوضح عامر أن هذه الزيارة هى أول زيارة للرئيس السيسي للنمسا، وأنها أول زيارة رئاسية بين مصر والنمسا منذ أكثر من 11 عامًا، كاشفا أن هذه الزيارة هى الثنائية الوحيدة من بين الدول المشاركة فى المنتدى الأوروبى الأفريقى، مشيراً إلى أن هناك أكثر من 50 رئيسا ورئيس حكومة ومسئولا سيحضرون المنتدى، وهو ما يؤكد أن العلاقات الثنائية بين مصر والنمسا فى تنامٍ.
العلاقات المتميزة بين البلدين، لم تقتصر على الجانب السياسى فحسب، بل أن العلاقات التجارية والاقتصادية تشهد زخما كبيرا أيضا فيما بينهما، ففى الصيف الماضى، زار وزير الخارجية سامح شكرى، النمسا، وبحث مع نظيرته كارين كنايسل، سبل تشجيع القطاع الخاص النمساوى على الاستثمار فى مصر، فضلا عن تعزيز آليات التنسيق والتشاور السياسى حول القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.
ويحكم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر والنمسا عدداَ من الاتفاقيات تغطى كافة المجالات وعلى رأسها اتفاقية المشاركة المصرية الأوروبية، اتفاق تجنب الازدواج الضريبى ومنع التهرب من الضرائب المفروضة على الدخل ورأس المال، واتفاق تشجيع وحماية الاستثمارات، وبروتوكول تعاون زراعى، واتفاق بين الغرفة الاقتصادية النمساوية وجمعية رجال الأعمال المصريين بشأن تأسيس مجلس رجال أعمال مصرى نمساوى مشترك، واتفاق بين حكومتى مصر والنمسا بشأن التعاون الاقتصادى والفنى والصناعى والتكنولوجى.
وفى نوفمبر 2006 تم تأسيس مجلس رجال الأعمال المصرى النمساوى تنفيذا لما تم الاتفاق عليه خلال زيارة الرئيس الأسبق حسنى مبارك للنمسا من أجل تنشيط علاقات التعاون بين البلدين فى جميع المجالات.
كما تحكم علاقات التجارة بين مصر والنمسا اتفاقية المشاركة المصرية الأوروبية، وبموجب هذا الاتفاق تقيم مصر والاتحاد الأوروبى تدريجيا "منطقة تجارة حرة" خلال فترة انتقالية لا تتجاوز 12 سنة من تاريخ دخولها حيز التنفيذ أى اعتبارا من عام 2004.
وتقوم مصر والاتحاد الأوروبى بتحرير أكبر لتجارتهما من المنتجات الزراعية والزراعية المصنعة والسمكية المدرجة بالفصول من (1) إلى (24) بالتعريفة الجمركية.
ويعتبر الاتحاد الأوروبى أهم شريك تجارى لمصر، حيث تمثل صادرات مصر إلى الاتحاد الأوروبى حوالى 40% من إجمالى الصادرات المصرية بينما تمثل الواردات المصرية منه نحو 37% من إجمالى الواردات المصرية.
كما أن هناك تشاورا مشتركا بين الجانبين حول عدد من القضايا الإقليمية على رأسها تطورات الأوضاع فى قطاع غزة وسبل إحياء مفاوضات التوصل لتسوية شاملة والأوضاع فى ليبيا والعراق وسوريا وقضية الإرهاب وسبل مواجهتها، فطالما ما تتعاون الدولتين فى أن يكون هناك إطار شامل للتعامل مع هذه الظاهرة العالمية بما يضمن نجاح الجهود الإقليمية والدولية للقضاء على هذه الظاهرة.
وفى سبتمبر الماضى، قاما دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبى، وسيباستيان كورتز مستشار النمسا بزيارة لمصر، استقبلهما الرئيس عبد الفتاح السيسى. وتم خلال اللقاء استعراض والتشاور حول عدد من الملفات والقضايا ذات الاهتمام المشترك بين مصر والاتحاد الأوروبى والنمسا بصفتها الرئيس الحالى للاتحاد، وعلى رأسها مشكلة الهجرة غير الشرعية.
وتطرق اللقاء بين الزعماء إلى عدد من الملفات الأخرى مثل الأزمة الليبية والسورية، حيث توافقت الرؤى ووجهات النظر حول استمرار العمل على التوصل إلى تسويات سياسية للأزمات المختلفة التى تشهدها المنطقة والتى تساهم بشكل أساسى فى تفشى ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
وفى الشهر نفسه، قام الدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء والطاقة المتجددة على رأس وفد رفيع المستوى بزيارة للنمسا للمشاركة فى فعاليات المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية فى دورته الـ 62 ، حيث ألقى شاكر بيان مصر فى الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، تم خلال المؤتمر مناقشة عدد من القضايا الهامة والرئيسية وعلى رأسها التعاون الدولى المتزايد فى مجالات الطاقة النووية والإشعاع ونقل المخلفات النووية وسلامة نقلها وتعزيز نشاطات الوكالة المتعلقة بالعلوم النووية وتقنياتها وتطبيقاتها وكذلك العوامل الرئيسية الخاصة بالاستخدام الآمن للتقنيات النووية.
وفى فبراير 2011، تم الاتفاق على عقد الجولة الأولى من المشاورات السياسية بين مصر والنمسا على مستوى مساعدى وزير الخارجية لتكون فى فيينا، وتم التوقيع بين مصر والنمسا على إتفاقية إعفاء حاملى جوازات السفر الدبلوماسية والخاصة و لمهمة من تأشيرات الدخول بين البلدين، وقد تم إتمام الإجراءات القانونية فى النمسا لدخولها حيز التنفيذ ويتبقى تصديق البرلمان المصرى عليها فى دورته التالية مجلس الشعب.
وعن العلاقات الثقافية، بين البلدين، فقد تم التوقيع على مذكرة تفاهم فى شهر ديسمبر 2007 بين المكتبة الوطنية النمساوية و مكتبة الإسكندرية بهدف تنمية تبادل الكتب العالمية، وتبادل الخبرات فى مجال أرشيف المكتبات، وإقامة محاضرات ودورات تدريبية ، ومؤتمرات ومعارض.
وكذلك التعاون فى مجال الحفاظ على البرديات والتعاون فى مجال ترميمها. وتنفيذا لمذكرة التفاهم سيتم وضع برنامج عمل تفصيلى للتعاون يمتد على مدار ثلاث سنوات.
وسياحيا فازت النمسا بمشروع التوأمة بين مصر والاتحاد الأوروبى فى مجال السياحة والذى تم توقيعه فى مصر فى فبراير 2007، ويهدف إلى تطوير آليات تنشيط السياحة فى مصر، وكمثال على ذلك بلغ عدد السائحين النمساويين الوافدين إلى مصر خلال الفترة من يناير إلى نوفمبر 2010، 224 ألف سائح.