أقر مجلس النواب خلال عام 2021، عدداً من المعاهدات والاتفاقيات الدولية بلغ نحو "47" اتفاقية دولية، كانت جميعها تستهدف النهوض بالأماكن والمناطق الأكثر احتياجاً، وتدعم الاقتصاد القومي وترسخ من العلاقات التعاونية بين مصر والعديد من الدول في شتى المناحي، حيث تلعب المعاهدات الدولية اليوم، دورا بارزاَ في العلاقات الدولية بعد أن توثقت العلاقات بين الدول، وأصبحت المؤتمرات ذات المهمة التشريعية من سمات العصر.
والمعاهدة الدولية هي التي توافق عليها إرادة شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولى على إحداث آثار قانونية معينة طبقا لقواعد القانون الدولى، وتصنف المعاهدات الدولية إلى عدة أصناف، فتصنف من حيث عدد الدول الأطراف إلى معاهدات ثنائية ومعاهدات جماعية، ومن حيث الطبيعة فتقسم المعاهدات الدولية إلى معاهدات عقدية ومعاهدات شارعة، أما من حيث الشكل أو إجراءات الإبرام فهى تنقسم إلى معاهدات مطولة أو معاهدات مبسطة.
حزمة من الأسئلة حول الاتفاقيات والمعاهدات
في التقرير التالى، يلقى "برلماني"، المتخصص في الشأن التشريعي والقانوني، الضوء على حزمة من الأسئلة والإجابات التي تتعلق بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية من حيث التعريف والأنواع والأثار المترتبة عليها، وما هى سلطة البرلمان فى التصديق على المعاهدات الدولية؟ وهل تختلف توجهات الدول إزاء تصديق البرلمان على المعاهدات؟ وما هو دور البرلمان المصرى من المعاهدات الدولية كما قرارها الدستور؟ وماهي الإجراءات التي تتبع في حاله قيام رئيس الجمهورية بإبرام معاهدات؟ وما هو الفرق بين التوقيع والتصديق والإصدار؟ وهل الاتفاقيات من قبيل مشروعات القوانين أم قرارات ذات صفة تشريعية؟ - بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض حسام حسن الجعفرى.
في البداية - المعاهدة أو الاتفاقية كما ذكرنا من قبل يمكن تعريفها اختصارا بأنها اتفاق يعقد كتابة بين شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولى بقصد إحداث آثار أو أوضاع قانونية معينة تخضع لقواعد القانون الدولى بغض النظر عن تسميتها سواء "معاهدة – اتفاق – اتفاقية – بروتوكول"، والمعاهدات الدولية تمر بعدة مراحل تبدأ بالتفاوض بين الأطراف المعنية، ومرورا بالتصديق عليها من قبل الجهة أو الجهات المختصة دستوريا وتوقيعها من قبل السلطة الدستورية وانتهاء بتسجيلها لدى الجهات المختصة دوليا ومحليا – وفقا لـ"الجعفرى".
ووفقا للمادة (93) من الدستور والتي تنص على أن: "تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقا للأوضاع المقررة"، وطبقا للمادة "151" والتي تنص على أن: "يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقا لأحكام الدستور".
ما هي أنواع المعاهدات الدولية؟
تضمنت المادة 151 من الدستور المعدل النص على نوعين من المعاهدات الدولية
الاول: وهو عموم المعاهدات الدولية التي يبرمها رئيس الجمهورية، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب.
الثاني: يلزم دعوة الناخبين للاستفتاء عليه، وهي معاهدات الصلح، والتحالف، وما يتعلق بحقوق السيادة، بحيث لا يتم التصديق على معاهدات النوع الثاني إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة.
ما هي سلطة البرلمان في التصديق على المعاهدات الدولية؟
المعاهدات والاتفاقيات الدولية لا تصبح نافذة أو سارية المفعول إلا بعد مصادقة – البرلمان – عليها – باعتباره ممثلا للشعب وهو مصدر السلطات، وتأكيدا لرقابته على أعمال السلطة التنفيذية، ومن ثم أوجب الدستور عرض كل ما توقعه الاخيرة من اتفاقيات ومعاهدات وبروتوكولات على – مجلس النواب، كما ومن حق – البرلمان – الموافقة على الاتفاقية، أو رفضها، أو ابداء ملاحظاته عليها، بعد مناقشتها من جميع جوانبها، وآثارها على الدولة المصرية، ونظرا لأهمية المعاهدات الدولية والآثار القانونية المترتبة عليها فقد اختلفت دساتير الدول في منح البرلمان سلطات ودورا مهما في مجال التصديق على المعاهدات التي تبرمها السلطة التنفيذية، وذلك للرقابة على النتائج المترتبة على توقيعها من الناحية السياسية والقانونية والمالية – الكلام لـ"الجعفرى".
هل تختلف توجهات الدول إزاء تصديق البرلمان على المعاهدات؟
نعم - تختلف توجهات الدول إزاء تصديق البرلمان على المعاهدات، فبينما تكتفى بعض الدول بصدور قرار برلماني بالموافقة على المعاهدة، تشترط دول أخرى تصديق البرلمان عليها ضمن اجراءات التشريع المتبعة قبل أن تصبح المعاهدة سارية المفعول منتجة لآثارها القانونية، إلا أن هناك دولا أخرى تحصر مصادقة البرلمان على المعاهدات المهمة ذات الطبيعة الخاصة المتعلقة بخزينة الدولة أو الوضع المالي للدولة أو أراضيها أو سيادتها "مثل مصر"، بينما تشترط دول أخرى تصديق البرلمان على كل المعاهدات الى حد اشتراط بعض الدساتير فى دول أخرى عرض المعاهدات في حالات معينة على الاستفتاء الشعبي، "مثل فرنسا"، وفى حالة كون البرلمان من مجلسين يتم التصديق من أحد المجلسين "مثل الولايات المتحدة الامريكية الكونجرس و مجلس الشيوخ الأمريكي"، بينما هناك دساتير دول أخرى تشترط مصادقة المجلسين على المعاهدة.
ما هو دور البرلمان المصرى من المعاهدات الدولية كما قرارها الدستور؟
نصت المادة - 151 - من الدستور المصرى الحالى الصادر عام - 2014 - على أنه: يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقا لأحكام الدستور، ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد اعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة، وفى جميع الاحوال لا يجوز ابرام أية معاهدة تخالف احكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من أقليم الدولة.
ما هي الإجراءات التي تتبع في حالة قيام رئيس الجمهورية بإبرام معاهدات؟
وفقا للمادة 197 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب: "على أنه يبلغ رئيس الجمهورية المعاهدات التى يبرمها إلى رئيس المجلس ويُحيلها الرئيس إلى لجنة الشئون الدستورية والتشريعية لإعداد تقرير فى شأن طريقة إقرارها وفقًا لحكم المادة 151 من الدستور، وذلك خلال 7 أيام على الأكثر من تاريخ إحالتها إليها، ويعرض رئيس المجلس المعاهدات وتقارير لجنة الشئون الدستورية والتشريعية فى شأنها فى أول جلسة تالية، ليقرر إحالتها إلى اللجنة المختصة، أو طلب دعوة الناخبين للاستفتاء عليها، بحسب الأحوال.
وفى غير الأحوال المنصوص عليها فى الفقرتين الأخيرتين من المادة 151 من الدستور، يكون للمجلس أن يوافق على المعاهدات أو يرفضها، أو يؤجل نظرها لمدة لا تجاوز ستين يوما، ولا يجوز للأعضاء التقدم بأى اقتراح بتعديل نصوص هذه المعاهدات، ويُتخذ قرار المجلس فى ذلك بالأغلبية المطلقة للحاضرين، ولرئيس المجلس أن يُخطر رئيس الجمهورية ببيان يشمل النصوص والأحكام التى تتضمنها المعاهدة، والتى أدت إلى الرفض أو التأجيل، وإذا أسفر الرأى النهائى عن موافقة المجلس على المعاهدة، أُرسلت لرئيس الجمهورية ليُصدق عليها، ولا تكون نافذة إلا بعد نشرها فى الجريدة الرسمية، ولا يتم التصديق على المعاهدات المشار إليها فى الفقرة الثانية من المادة 151 من الدستور، إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء عليها بالموافقة.
ما هو الفرق بين التوقيع والتصديق والإصدار؟
جرى العرف الدولي على أن المعاهدات لا تصبح سارية بمجرد التوقيع عليها من قبل السلطة التنفيذية، ولا تنتج آثارها ولا تكون نافذة الا بإجراء لاحق وهو التصديق بمعرفة السلطات الوطنية، فالتصديق هو الاجراء القانوني الذى تعبر به الدول الأطراف عن التزامها بأحكام المعاهدة وفقا لدستور كل دولة، ووفقا للقانون الداخلي لكل دولة طرف في المعاهدة، وهو يلى مرحلة التفاوض والتوقيع ويسبق مرحلة ايداعها وتبادل الوثائق بين اطرافها، وهو تعبير عن التزام الدولة بالمعاهدة، اما الاصدار فهو اجراء قانونى يلى التصديق، ويهدف الى اضفاء الصفة القانونية على المعاهدة التي تم التصديق عليها، وتصبح سلطات الدولة ملتزمة بها، وكذلك أفرادها.
هل الاتفاقيات من قبيل مشروعات القوانين أم قرارات ذات صفة تشريعية؟
إذا كان الدستور نص صراحة، على أن الاتفاقية الدولية "تكون لها قوة القانون"، فهل تعتبر الاتفاقية قبل التوقيع عليها بمثابة مشروع قانون يلزم مراجعته بمجلس الدولة؟ لا نظن أن هذا تفسير سائغ، لأن لفظ "مشروعات القوانين" ينصرف طبقا لما تنص عليه الماد 122 من الدستور إلى مقترحات القوانين التى أجاز الدستور تقديمها من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ولكل عضو بمجلس النواب بحسب.
لكن يبقى من غير القابل للجدل أن الاتفاقيات الدولية تتضمن أحكاما شارعة، أى يمكن اعتبارها من القرارات ذات الصفة التشريعية، لاسيما أنها تصدر بقرار من رئيس الجمهورية، وتكون لها قوة القانون بعد استيفائها المراحل والإجراءات الدستورية، وبالتالي نرى أنه يلزم من الناحية الدستورية مراجعة قسم التشريع لمجلس الدولة للاتفاقيات الدولية لكونها من القرارات ذات الصفة التشريعية التي لها قوة القانون.