عادة ما نسمع مقولة: " تسبيب الحكم قاله إيه".. وهى جملة تكون بين المتخصصين أكثر منها بين العوام حيث يقصد بتسبيب الأحكام مجموعة الأدلة الواقعية والحجج القانونية التي استندت عليها المحكمة في تكوين قناعتها بالحل الذي تضمنه حكمها، وكذلك الإشارة إلى النصوص القانونية التي أثارها النزاع، وفى الحقيقة قبل أن يشير القاضي إلى منطوق حكمه، تعين عليه أولا أن يسرد جملة العلل والأدلة التي تدفعه للاقتناع بمضمون هذا الحكم دون غيره، ويجب أن يؤسس ذلك على أدلة ثابتة في الملف، وأن يذكر النصوص القانونية التي طبقها على النزاع المعروض عليه.
وفى الحقيقة – قد سبق وأن أظهرت التجربة القضائية والممارسة العملية في العمل القضائى والنيابى لأداء العمل القضائي الأهمية التي يحتلها مبدأ تسبيب الأحكام أو الحيثيات، فعدالة الأحكام تفرض هذا التسبيب، وبانعدامه تزول شرعيتها، لذلك فإن التسبيب هو الوسيلة المؤثرة في إقناع الخصوم، والدليل الذي يبرهن على سلامة الأحكام وموافقتها للقانون والعدالة، ولا يكون التسبيب إلا بطريق التحقيق والدراسة المعمقة والتمحيص، وهو ما يدفع القاضي لأن يبذل الجهد لإطلاع الغير على نتائج التحقيق الذي قام به والدراسة التي انتهى إليها.
للمتقاضين.. "تسبيب الأحكام" يعنى إيه؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على المقصد من تسبيب الأحكام والهدف منه المتمثل في بث الثقة والطمأنينة في نفوس المتقاضين، فيعرف كل متقاضي وينتبه على أي أساس صدر الحكم سواء ضده أو لصالحه، ويعد تسبيب الحكم في حقيقة الأمر من أشق المهمات والتكليفات القضائية الملقاة على عاتق القاضي، لأن كتابته وأسبابه تتطلب منه فضلا عن اقتناعه هو بما اختاره من قضاء، أن يقنع به أصحاب الشأن، وأن يخضع لرقابة الجهات القضائية ذات الاختصاص – بحسب الخبير القانونى والقاضى السابق أحمد عبد الرحمن الصادق .
في البداية - يقصد بضمانة تسبيب الاحكام، هو التحقق من أن القاضي الذى باشر النزاع أو القضية قد اطلع على كل وقائع القضية، وجميع الأوراق والمستندات المقدمة فيها، واتصل علمه بجميع ما أبداه الخصوم من طلبات ودفوع، وأنه قد استخلص الوقائع الصحيحة في الدعوى من واقع قانون الاثبات الذي يجيزه المشرع، أيضا فإن القصد من ضمانة تسبيب الاحكام هو التحقق من أن القاضي لم يخل بدفاع جوهري، من شأنه لو صح لتغير وجه الرأي في الدعوى وان القاضي قد فهم ما أحاط بالدعوي من مسائل قانونية، وأن اسبغ عليها التكييف القانوني الصحيح بعد التحقق من شروطه – وفقا لـ"الصادق".
ويحقق التسبيب جملة من المقاصد لعل أهمها:
أولا: توفير حماية للقاضي: إن الغرض الأساس من وراء فرض تسبيب الأحكام على اختلاف أنواعها ودرجاتها هو حماية القاضي نفسه مصدر الحكم، أو حماية هيئة الحكم إن كانت جماعية، فحتى يقنع القاضي الغير بالمنطوق الذي توصل إليه وجب أن يسرد جملة من الأسباب ومجموعة علل وبراهين تؤكد صحة وعدالة وموضوعية ما وصل إليه، وحتى يثبت جهده في القضية، ولكي لا يعتبر كائنا من كان أن القاضي تلفظ بهذا المنطوق دون أن يدرس الملف، أو دون أن يواجه الغير بأسباب تفرض إصداره بالشكل الذي نطقبه القاضي، ففائدة التسبيب تكمن في دفع أي شبهة ترد على الأحكام والتنبيه لخلوها من التعسف والجور، ولا شك أن ذلك يبعث الاطمئنان في نفوس المتقاضين – الكلام لـ"الصادق".
ثانيا:-حماية المتقاضي: لا شك أن فرض التسبيب في الأحكام القضائية تعود فائدته أيضا على المتقاضي فيعرف أطراف النزاع وذوي المصلحة جملة الأسباب التي دفعت القاضي للنطق بالحكم، فإذا حكم القاضي بحبس أو بتعويض للطرف المضرور كشف في حكمه عن السبب الذي أدى به إلى إصدار هذا الحكم، فالحكم إذا كان في منطوقه نتيجة أو الحل الحاسم في النزاع المعروض على القاضي، إلا أنه ينبغي أن يتضمن مجموعة حجج تبعث على صحته وقوته وإقناع الغير به ومنهم أصحاب الشأن وأطراف النزاع، حيث إن القاضي بتسبيب حكمه يحصنه ويحميه، فهو إن رجح دليلا على آخر، أو اقتنع بطلب، أو أسقط دفعا، وجب عليه في جميع هذه الحالات ذكر الأسباب التي دفعته لذلك، أي أن يحلل كيف وصل إلى هذه النتيجة ولا يكون ذلك طبعا إلا بعد مناقشة كافة المسائل التي أثارها الخصوم إن تأييدا أو معارضة، وأن يؤسس حكمه على نصوص من القانون أو التنظيم أو أن يستند إلى اجتهاد معمول به صادر عن المحكمة العليا في موضوع النزاع – هكذا يقول "الصادق".
ثالثا:-تمكين جهة القضاء العليا من ممارسة حقها في الرقابة: إن إلزام القاضي بتسبيب حكمه لا شك عملية تسهل على الجهة القضائية التي تتولى فحص الحكم أو القرار من تقرير مدى صحته وسلامته وقوته، فبمجرد إطلاعهاعلى جملة الأسباب الواردة في الحكم أو القرار تتمكن جهة الرقابة من فحصها وتقديرها.