لازالت أزمة الإعلامي إبراهيم عيسى تطل برأسها على الشارع المصري وعلى منصات السوشيال ميديا، وذلك بعد نفيه صحة حدوث واقعة المعراج للنبي "محمد" في برنامجه التليفزيوني على إحدى القنوات الفضائية، حيث قال "عيسى" إن الإسراء والمعراج "قصة وهمية كاملة، كتب السيرة والتاريخ والحديث هي من تقول ذلك، لكن هو يصدر لك الكتب التي تقول إنها حدثت، أما التي تنفي حدوث المعراج لا يتم الإشارة لها"، واصفا ما ورد عن "المعراج" بأنه "دعائي وغير حقيقي".
فتاوى صدرت من هنا، وتصريحات برلمانيون من هناك، وبلاغات تتهم "عيسى" بازدراء الأديان، والنائب العام يأمر بفتح التحقيق في الواقعة، كل هذه الإجراءات وأكثر وقعت خلال 24 ساعة، ولكن الذى يغيب عن السواد الأعظم من متابعي الأزمة هو أن محكمة النقض المصرية، سبق لها وأن تصدت لأزمة انكار واقعة "الأسراء والمعراج" منذ ما يقرب من 80 سنة، حينما طلب شخص من الأخر أن يتلوا سورة الإسراء فتلا له الآية الخاصة بالإسراء، فقال له الأخر: "مش كده، واللي أسرى موسى، وأما محمد فلم يسر".
محكمة النقض تصدت للأزمة من 82 سنه
محكمة النقض المصرية ذكرت في الطعن المقيد برقم 653 لسنة 11 قضائية – جلسة 27 يناير 1941 – أن التشكيك فى معجزة "الإسراء" جريمة يتوافر بها القصد الجنائي، حيث قضت بإدانة متهم لأنه أنكر الإسراء وادعى أن من أسرى هو سيدنا موسى، أما سيدنا محمد فلم يسر به، كما زعم بأن ما جاء فى القرآن عن الإسراء هو خرافات، ويبين الحكم أن التشكيك فى معجزة الإسراء جريمة يتوافر بها القصد الجنائي.
وبحسب "النقض": وحيث إنه وإن كانت حرية الاعتقاد مكفولة بمقتضى أحكام الدستور إلا أن هذا لا يبيح لمن يجادل في مبادئ الدين أن يمتهن حرمته ويحط من قدره أو يزدری به، فإذا ما تبين أن قصده من هذا الجدل لم يكن بريئاً، وأنه إنما تعمد المساس بكرامة الدين وانتهاك حرمته ووضعه موضع السخرية، فإنه يكون مستحقاً للعقاب وليس له في هذه الحالة أن يحتمي بحرية الاعتقاد التي أباحها الدستور لخروجه بما ارتكبه عن حدود البحث البريء الذي تشمله هذه الحماية، وتوافر القصد الجنائي هنا - كما في كل الجرائم - هو من الأمور التي تستخلصها محكمة الموضوع من الوقائع والظروف المطروحة أمامها، ولا يشترط في الحكم بالعقوبة أن يذكر فيه صراحة سوء نية المتهم، بل يكفي أن يكون في مجموع عباراته ما يفيد ذلك.
النقض: التشكيك في معجزة الإسراء جريمة يتوافر بها القصد الجنائي
وفيما أثبته الحكم بالصفة المتقدمة ما يكفي لبيان أن ما أثاره الطاعن لم يكن مناقشة بريئة بل إنه تعمد استدعاء الشخص الذي أراد مجادلته في الدين، واتخذ من تلك المجادلة سبيلاً للتعدى على الدين الإسلامي بقصد امتهانه وازدرائه ووضعه موضع السخرية والتهكم على أساسه، وبذلك يتحقق القصد الجنائي فى الجريمة المسندة إلى الطاعن – إلى هنا ينتهي حكم محكمة النقض بتأييد حكم الإدانة.
من جانبه – يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض محمد على شليل – أن حكم محكمة النقض النهائي البات، بإدانة المتهم لأنه أنكر "الإسراء، وادعى أن من أسرى هو سيدنا موسى، أما سيدنا محمد فلم يسر به، كما زعم بأن ما جاء فى القرآن عن الإسراء هو خرافات، وأن التشكيك فى معجزة "الإسراء" جريمة يتوافر بها القصد الجنائي ضد كل من يدعوا لذلك، ما يؤكد أن الأمر الذي بجديد، فالحكم صادر منذ 82 سنه تقريبا.
قانونى: حرية التعبير ليست من الحريات المطلقة
ويضيف "شليل" في تصريح لـ"برلماني": حرية التعبير ليست من الحريات المطلقة، وليست القيمة الاجتماعية الوحيدة، وممارستها تقتضي التوفيق بينها وبين قيم أخرى لها وظائف اجتماعية لا تقل أهمية، ومن ذلك القيم الدينية التي يقتضي الحفاظ عليها عدم التعرض لثوابت الأديان أو الاستهزاء بالأنبياء وعصمتهم، فالدين وعلى وجه الخصوص في مجتمعاتنا يعدو أحد أركان النظام العام ويمثل عنصرا بالغ الأهمية في تكوين وجدان الجميع، ولذلك فإن العقل الجمعي لا يقبل أن يتم التعرض لثوابت الدين أو ازدراء رموزه، ولا يجري أي من ذلك دون أن تكون له أضرار اجتماعية جمة تفوق منافعه، ومن ثم فإنه لا يجوز قانوناً تبريره بداعي ممارسة حرية التعبير.
ما هي أركان جريمة ازدراء الاديان؟
تتحقق جريمة ازدراء الأديان بوقوع الفعل المجرم، وتوافر النية بغض النظر عن تحقق الهدف المرجو من هذا الفعل من عدمه ولابد من توافر ركنين:
أولا: ركن مادي: يتمثل في استغلال الأديان السماوية في الترويج والتحبيذ باستخدام أي وسيلة من وسائل النشر لأفكار متطرفة تحت ستار مموه أو مضلل من الدين.
ثانيا: ركن معنوي: ويقصد به توافر القصد الجنائي واتجاه الإرادة إلى ازدراء الأديان السماوية أو تحقيرها أو إثارة الفتن أو الإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، لكي يخرج المنتمين إلى دين معين لي دخلوا في دين آخر ويعتنقوه، أي أن مناط الحماية القانونية بنص تلك المادة هو الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي وليس الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها.
ما هي عقوبة ازدراء الأديان؟
نصت المادة 98 من قانون العقوبات المصري على الآتي: "يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تجاوز 5 سنوات أو بغرامة لا تقل عن 500 جنية ولا تجاوز ألف جنيه لكل من استغل الدين في الترويج أو التحييذ بالقول أو بالكتابة أ بأي وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو التحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الضرر بالوحدة الوطنية أو بالسلم الاجتماعي".
ووفقا لنص المادة 160 من قانون العقوبات على أنه: "مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد يعاقب بالحبس مدة ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ألف جنية ولا تزيد عن 5 آلاف جنية كل من شوش على إقامة شعائر ملة أو دين أو احتفال أو رموز أو أشياء أخرى لها حرمة عند أبناء ملة أو فريق من الناس".
هل هناك ظرف مشدد لتلك الجريمة؟
في حالة أحداث فتنة أو زعزعة الوحدة الوطنية، تكون العقوبة السجن المشددة لمدة 7 سنوات، مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في قانون آخر.
نص المادة "98" فقرة " و" من قانون العقوبات والتي تنص علي:
يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تجاوز 5 سنوات أو بغرامة لا تقل عن 500 جنيه، ولا تجاوز 1000جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية.
هل هناك مأخذ على مادة ازدراء الأديان؟
نعم – فهناك من يرى من الفقهاء والدستوريين أنها افتقرت إلى الضوابط الدستورية المطلوبة في أي نص عقابي، مما يعد إخلالًا بمبدأي مشروعية التجريم والعقاب والفصل بين السلطات المرتبطين بدورهما بعدد من الحقوق المصونة وفقًا للدساتير المصرية المتعاقبة والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، كالحق في المحاكمة العادلة والحق في الدفاع والحق في المساواة، فهذا النص لا يخل فقط بعدد من الحقوق الأساسية المحصنة دستوريًّا ولا يلعب دورًا في الحد من الاحتقان الطائفي بقدر ما يسهم في دعم مناخ التعصب والتطرف الديني.