لماذا يحاسبنا الله وقد كتب كل شيء؟ سؤال أجاب عنه الدكتور محمد داود، أستاذ الشريعة بجامعة قناة السويس، والمشرف العام على موسوعة بيان الإسلام، في كتابه "لماذا؟"، وهو كتـاب محـاولة لبناء الوعـي والإجابة عن السؤال: لماذا؟، وجاء الرد كالآتى: لقـد صرَّحـت آيات القرآن الكريم بأن الإنسان مخيَّر، قال الله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ} [الكهف: 29]، وما دمت حُرًّا فأنت مسئول عن اختيارك، وأما بشأن كتابة الله تعالى على العبد، فهي كتابة علمٍ مُسْبَقٍ من الإله، بطلاقة علمه وإحاطته بما يحدث في المستقبل، يعني هي كتابة علم وليست كتابة جَبْر وإلزام.
سنن إلهية:
هناك أمور لم يصدر فيها أمر (افعل) أو (لا تفعل)، وهذه من عند الله تعالى، مثل: مـا فـي الإنسان مـن قوانين الحيوانية أو النباتية أو الجمادية، يعني الإنسان إذا ما أُلقى بـه مـن مكـان عالٍ مـن فوق برج مثلًا سيسقط، لن يأتي عند الدور العاشر مثلًا ويقول: إلى هنا ولن أسقط.. لن يتوقف وسيسقط.
فهناك سنن وقوانين إلهية تحكم الجمادات كالجاذبية ونحو ذلك، وهذه القوانين ستتحكم فىه دون إرادة منه، كذلك خاصية النمو التي تكون في النبات.
هـل الإنسـان عنـد عمر العشـرين مثلًا يقول: أنا سأظل عند هذه السن ولن أتخطاه؟! الجواب قطعًا لا، لن يحدث وسيظل ينمو؛ لأن سُنَّة النمو ستجري عليه، فهذه الأمور ليس فيها أمر، وليس فيها نهي، لأنه ليس لـك فيها اختيار.
فمنطقة الاختيار فيما فيه تكليف (افعل ولا تفعل) أمر ونهي، يعني لـه قدرة الفعل والترك.
هـذه المنطقة كتابـة الله تعالـى فيهـا علـى الإنسان كتابة علم؛ لإحاطة علم الله تعالى، وليست من قبيل الجبر أو الإلزام.
• مثال للتقريب:
ويتمثل ذلك فـي تـوقع المدرس عندما يقال له: كم عندك من الطلبة والتلاميذ؟ ماذا تتوقع لهم فـي الامتحان هذا العام؟ فيقول: عندي الطالب فلان هو ممتاز، وفلان وفلان جيِّد جدًّا، وفلان جيد، وتأتي النتيجة وفق توقع الأستاذ.
هل الأستاذ قال لمن رسب: أرسب، وأجبره على الرسوب؟
والجواب: لا.
إذًا التوقع علم وليس جبرًا ولا إلزامًا.
الأمـر الثاني: الآن عندنـا علـم التنبؤات وعلم التوقعات فـي أمور المستقبل، مثل علم الأرصاد الجوية، فالطائرات تسير على إرشادات هذا العلم، والطائرة قبل أن تطير تستطلع وتسأل: هل هذه المنطقة آمنة أوْ لَا؟ والأرصاد تجيب.
فـإذا كان في مقدور البشـر توقع المستقبل الذي ليس منا ببعيد بهذه الدقة، فما بالنا بالخالق العليم بكل شيء.
إذن ما كتبه الله تعالى هو سبق علم؛ لأنه علام الغيوب، ويعلم ما سوف تعمله، لكنه لم يجبرك ولم يلزمك بهذا الشـر، بل نهاك عنه، فهي كتابة سبق علم وليست كتابة جبر وإلزام، فالمسئولية عليك، ولله طلاقة القدرة.
• وقد يقول قائـل: إن الرزق في هذه الحالة مقدَّر وهذا قد يدعوني إلى التواكـل وإلـى عـدم الأخـذ بالأسباب؛ لأنـه إذا كان رزقي مقدورًا فسيظل مقدورًا، عملت أم لم أعمل.
والجواب: لا، بـل لك حسـاب علـى مـا تعمل، ولقد شاءت إرادة الخـالق أن تكون هذه الدنيا كلها قائمة على الأسباب، فمن اتبع الأسباب وأحسنها وأجادها فقد أحسن التوكل على الله ، وسوف يفيده هذا التوكل عونًا من الله ، وتوفيقًا من لدنه.
وقد نسمع بعضهم يقول: إذا كان ربنا كتب علىَّ أن أعصـي فأنا عاصٍ. والجواب: لماذا لا تقول: ربنا كتب عليك الطاعة؟ مـا الذي أعلمك أنه كتب عليك المعصية؟ ولمـاذا قـدرت الشـرَّ علـى نفسك؟ إن كنت تقدِّر فقدر الخير يا عزيزي، وفى الحديث القدسي، يقول الله تعالى: «أنـا عِـنْدَ ظَـنِّ عَبْـدِي بـي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِـي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَـرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًـا تَقَـرَّبْتُ إلَيْـهِ بـاعًا، وإنْ أتـانِـي يَمْشِـي أتَيْتُـهُ هَرْوَلَةً» [صحيح البخاري / 7405] من حديث أبي هريرة .
يعني كن إيجابيًّا حتى في ظنك، كن إيجابيًّا في تفكيرك لِتَرَى الخير.واعلم أن الله هو الذي خلق ويعلم كل شيء،وحـريتك مـوجـودة ومكفـولة، ومـا دمـت حـرًّا فعليك أن تتحمل المسؤولية، أنت حر فأنت مسؤول عن اختيارك، وعلى أساس المسئولية يكون الحساب والثواب والعقاب.