يتابع العالم بشغف الصراع القائم بين الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، ومسؤلى البنك المركزى التركى، حيث يحُمل كل منهم الآخر مسؤلية ما يحدث فى البلاد من انهيار لسعر صرف العملة المحلية أمام الدولار، وارتفاع معدل التضخم لـ18%، لأول مرة منذ 15 عام.
وتطاول أردوغان على مسؤلى المركزى التركى ووصفهم بالفشل فى إدارة اقتصاد البلاد، ولكنهم قابلوا تلك الإساءة بعدد من التصريحات التى أحرجت الرئيس التركى وأظهرت عدم اطلاعه على الأوضاع الاقتصادية والمصرفية فى البلاد.
الصدام بين البنك المركزى وأردوغان
بدأ الصدام عندما اتهم أردوغان مسؤولى البنك المركزى بالفشل وحملهم مسؤلية ما يحدث من انهيار لليرة قائلا: "إن ارتفاع أسعار الفائدة هو السبب الرئيسى فى ارتفاع التضخم"، وأضاف أن صناع السياسات النقدية فشلوا فى تصحيح رؤية ما يعتبره العلاقة الحقيقية بين تكلفة الائتمان وأسعار المستهلكين.
ولكنه لم يكتف بالهجوم على المركزى فقط، حيث وقع مرسومًا رئاسیًا یقضى باستخدام اللیرة التركیة فى شراء وبیع وتأجیر العقارات والسیارات، وجعل الليرة العملة الوحيدة التى يمكن استخدامها فى العقود بين الكيانات التركية، ويتم تسعير العديد من عقود حكومته الخاصة بها، بما فى ذلك بناء الطرق السريعة وتشغيل المطارات، بدلا من الدولار أو اليورو.
مضطرون للاقتراض من صندوق النقد
ولكن مسؤلى المركزى لم يقفوا مكتوفى الأيدى أمام اتهامات أردوغان، حيث قال مسؤل بالبنك المركزى التركى، إن الخيار الأكثر واقعية المطروح فى الوقت حالياً هو الاقتراض من صندوق النقد الدولي، وأن هذا هو رأى الاقتصاديين، وقال: "نحن مضطرون للاقتراض من صندوق النقد الدولي ورفع سعر الفائدة، ولكن لن نلجأ لهذا الخيار بسبب رفض القيادة السياسية، وإنما سيتم التوجه للحصول على قروض من مصادر أخرى، تلك المصادر الأخرى ما هى إلا "عيادات طبية بسيطة"، بينما صندوق النقد هو مستشفى كبير قادر على المعالجة".
وأكد المسؤل فى تصريحات نشرتها صحيفة زمان التركية: "لا يمكن السيطرة على سعر الصرف، ولكن يمكن السيطرة على الفائدة وهنا يمكنكم الاختيار، ولكن الخيار الذى يتم اللجوء إليه منذ فترة طويلة خاطئ، وبالنسبة إلى الخيار الأكثر واقعية هو زيادة الفائدة بقيمة 10%، هذا ضروري، ولكن المؤسسات السياسية لن توافق على ذلك، أى خيار غير ذلك لن يفلح فى إنقاذ الوضع، وسيتم الكشف عن القرار فى مجلس السياسات المالية الذى سيناقش الوضع".
وأضاف أن زيادات الأسعار فى السوق التركية ستصل إلى أعلى مستوياتها خلال شهرى سبتمبر وأكتوبر، والتى قد تصل إلى 50% عل المنتجات الغذائية، وأكثر من 50% على المنتجات الورقية ومنتجات التنظيف.
24% سعر الفائدة
وجاء رد البنك المركزى صادما لأردوغان، حيث أعلن البنك المركزى التركى زيادة سعر الفائدة القياسى إلى 24% من 17.75%، فى محاولة منه للسيطرة على الهبوط الكبير للعملة التركية، وزادت لجنة السياسة النقدية برئاسة المحافظ مورات سيتينكايا سعر إعادة الشراء لمدة أسبوع واحد بمقدار 625 نقطة أساس إلى 24%، وهو ما يزيد عن متوسط تقديرات الخبراء الاقتصاديون والذى توقع ارتفاعا بمقدار 325 نقطة أساس.
وأشار البنك المركزى إلى أن الاقتصاد المحلى يضعف والتضخم آخذ فى الارتفاع ويمكن لرفع سعر الفائدة أن يضغط على النمو.
ولم تكن تلك الخطوة على هوى الديكتاتور العثمانى حيث واصل انتقاده لسياسات المركزى التركى، وعلق قائلاً: "إن صبره على سياسات المركزى لها حدود" مضيفا "سنرى نتائج استقلال البنك المركزي"، وكرر رأيه بأن المعدلات المرتفعة للفائدة لن تساعد على إبطاء التضخم وحذر من أن ضبط النفس لن يدوم إلى الأبد.
وفى سياق متصل، اشترت الشركات والأسر التركية ما يصل إلى مليارى دولار من العملات الأجنبية بعد قرار البنك المركزى أمس الخميس، وقد قللت هذه المشتريات من المكاسب المتوقعة فى الليرة، فيما قام صائدى الصفقات فى تركيا بشراء نحو مليار دولار فى ساعة واحدة، مقارنة بمتوسط 400 مليون دولار فى الأسبوع فى البيع الصافى منذ بداية هذا العام.
216 مليار دولار عجز للشركات
وتعانى الشركات التركية من عجز صاف أجنبى يبلغ 216 مليار دولار، مما يدفع أصحابها إلى الحصول على كمية كبيرة من العملة الأجنبية كفرصة لإعادة بناء احتياطياتهم من الدولار، وذلك يبطئ أى مكاسب محتملة لليرة.
وانخفضت قيمة الليرة التركية بنسبة 40% مقابل الدولار منذ بداية العام، فيما سجل معدل التضخم خلال الشهر الأخير أكثر من 18% وهو المعدل الأعلى منذ 15 عاماً فى تاريخ تركيا، مما أدى لحدوث ارتفاع كبير فى الأسعار وهروب عدد كبير من المستثمرين من السوق التركى.