أصدرت محكمة النقض، حكما فريدا من نوعه، يرسى عدة مبادئ قضائية، حول أحد أهم أسباب الطعن علي الأحكام بالنقض أو حتى الإستئناف هو مخالفة منطوق الحكم للثابت بالأوراق، ومعني ذلك السبب تحديداً أن محكمة النقض توضح المقصود بمخالفة الثابت بالأوراق التي تبطل الحكم من خلال ذلك الحكم: وقالت: "أن مخالفة الثابت بالأوراق التي تبطل الحكم هي أن يكون الحكم قد بُني على تحصيلٍ خاطئٍ لِمَا هو ثابت بالأوراق أو على تحريفٍ للثابت ماديًّا ببعض هذه الأوراق"، ورسخت لـ3 مبادئ أخرى حول تسجيل عقد البيع كالتالى:
1-المفاضلة عند تزاحم المشترين لذات العقار المبيع من مالك واحد تكون الأفضلية لصاحب العقد الأسبق في التسجيل .
2- عدم صدورها عن عقار واحد بل عن عقارين مختلفين لكل منها عقد خاص بها يكون أثره لا مجال لإعمال قاعدة تعادل سندات كلا المشتريينِ .
3-قضاء الحكم المطعون فيه بعدم قبول طلب الطاعن بطرد المطعون ضده الأول من عين النزاع استنادًا إلى عدم أحقيته في هذا الطلب لتعادل سندات شرائهما عينَ النزاع بعقدَيْنِ عُرفيَيْنِ من مالك واحد خلافًا للثابت من تقريري الخبير من أن هذين العقدين العرفيَيْنِ صادران لهما من مالكٍ واحدٍ عن شقتين مختلفتين بالعقار يكون خطأ ومخالفة الثابت بالأوراق.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 1099 لسنة 80 قضائية، برئاسة عبد الفتاح أحمد أبو زيد، وعضوية المستشارين أشرف الكشكي، وأسامة البحيري، ومحمد عبد الواحد ووليد عثمان.
الوقائع.. نزاع بين طرفين لتزاحم المشترين لذات العقار المبيع من مالك واحد
وحيث إن الوقائع -على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام على المطعون ضدهم الدعوی رقم 4 لسنة 2000 مدني الإسكندرية الابتدائية بطلب الحكم بطرد المطعون ضده الأول من شقة النزاع والتسليم، وقال بيانًا لدعواه: إنه بموجب العقد المؤرخ 1/12/1997 اشترى من المطعون ضده الثاني بصفته وكيلًا عن مالك العقار الشقة الكائنة بالطابق السادس العلوي بالعقار المبين بالصحيفة، وإذ استضاف المطعون ضده الأول بالعين لحين بناء شقة له بالعقار، إلا أنه رفض إخلاءها، فقد أقام الدعوى، عدَّل الطاعن طلباته بإضافة طلب بطلان عقد البيع المؤرخ 6/12/1998 الصادر للمطعون ضده الأول عن عين النزاع.
وفى تلك الأثناء - ندبت المحكمة خبيرًا في الدعوى، وبعد أن أودع تقريره حكمت أولًا: برفض طلب بطلان عقد البيع المؤرخ 6/12/1998، ثانيًا: بطرد المطعون ضده الأول من الشقة المبينة بالصحيفة وعقد البيع المؤرخ 1/12/1997 والتسليم، ثم استأنف المطعون ضده الأول هذا الحكم بالاستئناف رقم 14 لسنة 62 الإسكندرية، وبعد أن أعادت المحكمة المأمورية للخبير وأودع تقريره، قضت بتاريخ 17/11/2009 بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء بعدم قبول الدعوى، ثم طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، عُرض الطعن على هذه المحكمة -في غرفة مشورة- حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك يقول: إن الحكم قضی بعدم قبول دعواه استنادًا إلى عدم أحقيته في طرد المطعون ضده الأول من عين النزاع لتعادل سندات شرائهما لها من المطعون ضده الثاني بصفته وكيلًا عن مالك العين بعقود غير مسجلة، حال أن الثابت من تقرير الخبير المنتدب في الدعوى أن العقدَيْنِ العُرفيَيْنِ صادران من بائعٍ واحدٍ عن شقتين مختلفتين بالعقار، بما لا محل معه لإعمال قاعدة تعادل سندات كلا المشتريَيْنِ، مما يعيب الحكم، ويستوجب نقضه.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت إن هذا النعي في محله؛ ذلك أن من المقرر أنه في حالة تزاحم مشتريين لعقار واحد من مالكٍ واحدٍ، فإن الأفضلية بينهما تكون لصاحب العقد الأسبق في التسجيل، فإن لم تكن صادرةً عن عقارٍ واحدٍ، بل عن عقارين مختلفين، وكلُّ عقدٍ يخصُّ عقارًا، فلا يكون هناك محلٌ للقول بتعادل سندات كلا المشتريينِ، ومن مقتضى ذلك أن لكلِّ مشترٍ أن يستلم العقار المباع له من البائع تنفيذًا للالتزامات الشخصية التي يرتبها العقد، وأن مخالفة الثابت بالأوراق التي تبطل الحكم -وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- هي أن يكون الحكم قد بُني على تحصيلٍ خاطئٍ لِمَا هو ثابت بالأوراق أو على تحريفٍ للثابت ماديًّا ببعض هذه الأوراق.
النقض ترسى مبدأ جديدا حول أحد أسباب الطعن علي الأحكام بالنقض أو الإستئناف
وبحسب "المحكمة": لمَّا كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بعدم قبول طلب الطاعن بطرد المطعون ضده الأول من عين النزاع تأسيسًا على عدم أحقيته في هذا الطلب لتعادل سندات شرائهما عينَ النزاع بعقدَيْنِ عُرفيَيْنِ من مالك العين، على خلاف الثابت مما حصله الحكم الابتدائي من تقرير الخبير من أن عين التداعي هي الشقة رقم (11) بالطابق السادس العلوي، ومباعة للطاعن بالعقد المؤرخ 1/12/1997، ويشغلها المطعون ضده الأول، كما أنه تم بيع الشقة رقم (10) الكائنة بالطابق الخامس العلوي بالعقد المؤرخ 6/12/1998 للأخير من ذات المالك، كما أثبت الحكم الاستئنافي - وفقًا لِمَا حصله من تقرير الخبير المنتدب أمام محكمة الاستئناف- أن شقة الطاعن هي رقم (11)، وشقة المطعون ضده الأول هي رقم (10).
ووفقا لـ"المحكمة": ممَّا مفاده أن التقريرين انتهيا إلى أن كلا العقدين العرفيَيْنِ للطاعن والمطعون ضده الأول، وإن صدرا من مالكٍ واحدٍ، إلا أنهما عن شقتين مختلفتين بالعقار، كلٌ منهما في طابقٍ، ولها رقم مختلف عن الأخرى، ومن ثم فإن ما أورده الحكم من أن العقدين عن عين واحدة يكون قد بُني على تحصيلٍ خاطئٍ لِمَا هو ثابت بتقرير الخبير، ورتب على ذلك قضاءه برفض إخلاء عين النزاع لتعادل سندات كلا المشتريَيْنِ، فإنه يكون معيبًا بمخالفة الثابت بالأوراق الذي جره إلى الخطأ في تطبيق القانون، مما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.
مخالفة الثابت بالأوراق يُبطل الحكم
وتضيف "المحكمة": وحيث إن الموضوع صالحٌ للفصل فيه، ولِمَا تقدَّم، وكان الثابت مما حصله الحكمان الابتدائي والمطعون فيه من تقريري الخبير أن شقة النزاع هي برقم الحادي عشر مُشترى الطاعن بالعقد المؤرخ 1/12/1997، والكائنة بالطابق السادس العلوي بالعقار المبين بالصحيفة، ومن ثم يكون له الحق في طلب طرد المطعون ضده الأول من تلك العين، والذي يضع اليد عليها بلا سندٍ؛ لشرائه عينًا أخرى خلاف عين النزاع، ممَّا تقضي معه المحكمة بتأييد الحكم المستأنف بطرد الأخير من العين وتسليمها للطاعن.
حكم النقض بشأن أحد أسباب الطعن علي الأحكام بالنقض أو الإستئناف 1