من المعلوم أن الركن المادى في جريمة هتك العرض يتوافر بكل فعل مخل بالحياء يستطيل إلى جسم المجنى عليه ويخدش عاطفة الحياء عنده، سواء بملامسة الجاني أو كشفه جزءاً من جسم المجني عليها، مما يعد من العورات، طبقا للطعن رقم 943 لسنة 86 قضائية، الصارد بجلسة 28 ديسمبر 2016، ولقد جعل المشرع من هتك العرض في كل أحواله جناية مع التفرقة في العقوبة بين هتك العرض بالقوة أو التهديد وبين هتك العرض بدون قوة أو تهديد، ثم شدد العقوبة بحسب سن المجني عليه.
ونص على ذلك في المادتين (268، 269) من قانون العقوبات، إذ نصت المادة (268) على أن: "كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع في ذلك يُعاقب بالسجن المشدد، وإذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ 18 سنة ميلادية كاملة أو كان مرتكبها أو أحد مرتكبيها ممن نُص عليهم في الفقرة الثانية من المادة (267) تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن 7 سنوات، وإذا اجتمع هذان الظرفان معاً يُحكم بالسجن المؤبد"، ونصت المادة 269 علي أن: "كل من هتك عرض صبي أو صبية لم يبلغ سن كل منهما 18 سنة ميلادية كاملة بغير قوة أو تهديد يُعاقب بالسجن، وإذا كان سنه لم يجاوز 12 سنة ميلادية كاملة أو كان من وقعت منه الجريمة ممن نُص عليهم في الفقرة الثانية من المادة (267) تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن 7 سنوات".
مفهوم "القوة" في جريمة "هتك العرض"
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على مفهوم القوة في جريمة هتك العرض، خاصة أن أحكام النقض قد جرت على أن مفهوم القوة في هتك العرض يتسع ليشمل كافة صور عدم رضا المجني عليه، فلا يلزم القوة المادية كالضرب بل تتحقق القوة في جناية هتك العرض بكافة الوسائل القسرية التي تعدم إرادة المجني عليه كمباغتة المجنى عليها أوالتحايل عليها أو وضع مخدر لها في مشروب أو مغافلتها، كما ورد في العديد من الطعون أبرزها الطعن المقيد برقم 72027 لسنة 75 قضائية، الصادر بجلسة 27 نوفمبر 2012، والطعن رقم 21861 لسنة 67 قضائية، الصادر بجلسة 11 ديسمبر 2005 – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
في البداية – الأحكام سالفة الذكر الصادرة من محكمة النقض تضمنت المتعارف عليه في العرف القضائى، ولكن رأت أحد دوائر النقض الخروج عن هذا المعني وصرف القوة الي القوة المادية فقط دون غيرها، وحين عرض الأمر علي الهيئة العامة للمواد الجنائية بمحكمة النقض إنحازت للأحكام التي تكتفي بكافة صور عدم رضا المجني عليه وتجعله مرادفا للقوة، وقالت في ذلك من المقرر في قضاء محكمة النقض أن الشارع قصد في باب العقاب على جريمة هتك العرض حماية المناعة الأدبية التى يصون بها الرجل أو المرأة عرضه من أية ملامسة مخلة بالحياء أياً ما كانت وسيلة الجاني في ذلك، مادامت هذه الملامسة قد استطالت إلى جزء من جسم المجنى عليه يُعد عورة، وأنه لا يلزم لتوافر ركن القوة في جريمة هتك العرض أن يقتصر الأمر على القوة المادية أو التهديد، وذلك في الطعن المقيد برقم 6677 لسنة 80 قضائية - الهيئة العامة للمواد الجنائية – الصادر بجلسة 23 مارس 2013 – وفقا لـ"فاروق".
تباينت الآراء والأحكام القضائية حولها بين القوة المادية كـ"الضرب" وغير المادية مثل "وضع المنوم"
لما هو مقرر من أن ركن القوة يتحقق بكافة صور انعدام الرضاء لدى المجنى عليه، إذ أنه يتم بكل وسيلة قسرية تقع على الأشخاص بقصد تعطيل قوة المقاومة أو إعدامها عندهم، فكما يصح أيضاً أن يكون تعطيل قوة المقاومة بالوسائل المادية التى تقع مباشرة على الجسم، فإنه يصح أن يكون بوسائل القوة غير المادية، ومن ثم فإنه يجوز أن يتحقق ولو اقتصرت وسيلة المتهم على مفاجأة المجنى عليه، أو كان بالتحيل كما لو قدم له مشروباً أفقده الوعى أو أدخل في روعه قدرته على علاجه بالجن أو شفائه من مرض عضال بالاستعانة بالسحر، وإذ كان انعدام الرضا هو القاسم المشترك بين الوسائل المشار إليها فيما سلف، فإن مما يندرج فيها عاهة العقل التى تعدم الرضاء الصحيح، لما كان ما تقدم، وكان قضاء محكمة النقض – على السياق المتقدم – قد أقيم على أسباب صحيحة، ويحقق العدالة، والصالح العام، ويتفق وصحيح القانون، وتقره الهيئة، وترفض بالأغلبية المقررة في القانون العدول عن هذه الأحكام، والمبادئ التى قررتها – الكلام لـ"فاروق".
ونعتقد أن الهيئة العامة للمواد الجنائية قضائها "فيه نظر" حينما صرفت القوة في جريمة هتك العرض الي مطلق عدم رضا المجني عليه سواء أكانت القوة مادية أو غير مادية، ذلك أن المشرع حينما أراد اعتبار عدم رضا المجني عليها شرط لوقوع الاغتصاب أو بالأحري لقيام جناية مواقعة أنثي نص صراحة علي ذلك في المادة 267 بقوله: "كل من واقع أنثي بغير رضاها"، فدل بذلك علي استواء أن يكون عدم رضا الأنثي بالمواقعة راجع لقوة مادية أو غير مادية، ولكنه في المادتين 268 و269 تحاش استخدام لفظ دون رضاء المجني عليه وأثر معه استخدام لفظ القوة والتهديد تارة ودون قوة أو تهديد تارة أخرى، بما يعني أن المشرع لا يقصد بالقوة والتهديد مطلق عدم الرضا الذي يتحقق بالقوة المادية وغيرها من صور عدم الرضا حسبما ذهبت الهيئة العامة للمواد الجنائية وإلا لنص علي ذلك في المادتين 268 و269 أسوة بنص المادة 267 – طبقا لأستاذ القانون الجنائى.
الهيئة العامة للنقض تدخلت وأقرت "عدم رضا المجني عليها" في كلتا الحالتين
ويضيف: بل أن مسايرة الهيئة العامة للمواد الجنائية يعني الغاء التفرقة التي أقامها المشرع من حيث العقوبة في المادتين 268 و269 بين هتك العرض بالقوة أو التهديد لمن لم يبلغ 18 سنه وهتك العرض بدون قوة أو تهديد لمن لم يبلغ هذا السن ويجعلها تحصيل حاصل مادام أن كلاهما يشمل مطلق عدم رضاء المجني عليه، وهذا غير صحيح ذلك أن المشرع شدد العقوبة عند القوة والتهديد بجعلها السجن المشدد لمدة لا تقل عن 7 سنين في حين جعلها السجن أن لم تتوافر قوة أو تهديد.
ومن المقرر أن اللفظ هو أداة المشرع في التعبير عن قصده ولا يجوز تجاهله والتماس معنى آخر، إذ المشرع لا يلهو ومتى استخدم لفظ معين فقد أراد به قطعا معنى محدد اولا يجوز الالتفات عما قرره وقصده المشرع من واقع ألفاظ النص استهداء بحكمة النص، لأن اعمال الكلام أولي من اهماله، ولأنه متى كان النص واضح الدلالة علي المعني المقصود من ألفاظه وجب التزام النص، إذ لا مساغ للاجتهاد ازاء صراحة النص الواجب التطبيق، ومن ثم نعتقد وبغض النظر عن موقف الهيئة العامة للمواد الجنائية ومدى إلزامية ما تقرره أن مفهوم القوة أو العنف في هتك العرض ينصرف إلى القوة المادية، وليس مطلق عدم الرضا الذي قد يرجع إلى القوة المادية أو غيرها من وسائل غير مادية – هكذا يقول "فاروق".