الواقع والحقيقة يؤكدان أن الأسماء ليست مجرد وسيلة تعريف، إنما هي جزء أساسي من الهوية الإنسانية، وذلك من منظور علم النفس، وكذا علم الاجتماع، حيث تؤثر الأسماء على طريقة تفكير الشخص في ذاته، وعلى كيفية تعامل الآخرين معه، فالأسماء هي أول انطباع نأخذه عن شخص ما، ويعتبر علماء النفس أن الأسماء تؤثر على توقعاتنا وسلوكياتنا تجاه الآخرين، يُعرف هذا التأثير بتأثير الاسم "Name Effect" الذي يظهر في طريقة تفاعل المجتمع مع الأفراد بناءً على أسمائهم التي بسببها تتشكل هوية الإنسان.
وتشير أبحاث ودراسات علم النفس الاجتماعي إلى أن الأسماء يمكن أن تؤثر على القرارات اللاواعية، فالأشخاص يميلون إلى تشكيل انطباعات أولية بناءً على الأسماء، مما قد يؤثر على الفرص التعليمية والمهنية وحتى العلاقات الشخصية، ومؤخرا هناك العديد من الكتب تصدر لهدف واحد فقط، وهو تجميع أكبر كمية ممكنة من أسماء البشر في كتاب واحد، بهدف أن يكون هذا الكتاب عونا للآباء في اختيار اسم لطفلهم القادم، ويبحث الآباء عادة في هذا الأمر من الشهر الأول للحمل، ما يشير معه إلى مدى أهمية هذا الأمر لدى الشعوب والمجتمعات والأسر.
مسؤولية الاسم في تشكيل هوية الإنسان
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في مسؤولية "الاسم" في تشكيل هوية الإنسان، حيث نلاحظ في الأجيال الحديثة اختيار بعض الأسماء المعقدة بعض الشيء، والتي غالبا ما تكون معانيها ومدلولاتها غير واضحة، وهذا الاهتمام باختيار الاسم قد يبدو مبالغا فيه أحيانا، لكن اختيار الاسم ربما يكون أكثر أهمية مما نحن نعتقد، ليس من زاوية الفرادة أو الغرابة كما يميل الكثيرون لفعله اليوم، ولكن لأن اسم الطفل قد يكون له دور في تشكيل هوية الإنسان خلال طفولته وحتى بعد نضوجه - بحسب أستاذ القانون الجنائى والخبير القانوني الدولى محمد أسعد العزاوي.
بادئ ذي بدء، وأثناء تصفحي لمواقع التواصل الاجتماعي مر علي مقال جميل جداً للأستاذ المساعد الدكتور صداع دحام الدليمي والذي يحمل عنوان "مسؤولية الاسم اسم الإنسان"، ويناقش فيه فكرة أن الأسم ليس مجرد لقب، بل مسؤولية تحمل أبعادًا شخصية ودينية وقانونية وتاريخية، وقد انطلق من وصية أم لابنتها تقول فيها: "اسمك مسؤولية فكوني قدر هذه المسؤولية"، مؤكدًا أن من يحمل اسمًا مقدسًا أو ذا مكانة يجب أن يكون على قدر هذه المكانة بسلوكه وأفعاله، وأن يحترم قدسية الاسم الذي يحمله – وفقا لـ"العزاوى".
عقوبة سلب الإنسان من اسمه
وفي ضوء ذلك وبغية التوسع أكثر في هذا الموضوع، حيث يُعد الأسم أول عنصر تتلقّاه شخصية الإنسان عند ولادته، فهو المفتاح الذي يُدخل الفرد إلى فضاء المجتمع، والوسم الذي يُعرّف به طيلة حياته، وفي الحقيقة لاسم الإنسان قيمة كبيرة لدرجة أن سلب الاسم طالما استُخدم قديما عقابا ضد مرتكبي الأعمال الشائنة والمزرية، وتعود جذور هذا الأمر إلى الحضارة المصرية القديمة، حيث كان الشخص الملعون أو المكروه من المجتمع يُحرم من اسمه، فلا يناديه به أحد، باعتبارها وسيلة للعقاب، وكأنهم بهذا الفعل لا يسلبونه اسمه فقط، بل يسلبونه هويته أيضا – الكلام لـ"العزاوى".
كما إنّ الاسم ليس مجرّد علامة لتمييز الأفراد، بل هو عنصر مركزي في تشكيل الهوية الفردية والاجتماعية، وله تبعات نفسية وثقافية وسلوكية، لذلك، يُطرح السؤال: ما مدى مسؤولية الاسم في التأثير على الإنسان وهويته؟ وهل يتحمّل المجتمع أو الأهل مسؤولية اختيار هذا الاسم؟ وفي نفس السياق سنتحدث في هذا المقال أكثر والذي أرتأينا أن نقسمهُ إلى أربعة مطالب حيث سنتحدث فيه في المطلب الأول عن الاسم كمعطى اجتماعي، بينما سنتطرق في المطلب الثاني عن الأثر النفسي للاسم، أما في المطلب الثالث، فسنتكلم عن الأسم والهوية القانونية والاجتماعية، أما المطلب الرابع فسنتكلم فيه عن مسؤولية التسمية – طبقا لأستاذ القانون الجنائى الدولى.
المطلب الأول: الاسم كمعطى اجتماعي
من منظور سوسيولوجي، الاسم ليس اختيارًا فرديًا، بل هو انعكاس للبنية الثقافية والاجتماعية التي ينتمي إليها الإنسان، فالأسرة، عند اختيارها لاسم المولود، غالبًا ما تستند إلى مرجعيات دينية، تاريخية، طبقية أو حتى عاطفية، وبالتالي، فإن الاسم يُحمَّل منذ البداية بمعانٍ تتجاوز الفرد ليعكس تصورات المجتمع وقيمه – هكذا يقول "العزاوى".
المطلب الثاني: الأثر النفسي للاسم
تشير الدراسات النفسية إلى أنّ للاسم تأثيرًا ملحوظًا على تشكيل صورة الإنسان عن ذاته، فالأسماء النادرة أو ذات الإيحاءات السلبية قد تكون سببًا في شعور الفرد بالاختلاف أو حتى بالنقص، في حين تمنح الأسماء الشائعة أو المحبوبة شعورًا بالقبول والطمأنينة، كما أن التنمر المرتبط بالأسماء في مراحل الطفولة والمراهقة قد يترك آثارًا نفسية طويلة الأمد – طبقا للخبير القانونى.
المطلب الثالث: الاسم والهوية القانونية والاجتماعية
على المستوى القانوني، يُعد الاسم جزءًا لا يتجزأ من الهوية القانونية للإنسان، ومن خلاله تُستصدر الوثائق الرسمية، وتُبنى المعاملات الإدارية والحقوقية - أما على الصعيد الاجتماعي - فإن الاسم قد يكون عاملاً في التمييز أو التصنيف، لاسيما في المجتمعات التي ترتبط فيها الأسماء بانتماءات دينية أو إثنية أو طبقية.
المطلب الرابع: مسؤولية التسمية
تتحمّل الأسرة بالدرجة الأولى مسؤولية اختيار اسم يتناسب مع ثقافة المجتمع، ويُراعي أبعاد الهوية النفسية والاجتماعية والدينية للفرد، كما تتحمّل المؤسسات القانونية والدينية دورًا في تنظيم عمليات التسمية بما يحقق التوازن بين حرية الاختيار والمصلحة العامة.
خلاصة القول:
وفى الختام يقول "العزاوى": الاسم ليس مجرّد صوت يُنادى به الإنسان، بل هو بنية لغوية وثقافية تنطوي على دلالات عميقة تؤثر في تشكيل هويته وشخصيته، ومن هنا تبرز مسؤولية التسمية بوصفها مسؤولية أخلاقية وثقافية واجتماعية، ومن الضروري تعميق الوعي المجتمعي بهذه المسؤولية لضمان بناء هويات إنسانية سليمة، منفتحة ومتوازنة.