لا تعدوا الجريمة بمفهومها القانوني أن تكون سلوك مستهجن اختاره المجتمع ورصد له عقوبة سالبة أو مقيدة للحرية أو مالية، فالجريمة في الأصل سلوك منحرف وصل إلى حد الذروة، إذ لا يقتصر ضرره على الفرد فحسب، بل علي المجتمع ككل فلا يجر من ورائه سوى الخراب والدمار للفرد والمجتمع في ذات الوقت، ويقول علماء الإجرام أن الجريمة قديمة قدم الأنسان ذاته، فمنذ خلقه ارتكب سلوكا منحرفا وما أن هبط الي الأرض إلا وقدم للشر قربانا، فكان قتل هابيل لأخيه قابيل أول ماسه عرفتها البشرية علي سطح الأرض.
ومما لا شك فيه أن المجتمع الآمن المستقر هو مطلب الجميع، حيث إن الأمان هو مصدر بناء المجتمعات وتطورها، والإنسان منذ فجر ولادته تكون فطرته سوية ولا يعلم شيئا عن الإجرام أو الأذى، ولكن البيئة التي ينشأ فيها هي ما قد تؤثر فيه ويتأثر بها، تلك البيئة التي تغرس فيه سلوكيات جيدة وغير جيدة – سوية وغير سوية – ما تؤدى به بالانحراف عن الطريق المستقيم الذي خلقه الله تعالى عليه، فكل شخص يلجأ إلى ارتكاب الأفعال غير المقبولة هو إنسان غير سوي، وينتج عنه الكثير من المشاكل والمفاسد المجتمعية.
لماذا يجرم بعض الناس دون البعض الآخر؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على السؤول الذي حير الناس منذ القدم، لماذا يجرم بعض الناس دون البعض الآخر؟ حيث احتار العلماء في الإجابة علي هذا التساؤل ولم ينحسم الجدل بينهم – حتي كتابة تلك السطور - وما نظنه سينحسم لأن طبيعة الموضوع تجعله عصيا علي الحسم إذ يتعلق بشيء غير مادى وليس محسوس وهي النفس البشرية الموجهة لسلوكيات الإنسان، والجريمة في حقيقة الأمر يختلف مفهومها حسب المنظور المراد رؤيته منها، حيث هناك تعريف للجريمة من الناحية الاجتماعية وأخرى من الناحية النفسية وثالثة من الناحية القانونية.
في البداية – يقول أستاذ القانون الجنائي والمحامي بالنقض ياسر الأمير فاروق - قديما عُزي سبب الجريمة إلى نفس المجرم الشريرة ثم الوراثة........إلخ، والناظر الي المجتمعات المختلفة علي مر العصور وحتي الآن يلحظ أنها لا تخلوا من الجرائم فهي ثابتة في كل المجتمعات، فلا يوجد مجتمع إلا وكان له نصيب من الإجرام وأن اختلفت نسبته ونوعه، مما يعني أن الجريمة ظاهرة طبيعية حتي أن العالم الفرنسي "إميل دور كايم" يعرف الجريمة بأنها ظاهرة طبيعية تمثل الضريبة التي يدفعها المجتمع ويتحمل الفرد آثارها، مما حدا ببعض المفكرين الي العزوف عن تحليل تلك الظاهرة ومعرفة أسبابها باعتبارها ظاهرة طبيعية أبدية.
كيف اجتهد العلماء لمعرفة الظاهرة؟
وبحسب "فاروق" في تصريح لـ"برلماني": كما تخوف البعض الآخر من الدراسة لأنها تتطلب الغوص في طبيعية النفس البشرية وهو أمر بالغ الصعوبة، كما أن ذلك يقتضي دراسة الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي احاطه بالشخص لمعرفة مدي تأثيرها علي سلوكه غير أن العلم الحديث لم يقف جامد الفكر ازاء تلك الظاهرة، وإنما اجتهد لمعرفة أسبابها أملا في تجنب شرها، وحاول الكل الادلاء بدلوه فعزي علماء الدين ومن ورائهم علماء الاجتماع ارتكاب الأفراد للجريمة إلى كثيرٍ من الأسباب، منها انعدام أو ضعفُ الوازع الدّيني: حيثُ تُعدّ القوانين الدّينية والمحظورات التي تُحرّم الجرائم رادعاً قويّاً يتمثّله الأفراد.
ووفقا لـ"فاروق": وكذا ضعف الوازع الأخلاقي إذ يُعدّ الوازع الأخلاقي ركناً مهمّاً من أركان الإصلاح الاجتماعي، ولذلك يجبُ أن تُمارس جميع المؤسسات التربوية دورها في غرس القيم والأخلاق لدى الأبناء لمنع انتشار السلوكيات الإجرامية، وأيضا البيئة الفاسدة: حيثُ يتأثّر الإنسان بمن حوله سواءً أكانوا صالحين أم فاسدين، وكذلك البطالة والظّروف الاقتصادية الصّعبة، حيثُ يقوم الكثيرُ من الشّباب بارتكاب الجرائم لتحصيل الأموال بأسلوب غير مشروع نظراً لحاجتهم، وكذلك تعاطي المُسكِرات والمُخدّرات: وتداول صور الإجرام والإرهاب: حيثُ إنّ 70% من جرائم القتل تعودُ لتعاطي الفرد للمخدرات بحسب دراسة قامت بها الجمعيّة الفرنسية لعلوم الإجرام، وأشارت كذلك دراسةٌ أميركية نُشرت في دوريّة السلوك والعدالة الإجرامية إلى أنّ 93% من المُجرمين قد مرّوا بسوابق إدمان على المخدرات والكحول.
نظريات تُناقش سبب السّلوك الإجرامي
ويضيف أستاذ القانون الجنائى: كما ابدا علماء النفس والتشريح والقانون بدلوهم في الموضوع فبرزت الكثير من النّظريات التي تُناقش سبب السّلوك الإجرامي ومنها: نظريّة الوصم "بالإنجليزية: Labeling Theory"، ويُعتبر إدوين لمرت "Edwin Lemert" المُتخصّص في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، أبرز من يتبنّى هذه النظريّة، وهي تفترضُ أنّ الأشخاص يقومون بفعل السلوكيات الإجراميّة كنتيجةٍ لردود أفعال المُجتمع المحيط بهم تجاههم، وكذا نظريّة الاختلاط التفاضلي "بالإنجليزية: Differential Association Theory": وهي نظريةٌ جاء بها العالم الأميركي إدوين سذرلاند "E-Sutherland".
وتقول تلك النظرية بأنّ السّلوك الإجرامي لا يُعدُّ سلوكاً يتناقل بالوراثة، وليس سلوكاً خُلُقيّاً أو نفسياً كذلك، بل هو سلوكٌ مُكتَسب يتعلّمه الفرد كأيّ سلوكٍ آخر من خلال البيئة المحيطة والمؤثرة فيه، حيثُ يدور محور هذه النّظرية حول أنّ الفارق بين ممارسات الأفراد يرتكز بشكلٍ أساسي على نوعية مجتمعه، والأفراد الذين يُحيطون به ويختلط بهم، ,ايضا نظريّة الأنومي "بالإنجليزية: Theory of Anomy": ويُعتبر عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم "Emile Durkheim" أوّل من جاء بمصطلح الأنومي، وهو مصطلحٌ يُشيرُ إلى الوضع الذي تختفي فيه المعايير الاجتماعيّة، وتُنعدم فيه القواعد والأساسات الموّجهة للسلوك البشري. وينسِبُ دوركايم الإجرام إلى مفهوم اللامعياريّة الاجتماعية وعدم توازن السّلوك، واختلال المبادئ التي تنظم حياة الفرد وذهاب مفهوم التّكافل الاجتماعي.
استاذ القانون الجنائى ياسر الأمير فاروق
أخفق العلماء في تحديد سبب الانحراف والاجرام
وهكذا أخفق العلماء في تحديد سبب الانحراف والاجرام لينتهوا الي أنه لا يوجد سبب، وإنما مجموعة عوامل تتكالب وتتضافر فتهوى بالفرد إلى الرذيلة والجريمة، وإذا كان المقام لم يعد يتسع لإضافة اسباب اخرى للانحراف والإجرام إلا أن الإنصاف يقتضي القول إن سبب الانحراف والاجرام المباشر هو عدم الصبر، فكثير من الناس قليل الصبر، وأنه يحاول أن يحصل على كل شيء في التو واللحظة، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالجريمة ويرجع عدم صبر الإنسان لأن نفسه توسوس له دوما من يضمن لنا المستقبل؟ - الكلام لـ"فاروق".
من يحقق لنا الأمان؟ أنه المال، فلا يطيق صبرا على المال، فيسرق، ويحتال، ويؤذى، ويبيع نفسه، وعرضه، ويتملق الغير، ويخدعهم، ومثله الذي لا يطيق صبرا على الانتقام، فيقتل، ويضرب، ويجرح، ومثله من لا يقوى على الشهوات، فيزني، ويغتصب، ويهتك الأعراض، ومثله ما يتطلع إلى السلطة والجاه فينسى مبادئه، ويعطي ضميره إجازة، ومثله ما لا يتريث على كشف حقيقة من حوله، فيتجسس ويتنصت على الناس...إلخ.
كيف حث الدين على الصبر لعدم الوقوع في شراك الجريمة؟
ولقد دلنا الله عز وجل ورسوله الكريم، صلى الله عليه وسلم، وجميع الأديان السماوية والرسل أن الصبر هو الواقي والعاصم من الانحراف والذلل وأن اجره عظيم، فحث الناس عليه ودل بمفهوم المخالفة علي أن عدم الصبر يفضي إلي الهاوية والضلال في الدنيا والاخرة، قال تعالي “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ” (الزمر:10).“ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ” [فصلت:34-35].“وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ *أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ”. [البقرة:155-157].
وأحاديث النبي عن فضل الصبر كثيرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يصيبُ المؤمنَ من وصبٍ، ولا نصبٍ، ولا سقمٍ، ولا حَزنٍ، حتَّى الهمَّ يُهمُّه، إلَّا كفَّر به من سيِّئاتِه"، روى البخاري بسندٍ صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما مِن مصيبةٍ تصيبُ المسلِمَ إلَّا كفَّرَ اللَّهُ بِها عنهُ ، حتَّى الشَّوكةِ يُشاكُها"، قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من يُرِدِ اللَّهُ بِه خيرًا يُصِبْ مِنهُ"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ،"، وإنَّ اللهَ تعالَى إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رضِي فله الرِّضا ومن سخِط فله السُّخطُ"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ والمؤمنةِ في نفسِه وولدِه ومالِه حتَّى يلقَى اللهَ تعالَى وما عليه خطيئةٌ"، وقال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام: "إنَّ العبدَ إذا سبقت له من اللهِ منزلةٌ لم يبلغْها بعمله ابتلاه اللهُ في جسدِه أو في مالِه أو في ولدِه ثم صبَّره على ذلك حتى يُبلِّغَه المنزلةَ التي سبقت له من اللهِ تعالى".
لماذا وصلت المجتمعات الأوروبية والعربية لهذا الكم من الجرائم؟
وفى سياق أخر – يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض سامى البوادى – أن الجريمة في حقيقة الأمر يختلف مفهومها حسب المنظور المراد رؤيته منها، حيث هناك تعريف للجريمة من الناحية الاجتماعية وأخرى من الناحية النفسية وثالثة من الناحية القانونية، فالأولى عبارة عن أفعال تتعارض مع القواعد والأعراف والعادات الاجتماعية السائدة في المجتمع – كل مجتمع على حده – أما النفسية فهي أفعال تتنافى بشكل واضح مع الغرائز الإنسانية السوية من خلال محاولة إشباع الغرائز الشاذة التي قد تنتج لدى بعض الناس، ثم تأتى في المرتبة الثالثة الجريمة من الناحية القانونية وهى عبارة عن جميع الأفعال الخارجة عن القانون والمتفق على حُرمتها ويُعاقِب عليها.
ويوضح "البوادى" في تصريحات خاصة - لكن الواقع والحقيقة يؤكدان أنه لا يمكن من ناحية التطبيق العملى الفصل بين هذه التعريفات للجريمة، وإنما تُجمع كلها معا، لأن المجتمع عبارة عن جميع هذه القواعد معاً، فتعريف الجريمة بمفهومه الشامل المكتمل هي حزمة من الأفعال الخارجة عن القانون، وتتنافى مع القيم والعادات الاجتماعية والغرائز الطبيعية السوية لدى الإنسان، ويسمى الإنسان المقترف لهذه الجرائم بـ"المجرم"، الذى تقع عليه عقوبات قانونية والنفور المجتمعي، وللجريمة العديد من الأسباب منها أسباب عامة وأخرى خاصة – فالعامة تتمثل في الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بينما الخاصة تتمثل في انعدام الوازع الديني، والأسرة التي يعيش فيها الإنسان، وأسباب اقتصادية خاصة بالفرد، والكره والحقد، وحب السيطرة، وحب الفضول والمغامرة وتجربة الأمور غير الطبيعية.
إحصائيات عن علاقة التفكك الأسرى بالجريمة
وخلال عام 2011 أي منذ 10 سنوات تقريبا – أثبتت إحدى الإحصائيات – تحدثت عن علاقة الجريمة بالتفكك الأسرى، حيث قالت إن في فرنسا ثبت أن 40% من المجرمين العاديين، وأن 75% من المجرمين العائدين ينتمون إلى أسر مفككة، وأثبتت أن الجريمة في ألمانيا المجرمين ينتمون إلى أسر مفككة، وفي الولايات المتحدة دلت الإحصاءات إن 67% من المجرمين ينتمون إلى أسر مفككة، أما في مصر أثبتت أن 61,5% من الأحداث الجانحين كانت علاقاتهم مع آبائهم سيئة وأن 65% منهم كان الخلاف يسودهم في العلاقة بينهم وبين والديهم، ما يؤكد أن الجريمة في مصر أيضاَ معظمها نتيجة أسباب ناتجة عن التفكك الأسرى.
ويضيف "البوادى": أن الجريمة هي ذلك الفعل الخارج عن الأخلاق والقوانين، وهي التصرف المنحرف الذي يستوجب العقاب والحساب؛ لأنّ فيها تعدٍّ على الأشخاص والممتلكات، والمجتمع بأكمله، وقد قسّم القانون لكلّ جريمة عقوبة تُناسب الفعل الذي قام به المجرم؛ فقسمت الجرائم إلى أنواع بناءً على الكثير من الاعتبارات، التي تتعلّق بمرتكب الفعل، وطبيعة الجريمة، وظروف المجرم، والدواعي التي دعته للقيام بجريمته، إذ تتنوّع الجرائم في صورها وأشكالها، بين جرائم النفس والمال والعرض والقيم وأمن البلاد وتتخذ أفعالا عدة، ومن أنواع وصور الجرائم نجد الجرائم الاجتماعية، وهي تلك الجرائم التي يتمّ ارتكابها لدوافع اجتماعية نابعة من الانتقام والحقد والطمع والانتقام من الأشخاص، ومشاكل الأسرة، والقضايا الأخلاقية.
لماذا انتشرت وتعددت الجريمة بشكل عام؟
بالفعل ظاهرة الجريمة المجتمعية ساهمت الكثير من الأسباب في ازديادها مؤخراً لعل من أبرزها:
أولا: ما أصاب المجتمعات من المتغيرات الاجتماعية والثقافية والإعلامية والتكنولوجية في العشر سنوات الأخيرة ساهمت فى زيادة العنف فى المجتمع من بينها ضغوط حياتية، وتفكك أسرى وانهيار الوازع الديني والأخلاقي والتفسخ الاجتماعي، وهو الأمر الذى جعل هناك قدراً كبيراً من تخبط الأفكار واختلاط الفهم الخاطئ بما كان عليه المجتمع من عادات وتقاليد وعدم القدرة على تحمل متطلبات المرحلة التي مر بها المجتمع ليصل إلى موقع ومكان أفضل ، الأمر الذى يجعل لبعض الموتورين أن يروا أن اللجوء إلى العنف نوع من أنواع التعبير والخلاص من هذه التأثيرات.
ثانيها: كان استخدام العنف من الأب أو الأم فى بداية حياة أبنائهم كأسلوب للتربية، قد يؤدى إلى إيجاد رواسب ذهنية لديهم بحسبان أن هذا العنف يمثل بعداً طبيعياً فى الحياة بصفة عامة.
ثالثا: انتشار أفلام العنف والإثارة وإظهار بطولة البلطجي وانتصار الشر على الخير، وكذلك انتشار تلك النماذج الرخيصة من المطربين يعطى صورة ذهنية للشباب أن ذلك هو الأسلوب الأمثل للحصول على مكاسب مالية كبيرة فى وقت قصير طالما كان العنف وسيلة لتحقيق ذلك.
ووفقا لـ"البوادى" - الأمر البالغ الملاحظة مع انتشار جرائم القتل داخل الأسرة أو المحيط الضيق هو انخفاض المستوى التعليمي لمرتكب الجريمة أو يكون من مستوى تعليمي أعلى لكنه نشأ فى مدارس لا توجد بها أنشطة مدرسية مثل الموسيقى والرياضة وغيرها، وهى أمور ترقى الحس الإنساني وتدرب الإنسان على المشاركة الاجتماعية وتهذيب النفس والسلوك، فمن يقدم على العنف هو شخصية عدوانية فى التعامل مع زوجته أو أولاده، شخصية تقدم العنف على أى طريقة أخرى فى التواصل وليس لديه أى حلول أخرى أو تفكير رشيد ويعتبرها الطريقة الوحيدة للتفاهم، وأحيانا يكون مصابا بمتلازمة العظمة ولا يقبل الجدل أو مراجعة أوامره.
علاقة الجريمة بانتشار الأمراض النفسية
ويضيف الخبير القانوني: لا نستطيع أن نغفل تأثير الأمراض النفسية مثل الإصابة بالفصام والاكتئاب ثنائى القطب أو حالات الهوس، كما أن تفشى ظاهرة إدمان المخدرات، فالإحصائيات تكشف أن هناك 21 مليون متعاط ومتعامل مع المخدرات فى مصر، وفى هذه الحالات يتعرض الشخص لحالة من الغيبوبة الحسية والضلالات، ويوجد شخص منفصل عن الواقع، وقد يقتل بدم بارد، بالإضافة الى نقطة فى غاية الأهمية، وهى انتشار العنف على الشاشات والفضائيات، فبعضها يعرض أفلام العنف 24 ساعة يوميا، ويقدم حلولا ابتكارية للجريمة قد تجعل من يتأثر بها يعتقد أن القتل شيء عادى، ويرتكبه بأعصاب باردة لأنه شاهده من قبل، كما أن التفكك الأسرى بسبب وسائل التواصل الاجتماعي أو التباعد الاجتماعي أصبحت جرس إنذار مهما لأنها تسببت فى شعور أفراد الأسرة بالغربة عن بعضهم وهم يعيشون تحت سقف واحد، وافتقدت الأسرة الدفء والتواصل الأسرى، ومؤخرا أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية دور التغذية والتلوث فى انتشار العنف فى المجتمع فقد لوحظ أنه كلما زادت معدلات التلوث البصرى والسمعي والهوائي انخفضت معدلات ذكاء الإنسان، كما أن سوء التغذية ونقص الحديد والزنك وزيادة نسبة الرصاص فى الدم قد تسهم فى ميل الشخصية للعنف.
الخبير القانونى والمحامى سامى البوادى
هذه الظاهرة البالغة الخطورة باتت تعطي منظورا سلبيا عن المجتمع المصري وهو ما يجب تغييره، وإعادة الصورة إلى ما كانت عليها، فالأمر يستلزم وضع خطط متعددة للتعامل الجدى والحاسم تتشارك فيه جميع مؤسسات الدولة ذات الصلة، حيث تقوم وسائل الإعلام المختلفة بالعمل على نشر النصح والحث على تغيير الصورة النمطية، وتقديم نماذج جيدة للتعامل بين الأفراد والعائلة والأسرة مع عدم التركيز على العنف والعلاقات المشوهة، ولابد أن نهتم بإعادة تشكيل الوعى المجتمعي المصري الذى تعرض لكثير من التغييرات فى السنوات الأخيرة وإعادة بناء الأسرة المصرية، وتدريب المقبلين على الزواج على طريقة الحوار وأسلوب حل المشاكل بعيدا عن العنف، فالخلافات الأسرية البسيطة التى تصل إلى حد القتل ليست وليدة اللحظة ولكنها مجموعة من التراكمات وشعور الطرفين بأنه لا فائدة من النقاش أو تغير الوضع وانسداد قنوات الاتصال بين الأطراف سواء زوجين أو أقارب أو جيران وغيرهم – الكلام لـ"البوادى".
الوقاية من الجريمة تقوم على عنصرين أساسيين وهما:
وهو ما يمكن تلافيه بتثقيف الشباب لحل المشكلات وفهم طبيعة ونفسية الطرف الآخر، والتعامل مع الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تتعرض لها الاسرة والاهتمام بالتثقيف التربوي للأباء والأمهات لتربية أجيال قادرة على التواصل وقبول الآخر، وبناء العقل الناقد والمرونة فى التفكير فالبداية دائما من داخل الأسرة وفى بيت مترابط وأبوين متفاهمين، وكذلك ينبغي علي المؤسسات الدينية والاجتماعية والجمعيات الأهلية والأحزاب الفاعلة أن تقوم بدورها فى نشر ثقافة مجتمعية معتدلة تواجه بها تلك الظاهرة، والتوسع فى البرامج التأهيلية للشباب الحديثة التى تساعد ابناء المجتمع على ضبط النفس ومواجهة الصعوبات التى يتعرضون لها فى بداية حياتهم كذلك يجب التعامل القانوني والأمني بجدية وحسم مع تلك الجرائم وتجريم العنف بكل وسيلة تفعيلاً لأحكام قانون العقوبات فى مواده رقم 240 و241 التى تصل إلى السجن المؤبد أو الإعدام فى حالة القتل مع سبق الاصرار.
الوقاية نوعان عامة وخاصة:
الوقاية العامة:
والتي تتناول وضع الخطط والبرامج الشاملة من قبل السلطات والهيئات المختصة والتي من شأنها القضاء على العوامل المؤدية إلى الإجرام أو الظروف المهيئة له.
والوقاية الخاصة:
التي يعتمدها الأفراد بوسائلهم الخاصة من أجل الابتعاد عن الظروف التي يمكن أن تجعل منهم هدفا للاعتداء عليهم .
والوقاية العامة تشمل الأسرة والمدرسة ومؤسسات المجتمع والأجهزة الأمنية والإعلام في منع الجريمة :
أولاً: الأسرة:
التي تعتبر الخلية الإنسانية الأولى، وهي التي يتربى في كنفها الفرد ويكتسب منها عاداتها وتقاليدها وثقافتها وهي تشكل الأساس الأول لبناء شخصيته، والتي تتأثر بكل ما يحيط بها من عوامل ايجابية أو سلبية والتي لا بد أن تؤثر على سلوكه في المستقبل، فالعائلة السليمة والمتماسكة تربي أجيالا قوية وسوية، بعيدا عن الجريمة، وأما العائلة المفككة والمخلخلة اجتماعيا فهي التي تربي الاجيال المنحرفة التي تؤدي الى الجريمة.
ثانياً: المدرسة:
أما بالنسبة للمدرسة فلها دور كبير بعد الأسرة في منع الجريمة، لأن الفرد يمضي وقتا طويلا في المدرسة، فهي التي تربي وتعلم وتثقف وتبني شخصيته الاجتماعية، وتعلمه على السلوك القويم والمطابق للقوانين وتعالج تصرفاته إذا انحرف، وبإمكان المدرسة أن تحد وتمنع فرص حدوث الجريمة في المجتمع إذا قامت بدورها الطبيعي كما يجب.
ثالثاً: الأجهزة الأمنية:
ولعل من أهم واجبات الأجهزة الأمنية هي منع الجريمة، واكتشافها، والقبض على مرتكبيها، و تنفيذ العقوبة الصادرة بحقهم، والمحافظة على الأمن العام والآداب، لذلك فإن أهم الواجبات الوظيفية للشرطة هي تحقيق الأمن والاستقرار لأفراد المجتمع.
رابعاً: الإعلام:
هنالك أيضا دور هام للإعلام الذي يلعب دورا هاما في توجيه الرأي العام وتوعيته والتنبيه إلى مخاطر الجريمة والتحدث عنها وبإمكانه أن يلعب دورا مهما في منع الجريمة. ولا ننسى تأهيل الفرد لاكتساب مهنة يعتاش منه باحترام، وكذلك منع البطالة، كل العوامل التي ذكرت أعلاه إذا طبقت تمنع وتقلص إلى حد كبير نسبة الجريمة في المجتمع.
أما الوقاية الخاصة في تعتمد:
في جوهرها على الجهود الفردية والتي تضع الإنسان في موقع متحفظ مما يحيط به من مخاطر وبالتالي يعمل على تجنبها وهي تختلف باختلاف الأفراد وظروف المكان والزمان، تشتمل الوقاية الخاصة على الوسائل التي يتخذها الفرد من تلقاء نفسه والتي تمكنه من الابتعاد عن احتمالات التعرض للاعتداء عليه.