نفقة الزوجة حق شرعى لها، واجبٌ على زوجها، حيث يُجيز القانون للزوجة، حال امتناع الزوجة عن الإنفاق عليها بغير حق شرعى، الحق فى أن تطلب من القضاء إجبار الزوج على الإنفاق عليها، والقانون المصرى يأخذ برأى الأحناف فى أن سبب وجوب نفقة الزوجة على زوجها هو الاحتباس لحق الزوج؛ أى حبس الزوجة نفسها لرعاية شئون زوجها ودخولها فى طاعته لتحقيق أغراض الزواج.
ومسألة النفقة الزوجية من المسائل الشائكة التى تهم ملايين الأسر المصرية حيث أن لها العديد من الصور والأشكال القانونية من حيث خطوات إقامة دعوى النفقة الزوجية، وكيفية إبطال المفروض منها وطريقة الزيادة وتخفيض المفروض والتحرى عن دخل الزوج ونفقة العدة، وغيرها من الأمور المتعلقة بالعلاقة بين الزوج وزوجته أو طليقته، وكذا هناك حالات لإسقاط النفقة عن الزوجة، فليست كل مطلقة تستحق النفقة كما يظن البعض.
فى التشريعات العربية.. هل تستحق المرأة العاملة النفقة؟
فى التقرير التالى، يلقى "برلمانى" الضوء على ماهية مسألة الاحتباس الموجب للنفقة الزوجية، والإجابة على السؤال.. هل المرأة العاملة تستحق النفقة فى التشريعات العربية؟ وذلك فى الوقت الذى تعد فيه النفقة الزوجية من الأمور الحيوية التى تمس واقع الأسرة التى هى اللبنة الأولى لبناء المجتمع، فالشرع والقانون لم يهمل جانب الأسرة والمرأة، وحقها فى النفقة، وجعل لها هذا الحق واجباَ على الزوج، حيث يثير ذلك الأمر – النفقة – الجدل فى المحاكم ويسترعى انتباه الفقهاء والمنادين بحقوق المرأة – بحسب الخبير القانونى والمحامى بالنقض محمد صادق.
فى البداية - ما يسمى بالاحتباس لحق الزوج، أى قصر المنافع المحللة شرعا لحق الزوج وحده، وبهذا الاحتباس تكتسب الزوجة صفة شرعية فى كونها محصنة، أى عفيفة فقد أعفها زوجها كما أعفته هى لقوله تعالى: "والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين" والله عز وجل افتتح السورة بقوله تعالى: "قد أفلح المؤمنون" وجعل من صفاتهم أنهم أعفاء، ممسكون لشهواتهم لا يستعملونها إلا مع أزواجهم اللائى أحلهم الله، حتى تصان الأعراض ويحافظ فيها على الأنساب – وفقا لـ"صادق".
والاحتباس لحق الزوج يتكون من عنصرين:
أ- احتباس "الحل" لصالح الزوج وحده – دون غيره - وامتناع هذا الحل عن الغير مطلقا، فما أحل الله بالزواج كان قبل الزواج حراما على المرأة وعلى الرجل على حد سواء.
ب- التمكين: ويقصد به تمكين الزوجة زوجها من نفسها على نحو ما شرع الله وأحل لهما، هذا التمكين متبادل بين الزوجين وليس قاصرا على الزوجة وحدها ومقتضى هذا التمكين أن الزوجة صالحة للدخول بها.
هذا ويلاحظ أن عنصرى الاحتباس يقومان على التراضى المشروع بين الزوجين، وبهما يكون استحقاق الزوجة نفقتها على زوجها، فإذا فقد أحد العنصرين – بعد الزواج - زال موجب النفقة على الزوج، لكن التساؤل الذى يطرح وبشدة فى عصرنا الحالى هو: هل المرأة العاملة تستحق النفقة؟.
رأى المشرع المصرى والسورى والمغربى
يضيف "صادق": فى وقتنا الحاضر أصبحت المرأة تؤدى للمجتمع مجموعة من الوظائف كالاشتغال فى الوظائف العامة أو الخاصة، كالتدريس والتمريض والطب والعمل بالمؤسسات والشركات… والمقرر فى القانون المصرى والسورى أنه إذا رضى الزوج بخروجها ولم يمنعها من العمل، وجبت لها النفقة، لأن احتباس الزوجة حق للزوج فله أن يتنازل عنه، وإن لم يرض بعملها، فخرجت من أجله سقط حقها فى النفقة، لأن الاحتباس فى هذه الحالة ناقص، أما بالنسبة للقانون المغربى نجد فيه أن النفقة تقع بكل مشتملاتها على الزوج بمفرده بغض النظر إن كانت الزوجة عاملة أم لا.
رأى المشرع التونسى
وقد ذهبت بعض الآراء إلى ضرورة تحقيق العدل وإنصاف الرجل وإعادة النظر فى مسألة وجوب النفقة على الزوج بمفرده، خاصة فى الحالة التى يكون فيها دخل المرأة موازيا أو يفوق دخل الرجل، فلا ضرر أن تساهم العاملة فى الإنفاق على شؤون البيت لأن ذلك يشهرها بدورها الإيجابى فى تحمل الأعباء المادية إلى جانب زوجها، وقد نصت مجلة الأحوال الشخصية التونسية على ذلك صراحة فى المادة 23 عندما قالت: بأن الزوجة تساهم فى الإنفاق على العائلة إن كان لها مال، ونجد فى شريعة الأقباط الأرثوزوكس أن الزوجة تقوم على سبيل الاستثناء بالإنفاق على زوجها حيث تنص على أنه: "تجب النفقة على الزوجة لزوجها المعسر، إذا لم يكن يستطيع الكسب وكانت هى قادرة عليه" – الكلام لـ"صادق".
ففى هذه الحالة يكون الالتزام بالنفقة التزاما تبادليا، وبالتالى فالقاعدة العامة أن الالتزام بالنفقة يقع على عاتق الرجل وحده لقوله تعالى: "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم"، لكن لا بأس أن تقوم المرأة بالنفقة على زوجها المعسر خصوصا إذا تزوجته غنيا وأصيب فى ماله، ففى هذه الحالة يكون التزام النفقة التزاما تبادليا يتفق مع طبيعة الحياة الزوجية وما ينبغى أن تقوم عليه من حب وتعاون، لذلك نجد القانون الفرنسى بعد أن كان يلزم الرجل بالإنفاق يقض بمساهمة الزوجين فى أعباء الحياة الزوجية، فالالتزام بالنفقة يعد واجبا تبادليا يقع على عاتق الطرفين كل بحسب إمكانياته وموارده.