أثناء قيادة بعض الناس لسياراتهم وهم صائمون في رمضان ومع اشتداد الازدحام يتلفظون بألفاظ نابية تصل إلى حد السباب والشتيمة لغيرهم فما حكم صيام هؤلاء، وذلك على الرغم من أن شهر رمضان المعظم من الأشهر الفضيلة التي لها قدسية خاصة لدى المسلمين، ونتيجة لهذا الأمر تحتاج إلى بعض الفتاوى والمشورة، للالتزام والحفاظ على العبادة فيه، وبسبب خوف البعض من عدم اكتمال عبادته، يتبادر دائماَ في الأذهان بعض الأمور المتعلقة بحياة الفرد اليومية منها على سبيل المثال لا الحصر – مسألة السب والقذف "الشتم" – في نهار رمضان على سبيل "الهزار"، مثل ما يحدث مع الكثير من الأصدقاء، أو السب والقذف على مواقع التواصل الاجتماعي، ومدى قانونية مثل هذه الأمور شرعا وقانونا.
بحلول شهر رمضان المعظم، تتجدد بصفة مستمرة التساؤلات حول الأحكام الشرعية التى تضع ضوابط محددة للتعامل في المجتمع وخاصة بين الأفراد وبعضهم البعض، خاصة وأن البعض يدعى مقولة: "خلقى ضيق بسبب الصيام"، ما يجعله يُقدم على السب والقذف "الشتم"، وذلك على الرغم من أن الله تعالى فرض الصوم تهذيبا للنفوس، وتقوية للأبدان، وترسيخا للإيمان والتقوى ومكارم الأخلاق فى نفس المسلم وسلوكه، حتى تصفو روحه ويُشرق الإيمان فى قلبه، وترتقي أخلاقه ليُحقق تقوى الله فى السر والعلن.
في نهار رمضان.. هل "الشتم" يفسد الصيام ولو على سبيل "الهزار"؟
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية هل يبطل السب والقذف الصيام في نهار رمضان على الرغم من أن القوانين تصدت لمثل هذه الأفعال المذمومة، وكذا التجريم والعقاب فى استخدام برامج تقنية المعلومات للنيل من شرف الأشخاص والحط من مكانتهم واعتبارهم فى المجتمع حيث يقع هذا التشهير غير الأخلاقي تحت نصوص المواد من 302 إلى 310 من قانون العقوبات بالباب السابع من الكتاب الثالث من قانون العقوبات فى صورة القذف والسب والبلاغ الكاذب وافشاء الإسرار متى تم النشر على شبكة الإنترنت واستطاع عوام الناس مشاهدته أو فئة لا تربطهم ببعضهم صلة خاصة – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر فاروق الأمير.
الفرق بين السب والقذف وعقوبتهما
في البداية - خلال الآونة الأخيرة طالعتنا العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي " فيس بوك – تويتر" وغيرها بالعديد من الإصدارات أو مقاطع الفيديو سواء كانت لشخصيات اعتبارية أو عادية تتضمن سباَ وقذفاَ بصورة فجة منها على سبيل السخرية أو الهزار ومنها بغرض الرد على بعض الوقائع والأحداث، الأمر الذى يؤدى معه إلى النيل من سرف الأشخاص والحط من مكانتهم فى المجتمع، فقد نصت المادة 302 / 1 على تعريف جريمة القذف بأنه: "يعد قاذفا كل من أسند لغيره بواسطة إحدى الطرق المبينة بالمادة 171 من هذا القانون أمورا لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانونا أو أوجبت احتقاره عند أهل وطنه" – وفقا لـ"فاروق".
كما عاقبت المادة 303/1 على عقوبة جريمة القذف بالنص على: "يعاقب على القذف بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة عشر ألف جنيه"، وبخصوص جريمة السب فقد نصت المادة 306 على تعريف جريمة السب والعقوبة المقرر له، "كل سب لا يشتمل على إسناد واقعة معينة بل يتضمن خدشا للشرف أو الاعتبار يعاقب عليه فى الأحوال المبينة بالمادة 171 غرامة لا تقل عن ألفى جنيه ولا تزيد عن عشرة آلاف جنيه" – الكلام لـ"فاروق".
العقوبة المشددة فى جريمتى السب والقذف
وبينت المادة 308 من ذات القانون الحالات التى يحكم فيها بعقوبة مشددة على المتهم فى جريمتى السب أو القذف بالنص على "إذا تضمن العيب أو الإهانة أو القذف أو السب الذى ارتكب بإحدى الطرق المبينة فى المادة (171) طعنا فى عرض الأفراد أو خدشا لسمعة العائلات تكون العقوبة الحبس والغرامة معا فى الحدود المبينة فى المواد 179 و181 و182 و303 و306 و307 على ألا تقل الغرامة فى حالة النشر فى إحدى الجرائد أو المطبوعات عن نصف الحد الأقصى وألا يقل الحبس عن ستة شهور".
عقوبة السب والقذف على السوشيال ميديا
كما أن هذا السلوك جرم فى قانون جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 - ورصد له المشرع عقوبة الحبس الذى لا تقل مدته عن سنتين ولا تزيد عن خمس سنوات وغرامة مالية كبيرة أو إحدى العقوبتين، إذ نصت المادة 26 من القانون المذكور على أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز ثلاثمائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من تعمد استعمال برنامج معلوماتى أو تقنية معلوماتية فى معالجة معطيات شخصية للغير لربطها بمحتوى مناف للآداب العامة، أو لإظهارها بطريقة من شأنها المساس باعتباره أو شرفه"، فهذا النص يجرم فى شق منه استعمال الجانى برنامج أو تقنية معلوماتية للمساس بشرف واعتبار المجنى عليه.
وهذه الجريمة من جرائم - القالب المقيد - التى يتخذ ركنها المادى استخدام وسيلة محددة فى غرض بعينه لا تقع دونهما وهذه الوسيلة هى استعمال برنامج معلوماتى أو تقنية معلوماتية أما الغرض فهو المساس بشرف المجنى عليه أو اعتباره، وهى من - جرائم الخطر - لا الضرر إذ لا يلزم لقيامها أن ينزل بالمجنى عليه ضررا فعليا فى صوره احتقاره وانما يكفى مجرد تهديدهما بخطر، ويستوى فى نظر القانون أن يكون ما اسنده الجانى للمجنى عليه من وقائع تمس بشرفه واعتباره صحيحه أم كاذبة وسواء أكان المجنى عليه موظف عام أم من آحاد الناس إذ علة التجريم استخدام برامج وتقنية المعلومات للفتك بالأشخاص والتشهير بهم – الكلام لـ"الأمير".
الفرق بين النقد والسب والقذف على السوشيال ميديا
هذا ومن المعلوم أن الشرف والاعتبار يقصد به المكانة الاجتماعية للشخص ولزوم احترامه من الغير فأى مساس بتلك المكانة تحقق الجريمة كنشر رابطة ونسبتها إلى أنسان بطريقة تؤدى إلى احتقاره عند الناس، ومن ثم لا تقع الجريمة إذا تم النشر أو البث بغرض التعليق أو النقد البناء أو إبداء النصح أو المدح أو الاشادة.
الفرق بين البرنامج المعلوماتى والتقنية المعلوماتية
ومن المعلوم أن البرنامج المعلوماتي هو مجموعة الأوامر والتعليمات المعبر عنها بأية لغة أو رمز أو إشارة، والتي تتخذ أى شكل من الأشكال ويمكن استخدامها بطريق مباشر أو غير مباشر فى حاسب آلى لأداء وظيفة أو تحقيق نتيجة سواء كانت هذه الأوامر والتعليمات فى شكلها الأصلي أو أى شكل آخر تظهر فيه من خلال حاسب آلياَ، ونظام معلوماتي.
أما التقنية المعلوماتية فهى مجموعة برامج وأدوات معدة لغرض إدارة ومعالجة البيانات والمعلومات أو تقديم خدمة معلوماتية، وهذه المعالجة من خلال البرامج أو التقنية سواء لدى القانون أن تتم كليًا أو جزئيًا لكتابة أو تجميع أو تسجيل أو حفظ أو تخزين أو دمج أو عرض أو إرسال أو استقبال أو تداول أو نشر أو محو أو تغيير أو تعديل أو استرجاع أو استنباط البيانان والمعلومات الإلكترونية وسواء أن يتم ذلك باستخدام أى وسيط من الوسائط أو الحاسبات أو الأجهزة الأخرى الإلكترونية أو المغناطيسية أو الضوئية أو ما يُستحدث من تقنيات أو وسائط.
موقف المحكمة من تلك الجرائم
ويستوى فى الجانى أن يكون شخص طبيعى أو اعتبارى كشركة، وكذلك الأمر فى المجنى عليه غاية الأمر أنه ينبغى ملاحظة أن المادة 36 من قانون تقنية المعلومات نصت على أنه فى الأحوال التى ترتكب فيها أى من الجرائم المنصوص عليها فى هذا القانون، باسم ولحساب الشخص الاعتباري، يعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية إذا ثبت علمه بالجريمة أو سهل ارتكابها تحقيقا لمصلحة له أو لغيره بذات عقوبة الفاعل الأصلي.
وللمحكمة أن تقضى بإيقاف ترخيص مزاولة الشخص الاعتباري للنشاط مدة لا تزيد على سنة، ولها فى حالة العود أن تحكم بإلغاء الترخيص أو حل الشخص الاعتباري بحسب الأحوال، ويتم نشر الحكم فى جريدتين يوميتين واسعتا الانتشار على نفقة الشخص الاعتباري، وأيضا ينبغي ملاحظة ما جاء بالمادة 37 من أنه فى تطبيق أحكام هذا القانون، لا يترتب على تقرير مسئولية الإدارة الفعلية للشخص الاعتباري استبعاد المسئولية الجنائية للأشخاص الطبيعيين الفاعلين الأصليين أو الشركاء عن ذات الوقائع التى تقوم بها الجريمة.
رأى دار الإفتاء في الأزمة
هذا وقد سبق للدكتور علي جمعة، المفتى السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن حذر من الوقوع في عدة محاذير تبطل صوم رمضان، مؤكدا أن صوم رمضان يُبطل بتناول الطعام والشراب والعلاقة الجنسية، من الضرورى الابتعاد عن مجموعة آفات اللسان مثل الكذب والغيبة والنميمة وشهادة الزور والسب والقذف والغضب لأنها تبطل الصيام، كما أن الصيام لا يجوز للمرأة الحائض والنفاس، بينما تفطر المرأة الحامل إذا خشيت على نفسها أو جنينها.
وبحسب "جمعة": أن السباب والشتائم لا تفسد الصوم ولكن تنقص من أجر الصائم بالفعل وقد يمحو أجر الصيام بالكلية، وعليك أن تكون علي حذرا من الوقوع في مثل هذه الأمور، مستندا في ذلك إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم".
في سياق أخر - قال الدكتور مجدى عاشور، مستشار مفتى الجمهورية، إن التلفظ بألفاظ خارجة لا يُبطل الصيام، لأن الشخص لم يأكل أو يشرب أو يجامع في نهار رمضان، لكن حتى يكون الصوم مقبولا نلتزم بالمناهج والنواهي.
وأضاف عاشور، خلال لقائه على فضائية إحدى الفضائيات، أن الكلام السيئ أو الإشارات السيئة تقلل من ثواب الصيام، ويهدر ثواب الصيام بسبب الألفاظ الخارجة، وبذلك فإن السب والشتم لا يفسد الصيام لأنه ليس من المفطرات، ولكن ينقص من أجره وقد يمحو أجره بالكلية، واستشهد بقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر".