يعتبر الدستور في أي دولة هو مصدر الشرعية للحاكمين والمحكومين، والشرعية الدستورية تعني أن يكون الدستور بحسبانه القانون الأسمى، وهو المرجع لتحديد مؤسسات الدولة واختصاصات هذه المؤسسات والقائمين بتمثيلها والمعبرين عن إرادتها، وقد لجأت معظم دول العالم إلى أنشأ المحكمة الدستورية لتكون من أولى اختصاصاتها حماية الدستور من الخرق سواء كان هذا الخرق صادر عن رأس الدولة أو من خلال القوانين والأنظمة المخالفة للدستور، فإذا خرق الدستور من قبل أي جهة كانت، تصبح قرارات هذه الجهة غير دستورية بما تحوي هذه العبارة من معان خطيرة دون أن تجد هذه الجهة من ينبهها بمخالفة الدستور سوى المحاكم الدستورية والدستور ، إذ يحدد سلطات الدولة ومؤسساتها ويقتضي أن تكون تلك السلطات والمؤسسات خاضعة للدستور عاملة في إطاره لا تعدوه ولا تخرج عليه.
والدستور هو الأساس القانوني الذي ترتكز عليه كافة الأنشطة والأعمال القانونية داخل الدولة، فالوثيقة الدستورية تبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها فهو قمة البناء القانوني في الدولة بمعنى أن القواعد الدستورية الواردة في الوثيقة الدستورية قمة الهرم للنظام القانوني في الدولة، فهي تسمو على كل القواعد القانونية، ويمثل وجوده عنصر من عناصر الدولة القانونية، ولا يجوز لأية سلطة من السلطات أن تخالف أحكامه، أو تنتهك نصوصه، وإلا عدت أعمالها باطلة وغير دستورية، فجميع السلطات العامة في الدولة تكون ملزمة بالتقييد بما نصت عليه الوثيقة الدستورية.
هل أحكام المحكمة الدستورية ملزمة لجميع مؤسسات الدولة؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية الإجابة على السؤال هل أحكام المحكمة الدستورية ملزمة لجميع مؤسسات الدولة؟ حيث أن المحكمة الدستورية والتي تسمى أحيانا المحكمة الدستورية العليا وهي أعلى سلطة قضائية في البلاد، وهي هيئة قضائية مستقلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في مصر وتتألف من رئيس ومن نائب أو أكثر للرئيس وعدد كاف من المستشارين، وتصدر أحكامها من سبعة مستشارين، وأحكامها نهائية لا يمكن الطعن فيها بأي طريقة من طرق الطعن، وتتحدد طريقة اختيار قضاتها وصلاحياتها ضمن دستور الدولة وتختلف من دولة إلى أخرى – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض شريف عبدالسلام الجعار.
في البداية - بشكل عام فإن المحكمة الدستورية هي صاحبة القول الفصل بتوافق أي قرار أو مرسوم أو قانون أو حكم قضائي مع الدستور الذي هو التشريع الأعلى في البلاد، ولا يجوز مخالفته وللمحكمة الدستورية العليا أنشطتها في المجال الدولي، كعضويتها في اتحاد المحاكم والمجالس الدستورية العليا، وكونها عضوًا مراقبًا في اتحاد المحاكم والمجالس الدستورية الأوروبية، وكذلك عضوًا مراقبًا لاتحاد المحاكم الدستورية لدول أمريكا اللاتينية، وأحكام المحكمة الدستورية ملزمة لجميع مؤسسات الدولة، فيما تصدره من أحكام بشأن القوانين بعدم دستورية مادة قانونية أو فقرة فى مادة قانونية أو تقر بدستورية مادة أو فقرة فى مادة قانونية من قانون معين – وفقا لـ"الجعار".
المحكمة الدستورية هي صاحبة القول الفصل
وعلى هذا نصت المادة 195 من الدستور المصرى، وللمحكمة أن تحدد وقت سريان الحكم حيث أن أحكام المحكمة الدستورية العليا لها خصوصية فى تحديد وقت سريان الحكم، فلها أن تنص فى حكمها على أن الحكم يطبق بأثر رجعى، ولها أيضا أن تنص فى حكمها على أن الحكم يسرى ويصبح نافذا بعد وقت مستقبلى، ولكن هناك لبس يقع فيه بعض العامة والغير متخصصين من الناس، حيث يظنون أن أحكام المحكمه الدستورية تقضى على المؤسسة التشريعية بتنفيذ تشريع معين فى مجال معين، وهذا خطأ شائع حيث أن هناك مبدأ نص عليه الدستور المصرى فى المادة الخامسة منه، وهو الفصل بين السلطات بمعنى أن السلطة القضائية لا تتعدى على السلطة التشريعية، وكذلك السلطة التنفيذية – الكلام لـ"الجعار".
وبإسقاط هذا على نص الحكم فى القضية رقم 24 لسنة 20 قضائية، الصادر بجلسة 9 نوفمبر 2024 الخاص بعدم ثبات القيمة الإيجارية فى قانون 136 لسنة 1981 الخاص بتأجير الأماكن، فإن هذا الحكم حدد نطاق سريانه بعد انتهاء دور انعقاد مجلس النواب الحالى فى مايو القادم، وهذا لا يعنى أنه يلزم المجلس بإصدار تشريع، ولكنه ينصح المجلس بإصدار تشريع ليسد به احتياج المواطنين، ولكن المجلس لو لم يسعفه الوقت لإصدار هذا التشريع سيصبح الحكم نافذا فى تاريخه، ويلجأ المتضرر للقضاء طالبا الحكم بزيادة الأجرة، وستحول القضية للدائرة المختصة بالمحاكم العادية، ومن ثم يتم تداولها فى الجلسات وللقاضى أن يحولها لخبير أو يقضى بسلطته التقديرية وفق أخر ربط قيمة إيجارية قانونية تم ربطها بواسطة لجان تقدير الأجرة – هكذا يقول الخبير القانوني.
خبير يوضح علاقة المحكمة بقوانين الإيجار
ويضيف: وحيث أن حكم الدستورية فى القضية رقم 24 لسنة 20 قضائية، المقضى فيها بتاريخ 9 نوفمبر الماضى قضت بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة الأولى فى القانون 136 لسنة 1981، ولكنها أقرت بدستورية المادة الخامسة، والتى تجيز للمستأجر فى حال فرض أجرة عالية أو مجحفة أن يطعن فيها ويتظلم منها، وحيث أن هذا الحكم قضى بعدم ثبات أجره الأماكن غير السكنية، فإنه فى حالة أنه لم يتسع الوقت للمجلس إصدار تشريع ينظم هذه المسألة، فسيلجأ كما أوضحنا المتضرر إلى القضاء، ولكن على الجميع أن يفهم أن القضاء لن يحقق أحلام، ولكنه سيقضى بالقانون ووفق المعايير والضوابط التى عليها يجوز زيادة الأجرة.
لو فرضنا مثلا – طبقا لـ"الجعار" - أن المؤجر رفع دعوى زيادة الأجرة وفق حكم الدستورية سالف الذكر، وطلب فيها أجرة مثلا تقدر بزيادة مجحفة، فسوف تتعرض الدعوى للرفض لأن الطلب خارج نطاق وسياق القانون أما لو طلب بزيادة 1% و2% بالمقترنة بالأماكن لغير غرض السكنى كما قرره قانون 6 لسنة 1997 فى هذه الحالة ستكون الدعوى محل اعتبار ونظر من القاضى وتحول إلى خبير لتحديد القيمة الأجرة القانونية التى تم ربطها بأخر لجنة تقدير أجرة، وعلى أساسها يتم الزيادة قياسا بالأماكن الغير سكنية.
يتساءل ملايين المؤجرين والمستأجرين بنظام قانون الإيجارات القديم
يتساءل ملايين المؤجرين والمستأجرين بنظام قانون الإيجارات القديم، عن مدى إلزام مؤسسات الدولة ومجلس النواب، بتنفيذ وتطبيق حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة أمس السبت، والذى قضى ببطلان ثبات أجرة الإيجار القديم للشقق والأماكن السكنية، وضرورة إصدار تشريع يسمح برفع القمية الإيجارية.
وفقا لنص المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا، فإن أحكام المحكمة في الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة، وتنشر الأحكام والقرارات المشار إليها في الفقرة السابقة في الجريدة الرسمية وبغير مصروفات خلال خمسة عشر يوما على الأكثر من تاريخ صدورها.
الأثار المترتبة على عدم دستورية الحكم أو القانون أو اللائحة
ويترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم ما لم يحدد الحكم لذلك تاريخاً آخر، على أن الحكم بعدم دستورية نص ضريبي لا يكون له في جميع الأحوال إلا أثر مباشر، وذلك دون إخلال باستفادة المدعي من الحكم الصادر بعدم دستورية هذا النص، فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنص جنائي تعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة استنادا إلى ذلك النص كأن لم تكن، ويقوم رئيس هيئة المفوضين بتبليغ النائب العام بالحكم فور النطق به لإجراء مقتضاه.
يذكر أن حكم المحكمة الدستورية العليا، القاضى بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين 1 و2 من القانون رقم 136 لسنة 1981، بشأن حظر رفع الزيادة السنوية للايجار القديم عن 7% من قيمة الأرض وقت الترخيص وتكلفة البناء وقت الإنشاء، منح السلطة التشريعية الممثلة فى مجلس النواب مدة تجاوز ال8 أشهر لتنفيذ الحكم والا تكون المادة المطعون عليها كأن لم تكن ويجوز للملاك إقامة دعاوى طرد ضد المستأجرين، وأشارت حيثيات حكم الدستورية إلى أن الحكم ينفذ من اليوم التالى لانتهاء دور الانعقاد العادي الحالى لمجلس النواب، وهى مهلة كبيرة حتى يتمكن المشرع من إيجاد بدائل افضل لتعديل المادتين.