لازال الحديث مستمرا حول من يتحمل المسئولية في كارثة الغواصة المنكوبة "تيتان" فى قاع المحيط الأطلسى، وبالقرب من السفينة "تيتانيك"، حيث تم اكتشاف "حقل حطام" من الغواصة المفقودة "تيتان" على بعد حوالى 488 مترا من مقدمة السفينة "تيتانيك"، وعلى عمق 4 كيلومترات من سطح الماء، فى زاوية نائية من شمال المحيط، حيث أعلن مسؤولون فى خفر السواحل العثور على 5 أجزاء كبيرة من حطام الغواصة "تيتان"، التى يبلغ طولها 6.7 متر، فى حقل الحطام بينها مخروط الذيل وقسمان من بدن الغواصة.
وبعد إعلان خفر السواحل الأمريكى، العثور على حطام الغواصة "تيتان"، التى كانت تقل 5 أشخاص فى رحلة إلى السفينة "تيتانيك" التى غرقت قبل أكثر من 100 عام، وأن دمارها سببه "انفجار داخلى كارثى" أودى بحياة جميع من كانوا على متنها، لتنتهى بذلك عملية بحث متعددة الجنسيات استمرت 5 أيام، فقد كشف مسؤولون، شاركوا فى البحث عن الغواصة المنكوبة، أن نظام الكشف الصوتى العسكرى السرى المصمم لرصد الغواصات المعادية، رصد لأول مرة ما تشتبه البحرية الأمريكية بأنه انفجار داخل الغواصة تيتان بعد ساعات فقط من بدء رحلتها.
من يتحمل مسئولية حادث الغواصة تيتان؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية على حادث الغواصة "تيتان" فى ضوء القانون البحرى ومعاهدات بروكسل ولندن وجنيف والعرف والتقاليد البحرية، والرأي القانوني حول الملاحة فى أعالى البحار وحوادث التصادم البحرى ومسئولية مالك السفينة، وكذا التعريف بالملاحة البحرية وأقسامها، وعن المسؤل عن الحادث قانونا والملزم بالتعويضات، خاصة وأن رحلة الغواصة "تيتان" انتهت بطريقة مأساوية في أعماق المحيط الأطلسي، لكن أسئلة كثيرة تثار حول جوانب "غامضة" وغير معروفة حتى الآن بشأن الرحلة التي ذهبت لاستكشاف حطام سفينة "تيتانيك" الشهيرة، فإذا بها تتحول إلى فاجعة أخرى – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض علاء العيلى.
أولا: التعريف بالملاحة البحرية وأقسامها
فى البداية - قبل تناولنا للموضوع يجب التعريف بالملاحة البحرية وأقسامها، حيث أن الملاحة البحرية وفقاَ للتعريف القانونى بها هي الملاحة التى تحيط بها المخاطر، فالملاحة التى تتم فى مياه يمكن أن تتعرض فيها المنشأة العائمة للمخاطر بالسفر فى البحر، وتنقسم الملاحة البحرية إلى تقسيمات عديدة، وذلك بحسب الوجهة التى تـُـتَخذ أساساَ للتقسيم، فتقسم الملاحة البحرية وفقاَ لأهميتها إلى ملاحة رئيسية وملاحة مساعدة، كما تنقسم من حيث المكان الذى تـُمارس فيه إلى ملاحة أعالى البحار وملاحة ساحلية، وأخيراَ تنقسم الملاحة البحرية بحسب الغرض منها إلى: " ملاحة تجارية، وملاحة صيد، وملاحة النزهة" – وفقا لـ"العيلى".
1-ملاحة أعالى البحار: هي التى تقوم بها السفن بين دولتين.
2-الملاحة الساحلية: هي التى تقوم بها السفن بين موانىء الدولة الواحد، وهذا النوع من الملاحة ينقسم إلى الملاحة الساحلية الصُغرى والملاحة الساحلية الكُبرى، فالملاحة الساحلية الصُغرى هي التى تتم بين مينائين يقعان على بحر واحد، والملاحة الساحلية الكُبرى هي التى تتم بين مينائين يقعان على بحرين مختلفين.
ماذا عن ملاحة النزهة؟
ونعود إلى تقسيم الملاحة البحرية طبقاَ للغرض منها كما ذكرنا ملاحة تجارية، وملاحة صيد، وملاحة نزهة، وملاحة النزهة هي التى تقوم بها السفن لعرض النزهة، وبالرغم من أن ملاحة النزهة لا تستهدف تحقيق ربح إلا أنها تخضع للقانون البحرى لأن هذه الملاحة تتعرض فيها السفن لنفس المخاطر التى تتعرض لها سفن الملاحة التجارية – الكلام لـ"العيلى".
القواعد القانونية الآمرة فى شأن الملاحة البحرية
وفيما يخص القواعد القانونية الآمرة فى شأن الملاحة البحرية، فقد قسم الشـُراح مصادر القانون البحرى من حيث أهميتها وقوة إلزامها إلى مصادر رسمية وأخرى تفسيرية، والمصادر الرسمية هي التى يرجع إليها القاضي لمعرفة القواعد القانونية الواجبة التطبيق فى نزاع معين وتتمثل هذه المصادر فى التشريع البحرى والعرف البحرى، ويوجد بجانب هذه المصادر الرسمية مصادر تفسيرية، وتتمثل هذه المصادر فى القضاء والفقه، فالتشريع البحرى هو مجموعة القواعد القانونية التى تصدرها السلطة العامة فى الدولة – طبقا للخبير القانوني.
ماذا عن العرف والعادات البحرية؟
كما أن العرف والعادات البحرية هو إستقرار العمل بقاعدة معينة مع الإعتقاد بإلزامها، فالعرف البحرى هو مجموعة القواعد البحرية التى جرى العمل بها بين المتعاملين فى البحر لفترة طويلة بحيث أصبحت ملزمة لهم، أما العادة البحرية فهي قواعد جرى عليها المتعاملين فى البحر، ولكن لا ترقي إلى مرتبة العرف، أضف إلى ذلك القضاء والذى يعتبر مصدراَ تفسيرياَ للقانون بصفة عامة، كما يعتبر الفقه من المصادر التفسيرية للقانون البحرى.
7 معاهدات واتفاقيات تنظم الرحلات البحرية
وبجانب قواعد التشريع الداخلى لكل دولة يوجد قواعد دولية أنشأتها محاولات توحيد قواعد القانون البحرى دولياَ، ومنها:
1-جمعية القانون الدولية.
2- ومعاهدات بروكسل العديدة والتى غطت معظم موضوعات القانون البحرى، وتعتبر معاهدات بروكسل فى مجموعها أساس القانون البحرى المُوحد، وبيان أهم هذه المعاهدات هي معاهدة بروكسل فى 23 سبتمر 1910، معاهدة بروكسل فى 25 أغسطس 1924، ومعاهدة بروكسل فى 10 إبريل 1926 الخاصة بالإمتيازات والرهون البحرية.
3- كما تم إبرام 3 معاهدات بتاريخ 10 مايو 1952 تتعلق الأولى بالإختصاص الجنائى فى مسائل التصادم البحرى، والثانية تتعلق بالإختصاص المدنى فى مسائل التصادم البحرى، والثالثة خاصة بالحجز التحفظى على السفن.
4-كما تم ابرام معاهدة بروكسل فى 25 مايو 1962 الخاصة بالمسئولية الناشئة عن استغلال السفن الذرية.
5- وإلى جانب معاهدات بروكسل هناك معاهدات دولية تم إبرامها فى أماكن أخرىن، ونظمت بعض المسائل القانونية الخاصة بالملاحة البحرية، ومنها معاهدة جنيف 1936 الخاصة بمؤهلات ربانية السفن وضباطها.
6-ومعاهدة جنيف فى 6 مارس 1948 الخاصة بإنشاء منظمة دولية إستشارية للملاحة.
7- معاهدة لندن 1948 الخاصة لوضع قواعد دولية لمنع التصادم.
ماذا عن المسؤل عن الحادث قانونا والملزم بالتعويضات؟
ونأتى هنا إلى إلقاء الضوء على الرحلة البحرية للغواصة المنكوبة "تيتان"، وعن المسؤل عن الحادث قانونا والملزم بالتعويضات، فكافة التشريعات البحرية فى كل دول العالم افردت أهمية خاصة إلى أشخاص الملاحة البحرية وهم من يتولون تجهيزها وقياداتها وإدارتها، وهم من المفترض أنهم أصحاب خبرة ودراية بالملاحة البحرية، فمالك السفينة يقوم بتجهيزها للرحلة البحرية، والربان يتولى أمر قيادتها أثناء الرحلة، كما أن الطاقم يقوم بإداراتها تحت قيادة الربان بالإضافة إلى هؤلاء الأشخاص الذين يوجدون على ظهر السفينة يوجد أشخاص آخرون يقومون بدور هام فى إتمام الرحلة ويطلق عليهم الأشخاص البريون.
كما يعتبر مالك السفينة أهم هؤلاء الأشخاص فهو الذى يتولى عملية تجهيزها وتهيئتها للقيام بالرحلة البحرية من خلال التعاقد مع الربان وأفراد الطاقم وإبرام عقود النقل والتأمين على السفينة وتزويدها بالمؤن والوقود، لذلك فقد اهتمت كافة التشريعات فى كل الدول، وكذا المعاهدات الدولية بتنظيم أحكام مسئولية مالك السفينة مقارنة بباقي أشخاص الملاحة البحرية.
مسئولية مالك السفينة أو مُجهزها
وتحتل مسئولية مالك السفينة أو مُجهزها أهمية كبيرة فى كافة التشريعات الدولية التى تنظم أحكام الملاحة البحرية بإعتبار أن مالك السفينة هو المهيمن على أمر السفينة، وتنظيم رحلتها حيث قررت كافة التشريعات مسئولية مالك السفينة عن الأخطاء التى تقع أثناء تنفيذ العقود التى أبرمها هو او أحد تابعيه سواء كانت أخطاء عقدية أو تقصيرية وفقاَ للقواعد العامة، وقد جرت العادة والتقاليد البحرية على تحديد مسئولية مالك السفينة فى بعض الحالات التى يثار فيها مسئوليته إستثناءاَ من القواعد العامة التى تجعل جميع أموال المدين ضامنة للوفاء بإلتزاماته.
وقد نالت مسألة تحديد مسئولية مالك السفينة إهتمام المجتمع الدولى وعمل على ضرورة وضع قواعد موحدة بتنظيمها بقصد القضاء على الإختلاف التاشىء عن التشريعات الوطنية فى هذا الشأن، وقد تم إبرام أول معاهدة دولية ى بروكسل فى 25 أغسطس 1924 ثم تم إلغائها بإبرام معاهدة بروكسل فى 10 أكتوبر 1957 والتى أعتمدت مبدأ التحديد الجزافى لمسئولية مالك السفينة، وتم أخيراَ إبرام معاهدة لندن فى الأول من نوفمبر 1976 والتى دخلت خيز التنفيذ فى أول ديسمبر 1986، ويسرى نطاق مبدأ تحديد مسئولية مالك السفينة على كافة السفن المستخدمة سواء للملاحة التجارية أو الصيد أو ملاحة النزهة.
تنازلات عن أي مسئولية للشركة المالكة
وفى حالة الغواصة "تيتان"، وبحسب ما تواتر من أن مستقلى الغواصة من الضحايا وقعوا على تنازلات عن أي مسئولية للشركة المالكة - مالك السفينة كأحد الأشخاص البحريين - وعلى الرغم من وجود هذه التنازلات إلا أن هذه التنازلات لا تؤثر فى حقوق عائلات الضحايا فى حال قيامهم بإتخاذ إجراءات التقاضي بطلب التعويضات - وبحسب مصادر صحفية - فإن ركاب الغواصة "تيتان"، قام كلاَ منهم بدفع مبلغ 250 ألف دولار للقيام بالرحلة، وذكرت المصادر أن الركاب وقعوا تنازل تضمن إعفاء الشركة المالكة للغواصة من المسئولية، وقد وردت كلمة "الوفاة" ثلاث مرات بالصفحة الأولى من الإتفاقية التى حُررت بشأن القيام بالرحلة ووقع عليها الضحايا من الركاب – هكذا يقول "العيلى".
والقول بأن هذه التنازلات قد لا تؤثر فى موقف عائلات الضحايا فى حال لجوئهم إلى إجراءات التقاضي وآية ذلك أنه متى أثبت أهالى الضحايا أن هلاك الغواصة "تيتان" حدث بسبب عيب فى بناء الغواصة وتصميمها وآلية التشغيل والتحكم، وفى المقابل فقد أقرت الشركة المالكة بصلاحية الغواصة للقيام بالرحلة، وهو ما أفصحت عنه حالة الواقع من عزم الشركة على القيام بالرحلة وتلقيها مبالغ مالية من الضحايا.
ويثور التساؤل هنا هل يمكن أن تدفع الشركة المالكة بإنتفاء مسئوليتها وأن الإعفاء من المسئولية يشمل الحادث ؟
يُجيب "العيلى": هذا المسار جائز لشركة "أوشن غايت" المالكة للغواصة "تيتان" حيث يحق لها دفع المسئولية عنها والمطالبة بالإعفاءات المقررة إذا ما تمكنت من إثبات أنها حددت مستقبلاَ للضحايا المخاطر فى أعماق البحار والمحيطات، وفي حال ما أثبتت الشركة أن الحادث غير راجع إلى إهمال فنى أو تشغيلى للغواصة، وأنه راجع إلى القوة القاهرة الفجائية، كما أن القانون البحرى والعرف والعادات البحرية تمنح "أوشن غايت" الشركة المالكة بأن تتخذ إجراءات تحديد المسئولية لدفع المسائلة عنها، وهو حق لها بموجب القانون البحرى، والذى يعطى الحق لمالكى السفن فى أعالى البحار والتى شاركت فى حادث تصادم بحرى أن يلجأوا إلى محكمة إتحادية للحد من الأضرار المالية الناتجة عن الحادث.
ونعود ونؤكد إلى أن ذلك يتطلب من الشركة المالكة أن تثبت كفاءة الغواصة "تيتان" أو بمفهوم المخالفة عدم علم الشركة بوجود عيوب بالغواصة سواء عيوب التصنيع أو التشغيل ويقع عبء الإثبات على الشركة المالكة، ويجب أن تقدم الأدلة قوية حتى تتوقي المسائلة قانوناَ عن الحادث كل ذلك لا يمنع عائلات الضحايا وذويهم للمطالبة بالتعويضات من أي أطراف أو جهات خارجية تدخلت فى تصنيع أو تصميم الغواصة "تيتان" أو تدخلت فى تقديم المكون الصناعية أو ساعدت فى بناء الغواصة متى تحقق فى جانب هذه الأطراف أو الجهات الخارجية ركن الإهمال وأن هذا الإهمال هو الذى أدي إلى وقوع الحادث وإنفجار الغواصة.
يجب على الشركة المالكة إثبات عدم إتصال علمها بأي عيب فى الغواصة
وفى كل الأحوال يجب على الشركة المالكة إثبات عدم إتصال علمها بأي عيب فى الغواصة وعليها أن تثبت ذلك فإذا ما فشلت "أوشن غايت" يتولد مركز قانونى لأهالى وعائلات ضحايا الغواصة فى توجيه المطالبات القضائية ضد الشركة المالية بطلب التعويضات المقررة عن حالات الخطأ والوفاة وعلى ضوء القانون البحرى والعرف والتقاليد البحرية.
هذا بالإضافة إلى ماور فى القانون البحرى بشأن - الموت فى أعالى البحار - والذى يقرر حقوق للأشخاص الذى يعتمدون مالياَ على شخص آخر مات فى تصادم بحرى وهذه القاعدة تجيز لهؤلاء الأشخاص بمقاضاة المتسبب والحصول على التعويضات فقط فى جزء من الأرباح التى كان سيحصل عليها الشخص المتوفى حال حياته أو ما يسمى بالأرباح المستقبلية.