أصدرت محكمة النقض – حكما قضائيا يهم ملايين الملاك والمستأجرين، أرست فيه مبدأ قضائيا جديدا بإخلاء المستأجر من العين حال شرائه عقارًا يزيد عن 3 أدوار، وهو على غير المتعاررف عليه لأن المادة 2/22 ق 136 لسنة 1981 اشترطت البناء وليس الشراء، قالت فيه:
"ثبوت شراء المستأجر لبناء اشتمل على أكثر من ثلاث وحدات سكنية تامة البناء خالية من سكنى الغير وصالحة للانتفاع بها في وقت الحق على استئجاره لعين النزاع ينتج عنه توافر الشروط المنصوص عليها بالمادة 2/22 ق 136 لسنة 1981 بالإخلاء والطرد تطبيقا لذلك".
ملحوظة: الحكم يمثل سابقة قضائية في هذا الأمر واتجاه جديد لمحكمة النقض، لأن نص القانون الذي اشترط الإخلاء أن المستأجر يكون أقام بناء مكون من أكثر من ثلاث وحدات سكنية فالشرط هو أقام بناء أما ولم يقل تملك فيخرج عن تطبيق النص من تملك عقار سواء بالشراء أو الهبة أو الوصية، وكان يتعين تعديل النص بإضافة كلمة تملك بدلا من أقام.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 10463 لسنة 76 القضائية، برئاسة المستشار جرجس عدلى، وعضوية المستشارين محمد منصور، ومنصور الفخرانى، وصلاح المنسى، ومحمود أبو المجد.
الوقائع.. نزاع بين المالك والمستأجر لإخلاء الشقة
الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده أقام على مورث الطاعنين الدعوى رقم "..." لسنة 2000 محكمة بنها الابتدائية - مأمورية قليوب - بطلب الحكم بإخلائه من الشقة المبينة بالصحيفة والتسليم على سند من أنه استأجرها منه بموجب عقد إيجار مؤرخ 1 أبريل 1978 وقد أقام مبنى به أكثر من ثلاث وحدات، ثم صحح المطعون ضده شكل الدعوى باختصام الطاعنين لوفاة مورثهم أثناء نظرها.
السبب يتمثل في شراء عقار يزيد عن 3 أدوار
وفى تلك الأثناء - ندبت المحكمة خبيراً وبعد أن أودع تقريره النهائي حكمت برفض الدعوى بحكم استأنفه المطعون ضده برقم "...." لسنة 2 ق طنطا "مأمورية شبرا الخيمة"، وفيه قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبالطلبات، ثم طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، غرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
دعوى الطرد استندت على المادة 22/2 ق 136 لسنة 1981
المحكمة في حيثيات الحكم قالت إنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن الحق في الطعن جائز لكل من كان خصماً حقيقياً في النزاع الذي صدر فيه الحكم المطعون فيه وبذات الصفة التي كان مختصماً بها أمام المحكمة التي أصدرت الحكم - لما كان ذلك - وكان المطعون ضده قد اختصم الطاعنة أمام محكمة أول درجة عن نفسها واختصم "..." و "..." بشخصيهما، كما اختصمهم فى الاستئناف الذى أقامه بذات الصفة، وصدر الحكم المطعون فيه على هذا الأساس، وإذ طعنت الطاعنة الأولى في هذا الحكم بصفتها وصية على ابنيها القاصرين ولم تقدم صورة رسمية من قرار الوصاية وما يفيد أنهما قصر رغم أنها لم تختصم بتلك الصفة بمرحلتى التقاضي فإن الطعن المقام منها بصفتها يكون غير مقبول وحيث إن الطعن فيما عدا ما تقدم استوفى أوضاعه الشكلية.
المحكمة تقضى بالطرد.. والمستأجر يطعن لإلغائه
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم، حيث ذكرت إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وفى بيان ذلك يقولان إن الحكم قضى بإخلاء العين محل النزاع استناداً إلى نص المادة 22/2 من القانون 136 لسنة 1981 رغم أن ملكية المبنى آلت إلى مورثهم المستأجر الأصلى بالشراء وليس البناء، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
المحكمة ردت في حيثيات الحكم على هذا النعى بقولها: إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه وإن كان الأصل في قواعد التفسير أنه إذا أورد المشرع مصطلحاً معيناً في نص ما لمعنى معين وجب صرفه لهذا المعنى في كل نص آخر يرد فيه، إلا إذا تبين أن المعنى الاصطلاحي يجافي قصد المشرع فإن ذلك يؤكد أنه تحول عن هذا المعنى إلى معنى آخر يدل عليه ظاهر النص، ومن ثم فإن التعرف على الحكم الصحيح من النص يقتضي تقصي الغرض الذي رمى إليه والقصد الذي أملاه، والعبرة في تفسير النصوص - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هي بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني.
المستأجر يستند على أن القانون اشترط بناء عقار وليس شراؤه
لما كان ذلك وكان النص في الفقرة الثانية من المادة 22 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شان بعض الأحكام الخاصة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستاجر على أن : "وإذا أقام المستأجر مبني مملوكا له يتكون من أكثر من ثلاث وحدات في تاريخ لاحق لاستئجاره يكون بالخيار بين الاحتفاظ بسكنه الذي يستأجره أو توفير مكان ملائم لمالكه أو أحد أقاربه حتى الدرجة الثانية بالمبني الذي أقامه بما لا يجاوز مثلى الأجرة المستحقة له عن الوحدة التي يستأجرها منه".
ووفقا لـ"المحكمة": يدل على أن المشرع استهدف تحقيق نوع من التوازن في العلاقات الإيجارية فارتأى أنه مما يحقق العدل أن يخبر المستاجر بين إخلاء المسكن الذي يستأجره أو توفير مكان ملائم للمؤجر أو لأحد أقاربه حتى الدرجة الثانية بأجرة لا تزيد عن مثلى الأجرة التي يدفعها إذا أقام لحسابه في تاريخ لاحق على عقد استئجاره بناء تزيد وحداته عن ثلاث وحدات سكنية تامة البناء خالية من سكنى الغير وصالحة للانتفاع بها بعد نفاذ القانون المذكور إذ يكون في مكنته حينئذ الاستغناء عن مسكنه والاستعاضة عنه بأخر في المبنى الذي أقامه.
النقض تنصف المالك وتقضى بالطرد
وتضيف "المحكمة": ولما كانت إرادة المشرع التي صاغ على ضوئها هذا النص والغاية التي استهدفها من تقريره إياه تتوفر سواء كان المبنى قد أقامه المستاجر بنفه أو آل إليه بالشراء مبنياً طالما توافرت فى وحداته الشرائط سالفة البيان التي تمكن المستأجر من الاستغناء عن الوحدة السكنية المؤجرة والاستعاضة عنها بوحدة أخرى بعقاره الجديد أو تنفيذ التزامه بتوفير وحدة سكنية ملائمة به لأحد المستفيدين من حكم النص، وذلك اتساقاً مع روح التشريع واستهداء بحكمته التي تغياها المشرع وهي إعادة التوازن بين طرفي العلاقة الإيجارية بعد أن أصبح المستأجر - وقد كان الطرف الضعيف فيها - من طائفة الملاك، والقول بغير ذلك يؤدي إلى إثراء طائفة من الملاك على غيرهم بغير مبرر ويعد مجافاة لروح العدالة كما يجعل المستأجر الذي أقام البناء في وضع قانوني أسوأ ممن اشتراه خالياً، وهو ما لا يتفق مع العقل والمنطق ويتنزه عنه المشرع.
وتؤكد فى حيثيات الحكم: العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمبانى
لما كان ذلك - وكانت محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة والمستندات المقدمة فيها ومنها تقرير الخبير الأول خلصت إلى أن البناء الذى ألت ملكيته إلى مورث الطاعنين بموجب عقد البيع المؤرخ 29 فبراير 1996 لاحق على استئجاره لعين النزاع واشتمل - وقت الشراء - على أكثر من 3 وحدات سكنية تامة البناء خالية من مسكنى الغير وصالحة للانتفاع بها بما تتوفر معه الشروط المنصوص عليها بالفقرة الثانية من المادة 22 من القانون سالف الذكر ورتبت على ذلك قضاءها بالإخلاء فإنها تكون قد طبقت القانون تطبيقاً صحيحاً ويضحى النعى عليه بالسبب الثاني على غير أساس، مما يتعين معه رفض الطعن.