انتشرت في الأونة الأخيرة مشكلة إجتماعية خطيرة وهي قتل الأزواج لزوجاتهم عقب مشادات كلامية استفزازية تفتعلها الزوجة، فلا يستطيع الزوج التحكم في أعصابه، فيقوم بقتلها أو ضربها فتموت، وأغلب تلك المشادات التي تسفر عن الموت غالبا ما تكون بسبب سوء سلوك الزوجة أو شائعة خيانتها له أو طعنها في رجولة الزوج بأنه عاجز جنسيا أو أن أولاده لم تنجبهم منه بل من غيره أو أنه لا يقوم بالصرف عليها وتلبية احتياجتها بوجه عام.
وفى الحقيقة هي ظاهرة ألقت الضوء بشدة علي فشل نظام الزواج في مصر لإفتقاد الهدف والغاية منه بتفريغه من مضمونة كمودة وسكنة ورحمة، وتحوله لمصالح وصفقات وبزنس وتنازع وتنحار، وإذا كان قتل الأزواج فى بعض التشريعات ظرف مشدد لعقوبة القتل كقانون العقوبات الفرنسي، إلا أنه فى مصر جريمة قتل عادية لا تشديد عقوبة فيها.
دفاع الأزواج المتهمين عن أنفسهم
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على التجريم والعقاب في قتل الأزواج عند الإستفزاز، خاصة وأن بعض الأزواج المتهمين يحاولون التنصل من العقاب على قتل أزواجهم أو تخفيف العقاب بقالة أنهم كانوا في حالة هياج وغضب عقب علمهم بخيانة زوجاتهم أو طعن الزوجات لهم في رجولتهم أو سرقة أموالهم أو النصب عليهم، وادعى آخرون أنهم كانوا يمارسون الحق الشرعى في تأديب الزوجات وحدثت الوفاة دون قصد أو تعمد – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
موقف القضاء من قتل الأزواج لزوجاتهم
في البداية - رأت محاكم الموضوع ومن بعدها محكمة النقض وبحق أن دفاع المتهم بأن كان في حالة استفزاز وغضب لا يتحقق به الدفع بالإضطراب العصبي والنفسى كمانع من العقاب ولا يتحقق به معني التلبس بالزنا كعذر قانوني مخفف، لأن حالات الإثارة والاستفزاز والغضب ليست من موانع العقاب من جهة، ولأن الأعذار القانونية لا يجوز القياس عليها أو التوسع فيها من جهة أخرى، كما أنه لا يوجد ما يمنع من توافر نية القتل عقب مشادة أو استفزاز وأن حق التأديب لا يبيح الايذاء العنيف الذي يصل للقتل، ولكن يمكن اعتبار كل ذلك أعذار قضائية مخففة طبقا للمادة 17 عقوبات أن رأت محكمة الموضوع أو ينفي ظرف سبق الإصرار ولا رقابة للنقض عليها – وفقا لـ"فاروق".
أمثلة تطبيقية فى قضاء النقض
وفى هذا سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل تلك الإشكالية في الطعن المقيد برقم 2295 لسنة 91 قضائية، والذى جاء في حيثيات حكمها: أنه من المقرر أن مناط الإعفاء من العقاب لفقدان الجاني شعوره واختياره في عمله وقت ارتكاب الفعل هو أن يكون سبب هذه الحالة راجعاً علي ما تنص عليه المادة 62 من قانون العقوبات لاضطراب عقلي أو نفسي وكان المستفاد من دفاع الطاعن هو أنه كان في حالة من حالات الإثارة والاستفزاز والغضب تملكته عقب علمه بسوء سلوك زوجته عليها فإن الدفاع - على هذه الصورة - لا يتحقق به الدفع بالاضطراب العقلي أو النفسي طبقا للقانون رقم 71 لسنة 2009 المعدل للمادة 62 من قانون العقوبات باعتبار الاضطراب النفسى أو العقلى ظرفاً مخففاً عند تحديد مدة العقوبة.
وتضيف "المحكمة": وكان الحكم المطعون فيه قدر عذر الطاعن بقوله: "وما أثاره الدفاع في شأن سلوك المجنى عليها فإنه على الرغم من ثبوت ذلك فإن المحكمة لاحظت أن سلوك المتهم هو أيضاً سلوك منحرف وقد وازنت المحكمة بين الأمرين على نحو ما سيرد بالحكم"، فإن النعى على الحكم المطعون فيه لا يكون له محل، فضلاً عن أن الثابت من الرجوع إلى محضر الجلسة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يطلب الاستعانة بأهل الخبرة لتحقيق دفاعه هذا فلا يجوز للطاعن من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ويكون النعى على الحكم في هذا الشأن غير مقبول.
حكم أخر لمحكمة النقض تصدت فيه للأزمة
وفى حكم أخر لمحكمة النقض تصدت فيه للإزمة في الطعن المقيد برقم 33233 لسنة 86 قضائية – جلسة 6 نوفمبر 2017 – والذى جاء في حيثياته: بأن الإعفاء من العقاب لفقدان الشعور والاختيار طبقا للمادة 62 عقوبات لا يندرج تحته الإثارة والاستفزاز إذ لا تعد سبباً لإنعدام المسئولية، وقالت أنه متي حصل الحكم أنه فى عام 2005 تزوج المتهم الأول بالمجنى عليها ابنة عمته وأنجب منها فتاتين، وتبلغ من العمر ثلاث سنوات ونصف وجنا التي لم تبارح العامين وعلى إثر خلافاته مع زوجته التي استمرت لأعوام وعند مفاجأتها له بأن بناته ليس من صلبه بل من غيره، فقتلها بـ"شاكوش" أخذ يضرب به علي رأسها، ثم قتل ابنتيه واخفي معالم جثثهم.
لما كان ذلك - وكان مناط الإعفاء من العقاب لفقدان الجاني لشعوره واختياره وقت ارتكاب الفعل ـــــ على ما تقضى به المادة 62 من قانون العقوبات ــــ هو أن يكون سبب هذه الحالة راجحًا لاضطراب نفسى أو عقلى أفقده الإدراك أو الاختيار وكان المستفاد من دفاع الطاعن أمام محكمة الموضوع هو أنه كان فى حالة من حالات الإثارة أو الاستفزاز تملكته فألجأته إلى فعلته دون أن يكون متمالكًا إدراكه، فإن ما دفع به على هذه الصورة من انتفاء مسئوليته لا يتحقق به الجنون أو العاهة فى العقل أو فقده الإدراك حتى يتحقق مناط الإعفاء من العقاب وفق نص المادة سالفة الذكر، بل هو دفاع لا يعدو أن يكون مقرونًا بتوافر عذر قضائى مخفف يرجع مطلق الأمر فى إعماله أو اطراحه لتقدير محكمة الموضوع دون رقابة عليها من محكمة النقض.
حكم ثالث لمحكمة النقض يتصدى للأزمة
وفي ذات السياق - قضت النقض اأن مناط الإعفاء من العقاب لفقدان الجاني لشعوره واختياره في عمله وقت ارتكاب الفعل هو أن يكون سبب هذه الحالة راجعاً على ما تقضي به المادة 62 من قانون العقوبات لجنون أو عاهة في العقل دون غيرهما والمستفاد من دفاع المحكوم عليه أمام محكمة الموضوع هو أنه كان في حالة من حالات الإثارة أو الاستفزاز تملكته منذ الليلة السابقة على الحادث عندما طعنته زوجته في شرفه وجاهرته بعلاقتها الآثمة بمن يدعى "...."، ومعاشرته لها معاشرة الأزواج وإنجاب أولادها منه، وليسوا من صلبه وقام بخنقها بالضغط اليدوي على العنق وانفراده بأولاده، وذلك بقصد الانتقام من المجني عليهم جزاء لما ارتكبته زوجته طعناً في شرفه وسمعته، فإن فعلته دون أن يكون متمالكا إدراكه فإن مثل هذا الدفع به على هذه الصورة من انتقاء مسئوليته لا يتحقق به الجنون أو العاهة في العقل-وهما مناط الإعفاء من المسئولية، ولا يعد في صحيح القانون عذرا معفيا من العقاب،بل هو دفاع لا يعدو أن يكون مقرونا بتوافر عذر قضائي مخفف يرجع مطلق الأمر في إعماله أو إطراحه لتقدير محكمة الموضوع دون رقابة عليها من محكمة النقض،ومن ثم فإن الحكم يكون قد أصاب صحيح القانون في هذا الخصوص، طبقا للطعن 33899 لسنة 68 قضائية – جلسة 16 فبراير 2000.
حكم رابع لمحكمة النقض
وفى حكم أخر لمحكمة النقض مقيد برقم 24855 لسنة 64 – جلسة 10 مارس 1997 -وقالت النقض فيه بأن طعن الزوجة في رجولة زوجها بأنه عاجز جنسيا وقيام الأخير بصفعها وخنقها حتي لفظت انفسها جريمة قتل عمد وتمسك الزوج بأنه كان معذورا في قتلها لتوافر عنصر الاستفزاز قياسا علي عذر مفاجأة الزوجة متلبسة بالزناطبقا للمادة 237 عقوبات دفاع ظاهر البطلان، إذ لا قياس علي الأعذار القانونية لكونها إستثناء معدول به عن أصل، ولما كان الحكم قد رد على دفاع الطاعن بشأن أن قتل زوجته قد توافرت له شروط انطباق المادة 237 من قانون العقوبات نظراً لوجود القرائن التي يتطلبها في حالة مفاجأة الزوج لزوجته وهى في حالة زنا بقوله: "وحيث إنه بخصوص ما أثاره الدفاع من أن التكييف القانوني لواقعة الدعوى هو تطبيق المادة 237 من قانون العقوبات في حق الزوج بالنسبة لقتل زوجته فمردود عليه.
بأن نص المادة 237 من قانون العقوبات قد جرى على أن: "من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها في الحال هي ومن يزنى بها يعاقب بالحبس بدلاً من العقوبات المقررة في المادتين 234، 236"، ومن ثم فإن المشرع لا يعتبر الغضب عذراً مخففاً إلا في حالة خاصة هي حالة الزوج الذي يفاجئ زوجته حال تلبسها بالزنا فقتلها هي ومن يزنى بها، أما الغضب في سائر أحوال القتل والجرح والضرب فلم يعتبر عذراً وإن كان يتنافى مع توافر ظرف سبق الإصرار، وبتطبيق نص المادة 237 من قانون العقوبات على واقعات الدعوى ومادياتها، فإن المحكمة تخلص إلى عدم توافر شروط تطبيقها ذلك أنه لم يثبت من التحقيقات أن شخصاً أجنبياً كان مع المجني عليها الأولى زوجة المتهم في غياب من زوجها .
كما أن المتهم نفسه لم يتعقب ذلك الشخص ويتأكد من صدق ظنونه التي وسوس له بها الشيطان فضلاً عن أن المتهم لم يجد زوجته في حالة تدعو إلى القول أنه فاجأها وهو يزنى بها، كما أنها لم تقر له بذلك، ولم يثبت ذلك بأي دليل أو قرينة في أوراق الدعوى وأن قتله للمجني عليها كان وليدة مشادة بينهما انتهت بأن المذكورة طعنته في رجولته والتي أقر بها المتهم أنه منذ أن تزوج بالمذكورة وأنه يعانى من ضعف جنسي - فقام بصفعها بالقلم أولاً ثم قام بلف قطعة القماش والمازورة على رقبتها على النحو الثابت تفصيلاً في وصف الجثة والإصابات التي أوردها الطبيب الشرعي سبباً للوفاة، ومن ثم يكون قتل المتهم لزوجته لم يكن حال تلبسها بالجريمة المنصوص عليها في المادة 237 عقوبات ناهيك عن أن هذا الظرف يكون غير متوافر أيضاً في حالة الزوج الذي يقتل زوجته هي ومن يزنى بها بعد ترصده لهما إذ لا يعد معذوراً في حالة حصول الترصد، بعد تيقن الزوج من خيانة زوجته تيقناً لا ريب فيه لأن الدافع للفعل في هذه الحالة هو التشفي.
ولما كان ذلك - فإن ما أثاره الدفاع في هذا الخصوص بشأن توافر عذر الاستفزاز عملاً بنص المادة 237 من قانون العقوبات في حق الزوج يكون على غير سند من القانون جرى برفضه، لما كان ذلك، وكان مفاد ما أورده الحكم فيما سلف أن الطاعن لم يكن قد فاجأ زوجته متلبسة بجريمة الزنا ولم يكن قتله لها حال تلبسها بالجريمة المذكورة فإذا ما كان الحكم قد أطرح ما دفع به الطاعن من تمسكه بإعمال المادة 237 من قانون العقوبات فإنه يكون قد التزم صحيح القانون ويكون النعي عليه في هذا الخصوص غير قويم لما هو مقرر من أن الأعذار القانونية استثناء لا يقاس عليه ومنها عذر الزوج في قتل زوجته مفاجأة الزوجة متلبسة بالزنا.
حكم خامس لمحكمة النقض
كما قضت محكمة النقض أن قصد القتل أمر خفي يتم إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، وأنه لا مانع من نشوء نية القتل إثر مشادة وقتية، وبالتالي فإن نعي الطاعن بأن الواقعة مجرد مشاجرة مع زوجته المجني عليها ترتب عليها الإثارة والاستفزاز لا يعد في صحيح القانون عذرًا معفيًا من العقاب ولا ينفي نية القتل، فإذا كان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل في قوله: "أن نية القتل متوافرة في حق المتهم أخذًا بظروف الدعوى وملابساتها والثابت بالأوراق أخذًا بإقرار المتهم بالتحقيقات وما ورد بتحريات الشاهد الرابع وما ثبت بتقرير الصفة التشريحية من أن المتهم كتم أنفاس المجني عليها بكلتا يديه لم يدعها إلا بعد أن لفظت أنفاسها الأخيرة الأمر الذي يؤكد أن المتهم كان ينوي فعلًا إزهاق روح المجني عليها ومن ثم فالمحكمة تنتهي إلى توافر نية القتل في حق المتهم وهو ما تعتمد عليه في حكمها ويضحى الدفع آنف البيان في غير محله تلتفت عنه ".
وإذ كان هذا الذي استخلصته المحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها هو استخلاص سائغ وكافٍ في التدليل على ثبوت توافر نية القتل لدى الطاعن، فإنه لا محل للنعي على حكمها في هذا الصدد، أما ما يثيره من أن الحادث وقع إثر مشاجرة بينه وبين زوجته المجني عليها فقد فيها شعوره، فمردود بما هو مقرر من أنه لا مانع قانونًا من نشوء نية القتل لدى الجاني إثر مشادة وقتية، كما أنه من المقرر أن الإثارة والاستفزاز لا تعد في صحيح القانون عذرًا معفيًا من العقاب - لما كان ذلك - وكان من المقرر أن التأديب حق للزوج ولكن لا يجوز أن يتعدى الإيذاء الخفيف فإذا تجاوز الزوج هذا الحد فأحدث أذى بجسم زوجته، كان معاقباً عليه قانونًا، حتى ولو كان الأثر الذي حدث بجسم الزوجة لم يزد عن سحجات بسيطة.
لما كان ذلك - وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن قد اعتدى بالضرب على زوجته وأحدث بها الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية، وكان البين من هذا التقرير أن بالمجني عليها كدمات وسحجات بالوجه والظهر والشفتين رضية تنشأ من جسم أو أجسام راضة تحدث من مثل اللكم باليد وكتم النفس باليد، فإن هذا كافٍ لاعتبار ما وقع منه خارجًا عن حدود حقه المقرر بمقتضى الشريعة ومستوجبًا للعقاب عملًا بالفقرة الأولى من المادة 324 من قانون العقوبات، ولا جناح على المحكمة إن هي التفتت عن هذا الدفاع القانوني الظاهر البطلان - لما كان ذلك - فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا، وذلك طبقا للطعن المقيد برقم 18147 لسنة 87 قضائية – جلسة 2 يونيو 2020.
ضرورة تدخل الخبير الفني في مثل هذه القضايا
وفى الأخير يقول "فاروق": قضاء النقض المار ذكره صحيح بوجه عام، ولكن فيه إطلاق "فيه نظر" بشأن ما إذا كان الاستفزاز يمكن أن يفقد الشخص الإدراك والتمييز عند ارتكاب الجريمة، ويعد بالتالى مانع عقاب من عدمه إذ الاضطراب العقلي والنفسى علميا قد يكون مطبق أو غير مطبق أو بالأحرى طارئ لحظى والمنوط به تحقق ذلك أهل الخبره، ويكفي أن يدفع المتهم بالاستفزاز أو بامتناع عقابه، وعلي المحكمة تحقيق الدفع من خلال الاستعانة بأهل الخبرة.
ويضيف: وقد أثبت العلم الحديث أن الإنسان حين يصاب بصدمة مفاجأة كاعتراف الزوجة له بخيانتها له أو أن أولاده وبناته ليس منه بل من غيره من زنا معها يدخل في حالة إنكار اي عدم تصديق ما حصل كالمغشي عليه أي "غياب الوعى"، ثم مرحلة "انهيار" تخر فيه قواه ومن المحتمل عند الإنكار أو الانهيار أن يفقد الزوج حرية الإدراك والتمييز وهما مناط المسؤولية الجنائية، ولهذا كان من المحتمل أن يفقد الاستفزاز حرية الادراك والتمييز لدى الزوج ويسمى عندئذا اضطراب عقلي أو نفسى طرأ نتيجة صدمة، وبالتالي سبب معفى أو مخفف للعقاب.