قانون الأحوال الشخصية يشترط، وفقاً لما أقره القانون والشرع، أن يكون الزوج أو من يمتلك العصمة عاقلاً بالغاً ومختاراً، ولا يقع الطلاق من مكره أو ناسٍ أو سكران أو فاقد التمييز أو المجنون أو غضبان أو أي سبب مذهب للعقل، إلا أن هناك العديد من المشاكل التي تواجهها النساء عقب الحصول على حكم بالطلاق، لأن من أصعب الأمور التي تواجه المرأة أن تثبت وقوع الطلاق، حيث تنص المادة 21 من القانون لسنة 2000 بشأن تنظيم إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية في فقرتها الأولى على أنه: "لا يعتد في إثبات الطلاق عند الإنكار إلا بالإشهاد والتوثيق".
ويرتبط الزواج في المجتمع المصري ببعض القضايا الاجتماعية، التي تتحول إلى مشكلات اجتماعية منشؤها محاولة البعض التحايل على أحكام الشرع أو القانون للوصول إلى تحقيق ما يعتبرونه نفعاً، وهو في حقيقته يلحق ضرراً بالغاً بحقوق المرأة، التي تكون الضحية الأولى لهذا الاستغلال السئ لأحكام الدين، لذلك يلزم التركيز على هذه القضايا الاجتماعية والمشكلات المرتبطة بموضوع الزواج والتوعية بمخاطرها على المرأة والأسرة والمجتمع بأسره، إلا أن هناك مشكلات أسرية وزوجية تخرج عن إرادة الطرفين، وتحتاج إلى تدخل عاجل من رجال الدين والمشرع للتصدى لها.
بعد الطلاق والزواج بآخر حكمت المحكمة برجوعها لزوجها
في التقرير التالي، يلقى "برلمانى" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتعلق بآلاف الأسر ليس في مصر فقط ولكن في العديد من دول العالم العربي تتمثل في السؤال.. ماذا يحدث إذا حكمت المحكمة بحكم نهائي بطلاق الزوجة، ثم تزوجت من زوج آخر، ثم تحصل الزوج الأول على حكم ببطلان حكم الطلاق الصادر ضده، فماذا يكون الموقف للأطراف الثلاثة "الزوج الأول – الزوج الثاني – الزوجة" الشرعي والقانوني في هذه الحالة – بحسب الخبير القانوني والمحامي محمد شليل.
في البداية – تلك الأزمة يكون الحكم فيها وفقًا للقانون والشرع بصدور حكم بالتطليق للزوجة وصيرورته نهائياَ ثم زواجها بآخر، ثم صدور حكم ببطلان حكم الطلاق لصالح زوجها الأول وصيرورة هذا الحكم نهائياَ، ويكون عقد زواجها بالأول قائماَ، وعقد زواجها بالثاني قد وقع باطلاَ لعدم "المحل"، وتصبح معاشرتها للرجل الآخر واتصالهما جنسياَ بعد إلغاء حكم الطلاق زنا محرم شرعا، وعلى الزوج الأول اتخاذ الإجراءات القانونية لتنفيذ الحكم الصادر لصالحه دفعاَ لهذا الأمر – وفقا لـ"شليل".
تصدى دار الإفتاء للأزمة منذ 30 سنة
ولقد سبق لدار الإفتاء المصرية التصدي لهذه الأزمة منذ 30 سنة من خلال طرح أزمة قيدت برقم 214 لسنة 1980 المتضمن أن السائل تزوج، وأنجب من زوجته طفلة تبلغ من العمر 9 سنوات، وقد حصل خلاف بينه وبين زوجته فطلقها، ثم تزوجها مرة ثانية بعقد جديد، وبعد ذلك حصل خلاف بينه وبين زوجته، فأقامت ضده دعوى نفقة، ثم سوى الأمر بينهما واتفقا على الاستمرار فى المعاشرة الزوجية مع حصولها على المبلغ المقضي لها به بمقتضى إيصالات.
وفى تلك الأثناء – خلال معيشتها معه أقامت ضده دعوى طلاق للضرر، وأعلنته بها فى عنوان وهمى، وحصلت على حكم بطلاقها منه، وأعلنته بهذا الحكم فى مكان وهمى أيضاَ، ثم حصلت على شهادتين بعدم حصول معارضة واستئناف عن هذا الحكم، وتزوجت برجل أخر استناداَ إلى هذه الأوراق، وما أن تم هذا الزواج حتى هجرته، ولما علم الزوج الأول بذلك أقام ضدها دعوى بطلان حكم الطلاق، وصدر الحكم له بذلك وصار نهائياَ، وتم اعلانه به رسمياَ وإعلان زوجها الحالي به وأمره بالامتناع عن معاشرتها.
استمرار المعاشرة مع الثانى بعد معرفتها الحكم تعتبر "زنا"
ويُضيف: حكم دار الإفتاء المصرية في تلك الواقعة الشهيرة جاء كالتالي: "حكم التطليق الصادر ضد الزوج الأول قد حكم نهائياَ ببطلانه كان عقد زواجه بهذه المرأة مازال قائماَ، ويكون عقد زواجها بالآخر وقع باطلا، إذ قد ظهر أنها لم تكن محلاَ للزواج به لوجودها على عصمة زوج فعلاَ، وتصبح معاشرتها للرجل الآخر واتصالهما جنسياَ بعد إلغاء حكم الطلاق زنا محرم شرعاَ وعلى الزوج الأول اتخاذ الإجراءات القانونية لتنفيذ الحكم الصادر لصالحه.
رأى أخر يرى عدم الاعتداد بالحكم الجديد على القديم
فيما ذهب آخرون إلى أن الزواج الثاني صحيح وليس باطلاً، حيث يرى المحامي عبد الحميد رحيم، المتخصص في الشأن الأسرى، أن الزواج الثاني كان بالنسبة للزوج الثاني صحيحًا ومعاشرته لها ليست "زنا"، لأنه لا يعلم شيئا عن أنها تحصلت على حكم التطليق نتيجة غش، وعليه فزواجه صحيح ومعاشرته ليس زنا، ومن غير المنطقى أن حكم قضائى يعتبر بمثابة "الرجعة" خاصة إذا كان الطلاق من المحكمة، وهو بائن بينونة صغرى لا تحل إلا بمهر وعقد جديد.
وبحسب "رحيم" في تصريح خاص – إذا كان طلاقا رجعيا فالعدة انتهت ولا تحل له إلا بمهر وعقد جديد أيضاَ، حيث أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا.. أين الإثم الواقع عليها من بداية إعلانها لزوجها على عنوان وهمي وزواجها بآخر؟ وهل تعلم أن الحكم باطل من البداية؟ فليس للحكم الجديد حجة على الحكم القديم لأن الحكم السابق تكون عليه مركز قانونى ووضع شرعى ومن الممكن أن يكون خطأ شكلى فقط في الحكم.