حالة من الهبوط السريع تعيشها البنوك التركية، فاستمرارا لسلسلة الفشل الأردوغانى فى السياسة النقدية، تعانى أنقرة من عجز فى سداد الديون الخارجية والمستحقة والودائع الأجنبية، بسبب احتياج الحكومة والبنوك لسيولة كبيرة من العملة الأجنبية، لسداد مستحقات الديون الخارجية والقروض والودائع الأجنبية، وسط حالة من قلة العملة الأجنبية وانهيار العملة المحلية.
ومع حلول أجل تلك الديون والودائع التى تستحق بنهاية عام 2018، أصبحت تركيا فى مأزق كبير، حيث فشلت كل الجهود لمحاولة تمديد تلك الودائع أو تأخير موعد استحقاق الديون أو الاستدانه من أجل سدادها، فأصبح أمام الحكومة التركية خياران لدفع هذه الالتزامات لا ثالث لهما، أولهما أن تسدد هذه الاستحقاقات للخارج من ميزانيتها الخاصة، وثانيهما أن تسترد القروض التى منحتها للعملاء، وتدفع بها تلك الديون.
وأشارت تقارير صحفية تركية إلى أن الاقتصاد التركى يعانى عجز كبير فى الحساب الجارى، وأقساط الديون، وتزيد المعاناة بعد فشل البنوك والمؤسسات التركية، فى العثور على مانحى قروض جديدة من الخارج، ويحتاج الاقتصاد التركى شهريًا إلى تمويل بالعملات الأجنبية يقترب من 15 مليار دولار، كما أن المؤسسات التركية لا يمكنها طرق باب سوق القروض المجمعة أو المشتركة، التى تقوم على علاقات مراسلة طويلة الأمد للبنوك، بسبب الانهيارات الاقتصادية التى تضرب البلاد.
وفى سياق متصل يحاول بنك "أك بنك" الذى يعتبر أهم أحد البنوك فى تركيا، الحصول على موافقة بتجديد قرضا مجمعا قيمته مليار دولار قد قارب وقت سداده. وعرض البنك عائدا بنسبة 7 % على المستثمرين من أجل إغرائهم، وإذا لم ينجح البنك فى تجديد هذا القرض المجمع مع نهاية شهر سبتمبر الجاري، فإنه سيكون مضطرًا للدفع من موارده الخاصة، فيما يحاول عدد من البنوك مد فترة استحقاق قروض تبلغ قيمتها ما بين 6 إلى 8 مليارات دولار يتعين سدادها بحلول نهاية العام.
وبالنسبة لاحتياطى البنك المركزى الذى يعتبر المصدر الأول للنقد الأجنبى فى البلاد، فإنه بدأ فى التأكل سريعا بسبب أزمة الليرة، حيث انخفض إجمالى هذا الاحتياطى إلى 68 مليار دولار، واذا خصم منه مبلغ الـ45 مليار دولار دين عمليات الاستيراد التى تمت خلال الفترة الماضية، والتى من المقرر أن تدفع خلال العام المقبل، فلن يتبقى من هذا الاحتياطى سوى 23 مليار دولار وهو ما يكفى لإتمام عمليات استيراد لمدة شهر ونصف، وهذا يعتبر دون مستوى الأمان الاقتصادى بحسب المعايير الدولية.
وتوقعت تقارير صدرت عن وكالات التصنيف الائتمانى، "موديز"، و"ستاندرد اند بورز"، و"فيتش"، أن تواجه تركيا السيناريو الأسوأ فى تاريخها، وهو غلق باب الديون الخارجية أمام تركيا، مما يزيد من تفاقم الأزمة وانهيار الاقتصاد.
وقد ساعد بلوغ "الدولرة" مستويات قياسية، فى تفاقم الأزمة وندرة العملة الأجنبية، حيث لجأ عدد كبير من المواطنين إلى تحويل ما يملكون من ليره إلى دولار، وقام المواطنين بتحويل ما يقرب من 2 مليار دولار خلال يومين فقط، بعد إصدار البنك المركزى قرار رفع سعر الفائدة.
وخلال الفترة من7 إلى 14 سبتمبر الجارى زادت ودائع الليرة بمقدار مليارى ليرة، بينما زادت ودائع النقد الأجنبى بمقدار 2.7 مليار دولار أى ما يعادل 17 مليار ليرة، وجاءت هذه الزيادة نتيجة الرفع المفاجئ لأسعار الفائدة بالنسبة للنقد الأجنبى.
وأعلنت مؤسسة "موديز" للتصنيف الائتمانى تخفيض المركز الائتمانى للودائع البنكية بالعملة الأجنبية طويلة المدى فى تركيا من B1 إلى B2، مؤكدة أن هذا القرار لن يؤثر على التصنيف الائتمانى الحالى لتركيا وهو Ba3.
وأوضحت موديز سبب تخفيضها تصنيف مركز الودائع البنكية الأجنبية طويل المدى فى تركيا من B1 إلى B2 إلى تزايد مخاوف تدخل الحكومة لمنع سحب الودائع البنكية بالعملة الأجنبية.
ويأتى قرار موديز بعد تخفيض تركيا ضريبة الحيازة على الودائع المصرفية بالليرة التى يتجاوز أجلها عام، بينما رفعت مستوى الضريبة على الودائع بالعملة الأجنبية، مما يعكس الوضع السئ الذى تعيشة تركيا، وانهيار الاقتصاد، وزيادة معاناة المواطنين.
يذكر أن شهر أغسطس الماضى شهد تخفيض موديز التصنيف الائتمانى لتركيا من Ba2 إلى Ba3، كما خفضت الوضع الائتمانى من راكد إلى سلبى، وتم رفع الضريبة على الودائع بالعملة الأجنبية التى يصل أجلها إلى عام لتصبح 16% بدلا من 15%.
وتعانى العملة التركية من انهيار كبير فى قيمتها، حيث خسرت حوالى 45% منذ بداية 2018، بينما ارتفع التضخم لنسب قياسية متخطيا 18%، وهى النسبة الأعلى منذ 15 عام، فيما تصدرت تركيا قائمة أعلى دول مجموعة العشرين تراجعا فى معدلات النمو خلال الربع الثانى من العام الجارى مقارنة بالربع الأول، وفقا لما أعلنت منظمة التنمية والتعاون الاقتصادى.