"منذ فترة طويلة وأنا في مشاكل بينى وبين جارى، وهو صاحب العقار المجاور لى، وصل بيننا الخلاف لإقامة دعاوى قضائية بين بعضنا البعض، حيث بدأت تلك الخلافات بقيام جارى ببناء دكان في المساحة الفاصلة والمقرر تركها فضاء بين عقارى وعقاره، ونحن في هذا الخلاف منذ ما يقرب من 10 سنوات، الأمر الذى اضطرنى وقتها لإقامة دعوى قضائية أمام المحكمة الجزئية بطلب الحكم بإزالة الدكان".. بهذه الكلمات بدأ الحاج "على كمال"، 55 سنة، محافظة الجيزة، سرد مأساته مع جاره لـ"برلماني" في محاولة لإيجاد حلول قانونية.
وتابع: "وأحالت المحكمة الجزئية الدعوى إلى المحكمة الابتدائية، والتي بدورها قضت بندب خبير في الدعوى، وبعد أن قدم الخبير تقريره قضت بإزالة البناء أو الدكان، إلا أن جارى استأنف الحكم لإلغائه، فحكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، ثم طعن جارى في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة هي الأخرى مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، واستند الطعن على عدة أسباب أبرزها الخطأ في تطبيق القانون، حيث سبق وأن صدر حكم من محكمة الجنح بتغريمه لإقامته بناء بدون ترخيص، وأن هذا الحكم له حجيته أمام القضاء المدني في أنه أقام البناء دون مخالفة لأي شرط من الشروط القانونية للبناء، وهذه الحجية لم يعملها الحكم المطعون فيه".
"مشاكل الجيرة".. جارى قام ببناء "دكان" أمام بيته.. ما الحل؟
واستطرد: "وتضمنت مذكرة الطعن أيضا القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، باعتبار أننى كمتضرر لا حق لى في طلب إزالة البناء لأن عقدى لا يخولى حق ارتفاق على الأرض التي أقيم عليها البناء يمنع من إقامته عليها ولا وجود لقانون به قيود تمنع من ذلك، وأن القرار الوزاري رقم 563 سنة 1955 الصادر تنفيذاً للقانون رقم 656 سنة 1954 ألغي مع القانون المذكور بالقانون رقم 45 سنة 1962 الذي ألغي القانون 656 سنة 1954 صراحة، كما ألغي القانون رقم 45 لسنة 1963 بالقانون رقم 106 لسنة 1976 وأصبحت الجهة التي أقيم عليها البناء المتنازع عليه مكتظة بالمصانع والمقاهي والمحلات العامة، ومع ذلك فإن وجود قيود قانونية لا يخول لى حقاً في طلب إزالة الدكان"، فما هو السيناريو المتوقع في ذلك الطعن؟
المشرع أنهى النزاع بإزالة البناء لمخالفته القوانين
وفى هذا الشأن – تُجيب الخبير القانوني والمحامية رحاب سالم – بقولها: "حق الملكية ليس حقا مطلقا وأن المالك فى استعماله أياه يجب أن يعمل فى حدود القوانين واللوائح، فإذا أخل بأى التزام فرضته عليه هذه القوانين واللوائح كان الاخلال بهذا الالتزام خطأ يستوجب المسئولية التقصيرية، والمبدأ في ذلك هو نص المادة 806 من القانون المدنى أن حق الملكية ليس حقا مطلقا وأن المالك فى استعماله أياه يجب أن يعمل فى حدود القوانين واللوائح فاذا أخل بأى التزام فرضته عليه هذه القوانين واللوائح كان الاخلال بهذا الالتزام خطأ يستوجب المسئولية التقصيرية ومن ثم فان الجار الذى يخالف القيود القانونية يرتكب خطأ، فاذا ترتب على خطأ هذا الضرر للجار فإنه يلتزم بتعويض الجار عن هذا الضرر مهما ضئول ويستوى فى ذلك أن يكون الضرر ماديا أصاب الجار فى مصلحة مالية أو أدبيا أصاب الجار فى معنوياته ومنها شعوره بالاعتداء على حق له.
وبحسب "سالم" في تصريح لـ"برلماني": أما عن مسألة صدور حكم جنائى في النزاع، فإنه من المقرر أن الحكم الجنائي تكون له حجية في الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية، كلما كان فصله لازماً في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية، ولما كانت أحقية الجار - الطاعن - في إقامة البناء على المساحة الفضاء المتروكة قانوناً بين عقاره وعقار - المطعون ضده - ومدى حق الأخير في طلب إزالتها غير ضرورية ولا لازمة للفصل في تهمة البناء بدون ترخيص التي كانت محلاً لتلك الجنحة، فإن الحكم الجنائي لا يحوز حجية فيها أمام المحكمة المدنية، وإذ كان ذلك فإن النعي بهذا الشق يكون على غير أساس.
رأى محكمة النقض في الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل هذه الأشكالية في الطعن المقيد برقم 2233 لسنة 51 القضائية، والذى جاء فيه: لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن منزل الطاعن أقيم في سنة 60 في ظل سريان القانون رقم 656 سنة 1954 بتنظيم المباني ولائحته التنفيذية الصادرة بالقرار الوزاري رقم 563 سنة 1955 وترك الطاعن عند إنشائه المسافة القانونية 3 أمتار أرضاً فضاء بين أرضه وأرض جاره المطعون ضده الذي ترك بدوره مسافة مماثلة من أرضه، وكان القانون رقم 45 لسنة 1962 بتنظيم المباني الذي ألغى القانون رقم 656 سنة 1954 وحل محله قد نص في المادة 11 منه على أنه: "لا يجوز إقامة بناء إلا إذا كان مطابقاً للأصول الفنية والمواصفات العامة ومقتضيات الأمن والقواعد الصحية التي تبين بقرار من وزير الإسكان والمرافق".
وتضيف "المحكمة": وقد صدر تنفيذاً له قرار وزير الإسكان والمرافق رقم 169 سنة 1962 الذي خولت المادة 26 منه مجلس المحافظة المختص في شوارع أو مناطق يحددها وبقرارات تصدر منه تحديد مسافات تترك بين البناء وحدود الأرض بالقدر الذي يراه، وكذلك الشأن بالنسبة للقانون رقم 106 لسنة 1976 بما نص عليه في مادته الرابعة، وقد أفادت إدارة التنظيم بحي غرب التابع لمجلس مدينة الجيزة أن من شروط المباني ترك 3 أمتار من حق الملكية للجار، وقد استدل الحكم المطعون فيه من ذلك على استمرار القيد الذي كان منصوصاً عليه في القرار الوزاري رقم 563 سنة 1955 ومن ثم فإن الطاعن لا يستفيد من إلغاء القرار المذكور بالقانون اللاحق، إذ يبقى ذلك القرار سارياً على الوقائع التي نشأت في ظله، وهي بقاء منزل الطاعن على حالة وقت إنشائه في سنة 1960 طالما أن القوانين اللاحقة لم تغير من الأحكام التي كان منصوصاً عليها فيه بما يطلق يد الطاعن في مخالفتها، وإنما أقرها بذاتها فلا تزال سارية ويتعين تطبيقها.
والقانون اعتبره خطأ يستوجب المسئولية التقصيرية وتعويض الجار
وإذ كان ذلك - وكان الحكم المطعون فيه قد رد على دفاع الطاعن بما أحال عليه من أسباب الحكم المستأنف التي تضمنت أن الطاعن أقام الدكان موضوع النزاع على المسافة القانونية المفروض تركها فضاء وبما جاء في أسبابه من أن مجرد البناء على وجه مخالف لقانون يشكل وحده ضرراً إلا أن فيه مساساً بالناحية الصحية والجمالية التي من أجلها أصلاً شرع ترك المسافات بين العقارات المختلفة، وكانت القيود القانونية التي توجب ترك مسافة 3 أمتار بين البناء وحدد لأرض التي أقيم عليها من شأنها أن تحمل المساحة المتروكة ارتفاقاً إدارياً بعدم البناء عليها يفيد منه الجار نوراً وهواء ومنظراً جميلاً.
والنقض تؤكد: "حق الملكية ليس حقًا مطلقًا"
وتابعت "المحكمة": ولا شك في أن إشغال هذا الفضاء ببناء على خلاف القيد القانوني يحرم الجار من كل ذلك، ويقلل من قيمة عقاره المجاور ومن قيمة الانتفاع به، فيضر بمصلحة مالية له فضلاً عن أن حرمانه من هذه المزايا يؤذي شعوره، ولا يقدح في ذلك إقامة مصانع ومقاهي ومحلات أخرى على خلاف القانون، إذ بحسب الحكم أن يبين الحقيقة التي اقتنع بها ويستخلص منها عناصر المسئولية من خطأ وضرر وعلاقة سببيه بينهما ثم يقضي للمتضرر بالتعويض الذي يراه مناسباً فيكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً وحمل قضاءه على ما يكفي لحمله ولا عليه إذا لم يكن قد رد صراحة على دفاع الطاعن لأنه بما أورده من أسباب تكفي لحمل قضائه يكن قد رد على دفاع الطاعن وأسقط حججه ضمناً ويكون النعي عليه برمته على غير أساس متعين الرفض، وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
حكم إزالة بناء 1
حكم إزالة بناء 2
حكم إزالة بناء 3