ما زالت أزمة "استمارة 6" تتجدد بشكل يومى طالما العلاقة قائمة بين العامل أو الموظف وصاحب العمل، وتُعد من أحد أهم الإشكاليات التي ينتج عنها انتشار البطالة وزيادة معدلها، وما ينتج عنه أيضا عزوف الشباب عن العمل بالقطاع الخاص، وانتظار الوظيفة الحكومية - التى ربما لن تأتى فلابد أن هناك دوافع لهذا العزوف، تسبب في أن توصف وظيفة القطاع الخاص بأنها "سيئة السمعة"، لأسباب أهمها ضعف الرواتب وغياب الضمانات وعدم تفعيل ضوابط اللوائح والقوانين المنظمة للعلاقة بين العامل وصاحب العمل.
يأتي على رأس هذه الأسباب إجبار الوافدين الجدد على سوق العمل على توقيع استقالة "مسبقة" أو ما اصطلح العامة على تسميته "استمارة 6"، وهى عبارة عن استمارة يلزم القانون صاحب العمل بتقديمها للتأمينات أو الجهات الحكومية لإثبات إنهاء خدمة العامل الموقع عليها لديه، إلا أن بعض رجال الأعمال والمستثمرين يجبرون الشباب على التوقيع عليها قبل توقيع عقد العمل، لتسهيل عملية التخلص منهم وقتما ترغب الإدارة، ولعدم مطالبتهم حينها بأى حقوق تذكر وهو أحد أهم الأسباب التي أدت إلى أن يكون القطاع الخاص "سيئ السمعة" لعدم الأمان.
"استمارة 6".. العصا الغليظة لتحطيم أحلام العمال والموظفين
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على اشكالية في غاية الأهمية تتمثل في مخطط جهة العمل بالقطاع الخاص بتستيف الأوراق الخاصة بالعاملين وإجبارهم على توقيع استقالة "مسبقة" أو ما اصطلح العامة على تسميته "استمارة 6"، فبعض الشركات تحرر عقد عمل، وترغم العامل على تقديم استقالة و"استمارة 6"، وترفقهما بملفه لفصله وقت ما يحلو لها أو لعدم جعل العقد غير محدد المدة، ورأى محكمة النقض في هذه الأزمة التي تهم ملايين العمال والموظفين من خلال غيجاد مخرج لتلك الإشكالية عن كيفية جعل العقد محدد المدة، وهو إبرام عقد عمل وكل سنة "أو مدة أخرى يتم الاتفاق على مدتها" يتم ابرام عقد عمل جديد – بحسب الخبير القانوني والمحامى المتخصص في الشأن العمالى مصطفى زكى.
في البداية - المثير في إشكالية "استمارة 6" لم تقتصر على إجبار العمال على توقيعها عند بداية العمل، بل تفتق ذهن بعض أرباب الأعمال عن استخدامها فى التنكيل بالعاملين حتى بعد تركهم العمل لديهم حيث يمتنعون، أو يتباطأون فى تقديمها لمكاتب التأمينات لوقف التأمين على العمال مما يعوقهم عن الالتحاق بأى عمل آخر، حيث يرفض أصحاب العمل الجديد إلحاقهم بالعمل قبل إتيانهم بما يفيد قطع التأمينات القديمة عنهم، وسنعرض خلال حديثنا نموذج استمارة 6 تأمينات التى تقدم إلى مكتب التأمينات التابع له المنشأة، والتى من خلالها يتم انهاء اشتراك العامل بالمنشأة – وفقا لـ"زكى".
إجبار العامل على توقيع استقالة "مسبقة"
وهناك حكم نقض شهير تصدى لتلك الإشكالية في الطعن المقيد برقم 12561 لسنة 76 جلسة 4 مارس 2007، فقد أخرج لها مخرج عن كيفية جعل العقد محدد المدة، وهو إبرام عقد عمل كل سنة "أو مدة أخرى يتم الاتفاق على مدتها" يتم إبرام عقد عمل جديد، ومفاد النص فى المواد 1/104، 105، 1/106 من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 يدل على أن العقد المحدد المدة ينتهى تلقائياً بانتهاء مدته ما لم يتفق الطرفان على أن يسبق الإنهاء إخطار بذلك للمدة التى يتفقان عليها – الكلام لـ"زكى".
وقد أجاز المشرع لهما تجديد العقد مرة أخرى لمدة واحدة أو أكثر باتفاق صريح على ذلك ينتهى العقد بإنتهائها دون أن يتحول إلى عقد غير محدد المدة خلافاً لِما كان عليه الوضع فى قانون العمل السابق الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981، إلا أنه إذا لم يتفق الطرفان على تجديد العقد لمدة معينة ولكنهما استمرا فى تنفيذه بعد انتهاء مدته اعتبر ذلك منهما تجديداً للعقد لمدة غير محددة، ولي رأي أخر في تلك الإشكالية أنه يجوز للعامل اثبات صورية عقد العمل الجديد بقرائن عدم وجود فواصل في التأمينات أو كشف حساب بنكي وعدم وجود اتصال في القبض وغيره – طبقا للخبير القانوني.
الخبير القانونى والمحامى بالنقض مصطفى زكى
مشروع قانون العمل الجديد ينهى على أزمة "استمارة 6"
وفى سياق آخر – يقول الخبير القانوني والمحامى أحمد الأسيوطى: إن مشروع قانون العمل الجديد الذى يعتبر محط أنظار وأهتمام العمال وأصحاب العمل يمنع صاحب العمل من إجبار العامل على توقيع استقالة مسبقة، بما يقضي على ظاهرة "استمارة 6"، ويتصدى لمسألة إجبار العامل على توقيع استقالة قبل استلامه العمل حتى يتم إخراجها في أي وقت ومن ثم وضع استمارة 6 عليها، حيث أن القانون الجديد يتضمن حتمية اعتماد الاستمارة من مكاتب العمل وأن يتقدم بها العامل بنفسه للجهة الإدارية.
ويضيف "الأسيوطى" في تصريحات صحفية: أنه سبق لمحكمة استئناف القاهرة إصدار حكما يتصدى لأزمة إجبار العامل على إمضاء "استمارة 6"، ومن ثم إجباره على توقيع استقالته حتى تكون الاستقالة مكتوبة، أرست خلاله 5 مبادئ قضائية، قالت فيه:
1- الاستقالة يجب أن تكون مكتوبة برضا العامل وليس مجبرا.
2 - يجوز للعامل أن يعدل ويرجع عنها خلال أسبوع من تاريخ تقديمها.
3- لم يشترط القانون شكل معين للرجوع في الاستقالة - فيجوز العدول بإنذار على يد محضر أو شكوى عمالية لمكتب العمل.
4- يجب أن يكون قبول الاستقالة عن طريق اخطار صاحب العمل للعامل بقبول الاستقالة، ولا يغني عن ذلك أي إجراء أخر.
5- بالتالى أصبح الفصل هنا فصلا تعسفيا وليس استقالة، وهو ما يستوجب التعويض للعامل، وتنصف العامل بعد مرور 10 سنوات من إجباره على الاستقالة، الأستئناف المقيد برقم 9 لسنة 130 قضائية.
التصدي لتعنت وتعسف أصحاب الشركات الخاصة الذين يجبرون العاملين لديهم على تقديم استقالتهم
وأشار "الأسيوطى": أن محكمة الاستئناف بحكمها سالف البيان قد تصدى لتعنت وتعسف أصحاب الشركات الخاصة الذين يجبرون العاملين لديهم على تقديم استقالتهم، كما أرست الدائرة العمالية بمحكمة استئناف القاهرة قواعد قانونية في غاية الأهمية بالنسبة للعمال واستقالتهم التي يتقدمون بها رغمًا عنهم، حيث إن أهم هذه المبادئ بالنسبة للاستقالة وفقًا للحكم ضرورة أن تكون الاستقالة التي يتقدم بها العامل مكتوبة، كما أنه يحق للعامل أن يرجع ويعدل عن استقالته هذه خلال أسبوع من تاريخ تقديمها، كما أكدت المحكمة بأنه ليس هناك شكل معين لطلب العدول عن الاستقالة فيصح العدول عنها بإنذار رسمي وعلى يد مُحضر أو بشكوى لمكتب العمل المختص وذلك كله خلال الأسبوع - ونتيجة لذلك العدول يتوجب على صاحب العمل قبول هذا الرجوع وإعادة العامل مرة أخرى إلي عمله.
وأوضح "الأسيوطى"، أن المحكمة ألزمت صاحب العمل بضرورة أن يكون قبول الاستقالة عن طريق الإخطار الرسمي للعامل بقبول استقالته - ولا يغني عن ذلك أي إجراء آخر، وأن المحكمة قالت في حكمها أن الشركة المستانف ضدها خالفت كل ذلك وهو ما يتأكد معه بأن الفصل كان فصلاً تعسفياً، وهو ما يستوجب معه إلغاء حكم محكمة أول درجة لأنه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتفسيره والقضاء مجددا بتعويض المستأنف عن الفصل التعسفي.
رأى محكمة النقض في الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لتلك الأزمة المتعلقة بـ"استمارة 6" في الطعن المقيد برقم 12561 لسنة 76 جلسة 4 مارس 2007، والذى جاء فيه: لما كان ذلك - وكان الثابت من عقد العمل المحرر بين الطاعنة والمطعون ضده والمؤرخ 2003/12/8 أن المادة الرابعة منه نصت على أن: " ...... مدة هذا العقد هى سنة واحدة تبدأ من 2003/12/8 وتنتهى فى 2004/12/7 وينتهى هذا العقد تلقائياً بمجرد انتهاء مدته دون حاجة إلى تنبيه"، وكانت هذه المادة واضحة الدلالة على أن هذا العقد محدد المدة بسنة، وأنه ينتهى بانتهاء مدته، وكان الثابت أن الطاعنة أخطرت المطعون ضده بتاريخ 2004/11/4 بعدم رغبتها فى تجديد هذا العقد، ومن ثم فإن إنهاء خدمتها له بانتهاء مدة السنة المحددة فى العقد لا يعتبر إنهاء غير مشروع.
وذكرت المحكمة في حيثيات حكمها: وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر بمقولة أن المطعون ضده تربطه بالطاعنة علاقة عمل بمقتضى عقود متلاحقة محددة المدة بدأت عام 1982 واستمر فى تجديدها بعقود متتالية آخرها العقد المؤرخ 2003/12/8 لمدة عام ينتهى فى 2004/12/7 وأنه إعمالاً لنص المادة 105 من القانون رقم 12 لسنة 2003 والمادة 679 من القانون المدنى فإن الاستمرار فى تنفيذ العقد المحدد المدة يؤدى إلى تجديد العقد ويصير عقداً غير محدد المدة بالرغم من أنه لم يثبت أن عقود العمل السابقة كان هناك استمراراً متصلاً لعلاقة العمل بموجبها، ودون أن يفطن إلى أن عقد العمل موضوع النزاع قد تحرر بين الطرفين بإرادتهما بعد العمل بأحكام قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 الذى يُجيز إنهاء العقد المحدد المدة بانتهاء مدته حتى ولو امتد باتفاق صريح أكثر من مرة بما يُعد إنشاء لعلاقة عمل جديدة ومنفصلة عن العقود السابقة ، فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون.