نقلاً عن العدد اليومى
- هل ورط وزير الشباب الحكومة بالخطاب 8293 واختلق أزمة للحصول على وثيقة تبرئ ساحته؟
- وضع الوزير الحالى يحتاج رأى قسم الفتوى بمجلس الدولة فى ضوء خلاف الوزير والحكومة
- وجود «عبدالعزيز» منذ مارس 2015 يخالف نصوص وضوابط 4 قرارات جمهورية سابقة
- لعبة وزير الرياضة تهدد انتخابات الأهلى ومستحقات لاعبى الزمالك
هل يعلم المهندس خالد عبدالعزيز، أنه يمارس مهام وزير الشباب والرياضة، باختصاصات وصلاحيات وولاية كاملة على قطاعى الشباب والرياضة، دون صفة أو موقف قانونى سليم، ويرضى بالأمر؟ أم أن الوزير حاول فى مرحلة ما من عمر وجوده فى منصبه أن يحرج الحكومة قانونيًا ويضعها فى مأزق سياسى وتشريعى دون مبرر؟
السؤالان السابقان على ما يبدو فيهما من غرابة أولية، هما أول ما يتبادر للذهن حينما يُفاجأ الباحث فى ملفات المهندس خالد عبدالعزيز، وكشف حسابه فى وزارة الشباب والرياضة، بأن الوزير بنفسه طعن فى قانونية وجوده فى منصبه، وممارسته للصلاحيات والمهام التنفيذية المخولة له، وطوّر الأمر لمخاطبة الحكومة بهذا الطعن، ومطالبتها باستصدار قرار جمهورى لتوفيق ما يرى أنه وضع «غير قانونى» لاستمرار حمله الحقيبة الوزارية، وما يدعم تفسير الأمر باعتباره اختلاقا لمأزق قانونى للحكومة، أو تصديرًا لمأزقه الشخصى لها، أنه لم يلحظ الأمر، ولم يتحدث عنه إلا بعد ما يقرب من سنة على توليه المنصب، ثم عاد وصمت عنه قرابة ثلاث سنوات، وكأنه لا يعنيه الوضع القانونى إلا بقدر ما يسبب اضطرابا وإرباكا لمجلس الوزراء، وحينما تأكد أنه لا اضطراب ولا إرباك فى الأمر، لاذ بالصمت ثانية، مستمتعا بممارسة اختصاصات يرى هو نفسه أنه لا يحق له ممارساتها، فهل لو كانت غاية الوزير وجه القانون حسبما يراه ويوقن صحته، ألم يكن واجبا عليه طلب استصدار فتوى من الجهات المختصة بسلامة موقفه؟ وهل يكون خطاب الوزير مجرد محاولة ركيكة لتأمين موقفه، حسب تصوره، وامتلاك ورقة ممهورة بخاتم مجلس الوزراء، لإخلاء مسؤوليته عن أربع سنوات من ممارسة صلاحيات تنفيذية لا يملك مسوغا قانونيا لممارستها؟
الأسئلة فى هذا المقام كثيرة ومتشعبة ومربكة، وأغلبها–إن لم يكن جميعها–يدين المهندس خالد عبدالعزيز إدانة صريحة ومباشرة، وحتى لا يظل الأمر نقاشا عموميا غير واضح التفاصيل، دعونا نقترب من الملف، وسقطة وزير الشباب والرياضة القانونية.
اختصاصات بدون صاحب
تعود حكاية سقطة المهندس خالد عبدالعزيز، لخطاب برقم 8293 مؤرخ بأول يناير 2015، بعد عدة شهور من تولى «عبدالعزيز» منصبه وأداء اليمين القانونية وزيرا للشباب والرياضة بموجب قرار جمهورى صادر فى يونيو 2014، والخطاب الموجه للواء عمرو عبدالمنعم، الأمين العام السابق لمجلس الوزراء، بتوقيع المهندس خالد عبدالعزيز، يطالب الحكومة بالعمل على استصدار قرار جمهورى، إلحاقا بالقرار رقم 189 لسنة 2014 بتشكيل الحكومة، متضمنا اسمه وزيرا للشباب والرياضة، وفى ضوء قوانين وقرارات جمهورية سابقة، بتعديل بعض النصوص القانونية، لإحلال وصف «وزير الشباب والرياضة» محل وصفى «وزير الدولة لشؤون الشباب» و«وزير الدولة لشؤون الرياضة»، وأرفق عبدالعزيز بمقترحه مشروعا للقرار الجمهورى الساعى لاستصداره بالصيغة التى يراها توفيقا لوضعه القانونى غير السليم، حسب رؤيته الشخصية وتقييمه للأمر، وذلك فى ضوء ممارسة رئيس الجمهورية لمهام التشريع وقتها، فى غياب المؤسسة التشريعية، مجلس النواب، الذى انتُخب وبدأ ممارسة مهامه عقب هذا التاريخ بشهور.
فى خطابه للأمين العام لمجلس الوزراء، يشير خالد عبدالعزيز لقرارى رئيس الجمهورية رقمى 425 و426 لسنة 2005، بتنظيم المجلس القومى للشباب، وإنشاء المجلس القومى للرياضة، ثم للقرار رقم 90 لسنة 2012 الصادر من الرئيس المعزول محمد مرسى بتشكيل الحكومة، متضمنا تعيين أسامة ياسين وزيرا للدولة لشؤون الشباب، والعامرى فاروق زيرا للدولة لشؤون الرياضة، ثم قراريه رقمى 179 و180 لسنة 2012 بتحديد اختصاصات الوزيرين الجديدين، وتعديل القرارين 425 و426 الصادرين من الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى 2005 بشأن المجلسين القوميين للشباب والرياضة، وخلاصة خطاب الوزير خالد عبدالعزيز أنه يرى حجية القرارات 90 و179 و180 للرئيس المعزول محمد مرسى، ومن ثمّ فإنه لا صفة قانونية لوجوده وزيرا للشباب والرياضة، فى ضوء أن البنية القانونية القائمة بحسب القرارات السارية، غير المعدلة أو الملغاة، تتحدث عن وزيرين لحقيبتين، وليس وزيرا واحدا لحقيبة مدمجة، ما يعنى أن المهندس خالد عبدالعزيز شغل منصبه وحمل حقيبته ومارس مهامه وصلاحياته تسعة شهور كاملة، وهو يرى أنه غير ذى صفة، أو ظل تسعة شهور يبحث عن ثغرة قانونية فى مسألة اختياره حتى توصل لهذه النقطة، وخاطب الحكومة بها، وحصل على رد موثق منها، ثم عاد لممارسة مهامه نفسها وفى جيبه خطاب منه ورد من الحكومة، ربما يراه أمانا له إذا اضطر لإثارة الأزمة أو تصديرها لمجلس الوزراء مجددا.
وزير بصلاحيات غير مستحقة
بحسب المرفقات التى أرسلها المهندس خالد عبدالعزيز، مع خطابه لمجلس الوزراء فى يناير 2015، ينص القراران الجمهوريان رقما 425 و426 لسنة 2015 على تنظيم المجلس القومى للشباب، الذى كان قائما وقتها، وإنشاء المجلس القومى للرياضة، لتكون له الشخصية الاعتبارية ويتولى تنظيم أمور القطاع، على أن يتبع رئيس مجلس الوزراء، ويتشكل من رئيس يعينه رئيس الجمهورية، وأربعة عشر عضوا يعينهم رئيس الوزراء، ويكون لرئيس المجلس والأعضاء ممارسة الصلاحيات والمهام التى تختص بها الوزارة والوزير المختص، وتتبع المجلس هيئة استاد القاهرة، والمركز الرياضى الأوليمبى لتدريب الفرق الرياضية، والمراكز المتخصصة للطب الرياضى.
القراران السابقان جرى تعديلهما لاحقا بموجب القرارين الجمهوريين رقمى 179 و180 لسنة 2012، الصادرين عن مرسى، واللذين حددا اختصاصات وزارتى الدولة لشؤون الشباب وشؤون الرياضة، اللتان حلتا محل مجلسى الشباب والرياضة سالفى الذكر، وأوكلا اختصاصات المجلسين بتشكيلهما السابقين للوزارتين والوزيرين المختصين، ما يعنى أن صيغة المجلسين المختصين بشؤون الشباب وشؤون الرياضة فى 2005، تحولت إلى صيغة الوزيرين المختصين بحقيبتى الشباب والرياضة فى 2012، مع نقل تبعية صندوق التمويل الأهلى لرعاية النشء والشباب والرياضة المشكل وفق القانون 5 لسنة 1981 لرئيس مجلس الوزراء، ليكون بنفسه الوزير المختص بشؤونه اختصاصا مباشرا خارج ولاية وزيرى الشباب والرياضة، وهكذا أصبحت تلك الصورة هى الصيغة النهائية للوضع القانونى والهيكل التنفيذى فى قطاع الشباب والرياضة، إذ لم يصدر قرار جمهورى لاحق، أو قرار بقانون من الرئيس فى ظل تمتعه بسلطة التشريع، أو قانون جديد من مجلس النواب عقب انتخابه وتسلمه مهام التشريع، بما يتضمن تعديل هذه الصيغة لتدمج كل الاختصاصات والصلاحيات الموزعة على وزارتين ووزيرين فى مسمى وشخص «وزير الشباب والرياضة».. وأمام هذه الصورة المركبة والمتداخلة قانونيا وتنفيذيا، يحق لنا التساؤل: ماذا عن الموقف القانونى للمهندس خالد عبدالعزيز؟ وماذا عن أربع سنوات من ممارسته لصلاحيات قال هو نفسه، بموجب خطابه لمجلس الوزراء فى مطلع 2015، إنها تحتاج ضبطا قانونيا، ما يعنى أنه يرى بوضوح أنه لا يحق له ممارستها وفق الوضع القائم، أو أنه يمارسها على وجه غير سليم قانونا؟
هل ورّط عبدالعزيز الحكومة؟
عقب خطاب المهندس خالد عبدالعزيز رقم 8293 لسنة 2015، رد رئيس هيئة مستشارى مجلس الوزراء، المستشار السيد الطحان، بخطاب مؤرخ فى 14 يناير 2015، قال فيه إنه لا صحة لما أورده وزير الشباب والرياضة فى خطابه، إيماء للوضع القانونى للوزير فى ضوء القرارات الجمهورية أرقام 425 و426 لسنة 2005، و90 و179 و180 لسنة 2012.
وقال خطاب هيئة مستشارى مجلس الوزراء نصا عن القرارين 425 و426: «الأحكام الواردة بالقرارين سالفى الذكر كانت نتاجا طبيعيا فى ظل عدم وجود وزارة للشباب والرياضة، وبالتبعية عدم وجود وزير مختص بالشباب والرياضة فى التشكيلات الوزارية المتعاقبة آنذاك»، ويتابع رد مجلس الوزراء القانونى: «صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 179 لسنة 2012 متضمنا منح وزير الدولة لشؤون الشباب جميع سلطات واختصاصات الوزير المختص المنصوص عليها فى قانون الهيئات الرياضية لرعاية الشباب والرياضة، وذلك فيما يخص شؤون الشباب، ونُقلت تبعية المجلس القومى للشباب له، وعُدّل تشكيل هذا المجلس ليصبح برئاسته، كما صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 180 لسنة 2012، متضمنا منح وزير الدولة لشؤون الرياضة جميع سلطات واختصاصات الوزير المختص المنصوص عليها فى قانون الهيئات الرياضية لرعاية الشباب والرياضة، فيما يخص شؤون الرياضة، ونُقلت تبعية المجلس القومى للرياضة له، وعُدّل تشكيل المجلس ليصبح برئاسته».
ويخلص الخطاب إلى أنه «لئن صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 189 لسنة 2014 بتشكيل الوزارة، وقد تضمن دمج وزارتى الشباب والرياضة، إلا أنه لا يوجد ثمة مبرر أو مقتضى لإصدار قرار من السيد رئيس الجمهورية أو من جانب السيد رئيس مجلس الوزراء، باستبدال عبارة وزير الشباب والرياضة بعبارتى وزير الدولة لشؤون الشباب، ووزير الدولة لشؤون الرياضة، الواردتين فى قرارات رئيس الجمهورية أرقام 425 و426 لسنة 2005، و179 و180 لسنة 2012 السالف بيانها، ولا سيما أن سيادته بصفته وزيرا للشباب والرياضة، يتمتع بكل السلطات والصلاحيات التى كان يتمتع بها وزير الدولة لشؤون الشباب، وتلك التى خُوّلت لوزير الدولة لشؤون الرياضة، بدون انتقاص، فضلا عن أن سيادته يتبعه المجلسان القوميان للشباب والرياضة، بالإضافة إلى أن سيادته يُعد رئيسا لهما، وهذا كله بموجب قرارى رئيس الجمهورية 179 و180 لسنة 2013، وبناء عليه لا يحتاج الأمر إلى استصدار ثمة قرار على النحو الذى يطلبه السيد المهندس وزير الشباب والرياضة».
العبارة التى اختتم بها رئيس هيئة مستشارى مجلس الوزراء، المستشار السيد الطحان، رده على خطاب وزير الشباب والرياضة، تثير تساؤلا مهما حول رؤية الحكومة للوزير، فى ضوء طلبه أمرا لا وجه له كما رأى مستشاروها وخبراؤها القانونيون، وليس فى الأمر تجاوز لو قال قائل إن هذا الرد يضع علامات استفهام فى آخر حديث الوزير، أهمها: هل استهدف «عبدالعزيز» من خطابه أمرا أبعد من الهدف الظاهر المتمثل فى الوضع التنفيذى والتكييف القانونى؟ وهل استعان الوزير فى إعداد هذا التصور بقانونين من خارج الوزارة؟ أم أن الشؤون القانونية فى وزارة الشباب لا تنسجم مع الرؤية القانونية للحكومة، أو حاولت إرضاء الوزير باصطناع خلاف فى القراءة القانونية والتفسير التنفيذى للنصوص؟ ولكن الأهم بجانب هذا الأسئلة وغيرها، ما يحمله الموقف من مساس بصلاحية الوزير وسلامة موقفه، ليس على ميزان القانون، وإنما على ميزان الجدارة والخبرة والكفاءة، إذ يحق للناظر فى مثل هذا الأمر، ولا لوم عليه، أن يبحث عن التقييم السياسى والتنفيذى فى دوائر مجلس الوزراء للمهندس خالد عبدالعزيز عقب ترنحه وفقدان اتزانه القانونى، فالموقف بكامله ربما يُوجب الشك فى كفاءة معرفته القانونية، وكفاءة هيئته الاستشارية، أو فى النوايا التى يوظف معرفته وأعضاء هيئته لتحقيقها، أو بمعنى أوضح، يصبح من الجائز عقب هذا الموقف أن يشك المهتمون والمختصون والمتعاملون مع وزارة الشباب والرياضة، والقيادات التنفيذية الكبرى أيضا، فى سلامة وقانونية مواقف الوزير وقراراته وتحركاته وإدارته لدولاب العمل بالديوان العام، وبالجهات والمؤسسات التابعة أو المشتبكة مع الوزارة، خاصة أن الوزير ومعاونيه القانونيين أثبتوا عدم معرفة جيدة بالنصوص الأولية المنظمة لوجودهم ومنطلقات عملهم، أى شككوا فى هوياتهم وصفاتهم وليس فى تفاصيل فرعية تخص الأداء اليومى، ومن المتوقع فى ظل هذه المعرفة المحدودة أن تكون أعمال الإدارة اليومية للأنشطة والفعاليات والميزانيات والقرارات والخطط والمكاتبات، معرضة لسيولة القراءة القانونية، أو ضحالة تفسير التشريعات والقرارات الجمهورية، بالشكل الذى تضمنه خطاب الوزير لمجلس الوزراء، وقطع مستشارو المجلس الأجلاء بخطئه وأنه لا وجه له من القانون، كما فصّل الأمر المستشار الطحان فى ردّه.
وسط هذه الغابة من التعقيدات، فإن السؤال الجوهرى الذى ينتصب فى وجه المهندس خالد عبدالعزيز، فى ضوء خطابه لمجلس الوزراء، ورد هيئة مستشارى المجلس، هو هل تحرك وزير الشباب والرياضة بدافع من اهتمام حقيقى بوضعه القانونى، ومن ثمّ سلامة موقف الحكومة؟ أم كان يستهدف صنع مأزق لمجلس الوزراء؟ وبدون أى تفتيش فى النوايا، فإن موقف الوزير من الأمر يثير عددا من الأسئلة المحاطة بالشبهات، أولا لأنه مارس اختصاصاته منذ أداء اليمين أمام الرئيس فى 2014، حتى يناير 2015، دون اهتمام أو وقوف على مسألة سلامة موقفه القانونى، ثم أثار الأمر فى خطاب لمجلس الوزراء، وعاد للصمت بعدها بخمسة عشر يوما، عقب حصوله على خطاب رسمى من مجلس الوزراء، ربما يراه هو نفسه مستندا صالحا لتبرئة ساحته من الاتهام بممارسة صلاحيات غير مخوّلة له، أو الطعن على قراراته أمام القضاء فى ضوء الصراعات العديدة التى يدخلها، ورغم أهمية المسألة، وشكّ الوزير فى سلامة موقفه، لم يتابع الأمر، ولم يهتم باستطلاع رأى قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة وقتها، أو مطالبة الحكومة بمخاطبته، أو استطلاع رأى مجلس النواب ووضع الأمر أمامه عقب تشكيله قبل أكثر من سنتين، وكأن الوزير كان يمارس لعبة مع مجلس الوزراء، مجرد لعبة ومناورة قانونية هدفها توثيق الرأى والرد بمكاتبات رسمية، أكثر من اهتمامه بسلامة موقفه وتحصين الحكومة.
وزير لا يعترف به القانون
المنطق فى مسألة خطاب وزير الشباب والرياضة لمجلس الوزراء، بشأن الحاجة لقرار جمهورى لضبط الوضع القانونى للوزارة والوزير، ليس قراءة شخصية ولا اجتهادا فرديا من المهندس خالد عبدالعزيز، والأوقع أن الخطاب بما يتضمنه من رأى وتأسيس قانونى هو خلاصة رأى الشؤون القانونية والمستشارين القانونيين لوزارة الشباب والرياضة، أو مستشارين آخرين من الخارج استعان بهم الوزير بشكل شخصى، وعلى الجانب المقابل فإن رد الحكومة يستند لرأى هيئة مستشارى مجلس الوزراء، التى تضم باقة من المستشارين والقانونيين المعتبرين، أى أننا أمام رؤيتين متعارضتين صادرتين فى الغالب عن قانونيين متخصصين من داخل بنية الحكومة نفسها، وهو الأمر الذى كان يُوجب اللجوء لجهة فصل تكشف الغامض وتفسّر المجمل، سواء كان قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، أو مجلس النواب ولجنته الدستورية والتشريعية، وهو ما لم يحدث، إذ يبدو أن المهندس خالد عبدالعزيز اكتفى بالخطابات وبإثارة الأمر و«تسجيل بُنط» على الحكومة حسب وجهة نظره.
الآن، وبحسب الصيغة العملية، فإن لدينا وزيرا للشباب والرياضة، يتولى إدارة شؤون قطاعى الشباب والرياضة باختصاصات وصلاحيات كاملة، وتتبعه كل الجهات والهيئات والإدارات التابعة للقطاعين، بينما بحسب الصيغة القانونية القائمة التى أشار إليها «عبدالعزيز» نفسه، لدينا وزيران للدولة أحدهما للشباب والآخر للرياضة، إضافة لصندوق التمويل الأهلى لرعاية النشء والشباب والرياضة التابع لرئيس مجلس الوزراء، الذى يتولى بصفته مهام الوزير المختص بشؤونه، أى أن المهندس خالد عبدالعزيز بصفة واحدة «وزير الشباب والرياضة»، يمارس عمليا مهام وزيرين «شؤون الشباب وشؤون الرياضة»، إضافة لرئيس مجلس الوزراء «الوزير المختص بشؤون صندوق التمويل الأهلى لرعاية النشء والشباب والرياضة».
رغم وضوح الأمر وما يتضمنه من ثغرات، وما يثيره من ملاحظات حول المهندس خالد عبدالعزيز وموقفه وخطابه وأدائه وقانونية شغله لمنصبه، حاولنا التماس الوجه القانونى للأمر، عبر أحد فقهاء الدستور والقانون، الذى كان تعليقه الأول عقب عرض الأمر بتفاصيله عليه، القول: «القانون لا يعترف بوزير الشباب والرياضة».
ويقول الفقيه القانونى والدستورى «تحفظ على تعيين هويته» إن الموقف القانونى الحالى لوزير الشباب والرياضة غير سليم، ووفق النصوص القائمة وتوصيف الاختصاصات التنفيذية والوظيفية، فإن الوزير الحالى يمارس صلاحيات لا تحق له بنص القانون، والصفة الاعتبارية التى يحوزها الوزير بموجب النص المحدد لمجال ولايته الوظيفية، لا تُجيز له إجراء صلاحياته فى الهيئات والجهات التابعة لوزارتى الدولة لشؤون الشباب وشؤون الرياضة السابقتين، إذ ما زال الاختصاص معقودا لوزيرى شؤون الشباب وشؤون الرياضة، وهما شخصان اعتباريان يختلفان تماما عن «وزير الشباب والرياضة».
وأكد الفقيه القانونى فى تفنيده للأمر، أن القرار الجمهورى رقم 189 لسنة 2014 الصادر بتشكيل الحكومة، تضمن تعيين وزير للشباب والرياضة، دامجا منصبى وزيرى شؤون الشباب وشؤون الرياضة، ولكن لم يتبعه تعديل القرارين الجمهوريين رقمى 179 و180 لسنة 2012، بشأن تعديل القرارين الجمهوريين 425 و426 لسنة 2005 وتحديد اختصاصات وزيرى شؤون الشباب والرياضة، وبحسب هذه البنية القانونية المركبة فإن وجود المهندس خالد عبدالعزيز فى منصبه كوزير للشباب والرياضة صحيح قانونا، إعمالا لحق رئيس الجمهورية صاحب القرار الجمهورى 189 لسنة 2014 فى وضع هيكل الحكومة وتشكيلها، ولكن هذا الوجود غير مشمول بأى صلاحيات، لأن الاختصاصات التنفيذية فيما يخص الشباب والرياضة ما زالت معقودة للوزيرين المنصوص عليهما فى القرار 90 لسنة 2012، والمحددة اختصاصاتهما بالقرارين 179 و180 لسنة 2012.
واختتم الفقيه القانونى حديثه بتأكيد أنه لا صفة قانونية مطلقا لوزير الشباب والرياضة فى ممارسة أى من الاختصاصات المنعقدة لوزيرى شؤون الشباب وشؤون الرياضة، والوزير المختص بشؤون صندوق التمويل الأهلى لرعاية النشء والشباب والرياضة، ويمثله رئيس مجلس الوزراء بصفته، وأن أى قرار صادر عن وزير الشباب والرياضة الحالى بشأن القطاعات المذكورة مطعون فى قانونيته، ويسهل رده أمام الجهات القضائية، أو هو مردود من الأصل بقوة القانون ونصوص القرارات الجمهورية التى لها حجية القانون، لأن ممارسات الوزير بوضعه القانونى القائم مجرد قرارات تنفيذية صادرة من غير جهة الولاية، ومن شخص غير ذى اختصاص بكل الوجوه والسبل، وهو ما يهدد دولاب عمل وزارة الشباب والرياضة طوال السنوات الأربع الماضية، ويتوقف الأمر على اتخاذ موقف قانونى من أى من أصحاب المصلحة المضارين من ممارسة الوزير الحالى لسلطات وصلاحيات لا يحق له ممارستها، ويقطع المنطق القانونى بأن ما ترتب على هذه الممارسة من أفعال منشئة للالتزام، أو قرارات إدارية لها صيغة التسيير العادى، هى والعدم سواء.
أسئلة عبدالعزيز الخطرة
وسط الاشتباك الذى يبدو ظاهريا كأنه أمر داخلى يخص الحكومة وبنيتها ورؤاها القانونية، تُثار أسئلة خطرة ومزعجة بدرجة كبيرة، تتأسس على موقف وزير الشباب والرياضة القانونى، ورأيه هو نفسه فى سلامة هذا الموقف.
خلال السنوات التى أدار فيها «عبدالعزيز» دولاب العمل فى وزارة الشباب والرياضة، اشتبك مع عشرات الملفات والموضوعات الحيوية، بين قرارات وخطط تنفيذية لمشروعات واعتمادات مالية وبروتوكولات تعاون، وتحركات على أصعدة الرياضة الأوليمبية والاتحاد الرياضية والنوادى الشعبية، شهد كثير منها خطوات مهمة، إيجابية أو سلبية، أصبحت كلها الآن فى مرمى الخطر.
حتى تبدو الصورة واضحة بدرجة كافية، يمكن تلخيص المشهد المركب فى اثنين من أبرز المواقف التى اتخذها المهندس خالد عبدالعزيز فى سنوات حمله لحقيبة الشباب والرياضة، أولهما قراره فى فبراير 2017 بتعيين محمود طاهر رئيسا لمجلس إدارة النادى الأهلى، بكامل تشكيل مجلسه، عقب صدور حكم ببطلان انتخابات النادى وحل مجلس الإدارة، وحال عدم سلامة موقف الوزير فإن هذا الأمر ينال بشكل مباشر من قراره بتعيين طاهر ومجلسه لإدارة الأهلى، باعتباره قرارا صادرا عن غير ذى صفة، وبينما يبدو الأمر هامشيا وتافها، فى ضوء أن فترة التعيين انتهت بانتخابات جديدة شهدها النادى، ولم يعد محمود طاهر المعين من الوزير موجودا فى منصبه، فإن الخطورة فى الأمر أن الانتخابات نفسها تصبح وفق هذه الصورة فى مرمى التهديد، أولا لأنها تأسست على قرار تعيين مهدد بالبطلان، أو بشكل أدق بانتفاء صفة منشئه، وثانيا لأن هذا المجلس المعين من غير ذى صفة تولى الدعوة للانتخابات والإشراف عليها، والمنطق القانونى أن «ما بُنى على باطل فهو باطل»، وهذا مكمن الخطورة فى الأمر.
الموقف الثانى يتصل بالصراع الكبير الذى يخوضه وزير الشباب والرياضة مع مجلس إدارة نادى الزمالك، عقب الحجز على أموال النادى وحساباته تنفيذا لحكم لصالح رئيسه السابق ممدوح عباس، وفاء بمديونيته على النادى، المتمثلة فى قرض منحه للزمالك خلال رئاسته له، وذهب لصفقات لاعبين أبرزهم «أجوجو»، وبين شد وجذب وتلاسن بين الوزير خالد عبدالعزيز، ومجلس الزمالك، وحديث رئيس الزمالك عن استهداف الوزير للنادى، والعداء الشخصى له، يتعقد الأمر إذا أصبح الوزير فجأة غير ذى صفة، لأن قراراته بشأن أموال الحسابات واللجنة المالية تصبح مهددة بالبطلان، مع ما ترتب عليها من قرارات تالية بالنفقات السارية والرواتب ومستحقات اللاعبين والجهات الرسمية والأهلية على الزمالك، وهى أموال تُقدر بالملايين، وبجانب أن اهتزاز موقف الوزير يعطل تنفيذ حكم قضائى، فإنه قد يشتمل أيضا على شبهة إهدار مال عام، لو صح الطعن فى موقف الوزير بما يجعل قراراته وما ترتب عليها إنفاقا لأموال النادى بغير وجه حق.
هل ترد الحكومة على لعبة الوزير؟
محصلة الأمر من واقع خطاب وزير الشباب والرياضة قبل 3 سنوات، وممارساته طيلة 4 سنوات، وسعيه لتصدير أزمة لمجلس الوزراء لحين الحصول على خطاب رسمى من المجلس يُخلى مسؤوليته عن الوجود غير القانونى أو ممارسة اختصاصات تنفيذية لا تحق له، أن الوزير لديه شكوك–ربما ترقى لدرجة اليقين الشخصى الذى يُسأل وحده فيه–حول موقفه القانونى، وأنه احتاط فى وجه هذه الشكوك بالتلاعب بمجلس الوزراء لانتزاع خطاب يُؤمّن موقفه، ثم واصل ممارسة المهام التى يرى هو نفسه أنها خارج ولايته، فى مشهد كبير ومصطنع، تلاعب فيه الوزير بالقانون وبمجلس الوزراء، للنفاذ لغاية شخصية حددها بنفسه ورسم طريقها على حساب كل شىء.
الآن، وبسبب لعبة المهندس خالد عبدالعزيز، تقف وزارة الشباب والرياضة بكاملها مهددة فى دولابها التنفيذى وحصيلة خططها وإدارتها وأنشطتها وبرامجها وعلاقاتها وبروتوكولاتها طيلة السنوات الأربع الماضية، ويقف مجلس الوزراء فى مواجهة مأزق قانونى صدّره له أحد وزرائه قبل عدة سنوات، تصديرا يبدو عمديا، بينما تنتظر الحكومة بكاملها مرحلة جديدة خلال الشهور القليلة المقبلة، مع بدء الولاية الثانية لرئيس الجمهورية، التى قد تشهد بقاءها بصيغتها الحالية، أو إعادة تشكيلها كليًّا أو جزئيا، فهل تتحرك الحكومة–حتى ولو كانت حركة متأخرة–واضعة نقطة فى ختام سطر اللعبة التى بدأها خالد عبدالعزيز فى العام 2015؟ وهل يرد مجلس الوزراء باستجلاء موقف الوزير القانونى بفتوى رسمية من قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة؟ وهل يتدخل مجلس النواب، صاحب الولاية التشريعية وسلطة الرقابة على السلطة التنفيذية وأدائها وسلامة هياكلها ومواقفها القانونية؟ أم يظل خالد عبدالعزيز وزيرا كامل الصلاحيات، بينما هو نفسه يرى وجوده فى موقعه أمرا خارج القانون، ولكنه رغم هذا يواصل الوجود، واضعا الوزارة بكاملها على «كف عفريت»، ممسكا بالسلطة والصلاحيات فى يد، ومحتفظا بخطاب مجلس الوزراء النافى لشكوكه كوثيقة براءة مسبقة فى جيب بنطاله الخلفى؟.. الأمر معقد دون شك، ولكن المؤكد أنه يحتاج وقفة جادة وعاجلة مع الوزارة والوزير.