التكنولوجيا الرقمية غيرت حياة الملايين من البشر والمؤسسات وحتى الدول، وتغيرت معها طرق التواصل والتفاعل بين الأفراد والدول، حيث اعتمدت الدبلوماسية في مفهومها التقليدي ولسنوات طوال على التفاعلات بين المسئولين الحكوميين، فكان التواصل أحادي الجانب بين حكومة أخرى دون مشاركة للشعوب، ومع تطور وسائل التواصل وظهور منصات مثل X (تويتر سابقا) وفيسبوك أصبح للمسئولين الحكوميين القدرة على التواصل مع جمهور أوسع، كما أصبحت السياسة الخارجية وفي أحد أبعادها صراعا بين الخطابات التفسيرية للدول المتنافسة على النفوذ الإقليمي والدولي.
فقد حاولت كل دولة الترويج لرؤيتها الخاصة وإضعاف دبلوماسية الدول المنافسة لها، وذلك من خلال الاستعانة بمختلف النشطاء السياسيين وغيرهم لبناء علاقات دبلوماسية تمتد من الشعوب إلى الحكومات، وتهدف للتأثير على الجمهور من خلال تشكيل صورة ذهنية للدولة تخدم مصالحها الخاصة، فقد شهد القرن 21 تطورا كبيرا في تكنولوجيا الإعلام والاتصال، والتي أثرت على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية، وكذا الممارسة الدبلوماسية التي لم تسلم من حجم هذا التأثير، إذ أن الثورة الرقمية عملت على نقل الدبلوماسية من دبلوماسية دول إلى دبلوماسية دول وشعوب ساهمت في تفعليها وسائل التواصل الاجتماعى.
السياسة الخارجية في عصر الدبلوماسية الرقمية
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على السياسة الخارجية في عصر الدبلوماسية الرقمية، ومفهوم الدبلوماسية العامة التقليدية، والظهور العالمي للدبلوماسية الرقمية، والتطرق للأهداف السياسية للدبلوماسية الرقمية، حيث شهد العقد الأول من القرن الـ21 ظهور الدبلوماسية العامة الرقمية التي يقصد بها تسخير الإنترنت وتكنولوجيا الاتصال الحديثة للتواصل مع جمهور خارجي بهدف خلق بيئة تمكين للسياسة الخارجية لبلد ما، وذلك بفضل المنصات الرقمية التي تمثل جهازا عصبيا جديدا للعالم – بحسب الدكتور أثير هلال الدليمي، أستاذ القانون الدولي العام، والمتخصص في مكافحة الجرائم السيبرانية الدولية.
في البداية - أصبح ممكنا التواصل بشكل فوري مع "مجتمعات الإنترنت" التي تشكل قوة سياسية متنامية الأهمية في عملية صنع السياسة الخارجية في بلدانها، مما يستدعي من العديد من الدول العربية دمج الدبلوماسية العامة الرقمية في عملية صناعة قرار السياسة الخارجية وتنفيذه، فقد تغيرت الدبلوماسية بشكل كبيرطوال القرن العشرين، ففي بدايته كان للدبلوماسية تفسير صارم وحازم لجميع طرق الاتصالات بين حكومة دولة وحكومة دولة أخرى، وتم حظر جميع أشكال التواصل المباشر بين حكومة دولة وجمهور دولة أخرى من قبل المجتمع الدولي واعتبار أن هكذا تصرفات من قبيل انتهاك السيادة الوطنية للدول – وفقا لـ"الدليمى".
3 أحداث عالمية غيرت من تعريف وممارسة الدبلوماسية
هناك 3 أحداث عالمية خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي غيرت من تعريف وممارسة الدبلوماسية كالتالى:- الكلام لـ"الدليمى".
الأول: الاستخدام الواسع والشعبي الهائل لجهاز الراديو ووسائط البث الإعلامي الأخرى.
والثاني: الثورة البلشفية عام 1917 وصعود النازيين إلى السلطة في عام 1933.
والثالث: استخدام النازيين والبلاشفة لجهاز راديو من أجل نشر وتوسيع الثورات في البلدان المجاورة.
مفهوم الدبلوماسية العامة التقليدية:
يشير مفهوم الدبلوماسية العامة إلى العمليات التي تسعى اليها الدول في تحقيق أهداف سياستها الخارجية من خلال التواصل مع الجماهير المحلية والأجنبية، كما أنها تعد أداة مهمة لخلق مناخ إيجابي للتفاعل بين الجماهير الأجنبية من أجل تسهيل عرض وقبول السياسة الخارجية لأي دولة، والجدير بالذكر أن بعد ثورات 1920 و1930، بدأت العديد من البلدان في ممارسة الدبلوماسية العامة الفعالة، من خلال بعض الممارسات فقد أرسلت فرنسا ملحقاً ثقافياً إلى سفاراتها في الخارج، وأنشأت الولايات المتحدة محطة إذاعة صوت أمريكا، وبدأت خدمة بي بي سي العالمية بالبث بلغات مختلفة، ومع اشتداد الحرب الباردة، كان يُنظر إلى التواصل المباشر مع سكان الدولة الخصم على أنه لا يقل أهمية عن امتلاك الترسانة النووية لأي دولة، ولكن مع نهاية القرن العشرين، بدأ شكل جديد من الدبلوماسية يظهر إلى الوجود، عرف بالدبلوماسية الرقمية – هكذا يقول أستاذ القانون الدولي العام.
الظهور العالمي للدبلوماسية الرقمية:
أثرت ثورة الإنترنت على جميع جوانب الحياة، بما في ذلك العلاقات الدولية، وإن الدبلوماسية باعتبارها أداة للسياسة الخارجية تغيرت أيضًا بسبب هذه الثورة تغييراً في طريقة تواصل الناس وتبادل المعلومات عبر العالم وذلك من خلال وسائل التواصل الافتراضي الرقمي في أي بيئة دولية، حيث تعتمد الدبلوماسية الرقمية على كيفية استخدام الدبلوماسيين والمهنيين الآخرين لوسائل الإعلام الرقمية لفهم وجودهم على الإنترنت واستغلاله لتحقيق أهدافهم وغاياتهم وبما يحقق أهداف السياسة الخارجية للدولة التي يتبعونها، فقد تم وصف الدبلوماسية الرقمية لأول مرة عام 2001، وعدت حينها حديث الساعة في أروقة الدبلوماسية الدولية – طبقا لـ"الدليمى".
وسائل تواصل ساهمت في تطور الدبلوماسية الرقمية
وعرّفت على أنها الاستخدام الأمثل والمتزايد لوسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتقنيات الرقمية ومنصات وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعية مثل Twitter وFacebook وWeibo من قبل الدول من أجل الدخول في التواصل مع الجمهور المحلي والأجنبي وتحقيق أهداف سياساتها الخارجية وعرض مواقفها تجاه المجتمع الدولي وممارسة الدبلوماسية العامة التقليدية، ويعتقد من تبنى هذا التعريف أن الوسيلة فقط هي من تغيرت دون المضمون وأصبح بدلاً من التحدث إلى الجمهور عبر الراديو أو وسائل الاتصال الصوتي والبث الراديوي والتلفزيوني الأخرى مثلا، أصبح من الممكن التواصل مع الجمهور المحلي والأجنبي الآن عبر قناة تويتر وباقي مواقع التواصل الاجتماعي.
كما يعتقد البعض الآخر أن الدبلوماسية الرقمية هي أكثر من كونها مجرد أداة جديدة في صندوق الأدوات المستخدمة للتاثير على شعوب الدول، ومن شأنها ان تزيد من القدرة على التفاعل مع الجماهير والانخراط بنشاط معهم، مما يتيح الانتقال من طابع المونولوج إلى الحوار المباشر، حيث بات من خلال قناة الدولة وعلى مستوى وزارة الخارجية على تويتر أو الفيس بوك أو اليوتيوب، يمكن لسفارة ما إقامة اتصالات ثنائية او متعددة الاتجاهات مع جمهور الدول الأجنبية المعتمدين لديها بكل سهولة ويسر، وبذلك فقد اتيح للدبلوماسيين من خلال التكنولوجيا الرقمية فرصة التواصل والتحدث الى الجمهور والرد على المنشورات التي تعكس واقع معين من خلال حسابات صفحاتهم الشخصية ولاسيما موقع Facebook.
ويحدد ثمانية أهداف سياسية للدبلوماسية الرقمية:
1. إدارة المعرفة: لتسخير المعرفة الإدارية وكامل المعرفة الحكومية، بحيث يتم الاحتفاظ بها وتقاسمها واستخدامها الأمثل لتحقيق المصالح الوطنية في الخارج.
2. الدبلوماسية العامة: للحفاظ على الاتصال مع الجماهير أثناء انتقالهم عبر الإنترنت وتسخير أدوات الاتصال الجديدة للاستماع إلى الجماهير المهمة واستهدافها برسائل رئيسية والتأثير على المؤثرين الرئيسيين عبر الإنترنت.
3. إدارة المعلومات: للمساعدة في تجميع التدفق الهائل للمعلومات واستخدام هذا لإبلاغ صنع السياسات بشكل أفضل وللمساعدة في توقع الحركات الاجتماعية والسياسية الناشئة والاستجابة لها.
4. الاتصالات والاستجابة القنصلية: لإنشاء قنوات اتصالات شخصية مباشرة مع المواطنين المسافرين إلى الخارج، مع اتصالات يمكن التحكم فيها في حالات الأزمات.
5. الاستجابة للكوارث: لتسخير قوة تقنيات الاتصال في حالات الاستجابة للكوارث.
6. حرية الإنترنت: إنشاء تقنيات لإبقاء الإنترنت مجانيًا ومفتوحًا. وهذا له الأهداف ذات الصلة بتعزيز حرية التعبير والديمقراطية وكذلك تقويض الأنظمة الاستبدادية.
7. الموارد الخارجية: إنشاء آليات رقمية للاعتماد على الخبرات الخارجية وتسخيرها لتحقيق الأهداف الوطنية.
8. تخطيط السياسات: للسماح بالرقابة الفعالة والتنسيق والتخطيط للسياسة الدولية عبر الحكومة، استجابة لتدويل البيروقراطية.